
شحنات الموت الإيراني.. كيف تُبقي طهران اليمن رهينة للسلاح والدمار؟
يناقش هذا التحليل أبعاد هذه الشحنة وتوقيتها، ويستعرض علاقتها بالاستراتيجية الإيرانية في اليمن، لنفهم كيف يشكل استمرار الدعم العسكري عائقا أمام عودة الاستقرار لليمن بما في ذلك البحر الأحمر.
لم يكن ضبط شحنة الأسلحة مجرد حادثة أمنية عابرة، بل شهادة دامغة على استمرار التهريب الإيراني إلى الحوثيين، في تحدٍ سافر للتعهدات والقرارات الدولية مثل القرار رقم 2216، كما تمثّل دليلاً إضافياً على ازدواجية السلوك الإيراني، الذي يجمع بين الإنكار العلني والدعم الخفي المتواصل، في إطار استراتيجية ممنهجة لإبقاء الصراع مشتعلاً وزعزعة أمن المنطقة.
هذه الكمية الضخمة من الأسلحة تعني أن الحوثيين باتوا يمتلكون قدرة متنامية على تنفيذ عمليات عسكرية أكثر دقة وفتكاً، تستهدف ليس فقط الجبهة الداخلية في اليمن، بل تتجاوز ذلك إلى دول الجوار والمنطقة. إن تنوع وتعقيد الأسلحة المصادَرة يعكس وجود شبكة تهريب إقليمية عالية التنظيم تعمل خارج إطار القانون الدولي، وتستخدم طرقاً بحرية وبرية معقدة لضمان وصول هذه الشحنات إلى أيدي الحوثيين، مما يعكس حجم الاستثمار السياسي والعسكري الذي توظفه طهران في مشروع الحوثيين، والذي لا يهدف سوى إلى تقويض استقرار المنطقة وتوسيع نفوذها الجيوسياسي.
تشير المعلومات التي نشرتها المقاومة الوطنية إلى أن الشحنة شملت: منظومات صاروخية بحرية وجوية، ومنظومات دفاع جوي، ورادارات حديثة، وطائرات مسيّرة استطلاعية وهجومية مع منظومات إطلاق، بالإضافة إلى أجهزة تنصّت واستخبارات ميدانية، وصواريخ مضادة للدروع، مدفعية B10، عدسات تتبّع حرارية، قناصات، ذخائر، ومتفجرات متنوعة.
وتؤكد طريقة تهريب هذه الأسلحة أنها على درجة عالية من الاحتراف والتمويه، إذ تم تفكيكها وإخفاؤها داخل مولدات كهربائية، ومكائن صناعية، ومضخات هواء، في حين وُضعت الذخائر داخل أجسام بطاريات مصنّعة بعناية لعدم إثارة الشكوك. ناهيك عن أن الأخطر هو أن مسار التهريب كان غرب الممر الملاحي الدولي في البحر الأحمر، وهي منطقة حيوية للملاحة العالمية، ما يُنذر بعواقب تتجاوز اليمن إلى الأمن البحري الدولي.
كل طن من هذه الشحنة يعني مزيداً من الضحايا، والدمار، وتوسّعاً في النزوح، واستمراراً للكارثة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون والتي تُوصف بالأكبر في العالم، بحسب الأمم المتحدة.
استمرارية الدعم الإيراني
إن استمرار تدفّق السلاح الإيراني إلى مليشيا الحوثي بهذه الكثافة والانتظام يمثّل الدليل الأقوى على أن الجماعة لا تمتلك أي نية حقيقية نحو السلام، ولا تعترف بمبدأ التفاوض، ولا تؤمن بالتعايش الوطني كأرضية لحل الأزمة.
رغم كل المبادرات الدولية، والهدن، بما في ذلك تلك القائمة منذ 2022، ومحاولات بناء الثقة، ما زال الحوثيون يراهنون على القوة المسلحة كأداة لفرض أجندتهم السياسية والمذهبية، معتمدين على الإمداد المستمر من السلاح والتمويل الإيراني.
