logo
تركيا تعلن تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود مع إيران

تركيا تعلن تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود مع إيران

الجزيرة١٨-٠٦-٢٠٢٥
أعلن وزير الدفاع التركي يشار غولر، اليوم الأربعاء، عن تعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود الشرقية مع إيران ، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والهجمات المتبادلة بين إسرائيل وطهران، مؤكدا أن تركيا تمر بمرحلة "بالغة الحساسية" تتطلب أقصى درجات الحذر والجاهزية.
وأفادت وزارة الدفاع في بيان أن غولر قام بزيارة ميدانية إلى ولاية وان المتاخمة لإيران، برفقة رئيس الأركان العامة الجنرال متين غوراك، وقائد القوات البرية الجنرال سلجوق بيرقدار أوغلو، وقائد القوات الجوية الجنرال ضياء جمال قاضي أوغلو.
وشملت الزيارة تفقد قيادة الكتيبة الحدودية الرابعة في باش قلعة، التابعة للواء الحدود السادس، إضافة إلى عقد اجتماع عبر الفيديو مع قادة الوحدات التابعة للجيش الثالث.
وقال غولر إن "المخاطر والتهديدات تتزايد يوما بعد يوم في المنطقة والعالم، ونحن نمرّ بمرحلة حساسة تتطلب من تركيا أن تبقى قوية ومتأهبة لمواجهة التهديدات متعددة الأوجه".
وأكد أن الحكومة التركية تتابع عن كثب التطورات الجارية في الدول المجاورة، وعلى رأسها إيران.
وفي تعليقه على الهجمات الإسرائيلية، قال غولر: "ندين الهجمات غير القانونية التي شنتها إسرائيل على جارتنا إيران"، مضيفا أن "تلك الهجمات، كما في غزة ولبنان سابقا، تظهر نية إسرائيل الواضحة في نشر الصراعات على امتداد المنطقة".
إجراءات أمنية مكثفة
كذلك، أعلن غولر أن أمن الحدود التركية مع إيران يتم تأمينه من قبل 8 ألوية حدودية و6 أفواج حدودية ونحو 60 ألف عنصر أمني، مشيرا إلى أن "التدابير تتعزز يوما بعد يوم باستخدام أحدث القدرات التكنولوجية".
وأضاف أن هذه الجهود تهدف إلى منع "العبور غير القانوني والهجرة غير النظامية والأنشطة الإرهابية".
ومنذ بداية العام، منعت السلطات التركية أكثر من 38 ألف شخص من اجتياز الحدود، كما تم ضبط 2664 مهاجرا غير نظامي، و83 عنصرا من منظمات إرهابية، إلى جانب 305 كيلوغرامات من المخدرات.
وأكد غولر أن الإجراءات الأمنية على الحدود مع إيران تم تعزيزها تحديدا في أعقاب التصعيد الأخير، مضيفا أن "أنظمة الأمن التي أنشأناها على حدودنا تُعد نموذجا يُحتذى به للكثير من الدول، وسنواصل تأمين حدودنا على أعلى مستوى لمواجهة أي تطورات مستقبلية".
يأتي ذلك بعد موجة هجمات تشنها إسرائيل منذ يوم الجمعة ضد إيران، استهدفت منشآت نووية وقواعد صواريخ وشخصيات بارزة في البرنامج النووي الإيراني ، وأسفرت حتى الآن عن مقتل 224 شخصا وإصابة 1277 آخرين.
وردت طهران بإطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيرة، أسفرت عن 24 قتيلا ومئات الجرحى في إسرائيل.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صعود أذربيجان الغريب.. تحالف مع تركيا وصراع إيران وتعاون مع إسرائيل
صعود أذربيجان الغريب.. تحالف مع تركيا وصراع إيران وتعاون مع إسرائيل

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

صعود أذربيجان الغريب.. تحالف مع تركيا وصراع إيران وتعاون مع إسرائيل

لم تعرف سوى حفنة من الدول تبدُّلا كبيرا في حظوظها الإقليمية على مدار السنوات الخمس الماضية يضاهي ما شهدته أذربيجان. فقد كانت هذه الدولة الصغيرة الغنية بالنفط والغاز الطبيعي غارقة في نزاع دامٍ لعقود مع دولة أرمينيا المجاورة لها حتى عام 2020، ولم تكن تسيطر بالكامل على أراضيها، إذ إن منطقة ناغورني قره باغ المنفصلة عنها، وهي منطقة جبلية يقطنها أرمن ضمن الحدود المعترف بها دوليا لأذربيجان، كانت تُدار بواسطة سُلطة مُعلنة من طرف واحد مدعومة من أرمينيا (وهي سلطة عُرِفَت بجمهورية أرتساخ)*. تسبَّب هذا الوضع المُعلَّق في تقييد حركة أذربيجان الدبلوماسية، وجَعَل اشتباكها مع العالم الخارجي محدودا، كما جعلها تعتمد إستراتيجيا على غيرها من الدول المجاورة، لا سيَّما روسيا، التي قدَّمت نفسها وسيطا لا غِنى عنه في منطقة القوقاز (التابعة لها ضمن الاتحاد السوفياتي حتى عام 1991)*، حيث استغلَّت موسكو الجمود لإبقاء أرمينيا رهينة الاعتماد على ضماناتها الأمنية، بينما احتفظت بنفوذها في أذربيجان في الوقت نفسه. اليوم، تغيَّر الوضع جذريا في القوقاز إثر انتصارين عسكريَّيْن لأذربيجان عاميْ 2020 و2023، استطاعت بعدهما باكو أخيرا ضمَّ ناغورني قره باغ وسبع مناطق مجاورة كانت تحت السيطرة الأرمنية منذ أوائل التسعينيات، كما اكتسبت تفوُّقا حاسما على أرمينيا في المنطقة. في الوقت ذاته، ومع انشغال روسيا بحرب أوكرانيا، تخلَّت موسكو عن جزء كبير من نفوذها الإقليمي لصالح أذربيجان، ومع عُزلة موسكو عن الأسواق الغربية، باتت أذربيجان ذات أهمية متزايدة بوصفها مُورِّدا عالميا للطاقة، بما في ذلك لأوروبا. في الوقت نفسه، عزَّزت باكو علاقاتها مع تركيا وإسرائيل، ووسَّعت حضورها الدبلوماسي والاقتصادي في آسيا الوسطى، وزادت من وجودها في الشرق الأوسط، كاشفة عن طموحات إقليمية أوسع. ويبدو أن الحكومة الأذربيجانية لديها أيضا علاقات