
بين عدن وصنعاء.. الريال المنقسم ينهك اليمنيين
يروي عدنان، وهو بائع خضروات، لموقع الجزيرة نت جانبًا من معاناته، قائلًا: "أشتري سلة الطماطم من مناطق الحوثيين بـ5 آلاف ريال (بالعملة القديمة)، لكنني أحتاج في عدن إلى 30 ألفًا بالعملة الجديدة لسداد ثمنها".
ويضيف أن محله بات خاليا من الزبائن وأن حركة السوق شبه متوقفة، وأن "البيع تراجع إلى أكثر من النصف؛ كل يوم نخسر أكثر مما نكسب… خسرت خلال الأشهر الماضية نحو مليوني ريال، ولا أرى أملًا في تحسن قريب".
معاناة عدنان لا تمثّل حالة فردية، بل تعكس واقعًا يوميًا متكررًا في مختلف الأسواق اليمنية، شمالًا وجنوبًا، حيث يتحمّل المواطنون والتجار على حد سواء تبعات الانقسام النقدي بين صنعاء وعدن. ويعود هذا الانقسام إلى وجود بنكين مركزيين ونظامين مصرفيين متوازيين، مما فاقم انهيار العملة وأدى إلى شلل شبه كامل في البيئة التجارية وتردٍّ كبير في الأوضاع المعيشية.
عملة واحدة وسعران يعصفان باليمنيين
ويظهر الأثر المباشر لهذا الانقسام في تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين. محمد العتيبي، وهو عامل بأجر يومي في عدن، يتقاضى 10 آلاف ريال (بالعملة الجديدة)، لكنه حين يُرسل هذا المبلغ إلى أسرته التي تعيش في مناطق سيطرة الحوثيين، تنكمش قيمته بسبب فارق الصرف لتُعادل بالكاد ألف ريال في صنعاء.
يقول العتيبي للجزيرة نت: "أحيانًا أشعر أنني أعمل هنا لأخسر هناك"، ويضيف أنه يضطر إلى تحويل مدخراته إلى دولارات أو ريالات سعودية لتجنّب خسائر التحويل، خاصة أن العملة الجديدة ممنوعة في مناطق الحوثيين، وقد تُصادر أو تُمزق إذا ضُبطت بحوزة المسافرين.
حسب تقارير اقتصادية محلية، فإن جذور الأزمة النقدية في اليمن تعود إلى عام 2014، حين سيطرت جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، مما دفع الحكومة المعترف بها دوليًا إلى نقل مقر البنك المركزي إلى مدينة عدن عام 2016.
وعام 2020، عمّق الحوثيون هذا الانقسام بمنع تداول الأوراق النقدية المطبوعة بعد عام 2016 في مناطقهم، مما أدى إلى انقسام رسمي في العملة، رغم بقائها بالشكل الاسمي نفسه.
ومنذ ذلك الوقت، تبادل الطرفان إجراءات نقدية متصاعدة عززت هذا الانقسام. فبينما واصل البنك المركزي في عدن إصدار عملات ورقية جديدة، رفض الحوثيون تداولها، بل لجؤوا في مارس/آذار 2024 إلى إصدار عملات معدنية من فئة 100 ريال بحجة معالجة الأوراق التالفة، ومؤخرًا، أعلنوا سك عملة معدنية جديدة من فئة 50 ريالًا، بالإضافة إلى إصدار عملات ورقية جديدة فئة 200 ريال وطرحها للتداول.
وقوبلت هذه الخطوة برفض قاطع من البنك المركزي في عدن، الذي أصدر بيانًا رسميًا وصف فيه هذه الإصدارات بأنها "عملات مزوّرة وفعل عبثي"، معتبرًا أنها تندرج ضمن ما وصفها بـ"حرب اقتصادية ممنهجة ضد اليمنيين".
الريال يهوي
ويرى مراقبون اقتصاديون أن الانقسام النقدي انعكس بشكل مباشر على مؤشرات التضخم وانهيار الريال اليمني، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا.
وأدى التوسع الكبير في المعروض النقدي إلى تضخم غير مسبوق، تُرجم بانهيار تاريخي في سعر صرف العملة المحلية، حيث لامس سعر الدولار حاجز 2830 ريالًا خلال الأسبوع الجاري، مقارنة بـ215 ريالًا فقط في مطلع الحرب عام 2015.
