logo
دعاء الإمام زين العابدين(ع).. التحول من البغضاء إلى المحبَّة

دعاء الإمام زين العابدين(ع).. التحول من البغضاء إلى المحبَّة

شبكة النبأمنذ 13 ساعات
في دعاءٍ بليغ للإمام زين العابدين، نتوقف عند جملة قصيرة في لفظها، عميقة في معناها، عظيمة في مقاصدها التَّربويَّة والاجتماعيَّة، تحمل في طيَّاتها مشروعًا أخلاقيًا متكاملًا، لا يقتصر على طلب الحماية من شرِّ أهل البغضاء؛ وإنَّما يسعى لتحويل الخصوم إلى أولياء، عبر مفاتيح الدُّعاء والعمل، والحِلم والإحسان، وبيان الحق...
في مسيرة الإنسان الحياتيَّة، لا يخلو الطَّريق من خصوم، ولا يصفو الجوّ دومًا من العداوات والشَّنآن؛ فكم من أناس نلتقيهم يتَّخذون من البغض والحقد موقفًا دائمًا ووسيلةً للتَّعامل، وقد يتحوَّل بعضهم إلى أهل شنآن؛ أي ممَّن صار الحقد طبعًا لهم، لا مجرَّد موقف عابر أو انفعال مؤقت.
هذه الظَّاهرة ليست جديدة في حياة النَّاس، ولا غريبة عن واقع المصلحين، فقد عاشها الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)، وواجهها أهل البيت (عليهم السلام)، فتعاملوا معها بروحٍ أخلاقيَّة عالية، ومنهجٍ ربَّاني واضح: ليس فقط لأجل النَّجاة من الأذى؛ وإنَّما تحويل العداوة إلى مودَّة، والكراهيَّة إلى محبَّة.
في دعاءٍ بليغ من أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام)، نتوقف عند جملة قصيرة في لفظها، عميقة في معناها، عظيمة في مقاصدها التَّربويَّة والاجتماعيَّة: "اللَّهُمَّ وَأَبْدِلْنِي مِنْ بِغْضَةِ أَهْلِ الشَّنَآنِ الْمَحَبَّةَ"(1).
إنَّه دعاء يحمل في طيَّاته مشروعًا أخلاقيًا متكاملًا، لا يقتصر على طلب الحماية من شرِّ أهل البغضاء؛ وإنَّما يسعى لتحويل الخصوم إلى أولياء، عبر مفاتيح الدُّعاء والعمل، والحِلم والإحسان، وبيان الحقِّ بالحكمة، والتَّعامل بروح الإسلام.
في هذا المقال، سنغوص في المفاهيم العميقة لهذه العبارة المباركة، وسنستعرض معًا كيف يمكن للإنسان أن يتحرَّر من دوائر الكراهيَّة، ويصنع التَّغيير في القلوب – حتَّى في قلوب أشدِّ النَّاس عداوة – ليصبح كما قال الله (تعالى): (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(2).
وسيكون ضمن محاور عدَّة:
المحور الأوَّل: الشَّنآن لغة واصطلاحًا.
الشَّنآن لغةً: "شنأ: الشَّناءَةُ مثل الشَّناعةِ: البُغْضُ.
شَنِئَ الشَّيءَ وشَنَأَه أَيضًا... وشَنَآناً وشَنْآنا، بالتَّحريك والتَّسكين: أَبْغَضَه.
وقرئَ بهما قوله تعالى: (ولا يَجْرِمَنَّكم شَنآن قَوم)..."(3).
فنعرف من ذلك أنَّ المعنى الاصطلاحي لأهل الشنآن؛ هم الذين امتلأت قلوبهم بالبغضاء والعداوة، وتطبَّعوا على الحقد وسوء النِّيَّة، فلا شاغل لهم إلَّا إيذاء النَّاس، يلدغون كالعقارب؛ قال (تعالى): (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(4)، أي مبغضك(5).
وبعد أن عرفنا المعنى اللغوي والاصطلاحي قد يتبادر إلى الذهن هذا السُّؤال: إذا كان الشَّنآن البغض؛ فما هو الدَّاعي من استخدام كلمة بغضة أهل الشَّنآن؟
وبعبارة أخرى: الشَّنآن في اللغة هو البغض الشَّديد، وقد يشكل البعض أنَّ قول الإمام (عليه السلام): "بغضة أهل الشنآن" فيه تكرارٌ أو تأكيد زائد؛ لأنَّ الشَّنآن نفسه بغض، فلماذا أُضيفت "بغضة"؟
والجواب على ذلك يكمن في بلاغة التَّعبير ودقَّته:
أوَّلًا: لا يتحدَّث الإمام (عليه السلام) عن أي بغض؛ بل عن البغض المتجذِّر الذي يصدر من صنف مخصوص من النَّاس، وهم "أهل الشنآن". و"بغضة أهل الشنآن" في هذا الدعاء تعني بغضًا مَرَضيًّا مقصودًا، ناتجًا عن طبعٍ فاسد، لا عن خلاف عابر أو انفعال مؤقت.