جيدة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، الذي تربطه علاقات تجارية مع باكو منذ ولايته الأولى. في خضم هذه الطفرة اللافتة في حظوظها، تواجه أذربيجان مفترقَ طرقٍ مصيريا. فبعد مفاوضات دامت ثلاث سنوات، باتت لديها الآن فرصة نادرة للتوصل إلى سلام دائم مع أرمينيا. ففي منتصف مارس/آذار الماضي، أعلن مسؤولون في باكو ويريفان، عاصمة أرمينيا، أنهم وضعوا اللمسات الأخيرة على صياغة نص اتفاق السلام المُنتَظَر، وإذا ما وُقِّع الاتفاق رسميا، فإنه يكتب نهاية النزاع الطويل بينهما، ويُكرِّس وضعا جديدا في القوقاز بمشاركة الدولة الثالثة في الإقليم، وهي جورجيا. ولكن ليس واضحا بَعْد ما إن كانت أذربيجان ستغتنم هذه الفرصة، إذ إنها ترى نفسها الآن في موقع قوة، ومن ثمَّ طالبت بمزيد من التنازلات من أرمينيا، ولا يبدو أنها في عجلة لإتمام الاتفاق. في الوقت نفسه، ورغم ما جلبه الاقتصاد القائم على النفط والغاز من ازدهار في السنوات الأخيرة، فإن هذه المكاسب هشَّة إلى حدٍّ كبير، ولم تصاحبها جهود جِديَّة لتنويع الاقتصاد في أذربيجان، وحتى الانخفاض الطفيف في أسعار الطاقة، الذي بدأ بالفعل هذا العام، فقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار المالي في باكو والكشف عن مكامن هشاشة أعمق، من بينها تزايد الفجوات الاجتماعية والسخط الشعبي على الوضع الاقتصادي والسياسي. فبعد أكثر من عشرين عاما في الحكم، يواصل الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، تشديد قبضته السياسية والتضييق على المعارضة، مُعتمدا على النمو الاقتصادي وخطاب القوة القومية لإرضاء الرأي العام. كل ذلك، مع حالة من عدم اليقين الجيوسياسي تُخيِّم على القوقاز، تجعل صعود أذربيجان محفوفا بالمخاطر. فإذا ما بدأت حرب أوكرانيا في الأفول، قد تُعيد روسيا تركيزها في منطقة لا تزال قادرة على فرض نفوذها فيها، بما في ذلك عبر حليفها التقليدي السابق، أرمينيا، بل وحتى إن ظلت منشغلة بأوكرانيا، يظل بإمكانها أن تُربِك المنطقة، وبالتحديد إذا لم يُوقَّع اتفاق سلام، وبقيت طرق النقل بين أرمينيا وأذربيجان مُغلقة. في مثل هذا السيناريو، قد يُعيد الكرملين فرض نفسه بوصفه ضامنا أساسيا للترابط الإقليمي، لكن وفق شروطه الخاصة. من دون اتفاق سلام، قد تجد أذربيجان نفسها قد انكشفت اقتصاديا، وبالغت في تمدُّدها السياسي، وعُرضة للركود الإستراتيجي في المنطقة، كما أن غياب ثمار السلام الأوسع، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي والتكامل الاقتصادي الإقليمي، قد يَحرِم أذربيجان من فرصة بناء نظام سياسي مُستدام في الداخل. ونتيجة لذلك، قد تبقى منطقة القوقاز أسيرة للتنافس الإقليمي، وتخسر ربما أفضل فرصة عرفتها للتعاون الحقيقي بين الدول الثلاث. تراجُع روسيا بسبب أوكرانيا لقد كان من المدهش أن تتمكَّن أذربيجان وأرمينيا من التوصُّل إلى مُسودة اتفاق على الإطلاق. فلو لم تُقْدِم روسيا على غزوها الشامل لأوكرانيا، لَكان من غير المُرجَّح أن تبدأ عملية سلام أصلا. وقد بدأت القصة عام 2020، حين انتصرت أذربيجان على أرمينيا في حرب حاسمة استمرت ستة أسابيع، واستعادت معظم الأراضي التي فقدتها في أوائل التسعينيات. وقد استند الانتصار إلى التكنولوجيا المُتقدِّمة للطائرات المُسيَّرة الإسرائيلية، والجيش الأذربيجاني الذي أُعيد بناؤه عبر إنفاق 40 مليار دولار، وسنوات من التدريب والمناورات المشتركة والتنسيق مع تركيا. ولكن ما إن بدا أن القوات الأذربيجانية على وشك استعادة آخر المناطق الأرمنية في ناغورني قره باغ، تدخَّلت روسيا وأوقفت الهجوم، ونشرت قوات حفظ سلام على أراضي أذربيجان. في نظر باكو، كانت موسكو قد انتزعت منها نصرا مستحقا، أما الوجود العسكري الروسي فكان بمنزلة عودة إلى الماضي، حيث كانت أذربيجان جمهورية سوفيتية مثلها مثل أرمينيا. أصبحت أذربيجان منذئذ معتمدة على روسيا، التي استغلت الوضع لخدمة مصالحها الخاصة. وفي غضون ذلك، عهدت أرمينيا فعليا بتأمين سكان ناغورني قره باغ من الأرمن إلى موسكو، بافتراض أن الكرملين -وهو حليف تقليدي لأرمينيا- لن يسمح أبدا لباكو بإعادة بسط سيادتها الكاملة. ومع عشية الغزو الروسي لأوكرانيا، كان الكرملين يدفع باتجاه وضع قواعد اشتباك رسمية لقواته لحفظ السلام، تسمح له بالتصرف بوصفه قوة احتلال بحكم الأمر الواقع، لكن أذربيجان قاومت ذلك، وبمجرد أن تورَّطت روسيا في أوكرانيا، اختفت الخطة الروسية بهدوء من جدول الأعمال. ومع غياب تفويض رسمي لقوات حفظ السلام، وانخفاض انخراط موسكو في القوقاز، بدأت أذربيجان تشعر بالثقة، وراحت تختبر الوجود الروسي عن طريق توغُّلاتها العسكرية المحدودة، وتوسيع مواقعها المتقدمة في المناطق ذات الكثافة الأرمنية. منذ أوائل عام 2022، أخذت هذه التحرُّكات تُقوِّض تدريجيا الضمانات الأمنية الروسية، مُوجِّهة رسالة واضحة إلى الحكومة الأرمنية وسكان ناغورني قره باغ من الأرمن مفادها أن قوات حفظ السلام لن تتدخل لحمايتهم بعد الآن. وقد تأكَّدت هذه الرسالة في سبتمبر/أيلول 2023، عندما شنَّت أذربيجان عملية عسكرية واسعة النطاق، وسيطرت في ساعات قليلة على كامل إقليم ناغورني قره باغ دون أي مقاومة روسية. وقد وقفت أرمينيا متفرجة بعدما أدركت عجزها عن