ويُحذّر اقتصاديون من أن استمرار هذا الانقسام سيُفضي إلى مزيد من تفتيت الاقتصاد اليمني، وتوسيع فجوة الفقر، وزيادة الانكشاف أمام السوق السوداء.
بين الاقتصاد والسياسة
يرى الباحث الاقتصادي وفيق صالح، في تصريح للجزيرة نت، أن الانقسام النقدي تسبب في تفكك بنية الاقتصاد الوطني، وأسهم مباشرة في تدهور قيمة الريال وتراجع الثقة بالنظام المصرفي الرسمي.
وأوضح أن تشتت الموارد وضياعها بين سلطتين متصارعتين أدى إلى تراجع ملحوظ في الخدمات العامة، وتدهور مستويات المعيشة، فضلا عن تنامي المضاربات واتساع نطاق السوق السوداء.
وأشار صالح إلى أن التفاوت الكبير في أسعار الصرف بين مناطق السيطرة المختلفة خلّف فجوات سعرية واسعة في أسعار السلع الأساسية، الأمر الذي زاد من معاناة المواطنين وأثقل كاهل التجار وعرقل حركة التجارة، بفعل القيود المفروضة على تحويل الأموال ونقل البضائع بين المناطق.
بحسب خبراء آخرين، فإن معالجة الانقسام النقدي لم تعد مسألة فنية أو مالية فقط، بل أصبحت قضية سياسية، لا يمكن تجاوزها دون توافق بين أطراف الصراع.
وفي هذا السياق، يؤكد مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، أن الانقسام النقدي هو أحد أبرز تجليات الأزمة السياسية المستمرة في اليمن.
ويُرجع ذلك إلى سيطرة جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة الإيرادية والسيادية، وفي مقدمتها البنك المركزي، الذي كان يحتوي على احتياطي نقدي قُدّر بنحو 5 مليارات دولار قبل اندلاع الحرب، ثم استُنفد بالكامل لاحقًا.
ويضيف نصر -في حديثه للجزيرة نت- أن الانقسام النقدي ألحق أضرارًا واسعة بالاقتصاد اليمني، إذ تسبب في صعوبات شديدة في فتح الاعتمادات المستندية الخاصة باستيراد السلع الأساسية، كما عقّد التحويلات المالية داخل البلاد وخارجها، وهو ما أثّر سلبًا على حياة ملايين المواطنين، خاصة الموظفين الذين يواجهون خسائر كبيرة عند تحويل رواتبهم بين مناطق السيطرة المختلفة.
وأوضح نصر أن مناطق الحوثيين تشهد حاليًا ارتفاعًا في الأسعار رغم تثبيت سعر الدولار بشكل قسري، في حين تعاني مناطق الحكومة من انهيار مستمر في قيمة الريال وتضخم مفرط، مما يزيد من معاناة المواطنين، لا سيما أولئك الذين يعتمدون على دخولهم بالعملة المحلية.
وقال إن "معالجة الانقسام النقدي في اليمن تتطلب حلًا سياسيًا شاملًا، إذ لا يمكن توحيد السياسة النقدية والمالية دون تقدم حقيقي في مسار السلام. المسألة لم تعد اقتصادية بحتة، بل سياسية في جوهرها".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

صحيفة عاجل
منذ 19 دقائق
- صحيفة عاجل
«الزكاة والضريبة» تدعو المنشآت إلى تقديم إقرارات ضريبة القيمة المضافة عن شهر يونيو والربع الثاني لعام 2025م
دعت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك "زاتكا" المنشآت من قطاع الأعمال الخاضعين لضريبة القيمة المضافة التي تتجاوز توريداتها السنوية من السلع والخدمات 40 مليون ريال إلى تقديم إقراراتها الضريبية عن شهر يونيو الماضي، فيما دعت المنشآت التي لا تتجاوز توريداتها السنوية 40 مليون ريال إلى تقديم إقراراتها الضريبية عن الربع الثاني من عام 2025م، وذلك في موعدٍ أقصاه 31 من شهر يوليو 2025م. وحثت "زاتكا" المنشآت على المسارعة إلى تقديم إقراراتها الضريبية عبر الموقع الإلكتروني ( أو تقديمها والسداد عبر تطبيق الهيئة للهواتف الذكية (ZATCA) وذلك تجنبًا لغرامة التأخر عن تقديم الإقرار في مدته