ثانيًا: الفرق بين "الشَّنآن" و"البغضة" من حيث النيَّة والاستمراريَّة أنَّ "الشنآن" لا يشير فقط إلى البغض؛ وإنَّما إلى البغض المستمر الملازم للعداوة وسوء الخلق. و"بغضة أهل الشنآن" تعني: أعلى درجات البغض وأشدها أثرًا في العلاقات الاجتماعيَّة.
ثالثًا: التَّعبير يوصل رسالة أخلاقيَّة دقيقة، وأنَّ الإمام (عليه السلام) لا يطلب النَّجاة من عداوة عاديَّة؛ ولكن يطلب من الله (سبحانه) أن يحوّل الحقد الرَّاسخ في قلوب أهل الشَّنآن إلى محبَّة، وهنا تظهر روح الإصلاح والتَّسامح، لا مجرَّد طلب السَّلامة.
المحور الثَّاني: الأسباب العميقة لبغضة أهل الشنآن.
في طريق الحياة، لا يخلو المرء من أناسٍ لا يطيقونه، وكذلك يتمنَّون له السقوط ويعملون على إيذائه، من دون سبب واضح أحيانًا؛ وهؤلاء في الغالب ينتمون إلى صنف خطير في المجتمع يُعرفون بـ"أهل الشنآن"؛ أي الذين جعلوا من البغضاء والحقد طبعًا وسلوكًا دائمًا.
ولكن لماذا يُبغض الإنسان؟
وما الذي يدفع هؤلاء إلى امتلاء قلوبهم بهذا القدر من الكراهيَّة؟
دعونا نتأمَّل في بعض الأسباب العميقة التي تدفع أهل الشَّنآن إلى الحقد والبغض:
1. الطبع الخبيث وحب الأذى.
بعض النُّفوس تنشأ على الخبث وسوء السجيَّة حتَّى يصبح الأذى بالنسبة لهم عادةً متأصِّلة؛ ومتعة يمارسونها بلا سبب واضح. وليس الأمر خلافًا أو ردّ فعل على موقف، وإنَّما هو طبع فاسد يجعلهم يستلذّون بإثارة الفوضى وزرع الكراهيَّة، كما تنفث العقارب سمَّها بطبيعتها، لا لعداوة مخصوصة. فإنَّهم لا ينتظرون مبررًا لبغضك، فقد يكفي أنَّك بخير، أو أنَّك موجود، حتَّى يتحرَّك فيهم ذلك الميل الغريب نحو الكيد والتَّشويه.
2. الحسد على النِّعم.
قد لا تكون أسأت إلى أحد، ولا اقترفت ذنبًا في حقِّهم، ومع ذلك تُقابل بالبغضاء والجفاء! والسبب ليس فيك؛ وإنَّما في ما وهبك الله (تعالى) من نِعمٍ يتمناها غيرك: مثل امتلاك الجمال والشكل الحسن، أو العقل الراجح، أو الخُلُق الرفيع، أو المكانة المرموقة بين النَّاس، أو الأثر الطيِّب في قلوبهم. وهذه الأمور التي يُفترض أن تُثير الإعجاب قد تُوقظ الحسد في قلوب الضعفاء، فيغدو الإعجاب غيرةً، ثمَّ يتحوَّل إلى كراهية دفينة؛ فأصحاب النفوس المريضة لا يطيقون رؤية الخير يتألَّق في غيرهم، فيسعون للنَّيل منك لا لذنب اقترفته؛ ولكن لأنَّك انعكاس لما يتمنَّونه لأنفسهم ولا يملكونه.
3. النَّجاح والتَّفوق يثير الغيظ.
حين تتراكم إنجازاتك، وتتكوَّن لديك تجربة صادقة وسجل مشرق، قد يباغتك الحقد من أماكن غير متوقعة؛ فالنَّاجحون كثيرًا ما يُستهدفون، والعداوة لا تنشأ نتيجة خطأ ارتكبوه، إنَّما بسبب ما قدَّموه من خير، وما بلغوه من تميُّز؛ لأنَّ بعض النفوس المريضة لا يثيرها الفشل، ولكن يزعجها النَّجاح حين يكون في يد غيرها، فتتحوَّل نظراتها من المتابعة إلى المراقبة، ومن الإعجاب إلى الضَّغينة، لا لشيء سوى أنَّ حضورك يذكِّرهم بما لم يستطيعوا تحقيقه.
4. البغض المدفوع بالأجندات.
ثمَّة من لا يحمل في داخله حقدًا نابعًا من تجربة شخصيَّة أو ضغينة حقيقيَّة؛ لكنَّه يتحوَّل مع الوقت إلى أداة بيد الآخرين، ويُستغل في حملات التشويه والإساءة، ويوجَّه نحو أفراد أو جماعات أو مؤسسات من دون أن يكون له موقف نابع من ذاته؛ فهم يبغضون؛ لأنَّ أحدًا وجَّههم إلى الكراهيَّة، ويهاجمون بالكلمات الجارحة والافتراءات؛ لأنَّهم دُفعوا إلى ذلك، لا بسبب إيمانهم به. وهكذا يصبح بعض النَّاس مجرَّد ألسنة للإيجار، يصرخون بما يُطلب منهم، ويهاجمون من يُشار إليهم بدافع الولاء الأعمى أو المصلحة المؤقتة.
المحور الثَّالث: كيف نتعامل مع أهل الشَّنآن؟