المنطق السياسي البسيط يقول إنه لو كانت الجماعة جادة فعلاً في الانخراط السياسي، لكانت أوقفت التصعيد العسكري، وشاركت بمرونة في العملية السياسية، وتخلّت عن اعتمادها شبه الكامل على العنف المنظم والمدعوم خارجياً. لذلك فإن اعتمادها على القوة العسكرية يعبّر عن رفضها العميق لفكرة الشراكة الوطنية، وتطلّعها لفرض مشروع أحادي بالقوة، وهو ما يناقض كل أسس الديمقراطية والتعايش، ويجعل من أي حل سياسي في المستقبل مجرد وهم يصطدم بجدار السلاح المهرّب.
من جانب آخر، يمثل الدعم الإيراني عقبة كبرى أمام أي جهود دبلوماسية جادة، ذلك أن الميليشيات المسلحة التي تحصل على إمداد مستمر لا تجد دافعاً للانخراط في مفاوضات حقيقية أو تقديم تنازلات، لأنها تؤمن بأنها قادرة على فرض واقعها بقوة السلاح.
أضف إلى ذلك أن هذا التهريب يشكّل خرقاً سافراً لقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2216 الذي ينص صراحة على حظر توريد السلاح للحوثيين، وقرار الولايات المتحدة الذي صنّفهم كجماعة إرهابية.
طرق التهريب المعقّدة
أثبتت عمليات ضبط شحنات السلاح أن الحوثيين يعتمدون على شبكات تهريب منظّمة ومعقّدة تمتد من إيران إلى البحر الأحمر، مروراً بخليج عدن وبحر العرب، وتستفيد من ضعف الرقابة على بعض الموانئ والجزر.
لم تتوقف هذه الشبكات عن العمل خلال السنوات الماضية، بل تصاعد نشاطها مؤخراً بالتوازي مع تصعيد الحوثيين البحري واستهدافهم الممنهج للملاحة الدولية.
تبدأ عملية التهريب عادة من ميناء بندر عباس أو ميناء جاسك الإيرانيين، حيث تُنقل الشحنات على متن سفن تجارية أو صيد، ثم تُسلَّم في عرض البحر إلى وسطاء يمنيين تابعين للحوثي. تتولى عناصر حوثية أو مرتبطة بها مهمة التغطية، مثل الصيادين في الجزر الإريترية الذين يستخدمون قواربهم في نقل السلاح، أو عناصر الحوثي الذين ينتحلون صفة خفر السواحل ويوفّرون المسارات الآمنة لإدخال الشحنات إلى ميناء الحديدة.
هذه الشبكات المعقّدة تجعل من الصعب جداً على القوى الإقليمية والدولية رصد كل حركة، مما يمنح الحوثيين قدرة شبه مستمرة على إعادة بناء وتحديث ترسانتهم العسكرية.
التحديات على مستقبل اليمن
إن استمرار تدفّق الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين يشكّل تهديداً وجودياً لليمن، وخطراً متعاظماً على استقرار المنطقة والأمن البحري الدولي.
في الداخل اليمني، تعني هذه الأسلحة تصاعداً في القصف، وتهجيراً قسرياً للمدنيين، وتدميراً للبنية التحتية، وتعميقاً للأزمة الإنسانية التي تُصنّف ضمن الأسوأ عالمياً.
أما على الصعيد الإقليمي، فإن استخدام هذه الأسلحة في استهداف الملاحة في البحر الأحمر والمنشآت الحيوية في الخليج، يضع اقتصاد المنطقة والعالم أمام مخاطر جسيمة، لا سيما في ظل اعتماد التجارة العالمية على هذه الممرات البحرية.
التحدي أمام المجتمع الدولي لم يعد مقتصراً على وقف شحنات السلاح، بل أصبح ضرورة للضغط الجاد على إيران لوقف دعمها العسكري المباشر وغير المباشر للحوثيين، وفرض تدابير فعالة على الجماعة لإجبارها على الدخول في عملية سياسية جادة وشاملة.
من دون تجفيف هذا الدعم الإيراني، ستبقى كل مبادرات السلام محاولات مؤقتة سرعان ما تنهار تحت وقع البنادق المهرّبة.
في المجمل، يعكس الدعم الإيراني المستمر للحوثيين رهاناً استراتيجياً طويل الأمد على هذه الجماعة كمخلب إيراني متقدّم في جنوب البحر الأحمر، بعد تراجع أذرع طهران في سوريا ولبنان.