المقاومة، تاركة أذربيجان تحقق نصرا مُدوِّيا، ودافعة بآلاف الأرمن من قره باغ إلى النزوح الجماعي نحو أرمينيا، وهم الذين لطالما رفض الكثير منهم الاندماج تحت السيادة الأذربيجانية. في الوقت ذاته، بدأت حكومة علييف تستغل التحوُّلات الجيوسياسية لتعزيز نفوذها الإقليمي على نطاق أوسع. فمع عزل موسكو عن الغرب بسبب العقوبات، بدأت روسيا تعتمد على طرق تجارية بديلة، وخاصة ما يُعرَف بممر النقل الشمالي-الجنوبي، الذي يمتد من موسكو عبر أذربيجان وإيران حتى موانئ الخليج. ورغم أن البنية التحتية لهذا المسار لا تزال قيد التطوير، فقد أصبح طريقا حيويا لروسيا المعزولة، مما عزز من قوة أذربيجان في مواجهة الكرملين. ومع تزايد ضعف روسيا بسبب الحرب، عمَّقت أذربيجان أيضا علاقاتها الإستراتيجية مع تركيا، ففي إعلان شوشا لعام 2021، وسَّع البلدان تعاونهما العسكري، وجعلا تحالفهما أداة ردع ضد التدخلات الخارجية، حتى باتت موسكو تدرك الآن أن مواجهة باكو قد تُضعِف علاقتها المُعقَّدة والإستراتيجية مع أنقرة. بعد حرب عام 2020، كانت روسيا تعارض التوصل إلى اتفاق سلام رسمي بين أرمينيا وأذربيجان، إدراكا منها أن ذلك قد يُضعِف نفوذها في المنطقة. لكن بعد غزو أوكرانيا، بادر الاتحاد الأوروبي، بدعم من واشنطن، إلى إطلاق محادثات مباشرة رفيعة المستوى بين باكو ويريفان، وأسهم في إنشاء إطار تفاوضي جديد. ونتيجة لهذا الدفع، اعترفت أرمينيا رسميا بوحدة الأراضي الأذربيجانية عام 2022، وهي خطوة كانت شبه مستحيلة قبل عام واحد فقط. أما باكو، فقدَّمت نفسها بوصفها فاعلا أكثر استقلالا وقادرا على التعامل مع روسيا وتركيا والغرب بشروطه الخاصة. وبحلول عام 2024، تمكَّنت أذربيجان حتى من إجبار قوات حفظ السلام الروسية على الانسحاب قبل الموعد المُقرَّر، مما مهَّد الطريق أمام سلام ثنائي دائم. حربُ ممرات التجارة بالنسبة لأذربيجان، لم يكن السلام مع أرمينيا سوى واحدة من عدة فرص فتحتها حرب أوكرانيا. فبينما سَعَت أوروبا جاهدة لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية، برزت باكو بديلا جزئيا. ورغم أن إمدادات الغاز الأذربيجاني لا تُضاهِي حجم الصادرات الروسية سابقا، فإنها كانت كافية لتعزيز أمن الطاقة الأوروبي ولو جزئيا، لا سيَّما دول جنوب أوروبا ذات الاحتياجات المتواضعة. وعن طريق ممر الغاز الجنوبي، الذي ينقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا عبر جورجيا وتركيا، عزَّزت باكو دورها بوصفها شريكا رئيسيا في مجال الطاقة، حيث صدَّرت أكثر من 44 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي بين عامي 2021-2024. ومع ذلك، كانت الأرباح أقل مما توقعه البعض في باكو. فرغم ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، لم تجلب صادرات الغاز سوى 12 مليار دولار تقريبا على مدار تلك السنوات الأربع، أي أقل مما تكسبه أذربيجان من النفط في عام واحد فقط، إذ جلبت أسعار النفط المرتفعة عائدات أكبر بكثير. وزاد من تعقيد المشهد تردُّد أوروبا في توسيع بنيتها التحتية لاستقبال مزيد من الغاز الأذربيجاني، وهو أمر جعل بعض الدول الأعضاء ترى أنه يتعارض مع أهداف الاتحاد الطموحة بشأن المناخ وتقليص الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة. في الوقت ذاته، ومع انهيار مسارات التجارة التقليدية بين أوروبا وآسيا عبر روسيا نتيجة العقوبات، ظهرت أمام أذربيجان فرص اقتصادية جديدة. فقد اعتمدت روسيا على جنوب القوقاز بوصفه حلقة أساسية في بدائل ممرات التجارة بين الشمال والجنوب، كما استفادت أذربيجان من موقعها بوصفها محطة عبور في ممرات التجارة البديلة بين الشرق والغرب، وبدعم من الجهود الغربية لتحويل تدفقات التجارة من آسيا بعيدا عن روسيا عبر بحر قزوين ، فيما يُعرف حاليا بالممر الأوسط. ورغم ارتفاع حجم الشحنات عبر هذا المسار، فإنه لا يزال محدودا بسبب ضعف البنية التحتية والاختناقات، ولا يُشكِّل سوى ثلاثة إلى خمسة بالمئة من إجمالي التجارة الأوراسية. ومع ذلك، فإن الأهمية الاقتصادية المتزايدة لآسيا الوسطى بوصفها مصدرا للمواد الخام الحيوية، ومسارا لتنويع مصادر الطاقة، ومساحة لتحقيق توازن إستراتيجي في مواجهة روسيا والصين ، يجعل من هذه الممرات مشاريع تستحق التطوير. وحتى إن لم يُحقِّق "الممر الأوسط" الطموحات الكبرى التي يروج لها مؤيدوه في أوروبا، فإن الموقع الإستراتيجي لأذربيجان يضمن لها استمرار أهميتها بالنسبة لأوروبا. التحالف مع إسرائيل والصراع مع إيران ومع ذلك، فإن هذا النفوذ الجيوسياسي الجديد لم يُحصِّن أذربيجان من التوترات الإقليمية، لا سيَّما مع إيران. فرغم أن أذربيجان أيضا بلد ذو أغلبية شيعية، فإن إيران رأت نفوذها هناك يتراجع باطراد، حيث تدهورت العلاقة تدهورا حادا بعد حرب 2020، التي أعادت لأذربيجان السيطرة على جزء كبير من حدودها مع إيران، ورسَّخت في الوقت ذاته علاقات باكو مع تركيا وإسرائيل. وقد شكَّل الهجوم المُسلَّح على السفارة الأذربيجانية في طهران أوائل عام 2023 نقطة تدهور كبيرة في العلاقات بين البلدين، حيث رأت باكو أن إيران تغافلت عن كبحه إن لم تكُن قد خطَّطت له. ورغم أن التوترات تراجعت منذ ذلك الحين، فإن إيران تفقد نفوذها