في واقعنا اليومي، لا نحظى دائمًا بمن يبادلنا المودَّة والتقدير؛ وفي كثير من الأحيان نجد أنفسنا أمام وجوه تخفي وراءها مشاعر الكراهيَّة والعداوة، على الرَّغم من أننا لم نرتكب في حقِّهم ذنبًا واضحًا. وبعض هؤلاء لا يتجاوز كونه خصمًا عابرًا، خالفنا في موقف أو تنافس معنا في لحظة، وسرعان ما يزول أثره؛ لكن البعض الآخر ينتمي إلى نمطٍ أكثر خطورة؛ أولئك الذين تربُّوا على الحقد، وتشرَّبوه حتَّى صار أسلوب حياة؛ فإنَّهم لا ينتظرون خلافًا حتَّى يعادوك، ولكن يبحثون عنه، ويستمدُّون طاقتهم من نزاعاتهم النَّفسيَّة التي تحوَّلت إلى وجود دائم من الصراع والتشويش، حتَّى بدوا وكأنَّهم لا يطيقون السلام مع ذواتهم، فضلًا عن الآخرين.
والسؤال هو: كيف نردُّ على الكراهيَّة؟
هل نُقابل الحقد بحقد، والعداوة بعداوة؟
أم أنَّ لدينا طريقًا آخر مستوحًى من القرآن الكريم ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام)؟
إنَّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) يفتح لنا نافذة مختلفة كليًّا في دعائه المبارك، حين قال:
"اللهمَّ وأبدلني من بغضة أهل الشنآن المحبَّة"؛ إنَّه ليس دعاء للهروب من العداوة؛ وإنَّما دعاء لتحويلها إلى محبَّة فكيف نطبِّق هذا المبدأ عمليًّا؟
أوَّلًا: ابدأ بالدُّعاء... لا بالهجوم.
من أولى الخطوات العميقة في التَّعامل مع أهل الشنآن، أن نوجِّه قلوبنا إلى الله (سبحانه) قبل أن نوجِّه ألسنتنا إلى الردِّ؛ فالمدد الحقيقي لا يأتي من حدَّة الكلمة، ولا من سرعة الردود؛ وإنَّما من سكينة تُزرع في النَّفس حين تُفتَح أبواب الدعاء بين العبد وربِّه (جلَّ جلاله)؛ وعندما نتوجه إلى الله (عزَّ وجلَّ) في لحظات الغيظ والألم، لا نفعل ذلك أملًا في تغيير خصومنا فقط؛ بل من أجل تهدئة أنفسنا، وتثبيت أخلاقنا، وحماية قلوبنا من التلوّث بمثل ما في قلوبهم.
إنَّ فلسفة الدَّعاء في هذه اللحظة الحسَّاسة يمثِّل طلب الثَّبات على القيم، حتَّى لا يُطفئنا الحقد، أو يسرق منَّا صفاء الروح؛ فحين تواجهنا إساءة من شخص امتلأ قلبه بالبغضاء، يكون التَّحدي الحقيقي في المحافظة على توازننا الدَّاخلي، وليس في الردِّ؛ لأنَّ الدعاء في هذا السياق هو إعادة ضبط دقيقة لموقف القلب، ومحاولة صادقة لترسيخ الطمأنينة في دواخلنا، وتذكير أنفسنا بأنَّ الأخلاق العالية تمثِّل ثمرة وعي عميق بمنهج الحياة الذي اخترناه.
المؤمن لا يسمح للكراهيَّة أن تزرع جذورها في داخله، حتَّى حين تكثر من حوله الأشواك؛ ولذا فإنَّ أوَّل ما يفعله حين يواجه العداوات أن يستنجد بالله (سبحانه) ليُعينه على نفسه قبل غيره، لئلا ينزلق إلى مستوى لا يُشبه أخلاقه التي تربَّى عليها.
ثانيًا: العمل على الاحتواء بدل المواجهة.
صحيح أننا نعيش في زمنٍ يكثر فيه التَّحدي والتَّصادم؛ إذ تسود لغة المواجهة وتُختصر العلاقات في ردود الأفعال؛ لكنَّ حاجتنا الحقيقيَّة إلى الاحتواء، وليس إلى مزيد من التَّصادمات؛ فالقلوب المتعبة لا تشفى بالصراع، والأرواح المليئة بالظنون لا تُنقَّى بالتَّجاهل أو التَّصعيد، وبعض من يُبغضك أو يُظهِر لك العداء قد لا يعرفك حقًا، وربما لم يلتق بك يومًا، وكل ما يحمله ضدّك صورة ناقصة أو رواية محرَّفة تشكَّلت في ذهنه من خلال سطور خاطئة أو أحاديث ملفَّقة، فصارت الحقيقة غائبة، والعداوة مبنيَّة على وهم.
في مثل هذه المواقف يكون الحل بالاقتراب الذي يفتح نافذة نور في جدار مظلم، ولا بالانكفاء أو الانتقام. وقد يبدأ كلُّ شيءٍ بخطوة بسيطة تصدر منك: زيارة لطيفة تكسر الحواجز، أو كلمة صادقة تذيب جليد الظنون، أو موقف إيجابي يفتح بابًا كان موصدًا بالشَّك. وهذا الفعل المفاجئ يغيّر الصورة ويغيِّر القلب ذاته؛ لأنَّ الإنسان إذا لمس صدقك ورأى فيك غير ما صوَّروه له، أعاد التَّفكير، وأحسَّ بالتَّناقض بين ما سمعه وما رآه.