وهذا يشير إلى أن الانخراط الشكلي للحوثيين في المسارات السياسية لا يعدو كونه تكتيكاً مرحلياً، هدفه كسب الوقت وتعزيز الموقع العسكري، لا القبول الحقيقي بالسلام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 12 ساعات
- اليمن الآن
واشنطن: ضرباتنا دمرت المواقع النووية لإيران
رفض وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث الإدعاءات التي تزعم أن الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية فشلت في تدمير أهدافها. وقال هيجسيث في حديثه للصحافيين بالبنتاجون، قبل اجتماع مع وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس، إن المواقع النووية الثلاثة دمرت بالكامل بالضربات، مضيفاً: كلما زادت التقارير التي لدينا وما نراه، فهمنا مدى الدمار الذي أحدثته تلك الهجمات على جميع المواقع النووية الثلاثة. في المقابل، أعلن الناطق باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إبراهیم رضائي، أن إيران تعيش في الوقت الراهن ظروفاً تعادل أجواء تفعيل آلية الزناد، مشيراً إلى أن العقوبات بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي عادت بشكل كبير وشامل، وأن تفعيل هذه الآلية لم يغير كثيراً في أوضاع البلاد. وعلق رضائي على التهديد بإرجاع ملف إيران إلى تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مؤكداً أن الحرب أضحت تهديداً مكرراً فقد تأثيره. وشدد رضائي، على أن إيران ليست مكتوفة الأيدي أمام الخطوات المحتملة الغربية، موضحاً أن لديها خيارات متعددة منها الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي ورفع نسبة التخصيب إلى 90 %. اقرأ المزيد... وزارة الاتصالات تكشف سبب توقف خدمة 'عدن نت' 19 يوليو، 2025 ( 11:02 مساءً ) بناء مؤسسات دولة الجنوب..ملف القضاء على طاولة الرئيس الزبيدي 19 يوليو، 2025 ( 10:42 مساءً ) على صعيد متصل، قالت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية: إن إيران ستعجل من تصنيع السلاح النووي في ظل الجمود الحالي في المفاوضات مع واشنطن وعدم التوصل لاتفاق. ووصفت المجلة الأمريكية، قرار إيران وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2 يوليو بأنه خطوة محورية، مؤكدة أن قرار إيران بوقف التعاون مع الوكالة الدولية قد تستخدمه للانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي. وأشارت ناشيونال إنترنست، إلى أن الظروف الداخلية في إيران قد تؤدي إلى انهيار المحادثات مع واشنطن بسبب إصرار طهران على مواصلة تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي سيدفع، وفق المجلة، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وواشنطن، لمزيد من الضربات. ولفتت المجلة إلى أنه مع رفض ترامب وقف الهجوم الأخير وتفضيله للإكراه كأسلوب لتحقيق الصفقات، فإن صراعاً جديداً سيتبع على الأرجح، وهي أمور ستؤدي في نهاية المطاف إلى سيناريو حرب لا تنتهي ستأتي على أرواح العديد من الإيرانيين والإسرائيليين والأمريكيين، وفق تقدير المجلة. وخلصت المجلة الأمريكية، إلى أنه في نهاية المطاف، فإن أفضل سبيل لمنع امتلاك إيران لسلاح نووي هو اتفاق تفاوضي، مشيرة إلى أن ترامب هو المتحكم، ولديه فرصة لإثبات جدارته في السلام، ولكن هذه الجدارة لا تزال غير مؤكدة حتى الآن.