المحددة، بواقع 5% كحد أدنى و25% كحد أقصى من قيمة الضريبة التي كان يتعين على المكلف الإقرار بها. كما دعت المكلفين من قطاع الأعمال الراغبين في الحصول على مزيد من المعلومات بشأن ضريبة القيمة المضافة إلى التواصل معها عبر الرقم الموحد لمركز الاتصال (19993)، الذي يعمل على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، أو حساب "اسأل الزكاة والضريبة والجمارك" على منصة (@Zatca_Care) X أو من خلال البريد الإلكتروني (info@ أو المحادثات الفورية عبر موقع الهيئة ( وتُعَد ضريبة القيمة المضافة واحدة من الأنظمة الضريبية السارية في المملكة، وهي ضريبة غير مباشرة تُفرَض على جميع السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها من قبل المنشآت مع بعض الاستثناءات. #زاتكا تدعو المنشآت إلى تقديم إقرارات ضريبة القيمة المضافة عن شهر يونيو والربع الثاني لعام 2025م. 🔗| — هيئة الزكاة والضريبة والجمارك (@Zatca_sa) July 20, 2025


الوئام
منذ 19 دقائق
- الوئام
حتى 31 يوليو.. 'الزكاة والجمارك' تدعو لتقديم إقرارات ضريبة القيمة المضافة
دعت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك 'زاتكا' جميع المنشآت الخاضعة لضريبة القيمة المضافة إلى تقديم إقراراتها الضريبية قبل 31 يوليو الجاري، محذّرة من تطبيق غرامات تأخير تصل إلى 25%. وأوضحت الهيئة أن المنشآت التي تتجاوز توريداتها السنوية 40 مليون ريال مطالبة بتقديم إقراراتها عن شهر يونيو الماضي، في حين يتعين على المنشآت التي لا تتجاوز توريداتها هذا الحد تقديم إقراراتها عن الربع الثاني من عام 2025. اقرأ أيضًا: 'الجوازات' تدعو المواطنين للتأكد من صلاحية الجواز قبل مغادرة السعودية وحثّت الهيئة المكلفين على تقديم الإقرارات عبر الموقع الإلكتروني الرسمي أو من خلال تطبيق 'زاتكا' للهواتف الذكية، مشيرة إلى أن غرامة التأخير تبدأ من 5% وتصل إلى 25% من قيمة الضريبة المستحقة. كما دعت 'زاتكا' المنشآت الراغبة في الحصول على مزيد من المعلومات إلى التواصل عبر الرقم الموحد (19993) الذي يعمل على مدار الساعة، أو من خلال البريد الإلكتروني (info@ أو حساب العناية بالمكلفين على منصة X (@Zatca_Care)، أو المحادثات الفورية على الموقع الإلكتروني. تجدر الإشارة إلى أن ضريبة القيمة المضافة تُعد إحدى الأنظمة الضريبية السارية في المملكة، وتُفرض بشكل غير مباشر على جميع السلع والخدمات التي تبيعها أو تشتريها المنشآت، مع وجود بعض الاستثناءات المحددة.


الأمناء
منذ 21 دقائق
- الأمناء
جمعية صرافي عدن تصدر تعميمًا ملزمًا بشأن بيع وشراء العملات الأجنبية
أصدرت جمعية صرافي عدن، اليوم الأحد الموافق 20 يوليو 2025، تعميمًا رسميًا موجّهًا إلى كافة شركات ومنشآت الصرافة، بشأن وضع قيود وضوابط جديدة على عمليات بيع وشراء العملة الأجنبية، تنفيذًا لتوجيهات صادرة عن البنك المركزي اليمني. وأكدت الجمعية في التعميم ضرورة التقيّد بالتسعيرة المحددة، والتي جاءت على النحو التالي: سعر الشراء: 757 ريالًا يمنيًا سعر البيع: 760 ريالًا يمنيًا وشددت الجمعية على ضرورة أن يتم التعامل مع باقي العملات الأجنبية وفقًا لهذه التسعيرة أو أقل منها، محذّرة من مخالفة هذه التعليمات. وأوضحت الجمعية أن أي تجاوز أو مخالفة لما ورد في التعميم سيعرّض الجهة المخالفة لإجراءات قانونية قد تصل إلى سحب الترخيص بشكل نهائي، مؤكدة أن كل شركة أو مؤسسة ستكون مسؤولة بالكامل عن تصرفات موظفيها في هذا الشأن