الاحتواء هو تعبير راقٍ عن القوَّة الهادئة التي تُعيد ترتيب العلاقة على أساس الفهم لا التوجس، وعلى قاعدة الإحسان لا التوجّه العدائي، ولا يعني ذلك التَّنازل عن المبادئ؛ وبصياغة أخرى: الاحتواء شجاعة النبلاء الذين يختارون البناء حين يختار الآخرون الهدم، ويزرعون الودَّ في أرضٍ جفَّفها الجفاء، عسى أن تنبت يومًا زهرًا لا ينسى.
هناك أفكار عمليَّة تساعد على احتواء أهل الشنآن وتخفيف حدَّة العداء بينهم، وتفتح أبواب التَّواصل الصَّادق؛ وإليك بعض الخطوات التي يمكن تطبيقها بسهولة:
1. الاستماع بتأنٍّ واهتمام: حاول أن تستمع إلى وجهة نظره من دون مقاطعة أو حكم مسبق؛ أحيانًا يكمن جزء كبير من سوء الفهم في عدم إتاحة الفرصة للآخرين للتَّعبير عن مشاعرهم وأفكارهم.
2. التَّواصل غير المباشر: إذا كان اللقاء المباشر صعبًا أو محفوفًا بالتَّوتر، يمكن البدء بإرسال رسالة تحمل كلمات طيِّبة، أو مشاركة مقال أو فكرة إيجابيَّة تمسُّ مشاعرهم بشكلٍ غير مباشر.
3. تقديم المساعدة أو العون: عرض المساعدة في أمر يحتاجه، مهما كان بسيطًا؛ يعبر عن حسن النيَّة ويُظهر رغبتك في بناء علاقة مبنيَّة على التَّعاون والاحترام.
4. الاعتراف بالخطأ إن وجد: حتَّى لو لم تكن مخطئًا؛ فإنَّ التَّعبير عن الاستعداد لفهم وجهة نظره وتفهم شعوره قد يخفف من التَّوتر ويقلل من العداء.
5. تجنب الجدل العقيم: لا تدخل في مواجهات كلاميَّة لا طائل منها؛ فالصراع اللفظي يزيد من الاحتقان ولا يؤدِّي إلى نتائج إيجابيَّة.
6. المبادرة بالزيارة أو اللقاء الودِّي: أحيانًا يكون اللقاء وجهًا لوجه، في جو هادئ، فرصة لإزالة سوء الفهم والتَّقريب بين القلوب.
المحور الرَّابع: تجارب في مواجهة أهل الشَّنآن؟
نحن لا نقدِّم نظريَّة مثاليَّة لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع؛ وإنَّما نقتدي بأشخاص عاشوا أقسى أشكال الحقد السياسي والاجتماعي. وعلى الرَّغم من ذلك، قابلوا الإساءة بالحلم، والكراهيَّة بالإحسان؛ والقصص كثيرة في هذا المجال، ونكتفي بنقل ثلاثة أمثلة:
المثال الأوَّل: الإمام الحسن (عليه السلام)، والرَّجل الشَّامي.
روي: "أنَّ شاميا رآه - الضمير (الهاء) يعود إلى الإمام الحسن عليه السلام- راكبًا فجعل يلعنه والحسن لا يرد؛ فلمَّا فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلَّم عليه وضحك، فقال: أيُّها الشَّيخ أظنُّك غريبًا، ولعلَّك شبَّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعًا أشبعناك، وإن كنت عريانًا كسوناك، وإن كنت محتاجًا أغنيناك، وإن كنت طريدًا آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك؛ لأنَّ لنا موضعًا رحبًا وجاهًا عريضًا ومالًا كثيرًا.
فلمَّا سمع الرَّجل كلامه، بكى ثمَّ قال: أشهد أنَّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي، والآن أنت أحب خلق الله إلي وحوَّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقدًا لمحبتهم"(6).
المثال الثَّاني: التَّأديب بالإحسان.
نقل عن الآخوند (قدس سره) صاحب الكفاية، أنَّه كان رحب الصَّدر كبير النَّفس، لا يعبأ بمن يهجوه أو يجفوه ولا يلتفت إليه، هذا مع عظم مرجعيَّته وكبير شوكته، وممَّا يدلُّ على ذلك القصَّة التَّالية:
إنَّه كان أحد الطلَّاب يهجو الآخوند (قدس سره) ويذكره بسوء، وذات يوم سمع الآخوند بأنَّ للَّذي يهجوه مريضًا، واتَّفق أن مرَّ به في بعض الطَّريق ذلك الطالب حاملًا طفلًا له.