وكالة 2 ديسمبر
منذ 14 ساعات
- وكالة 2 ديسمبر
محللون لـ"2 ديسمبر": شحنة السلاح المضبوطة أسقطت رواية الحوثي المُضلِلة
محللون لـ"2 ديسمبر": شحنة السلاح المضبوطة أسقطت رواية الحوثي المُضلِلة على مدى السنوات الماضية، واصلت ميليشيا الحوثي الإرهابية الترويج لخطاباتها المضللة بشأن قدراتها في "التصنيع الحربي"، محاولة تصدير وهم تحقيق الاكتفاء الذاتي من المُعدات العسكرية المتطورة. وجاءت العملية النوعية التي أنجزتها شُبعة استخبارات وبحرية المقاومة الوطنية وتكللت بالسيطرة على شحنة الأسلحة الإيرانية، لتكشف أكذوبة التصنيع الحربي للمليشيا، وتؤكد اعتمادها كليًّا على الدعم الإيراني باعتبارها أداة بيد الحرس الثوري. كما تؤكد أن كل ما تروّج له المليشيا الحوثية من مشاريع تصنيع حربي بغرض ابتزاز اليمنيين في مناطق سيطرتها تحت مسميات دعم الصناعات الحربية ليس سوى أكذوبة، في حين أن الواقع يثبت أن دورها لا يتعدى تركيب مكونات أسلحة يتم تهريبها من إيران، وتوجيهها لقتل أبناء الشعب اليمني - اعتماد رئيسي على دعم إيران يقول المحلل السياسي عبدالستار الشميري لـ"وكالة 2 ديسمبر"، إن شحنة الأسلحة التي سيطرت عليها بحرية المقاومة الوطنية تكشف أن هناك تهريبًا كبيرًا لمليشيا الحوثي، وأن التهريب مُتوافِر عبر جماعة شباب الصومال والقراصنة القُدامى وخبرات إيرانية مُؤَسسة بعمليات تهريب متدفق. وأضاف الشميري، أن الحوثي لديه وِرش لبعض الأسلحة والتجميع، لكنها لا ترتقي إلى الأسلحة النوعية أو الصواريخ الباليستية، وأنه لا يزال الاعتماد الرئيس للمليشيا على إيران ثم تجار السلاح من المهربين. وأشار إلى أن هناك وفرة من الأسلحة تتدفق يومياً إلى مليشيا الحوثي عبر البحر الأحمر. فالقوات الدولية المنتشرة في البحر لم تدعم القوات الحكومية وخفر السواحل دعما حقيقياً، وفي حال دعمتها ستستطيع هذه القوات، مثل المقاومة الوطنية، مكافحة تهريب الأسلحة لمليشيا الحوثي. - بين التضليل الحوثي والتهريب المنظم يقول المدير الاقليمي لـ «مركز سوث24» للدراسات يعقوب السفياني، في حديثه لـ"2 ديسمبر"، إن ضبط شحنة أسلحة بحجم كهذا يعيد تسليط الضوء على الدور الخارجي في تزويد مليشيا الحوثي بالأسلحة، ويثير تساؤلات جادة حول الفجوة بين الخطاب الإعلامي للمليشيا الذي يتحدث عن تصنيع محلي، والوقائع الميدانية التي تشير إلى استمرار عمليات التهريب المنظمة. ويرى السفياني، أنه لا يمكن فصل هذا التطور عن سياق أوسع يشمل الاتهامات المتكررة من قبل الأمم المتحدة ودول إقليمية حول الدعم العسكري القادم من إيران لمليشيا الحوثي. ويضيف أن "الحديث عن التصنيع الحربي الحوثي بقي دائمًا في إطار غامض، يعتمد على الاستعراضات الدعائية أكثر من الشفافية التقنية أو الأدلة الموثوقة، رغم أن بعض عمليات إعادة التجميع أو التعديل المحلي قد تكون موجودة، إلّا أن البنية المطلوبة لتصنيع أسلحة نوعية على نطاق واسع لم تتوفر – بحسب التقارير الأممية – في مناطق سيطرة المليشيا". وبحسب السفياني، فإن هذه العمليات الأمنية لا تقدم فقط دليلاً على فاعلية المقاومة الوطنية والجهات اليمنية الأخرى ضمن الحكومة في تعقب شبكات التهريب، بل تفتح أيضًا نقاشًا أوسع حول الحاجة لتقييم الرواية السائدة عن قدرات التصنيع، في ضوء الوقائع، بعيدًا عن التوظيف السياسي أو الإعلامي من أي طرف. المطلوب اليوم، وفقاً للسفياني، هو مقاربة واقعية تُخضع هذه المزاعم للاختبار، في سياق الجهود الإقليمية والدولية الرامية لضبط مصادر التهريب وتعزيز المساءلة. ومع استمرار قيام بحرية المقاومة الوطنية بعمليات ضبط شحنات وزوارق تحمل أسلحة مهربة لمليشيا الحوثي الإرهابية، تتراجع فرضية الاكتفاء الذاتي للمليشيا وتبدو أقرب إلى خطاب تعبوي منه إلى حقيقة تقنية. Page 2