التقليدي في باكو، بما في ذلك علاقاتها التاريخية مع إقليم ناخجيوان، الجيب الأذربيجاني المحاذي للحدود الإيرانية من جهة الغرب. ففي مارس/آذار 2025، دشَّنت تركيا وأذربيجان خط أنابيب غاز جديدا يربط ناخجيوان بشبكة الغاز التركية، مما قلَّل من اعتماد الإقليم الذي دام لعقود على الطاقة الإيرانية. إذا ما أفضى اتفاق سلام بين أذربيجان وأرمينيا إلى فتح ممر بري مباشر يربط أذربيجان بالجيب عبر جنوب أرمينيا، فستفقد إيران نقطة نفوذ أخرى (ممر زانغِزور)*. مثل هذا التحوُّل لن يُقلِّص من دور إيران في ممرات الطاقة فحسب، بل وفي نصيبها من التجارة الإقليمية أيضا، حيث كانت لوقت طويل ممرا للبضائع التركية المتجهة إلى آسيا الوسطى، كما أنه يُعزِّز أكثر فأكثر من نفوذ تركيا في المنطقة. ولدى إيران مخاوف أعمق من أذربيجان، وهي أن باكو قد تُستخدَم نقطة انطلاق لهجوم عسكري إسرائيلي في حال نشب صراع جديد بشأن برنامجها النووي. يضاف إلى ذلك أن إيران بها أقلية كبيرة من الأتراك الأذر تُقدَّر بنحو 20 مليون نسمة، ما يعادل ربما رُبع السكان في البلاد، وهي تتركَّز في شمال غرب البلاد، وبالنسبة لها فإن تبلور دور أعمق لأذربيجان، مع تركيزها المتزايد على الروابط الإثنية والتاريخية المشتركة معهم، قد يُشكِّل محاولة لتغذية النزعات الإثنية والانفصالية. باكو والطريق المسدود في الداخل لم يعزل الصعود الدولي المتزايد لأذربيجان البلاد عن نقاط ضعفها الداخلية. فبعد الانتصار في ناغورني قره باغ، حظي الرئيس علييف بشرعية شعبية هي الأكبر منذ استقلال البلاد عن الاتحاد السوفياتي. نظريا، كان من المُفترَض أن تُشكِّل هذه اللحظة فرصة نادرة لإعادة ضبط المشهد السياسي على نطاق أوسع: فعلى مدى سنوات، جرى تبرير غياب الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمبالغة في الإنفاق العسكري بالصراع الذي لم يُحسَم مع أرمينيا، وقد تطلَّع كثيرون في أذربيجان إلى أن يؤدي النصر أخيرا إلى انفتاح البلاد وصياغة هوية وطنية جديدة لما بعد قره باغ. بيد أن تلك الآمال أخذت تتلاشى بسرعة. فمنذ عام 2023، شددت الحكومة قبضتها الأمنية، فسجنت الصحفيين والنشطاء والمعارضين، وقيَّدت دخول الإعلام الأجنبي، وقلَّصت أنشطة عدد من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية. وفي هذا السياق، واصلت الحكومة تصوير أرمينيا على أنها تهديد لها، مُعتمدة على تجربة الحروب وفقدان الأراضي والنزوح الجماعي التي لا تزال ماثلة في الأذهان. ولكن بعد استعادة الأراضي المحتلة وضعف شهية الناس لخوض حرب جديدة، لم تعُد تلك السردية تلقى الصدى السابق نفسه. لا تُبدي الحكومة في باكو رغبة تُذكَر في تجاوز السردية القديمة، ليس فقط لأنها تساعد في شرْعَنة السيطرة الداخلية، بل وكذلك لعدم ظهور سردية وطنية بديلة واضحة. ومع ضعف السردية الرسمية، فإن التحديات الهيكلية التي لطالما أخفاها الخطاب القديم بدأت تظهر إلى النور ويصبح تجاهلها أصعب، ومن بينها الإحباط الشعبي من محدودية الفرص الاقتصادية، وعلامات الاستفهام بشأن الشفافية في حُكم البلاد. ثمَّة هشاشة اقتصادية متزايدة إذن وراء مشهد الانتصارات الجيوسياسية، إذ تعتمد أذربيجان بدرجة كبيرة على إيرادات النفط والغاز المُتقلِّبة من بحر قزوين. وقد انخفض إنتاج النفط من ذروته عام 2010، حين بلغ 823 ألف برميل يوميا، إلى 566 ألفا فقط بحلول عام 2025، وذلك بسبب تزايد صعوبة استخراج النفط. وقد يستغرق تطوير احتياطيات جديدة سنوات ويتطلب استثمارات أجنبية ضخمة، وهو أمر صعب في عالم يتجه نحو الطاقة المتجددة، بل إن الانخفاض المعتدل في أسعار النفط هذا العام، من نحو 80 دولارا للبرميل في أوائل السنة إلى 64 دولارا في أواخر مايو/أيار، قد يؤدي إلى خسارة أكثر من 20% من عائدات الدولة إن استمر الانخفاض حتى نهاية العام. وتُعقِّد هذه المخاطر الهيكلية طموحات أذربيجان الأوسع. فموقع باكو الجغرافي وحده لا يكفي لجعلها مركزا حيويا للطاقة والتجارة بين الشرق والغرب، إذ إن الدول التي تنجح في توظيف موقعها، سواء في أوروبا أو الخليج أو آسيا الوسطى، تُعزِّز ذلك ببناء مؤسسات موثوقة، وشفافية إدارية، وحدٍّ أدنى من الاستقرار السياسي. ورغم أن المستثمرين الأجانب لا يشترطون وجود الديمقراطية، فإنهم يطلبون أنظمة قائمة على قواعد واضحة، تجعل من السهل التنبؤ بالقرارات، مع عمل المؤسسات باستمرارية، وضبط للتدخُّلات السياسية والفساد. وبدون ذلك، لن يحقق أي ممر تجاري، مهما كانت أهميته الإستراتيجية، إمكاناته الكاملة.السلام المفقود في القوقاز لقد غيَّرت الحرب في أوكرانيا موقع أذربيجان على نحو لم يكن من الممكن تخيله في السابق. ولكن هذه المكاسب قصيرة الأجل لا تضمن الاستقرار الدائم، وقد يؤدي إفراط الحكومة في الثقة بصعود البلاد إلى نتائج عكسية. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، على سبيل المثال، أسقط صاروخ روسي بالخطأ طائرة مدنية أذربيجانية، فوجَّه الرئيس علييف بنفسه انتقادا علنيا للكرملين. وكان رد باكو المنفتح والمتحدي إشارة إلى موقف جديد مفاده أنها لم تعد تخشى موسكو كما في السابق، لكن هذا قد يتغيَّر إذا ما استعادت روسيا نفوذها في القوقاز. وبالمثل، يبدو أن المسؤولين الأذربيجانيين يفترضون أن قُرب بلادهم دبلوماسيا من إسرائيل، وجغرافيًّا من إيران، يجعل من باكو شريكا لا غنى عنه للمصالح الأميركية بعيدة المدى، بغض النظر عمَّن يكون في البيت الأبيض، بل إن حكومة علييف عبَّرت علنا عن تفضيلها لإدارة ثانية لترامب، على اعتبار أنه سيكون أكثر تشدُّدا مع إيران. ومع ذلك، فإن هذا الانحياز يحمل في طيَّاته مخاطر خاصة به، فإذا ما تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة ، قد تنتقم طهران من أذربيجان عسكريا أو عبر استخدام نفوذها لدى رجال الدين الشيعة لإثارة اضطرابات داخلية، لا سيَّما إذا بدا أن باكو تدعم إسرائيل. وفي الوقت نفسه، لا تزال أذربيجان تُعرقل فرصة تاريخية لتحقيق سلام دائم في المنطقة، فقد أجَّلت الاتفاق مع أرمينيا ووضعت شرطيْن أساسيَّيْن: تعديل الدستور الأرمني لإزالة نصوص تعتبرها بمنزلة دعاوى إقليمية ضِمنية بخصوص أراضٍ داخل أذربيجان، ومنح ممر بري غير منقطع يربط أذربيجان بجيب ناخجيوان (ومن ثمَّ بتركيا)*. وبشكل غير مُعلَن، يُلمِّح المسؤولون في أذربيجان إلى أنهم قد يطالبون أيضا بضمان استثماري فوري من الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الغربية للمساعدة في إعادة إعمار المناطق التي كانت تحت السيطرة الأرمينية. وتجري حاليا إعادة توطين ناغورني قره باغ والمناطق المحيطة بها تدريجيا ببعض من أكثر من 600 ألف أذربيجاني شُرِّدوا أثناء حرب التسعينيات، لكن التقدم بطيء، إذ لم يَعُد إلا نحو 13 ألفا حتى الآن. وقد تعرَّضت العديد من البلدات لدمار كبير، وكل شيء تقريبا من البنية التحتية إلى المساكن يحتاج إلى إعادة بناء من الصفر وسط استمرار عمليات إزالة الألغام. ومع ذلك، فإن الاستثمار الغربي قد لا يأتي أبدا. لكن مع قليل من الإبداع والصبر والثقة، يمكن حل كثير من هذه القضايا. فرئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان يُعَد من أبرز الداعمين لاتفاق السلام، وإذا نجح في إقناع الأرمن بأن تعديل الدستور ليس سوى خطوة لبناء الثقة المتبادلة، التي ستجلب مكاسب اقتصادية أكبر على المدى البعيد، فقد يتمكَّن من تمريرها. أما إذا أقدم على هذه الخطوة المثيرة للجدل قبل الانتخابات البرلمانية الحاسمة عام 2026، فقد يتهمه معارضوه بالتفريط في المصالح الوطنية، وهو ما يُمكن أن ينسف عملية السلام بأكملها. اللافت أن باشينيان هو الشخصية السياسية الكبرى الوحيدة في يريفان التي تدفع باتجاه تسوية دائمة، حيث وصف أعضاء من المعارضة الأرمنية تعديل الدستور المقترح بأنه خيانة للمصالح الوطنية. وإذا ما خسر باشينيان السلطة، فقد يُمهِّد ذلك الطريق لقيادة أرمينية مختلفة تماما، ويُرجَّح أن تتكوَّن من شخصيات انتقامية تميل إلى روسيا، وقد ترى أن المواجهة المتجددة مع أذربيجان تصبُّ في صالحها السياسي. بين أوروبا وتركيا علاوة على ذلك، فإن قضية إعادة فتح طرق التجارة والحدود، التي أُغلق بعضها لأكثر من ثلاثة عقود، تظل مسألة حساسة سياسيا لكثير من الأرمن، لا سيَّما الطريق المقترح الذي يربط أذربيجان بناخجيوان. وفي هذا السياق، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يطرح ترتيبات عملية تلبي توقعات الطرفين بشأن الوصول والسيطرة، إلى جانب تقديم دعم مالي واستثمارات في البنية التحتية ومساعدة فنية لتسهيل التنفيذ، إذ إن الاتحاد يُنظر إليه على أنه وسيط موثوق من الجانبين. وستحقق أوروبا فوائد أخرى في غضون ذلك، إذ يمكن لاتفاق ناجح أن يساعد على تحويل ميزان القوى الجيوسياسي في القوقاز بعيدا عن روسيا بشكل دائم. سيكون لدور تركيا أهمية حاسمة أيضا. فأنقرة ترى القوقاز جزءا من باحتها الخلفية إستراتيجيا، وتعتبر التطبيع مع أرمينيا وسيلة للمشاركة في تشكيل النظام الإقليمي بعد النزاع، لا للهيمنة عليه. وقد تبعت تركيا موقف باكو في كل خطوة، مؤكدة أنها لن تفتح حدودها مع أرمينيا إلا بموافقة أذربيجان. وسيمنح اتفاق السلام أنقرة الضوء الأخضر، ويساعد على بلورة نظام إقليمي جديد تُشكِّل فيه المشاركة التركية، المدعومة بالدبلوماسية الأوروبية، شريانَ حياة إستراتيجيا لأرمينيا وتقييدا من قدرة روسيا على العودة. كما أن دورا إقليميا أقوى لتركيا سيخدم أذربيجان، التي تعتمد في النهاية على أنقرة لموازنة أي ضغط روسي متجدد. إن السؤال ليس ما إذا كان اتفاق السلام مرغوبا فيه، بل ما إذا كان بالإمكان التوصل إليه قبل أن تُغلق النافذة التي جعلته ممكنا. فكلما تأخرت التسوية، ازداد تعرض العملية لتقلُّبات السياسة الداخلية والتدخُّلات الخارجية، إذ إن هشاشة الوضع الداخلي في أرمينيا، وتراجع الاهتمام الدولي بالقوقاز، وتجدُّد الاهتمام الروسي، كلها عوامل يمكن أن تُقوِّض التقدُّم الإيجابي الذي تحقق في السنوات الثلاث الماضية. إن الفرصة الإستراتيجية التي أتاحها انشغال موسكو في أوكرانيا لن تدوم للأبد، وإذا حدثت تحوُّلات جيوسياسية جديدة من دون تسوية دائمة، فقد تجد روسيا طُرُقا لاستعادة نفوذها في القوقاز، ليس بالضرورة لاستعادة سيطرتها الكاملة، بل لتعطيل التقدُّم الجاري بدونها، وتمديد حالة الغموض، وضمان الحفاظ على مصالحها، دون أن يكون ذلك في مصلحة أي طرف في المنطقة بالضرورة. ___________________________ *إضافة المُترجم.