فسلَّم عليه الآخوند وقال له وهو يتفقَّده: كيف حالك؟
فأجاب بكلِّ برودة، ثمَّ قال ذلك الطَّالب: فرأيت الآخوند يصافح ولدي ولم أفهم قصده من مصافحته؛ ولكن بعد أن ودَّعني وذهب رأيت أنَّ في يد إبني سبع ليرات ذهبيَّة، ممَّا ظهر أنَّه (قدس سره) قد أعطاه المال إشفاقًا عليه، وإن كان هو يهجوه ويظهر الجفاء له، وبهذا انقلب الطَّالب الذي كان يهجو الآخوند (قدس سره) إلى رجل يثني على الآخوند ويمدحه"(7).
المثال الثَّالث: كتاب بكتاب.
"كتب رجل بعيد عن الآداب الإسلاميَّة إلى العالم العظيم الخواجه نصير الدِّين الطوسي (قدس سره) كتابًا خشنًا وكان في جملة ما كتب فيه: (يا كلب).
فأجابه الخواجه الطوسي (قدس سره) في كتاب بجواب ليِّن، وكان في جملة ما كتب فيه:
وأمَّا خطابك لي بالكلب، فإنِّي لست بذلك، فإنَّ الكلب منحني الظهر، وأنا مستقيم القامة أمشي على رجلين، وما أشبه هذه العبارات، وذلك بكلِّ هدوء ورفق، وبدون أيّ خشونة وخُرق ممَّا أدَّى إلى خجل الكاتب والاعتذار منه"(8).
ومن هذه القصص يتجلَّى أثر الأسلوب الحسن والتَّعامل القائم على أخلاق الإسلام في تحويل العلاقات المتوترة إلى علاقات إيجابيَّة قائمة على المحبَّة والتفاهم. ويتحقق ذلك من خلال بيان الحقائق بوضوح، ووضع الأمور في نصابها الصَّحيح، إلى جانب اللجوء إلى الدُّعاء والتَّضرع إلى الله (تعالى). ويؤكِّد القرآن الكريم هذا المعنى في قوله (تعالى): (اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(9)؛ حيث تشير الآية إلى إمكانيَّة تحوّل العداوة إلى مودَّة من خلال أسلوب التَّعامل الإيجابي.
ولا يخفى أنَّ هذا النمط من التَّعامل، القائم على الإحسان إلى المسيئين والصَّبر عليهم، يتطلَّب مستوى عاليًا من الإرادة والعزيمة. وقد عبَّرت الآية نفسها عن هذا التَّحدي في قوله (تعالى): (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(10)، في إشارة إلى أنَّ التَّمكن من هذا الأسلوب الأخلاقي الرَّفيع لا يتيسر إلَّا لمن أوتي صبرًا وثباتًا.
وبهذا يتَّضح أنَّ النَّتائج الإيجابيَّة لهذا النهج ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمدى الصَّبر والتَّحمل، وأنَّ التَّوفيق الإلهي في هذا السياق، على الرَّغم من حاجته إلى "حظ عظيم" كما ورد في النَّص القرآني، فإنَّ مفتاحه الأساسي يبقى في يد الإنسان نفسه من خلال قراراته وسلوكه واختياراته.
ختامًا:
ليس بوسع أحد أن ينال محبَّة الجميع؛ فذلك أمر يفوق قدرة البشر، والتَّحدي الأكبر يكمن في كيفيَّة التَّعامل مع الخصومات التي تعترض طريقك. ويكون ذلك بالصَّبر الذي يهذِّب النَّفس، وبالحكمة التي تتيح لك رؤية الوقائع من زوايا متعدِّدة، وبالأخلاق السَّامية التي ترفعك عن مستنقعات الضَّغينة والنِّزاع. حينها، تتحوَّل كلُّ تجربة سلبيَّة إلى فرصة للارتقاء والنضوج. فاجعل من رفعة الأخلاق حصنك الذي لا يُهدم، ومن نقاء القلب سلاحك الأقوى، فتغدو بذلك من أهل الحظِّ العظيم، القادرين على صنع السَّلام في أعماقهم، فتفيض هذه الطَّاقة على علاقاتك بالعالم، من دون حاجة لصراع أو كراهيَّة.
...................................................
الهوامش:
1. الصحيفة السجَّاديَّة (ابطحي): ص 111.
2. سورة فصلت/ الآية: 34.
3. لسان العرب:ج ١، ص 102.
4. سورة الكوثر/ الآية: 3.
5. ينظر: تفسير الميزان:ج ٢٠، ص ٣٧١.
6. بحار الأنوار: ج ٤٣، ص ٣٤٤.
7. من أخلاق العلماء: ص 50.
8. المصدر نفسه: ص 68.
9. سورة فصلت/ الآية: 34.
10. سورة فصلت/ الآية: 35.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عودة: نرفض التجديف على الله وقديسيه
عودة: نرفض التجديف على الله وقديسيه