الصحوة
منذ 14 ساعات
- الصحوة
شحنات الموت الإيراني.. كيف تُبقي طهران اليمن رهينة للسلاح والدمار؟
الشحنة التي تجاوز وزنها 750 طنًا من الأسلحة النوعية لا تمثل مجرد انتهاك جديد لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بحظر توريد السلاح لليمن، بل تشكّل صفعة صريحة لجهود الأمم المتحدة ومساعي إحياء العملية السياسية المتعثرة. يناقش هذا التحليل أبعاد هذه الشحنة وتوقيتها، ويستعرض علاقتها بالاستراتيجية الإيرانية في اليمن، لنفهم كيف يشكل استمرار الدعم العسكري عائقا أمام عودة الاستقرار لليمن بما في ذلك البحر الأحمر. لم يكن ضبط شحنة الأسلحة مجرد حادثة أمنية عابرة، بل شهادة دامغة على استمرار التهريب الإيراني إلى الحوثيين، في تحدٍ سافر للتعهدات والقرارات الدولية مثل القرار رقم 2216، كما تمثّل دليلاً إضافياً على ازدواجية السلوك الإيراني، الذي يجمع بين الإنكار العلني والدعم الخفي المتواصل، في إطار استراتيجية ممنهجة لإبقاء الصراع مشتعلاً وزعزعة أمن المنطقة. هذه الكمية الضخمة من الأسلحة تعني أن الحوثيين باتوا يمتلكون قدرة متنامية على تنفيذ عمليات عسكرية أكثر دقة وفتكاً، تستهدف ليس فقط الجبهة الداخلية في اليمن، بل تتجاوز ذلك إلى دول الجوار والمنطقة. إن تنوع وتعقيد الأسلحة المصادَرة يعكس وجود شبكة تهريب إقليمية عالية التنظيم تعمل خارج إطار القانون الدولي، وتستخدم طرقاً بحرية وبرية معقدة لضمان وصول هذه الشحنات إلى أيدي الحوثيين، مما يعكس حجم الاستثمار السياسي والعسكري الذي توظفه طهران في مشروع الحوثيين، والذي لا يهدف سوى إلى تقويض استقرار المنطقة وتوسيع نفوذها الجيوسياسي. تشير المعلومات التي نشرتها المقاومة الوطنية إلى أن الشحنة شملت: منظومات صاروخية بحرية وجوية، ومنظومات دفاع جوي، ورادارات حديثة، وطائرات مسيّرة استطلاعية وهجومية مع منظومات إطلاق، بالإضافة إلى أجهزة تنصّت واستخبارات ميدانية، وصواريخ مضادة للدروع، مدفعية B10، عدسات تتبّع حرارية، قناصات، ذخائر، ومتفجرات متنوعة. وتؤكد طريقة تهريب هذه الأسلحة أنها على درجة عالية من الاحتراف والتمويه، إذ تم تفكيكها وإخفاؤها داخل مولدات كهربائية، ومكائن صناعية، ومضخات هواء، في حين وُضعت الذخائر داخل أجسام بطاريات مصنّعة بعناية لعدم إثارة الشكوك. ناهيك عن أن الأخطر هو أن مسار التهريب كان غرب الممر الملاحي الدولي في البحر الأحمر، وهي منطقة حيوية للملاحة العالمية، ما يُنذر بعواقب تتجاوز اليمن إلى الأمن البحري الدولي. كل طن من هذه الشحنة يعني مزيداً من الضحايا، والدمار، وتوسّعاً في النزوح، واستمراراً للكارثة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون والتي تُوصف بالأكبر في العالم، بحسب الأمم المتحدة. استمرارية الدعم الإيراني إن استمرار تدفّق السلاح الإيراني إلى مليشيا الحوثي بهذه الكثافة والانتظام يمثّل الدليل الأقوى على أن الجماعة لا تمتلك أي نية حقيقية نحو السلام، ولا تعترف بمبدأ التفاوض، ولا تؤمن بالتعايش الوطني كأرضية لحل الأزمة. رغم كل المبادرات الدولية، والهدن، بما في ذلك تلك القائمة منذ 2022، ومحاولات بناء الثقة، ما زال الحوثيون يراهنون على القوة المسلحة كأداة لفرض أجندتهم السياسية والمذهبية، معتمدين على الإمداد المستمر من السلاح والتمويل الإيراني. المنطق السياسي البسيط يقول إنه لو كانت الجماعة جادة فعلاً