تركيا تطلق مسارًا جديدًا لتقنين وضعية العمالة المنزلية الأجنبية
تركيا تطلق مسارًا جديدًا لتقنين وضعية العمالة المنزلية الأجنبية

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

تركيا تطلق مسارًا جديدًا لتقنين وضعية العمالة المنزلية الأجنبية

بدأت تركيا تشديد سياسات الهجرة على مستوى التشريعات والممارسات الإدارية على حد سواء منذ الانتخابات العامة لسنة 2023؛ وقد استهلت السلطات هذه المرحلة بسلسلة من الإجراءات التي استهدفت في بدايتها الحد من الهجرة غير النظامية، التي أثارت حينها موجة استياء شعبي واسع، لكنها سرعان ما اتسعت لتشمل شرائح أوسع من الأجانب المقيمين في البلاد. لا شك أنه من حق كل دولة تنظيم وضع من يُقيم ويعمل على أراضيها، وتركيا في ذلك لم تحِد عن المعايير المعتمدة في العديد من الدول الأوروبية، ودول الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا فبعد أن كانت الرقابة تقتصر على غير المسجلين، أو من تجاوزوا مدة الإقامة المصرح بها، باتت تطول أيضًا الأجانب الذين اعتادوا تجديد تصاريح الإقامة قصيرة الأمد بسهولة نسبية. وبذلك، تحوّلت هذه السياسة من معالجة حالات الإقامة غير القانونية إلى نهج أكثر تشددًا، طال أعدادًا كبيرة من المقيمين الملتزمين بالقوانين ممن يحملون وثائق إقامة محدودة المدة. كما شملت التدابير الجديدة العديد من المهاجرين النظاميين، الذين دأبوا على تجديد تصاريحهم القصيرة دون تعقيدات تُذكر. واليوم، لم تعد الحكومة تكتفي بمكافحة الدخول والإقامة غير القانونيين، بل تسعى أيضًا إلى دفع الأجانب نحو استخراج تصاريح عمل رسمية، والحد من منح الإقامات قصيرة الأجل لغير المبرّرين بإقامة مستمرة واضحة في البلاد. أسس كثير من الأجانب حياتهم في تركيا على فرضية إمكانية تجديد هذه التصاريح القصيرة بشكل دائم، ومع بدء السلطات رفض تلك الطلبات، وجد عدد منهم أنفسهم فجأة خارج الإطار القانوني. ويعيش اليوم آلاف الأجانب من جنسيات مختلفة في حالة من القلق الدائم في ظل تعدد الحواجز الأمنية في الشوارع، ما يدفعهم إلى المكوث في منازلهم، ويضطر كثيرين منهم إلى العمل بشكل غير رسمي. لا شك أنه من حق كل دولة تنظيم وضع من يُقيم ويعمل على أراضيها، وتركيا في ذلك لم تحِد عن المعايير المعتمدة في العديد من الدول الأوروبية، ودول الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. لكن الإشكال يكمن في الوتيرة السريعة لهذا التحوّل، التي لم تمنح الكثيرين الوقت الكافي لتسوية وضعيّاتهم بما يتناسب مع المنظومة الجديدة، وهو أمر وجب الإقرار به. فرصة جديدة في ظل هذه التحديات، أعلنت المديرية العامة للهجرة مؤخرًا عن إطلاق مسار استثنائي، يستهدف فئة محددة من الأجانب العاملين في قطاع الخدمات المنزلية، مثل عاملات التنظيف، والمربيات، ومقدّمي الرعاية داخل المنازل. وبموجب هذا الإجراء الخاص، بات بإمكان المنتمين إلى هذه الفئة، ممن يقيمون حاليًّا بطريقة غير قانونية، ويواجهون خطر الترحيل بسبب تجاوز مدة الإقامة والعمل دون تصريح، التقدّم بطلب للحصول على تصريح إقامة قصيرة الأمد، بما يسمح لهم بتسوية أوضاعهم القانونية. ويهدف هذا المسار أيضًا إلى إدماجهم ضمن سوق العمل الرسمي. هذا المسار، بطبيعة الحال، يترافق مع مجموعة من الالتزامات؛ فهو يهدف بالدرجة الأولى إلى مساعدة الأفراد المعنيين على تصحيح أوضاعهم القانونية، وضمان مزاولة عملهم ضمن الأطر النظامية. ويأتي هذا في وقت يشهد فيه قطاع الخدمات المنزلية في تركيا طلبًا متزايدًا على العمالة الأجنبية، ما يجعل تنظيم أوضاع هذه الفئة خطوة مهمة لتلبية هذا الطلب، وفي نفس الوقت الحد من ظاهرة العمل غير النظامي. صاحب العمل التركي ملزم قانونيًّا بتقديم طلب تصريح عمل بعد منح الإقامة، وتُعد هذه الخطوة أبرز التزامات البرنامج، إذ لا يكتمل الوضع القانوني للعامل الأجنبي إلا بعد صدور تصريح العمل آلية التقديم لا يتم التقديم ضمن هذه الفئة عبر المنصة الإلكترونية كما هو الحال في طلبات تصاريح الإقامة التقليدية، وإنما يتطلب إجراءات حضورية وورقية. يجب على المتقدّم، أو محامٍ مفوَّض قانونيًّا، إعداد المجموعة الأولى من الوثائق، والتوجّه شخصيًّا إلى مديرية الهجرة، إذ لا يقبل النظام الإلكتروني هذا النوع من الطلبات، ويتعيّن تقديمها يدويًّا في المكتب. بعد تسليم الملف الأولي، تُحدّد المديرية موعدًا لاحقًا لاستكمال الطلب، ويُطلب من المتقدم الحضور في التاريخ المحدد لتقديم المجموعة الثانية من الوثائق اللازمة لاستكمال إجراءات تصريح الإقامة قصيرة الأمد. تؤكد مديرية الهجرة أن الأشخاص المتقدمين ضمن هذا الإجراء الخاص لن يتعرضوا للترحيل أثناء زيارتهم، حتى وإن تجاوزوا مدة الإقامة أو عملوا دون تصريح رسمي، وهي مخالفات عادة ما تستوجب الترحيل. مع ذلك، ومن باب الحيطة وتفادي أي احتمال لمعاملة تعسفية، يُنصح من يملك القدرة المالية بتكليف محامٍ للحضور نيابة عنه في الزيارة الأولى. تتمثل الركيزة الأساسية لهذا البرنامج في وجود صاحب عمل تركي يقدّم الدعم الكامل للطلب، إذ لا يمكن من دونه المضي قدمًا في الإجراءات. ويتعيّن على المشغّل التركي الحضور شخصيًّا في الزيارة الأولى، وكتابة خطاب