IM Lebanon

timeمنذ ساعة واحدة

  • IM Lebanon

عودة: نرفض التجديف على الله وقديسيه

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة قداس عيد النبي إيلياس الغيور في كاتدرائية القديس جاورجيوس بحضور حشد من المؤمنين. وأشار في عظته إلى أن 'دعوتنا اليوم أن نظهر للآخرين، عبر تصرفنا، مثالًا عميقًا في احترام المقدسات، وإنسانية الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، فنرفض التجديف على الله وقديسيه، ونرفض أيضًا إذلال الإنسان وظلمه وتجويعه وقتله كما يحصل في عالمنا. وعندما يساء إلينا، نبلسم الجرح بالكلام اللطيف، ونعلم بالقدوة المحبة والتسامح والغفران. كذلك، عندما يتفوه البشر بالتجديف، لا نضحكن أو نقبلن بذلك، وإن كنا لا نستطيع توجيههم نحو الرب، فلنهرب من معاشرتهم، محافظين على الغيرة للرب في قلوبنا كل حين'.

عودة لمناسبة عيد مار الياس:  دعوتنا اليوم أن نظهر للآخرين مثالا عميقاً في احترام المقدسات وإنسانية الإنسان
عودة لمناسبة عيد مار الياس:  دعوتنا اليوم أن نظهر للآخرين مثالا عميقاً في احترام المقدسات وإنسانية الإنسان

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ ساعة واحدة

  • القناة الثالثة والعشرون

عودة لمناسبة عيد مار الياس: دعوتنا اليوم أن نظهر للآخرين مثالا عميقاً في احترام المقدسات وإنسانية الإنسان