في الانخراط السياسي، لكانت أوقفت التصعيد العسكري، وشاركت بمرونة في العملية السياسية، وتخلّت عن اعتمادها شبه الكامل على العنف المنظم والمدعوم خارجياً. لذلك فإن اعتمادها على القوة العسكرية يعبّر عن رفضها العميق لفكرة الشراكة الوطنية، وتطلّعها لفرض مشروع أحادي بالقوة، وهو ما يناقض كل أسس الديمقراطية والتعايش، ويجعل من أي حل سياسي في المستقبل مجرد وهم يصطدم بجدار السلاح المهرّب. من جانب آخر، يمثل الدعم الإيراني عقبة كبرى أمام أي جهود دبلوماسية جادة، ذلك أن الميليشيات المسلحة التي تحصل على إمداد مستمر لا تجد دافعاً للانخراط في مفاوضات حقيقية أو تقديم تنازلات، لأنها تؤمن بأنها قادرة على فرض واقعها بقوة السلاح. أضف إلى ذلك أن هذا التهريب يشكّل خرقاً سافراً لقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2216 الذي ينص صراحة على حظر توريد السلاح للحوثيين، وقرار الولايات المتحدة الذي صنّفهم كجماعة إرهابية. طرق التهريب المعقّدة أثبتت عمليات ضبط شحنات السلاح أن الحوثيين يعتمدون على شبكات تهريب منظّمة ومعقّدة تمتد من إيران إلى البحر الأحمر، مروراً بخليج عدن وبحر العرب، وتستفيد من ضعف الرقابة على بعض الموانئ والجزر. لم تتوقف هذه الشبكات عن العمل خلال السنوات الماضية، بل تصاعد نشاطها مؤخراً بالتوازي مع تصعيد الحوثيين البحري واستهدافهم الممنهج للملاحة الدولية. تبدأ عملية التهريب عادة من ميناء بندر عباس أو ميناء جاسك الإيرانيين، حيث تُنقل الشحنات على متن سفن تجارية أو صيد، ثم تُسلَّم في عرض البحر إلى وسطاء يمنيين تابعين للحوثي. تتولى عناصر حوثية أو مرتبطة بها مهمة التغطية، مثل الصيادين في الجزر الإريترية الذين يستخدمون قواربهم في نقل السلاح، أو عناصر الحوثي الذين ينتحلون صفة خفر السواحل ويوفّرون المسارات الآمنة لإدخال الشحنات إلى ميناء الحديدة. هذه الشبكات المعقّدة تجعل من الصعب جداً على القوى الإقليمية والدولية رصد كل حركة، مما يمنح الحوثيين قدرة شبه مستمرة على إعادة بناء وتحديث ترسانتهم العسكرية. التحديات على مستقبل اليمن إن استمرار تدفّق الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين يشكّل تهديداً وجودياً لليمن، وخطراً متعاظماً على استقرار المنطقة والأمن البحري الدولي. في الداخل اليمني، تعني هذه الأسلحة تصاعداً في القصف، وتهجيراً قسرياً للمدنيين، وتدميراً للبنية التحتية، وتعميقاً للأزمة الإنسانية التي تُصنّف ضمن الأسوأ عالمياً. أما على الصعيد الإقليمي، فإن استخدام هذه الأسلحة في استهداف الملاحة في البحر الأحمر والمنشآت الحيوية في الخليج، يضع اقتصاد المنطقة والعالم أمام مخاطر جسيمة، لا سيما في ظل اعتماد التجارة العالمية على هذه الممرات البحرية. التحدي أمام المجتمع الدولي لم يعد مقتصراً على وقف شحنات السلاح، بل أصبح ضرورة للضغط الجاد على إيران لوقف دعمها العسكري المباشر وغير المباشر للحوثيين، وفرض تدابير فعالة على الجماعة لإجبارها على الدخول في عملية سياسية جادة وشاملة. من دون تجفيف هذا الدعم الإيراني، ستبقى كل مبادرات السلام محاولات مؤقتة سرعان ما تنهار تحت وقع البنادق المهرّبة. في المجمل، يعكس الدعم الإيراني المستمر للحوثيين رهاناً استراتيجياً طويل الأمد على هذه الجماعة كمخلب إيراني متقدّم في جنوب البحر الأحمر، بعد تراجع أذرع طهران في سوريا ولبنان. وهذا يشير إلى أن الانخراط الشكلي للحوثيين في المسارات السياسية لا يعدو كونه تكتيكاً مرحلياً، هدفه كسب الوقت وتعزيز الموقع العسكري، لا القبول الحقيقي بالسلام.