موقَّع يوضح فيه الحاجة للعامل الأجنبي في مهام منزلية، مثل رعاية الأطفال أو كبار السن أو المساعدة المنزلية، إلى جانب تعهّد موثّق مكوَّن من 13 بندًا، يتحمّل بموجبه مسؤوليات مالية وقانونية واجتماعية، تتعلق بإقامة العامل الأجنبي في تركيا. كما أن صاحب العمل التركي ملزم قانونيًّا بتقديم طلب تصريح عمل بعد منح الإقامة، وتُعد هذه الخطوة أبرز التزامات البرنامج، إذ لا يكتمل الوضع القانوني للعامل الأجنبي إلا بعد صدور تصريح العمل. ومع أن هذه المتطلبات قد تشكّل عبئًا على بعض أصحاب العمل، فإنها تضمن للعامل حقوقًا عمالية أوسع، وتغطية اجتماعية، ووضعًا قانونيًّا أكثر استقرارًا. أما الأجانب الراغبين في الاستفادة من هذا المسار الاستثنائي، فعليهم استيفاء شروط أساسية، أبرزها امتلاك جواز سفر ساري الصلاحية لمدة لا تقل عن تسعة أشهر، وأن يكون الدخول الأول إلى تركيا قد تم بطريقة قانونية مع ختم دخول رسمي، وهذا يعني استبعاد من دخلوا البلاد بطرق غير نظامية من التقديم عبر هذا الإجراء. كلمة ختامية يمثّل هذا الإجراء فرصة حقيقية للعديد من العاملين والعاملات في قطاع الخدمات المنزلية، الذين يعيشون في ظل ظروف غير قانونية وخوف مستمر. كما يتيح للدولة تنظيم أوضاع المقيمين على أراضيها، ويوفر الحماية للأسر التي تعتمد على هذه العمالة، ويسهم في دمجهم ضمن المنظومة الرسمية التي تكفل التأمين الاجتماعي والحقوق العمالية.

أخطر أسلحة إيران وإسرائيل في حربهم القادمة
أخطر أسلحة إيران وإسرائيل في حربهم القادمة

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

أخطر أسلحة إيران وإسرائيل في حربهم القادمة

تُعدّ الأسلحة غير التقليدية، بما في ذلك الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية والسيبرانية، ذات أهمية خاصة في العلاقات الدولية وإستراتيجيات الأمن القومي للدول؛ نظرًا لقدرتها على تغيير معادلات الحرب، وإحداث خسائر واسعة، وإعادة ضبط توازن القوى، والمساهمة في تعزيز الردع. وفي البنية الفوضوية للنظام الدولي، حيث لا توجد سلطة مركزية تُلزم بتنفيذ القوانين الدولية، أصبحت هذه الأسلحة أدوات رئيسية تضمن بقاء الدول في مواجهة خصومها. وقد أدّت التطورات التكنولوجية، وتفاقم التوترات الإقليمية، وتراجع الثقة في أنظمة مراقبة الأسلحة، إلى تعقيد إدارة هذا اللغز التسليحي. وتُعدّ الحرب بين طهران وتل أبيب – كواحدة من أعقد الحروب في الشرق الأوسط – نموذجًا مناسبًا لدراسة دور ومكانة الأسلحة غير التقليدية في مستقبلها. بين الأسلحة غير التقليدية والأسلحة المحظورة تشير الأسلحة غير التقليدية إلى تلك التي تختلف عن الأسلحة التقليدية من حيث الطبيعة التدميرية أو التأثير الواسع على المجتمعات والبيئة، وتشمل الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية والسيبرانية. في المقابل، تُصنَّف الأسلحة المحظورة على أنها تلك التي يُحظر إنتاجها أو تخزينها أو استخدامها وفقًا للمعاهدات الدولية، مثل اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (CWC – اتفاقية الأسلحة الكيميائية)، واتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية (BWC – اتفاقية الأسلحة البيولوجية). ورغم أن بعض الأسلحة غير التقليدية – مثل الكيميائية والبيولوجية – تندرج ضمن المحظورة، فإن الأسلحة السيبرانية، بسبب حداثتها وغياب إطار تنظيمي دولي شامل، لم تُدرج بالكامل في منظومة المراقبة الدولية. ويُعدّ هذا التمييز مهمًا في تحليل النزاع بين إيران وإسرائيل، إذ إن التحديات المتعلقة بالرقابة والتحقق من هذه الأسلحة – لا سيما السيبرانية – تخلق تعقيدات جديدة أمام نظام مراقبة الأسلحة. الأسلحة غير التقليدية وأهميتها الإستراتيجية تلعب الأسلحة غير التقليدية دورًا محوريًا في الإستراتيجيات العسكرية والدبلوماسية للدول، بسبب تأثيرها العميق على الأمنين: الوطني والدولي. وهي تشمل الأسلحة النووية، الكيميائية، البيولوجية، والسيبرانية، ولكل منها خصائص واستخدامات خاصة: الأسلحة النووية: تُعدّ أداة ردع رئيسية تضمن بقاء الدول في مواجهة التهديدات الوجودية. ومعادلات الردع النووي كـ"توازن الرعب" تمثل مثالًا على دورها الإستراتيجي في حفظ توازن القوى العالمي. الأسلحة الكيميائية والبيولوجية: نظرًا لانخفاض كلفة إنتاجها وإمكانية استخدامها في الحروب غير المتكافئة، فهي مغرية للدول الساعية إلى تعويض ضعفها العسكري. ورغم القيود الدولية المفروضة عليها، فإن الرقابة عليها تظل صعبة، والمعاهدات المعنية تعاني من ضعف في التنفيذ والردع القانوني. الأسلحة السيبرانية: نتيجة للتطور التكنولوجي، أصبحت تُستخدم في تدمير البنى التحتية، والتجسس، وإضعاف الخصم دون مواجهة مباشرة. هذه الأسلحة، بسبب طبيعتها غير التقليدية وصعوبة تتبعها، تطرح تحديات تنظيمية جديدة على نظام مراقبة الأسلحة. إستراتيجيًا، لا تُعدّ هذه الأسلحة أدوات عسكرية فقط، بل وسائط للتفاوض وفرض النفوذ على الصعيد الدولي. وفي بيئة دولية يغلب عليها الطابع الفوضوي وانعدام الثقة، تُستخدم كضمان لبقاء الدول. وقد أصبح التخلي عنها، نظرًا للخوف من اختلال توازن القوى، خطرًا إستراتيجيًا لا يمكن تحمّله. ومع التطورات