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة، خدمة قداس عيد النبي إيلياس الغيور في كاتدرائية القديس جاورجيوس بحضور حشد من المؤمنين. بعد قراءة الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "نعيد اليوم للنبي إيليا التسبيتي الغيور، الذي يحتفل بتذكاره جميع المسيحيين بحرارة. هذا النبي الذي عاش قبل المسيح بحوالى تسعمئة سنة، كان أول النساك سكان البرية، كما كان مثالا اقتدى به النساك بعده كالقديس يوحنا المعمدان السابق والصابغ الرب، وجميع الذين تبعوا المعمدان في مناهجه القويمة وعاشوا في البتولية ونكران الذات في البرية، كما نرتل في طروبارية القديس البار أنطونيوس الكبير: «لقد ماثلت إيليا الغيور في أحواله، وتبعت المعمدان في مناهجه القويمة، فحصلت في البرية ساكنا، وللمسكونة بصلواتك مشددا...». إن حياة كهذه كانت بمثابة توبيخ لطريقة عيش الشعب العبراني في زمن النبي إيليا، وستبقى دوما تبكيتاً للفساد المستشري في العالم وعنوانه عبادة المال والإستماتة في الحصول عليه، دون التفات إلى القيم والأخلاق والإنسانية، ومطاردة السلطة إرضاء للكبرياء". أضاف: "النبي إيليا لم يترك أي كتابات، إلا أننا نعرف عنه أكثر مما نعرف عن معظم الأنبياء، بسبب ما كتب عنه في سفري الملوك، اللذين هما من الأسفار التاريخية المهمة في العهد القديم، وعلى من لم يقرأهما، أو قرأهما منذ زمن بعيد، أن يعود إليهما مجددا للإستفادة من مضمونهما، ليس فقط في ما يتعلق بالنبي إيليا، بل بأمور أخرى أيضا. نقرأ في هذين السفرين أن النبي إيليا يدعى التسبيتي، نسبة إلى اسم قريته الواقعة في جلعاد. في زمانه، إبتعد معظم سكان مملكة إسرائيل عن الله، وعبدوا الأصنام مضحين لها بأبنائهم وبناتهم، خصوصا لبعل. فتنبأ إيليا بأن السماء لن تمطر مدة ثلاث سنين ونصف عقابا للشعب، فتوقف المطر، وتبعه جفاف ومجاعة. في ذلك الوقت، كانت الغربان تأتي إيليا بالطعام، تلك الطيور المعروف عنها أنها إذا جاعت تأكل فراخها، لكن الله سخرها لخدمة عبده الأمين. وفي صرفت صيدا، أي صرفند اللبنانية، التي أصابها الجفاف أيضا، كانت هناك أرملة لم تبخل على نبي الله، بل أطعمته ما تبقى لديها من طعام تركته لها ولابنها كي لا يجوعا. ولما مات ابنها توسط إيليا لدى الرب فأقام الإبن من الموت لأن محبتها كانت عظيمة إذ أطعمت إيليا رغم عوزها وشدتها. كانت تعبد بعل فآمنت بإله إيليا، الإله الحقيقي رب السماء والأرض". وتابع: "إيمان إيليا بالرب كان قويا جدا، وقد تحدى كهنة بعل بأن يقدموا ذبيحة لآلهتهم، وهو يقدم ذبيحة لله، والإله الذي يستجيب بالنار الآكلة للتقدمة هو الإله الحق. لم يشك لحظة بأن الرب إلهه سيستجيب، وهكذا كان. غيرته لرب الصباؤوت جعلته يقضي على كهنة بعل. ثم تنبأ بالمطر، فأمطرت السماء وانتهى الجفاف والمجاعة. بعدما علمت إيزابيل ملكة إسرائيل بما فعله إيليا بكهنة بعل، طلبت نفسه، فهرب إلى مملكة يهوذا. هناك أيضا أطعمه الله عجائبيا بواسطة ملاك، ثم انتقل إلى جبل حوريب في سيناء، حيث هبت عاصفة ولم يكن الله فيها، ثم زلزلة وأيضا لم يكن الله فيها، وكذلك نار لم يكن فيها الرب، إلى أن جاء نسيم عليل، وفيه كان الله، وقد تكلم مع إيليا معلما إياه أن عظمة الرب تظهر عندما يعلن نفسه في صوت ضميرنا الهادئ، وفي أعمال النعمة، بدلا من الآيات الضخمة. بعد ذلك أصعد النبي إلى السماء حيا، على مركبة نارية. عاد إيليا مع موسى ليظهرا في العهد الجديد في حدث تجلي الرب أمام تلاميذه (متى 17)، وبعد التجلي بدأ الرب بالحديث عن الآلام التي سيتكبدها قريبا". وقال: "إن حياة إيليا كانت مليئة بالعجائب، لكن الأعظم والأكثر فائدة لنا هو فضائله. هذا النبي عرف بتقشفه إذ لم يأكل سوى الطحين والزيت مدة ثلاث سنين ونصف، كما عرف بتواضعه إذ عندما حان وقت انطلاقه إلى السماء لم يرغب أن يعاين أحد الحدث، حتى تلميذه أليشع. كذلك، عرف بغيرته لمجد الله، تلك الفضيلة العظمى التي لازمت إسمه مدى الأجيال، مع أنها الفضيلة التي نتناساها نحن أبناء الكنيسة. فإذا توجه إلينا أحد بكلام أو أفعال تحط من قدرنا وكرامتنا ومجدنا الشخصي، نكون مستعدين للإنقضاض عليه فورا بألسنة أمضى من حد السيف وبأفعال انتقام لا علاقة لها بالإنسانية، أما إذا أهان أحد مجد الرب، فإننا نتنصل ونهرب بحجة صون حرية الرأي والتعبير، عوض أن نماثل غيرة إيليا، طبعا ليس بالعنف وبطلب نزول غضب الرب، بل بالحوار والقدوة والصلاة إلى الله كي ينير عقل المجدف لكي يرى مجد الله الخالق. إيليا كان رجلا من العهد القديم، حيث كان الرب يسمح أحيانا بالعنف والإنتقام لأن كمال النعمة الإلهية والإستنارة الروحية لم يستعلنا بعد، حتى لأكثر البشر روحانية، كالنبي إيليا. أما نحن فأبناء الإنجيل المقدس، حيث أظهر الرب يسوع للبشرية طريقاً أفضل". وختم: "لذا، دعوتنا اليوم أن نظهر للآخرين، عبر تصرفنا، مثالا عميقا في احترام المقدسات، وإنسانية الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، فنرفض التجديف على الله وقديسيه، ونرفض أيضا إذلال الإنسان وظلمه وتجويعه وقتله كما يحصل في عالمنا. وعندما يساء إلينا، نبلسم الجرح بالكلام اللطيف، ونعلم بالقدوة المحبة والتسامح والغفران. كذلك، عندما يتفوه البشر بالتجديف، لا نضحكن أو نقبلن بذلك، وإن كنا لا نستطيع توجيههم نحو الرب، فلنهرب من معاشرتهم، محافظين على الغيرة للرب في قلوبنا كل حين". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

ما حكم صلاة من نسي التشهد الأوسط فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يجيب
ما حكم صلاة من نسي التشهد الأوسط فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يجيب

صدى البلد

timeمنذ ساعة واحدة

  • صدى البلد

ما حكم صلاة من نسي التشهد الأوسط فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يجيب

تلقى الدكتور مجدي عاشور مستشار مفتي الجمهورية السابق وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية سؤال يقول صاحبه: ما حكم التشهد الأوسط ؟ وما حكم صلاة من نسيه ؟ وأجاب مجدي عاشور عبر صفحته الرسمية على فيس بوك عن السؤال قائلا: اختلف الفقهاء في حكم التشهد الأوسط ، والمختار في الفتوى أنه سُنَّة. ونوه انه بناء على ذلك فمن نسي التشهد الأوسط فصلاته صحيحة، ويستحب أن يسجد سجدتين للسهو قبل السلام من الصلاة. ومن نسي سجود السهو وخرج من الصلاة فلا حرج ، ولا سجود عليه . 6 أشياء تبطل الصلاة أثناء أدائها بيّنت دار الإفتاء المصرية، 6 أشياء تبطل الصلاة أثناء أدائها وذلك عبر موقعها الإلكتروني، مشيرة إلى أن هناك أخطاء قد يقع فيها المسلم بغير قصد أثناء صلاته، ولكن ينتج عنها إبطال الصلاة وضياع أجرها، ومن هذه الأمور: -القهقهة: ورد عن جمهور الفقهاء الأحناف والمالكيّة والحنابلة، أن الابتسامة في أثناء الصلاة لا حرج فيها، وإنما الضحك بصوت مرتفع يبطلها. -الحركة الكثيرة: وورد عن الإمام النووي: «إنّ الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف، وإن كان قليلاً لم يبطلها بلا خلاف»، لذا اتّفق الفقهاء على أن كثرة الحركة في الصلاة تُبطلها؛ كالمشي في الصلاة خطوات كثيرة، أما لو كانت حركة قليلة؛ كتحريك الأصبع أو الحكّة ونحوه فلا يُبطلها. -الكلام خارج الصلاة: أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: (كُنَّا نَتَكَلَّمُ في الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وهو إلى جَنْبِهِ في الصَّلَاةِ حتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بالسُّكُوتِ، ونُهِينَا عَنِ الكَلَامِ)، ولذلك اتّفق الفقهاء على أنّ الكلام الذي ليس من جنس الصلاة مُبطلٌ لها. -الأكل والشرب: اتفق الفقهاء على أن تناول المصلي للطعام أو المشروبات يُبطل صلاته ويجب إعادتها، حيث ورد عن ابن المنذر أنه قال: «أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم أنَّ على من أَكل أو شرب في الصلاة عامداً الإِعادة». -الحَدَث: أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-: «أنَّهُ شَكَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّجُلُ الذي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه يَجِدُ الشَّيْءَ في الصَّلَاةِ؟ فَقالَ: لا يَنْفَتِلْ -أوْ لا يَنْصَرِفْ- حتَّى يَسْمع صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا»، ولذلك أجمع الفقهاء على عدم قبول صلاة من أيقن وقوع شيءٍ من مبطلات الوضوء وتأكّد منه. -ترك ركنٍ أو شرط: باتفاق العلماء والفقهاء، فإن الصلاة تبطل عند الإخلال بركن أو شرط منها؛ كترك الوضوء، أو الخطأ في القبلة عامدًا كان المصلي أو ناسيًا وفي هذه الحالة يجب إعادتها، مستندين إلى ما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «أنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ فَصَلَّى، ورَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَجَاءَ فَسَلَّمَ عليه، فَقَالَ له: ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَالَ: وعَلَيْكَ، ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store