المستقبلية، مثل الذكاء الاصطناعي، من المرجّح أن تزداد هشاشة أنظمة الأمن الدولية، ومن ضمنها نظام مراقبة الأسلحة ونزع السلاح. الأسلحة السيبرانية: أداة ذات وظائف غير تقليدية تُصنّف الأسلحة السيبرانية ضمن الأسلحة غير التقليدية، نظرًا لطبيعتها غير المألوفة وتأثيراتها الإستراتيجية. إذ يمكنها استهداف بنى تحتية حيوية مثل شبكات الكهرباء، والأنظمة المصرفية، أو الدفاعات العسكرية، دون الحاجة إلى مواجهة مادية، وتُحدث تأثيرًا كالشلال لا يقل عن الأسلحة التقليدية. من خصائصها الرئيسية التأثير غير المباشر والواسع، ما يمكن أن يعطل الاقتصاد والأمن الوطني. كما أن طابعها غير المتكافئ يسمح بشن هجمات خفية على خصوم أقوى بتكاليف منخفضة، وتنفيذها لا يتطلب حضورًا ميدانيًا أو قوة عسكرية تقليدية. وتُعدّ صعوبة التنظيم من سماتها، لأن تعقيدها الفني وطبيعتها الخفية يصعّبان تتبّعها وضبطها. ومن هنا، فإن أنظمة مراقبة الأسلحة الحالية غير قادرة على فرض رقابة فعالة على هذا النوع من الأسلحة. وبسبب حداثة هذه الأسلحة، وغياب إطار قانوني دولي واضح، لم تُدرج في بعض النصوص المرجعية ضمن الأسلحة غير التقليدية. ويُعدّ استخدام إسرائيل فيروس "ستاكس‌ نت" ضد منشآت نطنز النووية في 2010 مثالًا حيًا على الدور الإستراتيجي لهذه الأسلحة. احتمالية استخدام الأسلحة غير التقليدية في حال اندلاع حرب جديدة بين إيران وإسرائيل، تزداد احتمالية لجوء إسرائيل إلى الأسلحة غير التقليدية، إذ تمتلك سوابق في استخدام أسلحة محرّمة في غزة. فقد صرّح الدكتور منير البرش، مدير وزارة الصحة في غزة، بأن الجيش الإسرائيلي استخدم أسلحة مجهولة في شمال غزة تسببت في "ذوبان" أجساد الضحايا. وقد أكّدت منظمة (هيومن رايتس ووتش – أوروبا والشرق الأوسط) استخدام أسلحة حرارية من قبل إسرائيل. وبناءً على هذه المعطيات، ومع اعتبار التهديد الوجودي الذي تشكله إسرائيل، قد تقوم إيران بتعديل عقيدتها الدفاعية. ورغم تصريحات وزير الخارجية الإيراني، د. عباس عراقجي، بأن طهران لا تنوي الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT – معاهدة عدم الانتشار النووي)، رغم الهجمات على منشآتها النووية، فإن وجود سياسة إسرائيلية غامضة بشأن الأسلحة النووية وسجلها في الجرائم الحربية، قد يدفعان طهران، كما أشار د. كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، إلى إعادة النظر في عقيدتها النووية والعسكرية. تحديات نظام مراقبة الأسلحة تهدف أنظمة مثل NPT وCWC وBWC إلى الحد من تطوير واستخدام الأسلحة غير التقليدية، لكنها تواجه تحديات كبيرة، أهمها: الشك المتبادل بين الدول، ما يصعّب الالتزام بهذه الأنظمة. فإسرائيل، مثلًا، لم توقّع على NPT، وبالتالي لا تخضع لرقابة دولية على برنامجها النووي، بينما تُتهم إيران – رغم عضويتها – بعدم الشفافية، وتواجه ضغوطًا دولية كبيرة. قصور آليات التحقق، خاصة فيما يخص الأسلحة البيولوجية والسيبرانية، بسبب طبيعتها الخفية وتعقيداتها التقنية. فهجمات مثل "ستاكس‌ نت" أظهرت مدى صعوبة رصد هذه الأسلحة والتحقق منها. كما أن عدم عضوية إسرائيل في NPT يمنع فعليًا أي رقابة على برنامجها النووي. التنافس الجيوسياسي في الشرق الأوسط، لا سيما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإسرائيل، يُعزّز من دافع تطوير الأسلحة غير التقليدية. فإسرائيل، باعتبارها القوة النووية الوحيدة في المنطقة وبدعم أميركي كبير، أخلّت بتوازن القوى، وأصبحت عاملًا أساسيًا في أزمات المنطقة وسلوكها العدواني. ضعف فاعلية الأنظمة القائمة، مثل NPT، التي تعاني من الانقسام وعدم التوافق السياسي. فمؤتمرات مراجعة المعاهدة في 2015 و2022 فشلت بسبب خلافات حول قضايا مثل إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، بينما تواصل دول كبرى كأميركا زيادة ميزانيات تسليحها النووي، وتوسّع دول مثل بريطانيا ترسانتها النووية. مستقبل نظام مراقبة الأسلحة في النزاع الإيراني الإسرائيلي، تشكل الأسلحة السيبرانية، بسبب طبيعتها غير الملموسة وصعوبة تعقبها وتأثيرها الإستراتيجي، تحديًا كبيرًا لنظم الرقابة الدولية. والهجمات كـ"ستاكس‌ نت" أو الهجمات الإيرانية على البنية التحتية الإسرائيلية، تؤكد الدور المتصاعد لهذه الأسلحة في النزاعات الحديثة. كما أن غياب التوافق على تعريف "الهجوم السيبراني"، وانعدام آليات تحقق فعالة، يعقّدان إنشاء نظام رقابة فعال، ويزيد من احتمال تصعيد التوترات. وتُعدّ الأسلحة غير التقليدية، بسبب دورها في الردع، والحفاظ على توازن القوى، وضمان بقاء الدول، خاصة في الشرق الأوسط المضطرب، عناصر محورية في مستقبل نظام مراقبة الأسلحة. وعلى عكس ما يعتقده المثاليون، فإن انعدام الثقة، وصعوبة التحقق، والتنافس الجيوسياسي، أضعفت نظام الرقابة، وجعلت تقليص الأسلحة غير التقليدية شبه مستحيل، بل ودفعت الدول غير المالكة لها إلى التفكير في امتلاكها. وفي الصراع بين طهران وتل أبيب، وبالنظر إلى طبيعته الوجودية والهوياتية، من المحتمل أن يلجأ الطرفان إلى إضفاء مصداقية على تهديداتهما؛ من أجل تعزيز الردع ضد الهجمات غير التقليدية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store