
الصراع على لبنان
مع اختلاف المعطيات الإقليمية والدولية، تُذكِّر هذه المرحلة إلى حد بعيد بمرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وثورة «14 آذار» الشعبية وانسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005. كأنّ التاريخ يعيد نفسه بعد 20 عاماً، مع أنه لا يعيد نفسه تماماً أبداً.
شكّل عاما 2005 و2024، مثلهما مثل عامي 1861 و1918، لحظة «الخلاص العجائبي» للحركة اللبنانية بعد أن انتفى الأمل في قيامتها. من كان ينتظر انبعاثها بعد الرهان العثماني على مجازر 1860 في جبل لبنان ودمشق الذي تحقق؟ ومن كان ينتظر قيامتها بعد مجاعة 1915 – 1918 الرهيبة التي أودت بحياة ثلث سكان جبل لبنان، وهي مأساة تاريخه الكبرى؟ وكم من اللبنانيين أملوا حقاً في الخلاص بعد 30 عاماً من الهيمنة البعثية الأسدية المطبقة على لبنان؟ ثم من هيمنة المحور الإيراني شبه الكاملة على مدى 20 عاماً؟
ندرك تماماً أن التحوّل هو الثابتة الوحيدة في تاريخ المجتمعات البشرية. وأن الحاضر يبدو دائماً أكثر قوة بكثير مما هو عليه. ونعلم تماماً أن التقاء العامل الداخلي بالعامل الخارجي في ظرف معيّن هو الذي يصنع التحوّل. وهكذا كان.
لقد بقيت الجذوة اللبنانية متّقدة وحيّة في الداخل على الدوام. وقد صبّت في مصلحتها عوامل خارجية حاسمة لم يكن لها يد فيها ولا تأثير عليها قط، في المرّات الأربع المتوالية خلال قرن ونصف القرن: غضبة الرأي العام الأوروبي العارمة إثر مجازر 1860، انتصار الحلف الفرنسي - البريطاني على المحور الألماني - النمساوي - التركي في الحرب الكونية الأولى، الانقلاب الأميركي والأوروبي على الوجود السوري في لبنان عام 2005، وتفكّك المحور الإيراني في لبنان وسوريا والمنطقة نتيجة الحروب التي تلت «طوفان الأقصى».
أودّ العودة هنا إلى تأكيد نقطة منهجية أساسية. إن تحليلي، على مدى زمني طويل للمسألة اللبنانية، ومجمل الدراسات في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية التي أجريتها حولها، تقود إلى الاستنتاج التالي: على الرغم من وجود التناقضات الطائفية والمذهبية والعشائرية، وأحياناً الإثنية، في مجتمعات المنطقة، فإن التناقض الأساسي في المكان اللبناني طوال الأزمنة الحديثة (من القرن السادس عشر إلى اليوم)، خصوصاً خلال القرن ونصف القرن الأخيرين، هو التناقض الثقافي الحياتي بين حركتين، الحركة اللبنانية التائقة إلى الإفلات من نظام المحيط نحو نمط حياة سماته الحرية والمعرفة والانفتاح والحداثة، والحركة الإقليمية الهادفة إلى إعادة دمج الحركة اللبنانية في نظام المحيط، العثماني والوحدوي السوري والوحدوي الناصري والماركسي الأممي والإيراني الإسلامي. ولا يمكن فهم تاريخ المكان اللبناني في الأزمنة الحديثة إلا في ضوء هذا التناقض، وهذا التجاذب. إنه مفتاح فهمه الأوحد.
ونعود إلى الحاضر لنتساءل: لماذا ما يحدث اليوم في لبنان يذكِّر بما حدث عام 2005؟ لأنه، ويا للأسف! تتكرّر اليوم بعد 20 عاماً الظاهرة نفسها: يتخلى أولياء الأمر عن مشروع التغيير المؤتمنين عليه، ليعيدوا إنتاج الوضع السياسي التقليدي نفسه.
عام 2005، بعد أن حدث ذلك الأمر الذي لا يُصدَّق الذي هو انسحاب الجيش السوري من لبنان، سرعان ما تخلّى المؤتمنون على ثورة «14 آذار» الشعبية عن أهدافها وروحيتها، فرفعوا شعارات «لبننة حزب الله»، و«لا أحد أكبر من بلده»، و«صون الوحدة الوطنية»، لتبرير إعادة تقاسم النفوذ التقليدي نفسه، عبر أولوية التحالف مع الثنائي الإقليمي في لبنان، وإبرام «الحلف الرباعي» و«اتفاقية مار مخايل»، ما أوصل «بلاد الأرز» في نهاية المطاف إلى قعر الهاوية.
واليوم، بات الأمر واضحاً. يتمّ التخلّي نفسه عن حلم التغيير الذي جسدته انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 الشعبية اللبنانية، وعن تراجع المحور الإيراني في المنطقة، لتُعطى الأولوية للتحالف من جديد مع ثنائي المحور، لإعادة إنتاج الواقع السياسي التقليدي نفسه، إن في تشكيل الحكومة، أو في تقاسم النفوذ بالطريقة المعهودة في التعيينات الهامة الكثيرة التي جرت وتجري. لم يكن مطلوباً عام 2005 نزع سلاح «حزب الله» بالقوة، ولا هو مطلوبٌ اليوم أيضاً، لأن لبنان لا يتحمّل مثل هذا الصدام.
المطلوب إعادة بناء الدولة وإجراء التعيينات على أسس جديدة تتيح الإصلاحات الجذرية المطلوبة، والمحاسبة الشاملة للمسؤولين عن طوفان الهدر والفساد منذ 40 عاماً. فكيف يكون ذلك والعديد منهم هم الذين يسمّون ويفتون ويعيّنون من يشاءون؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
الجيش: عشرات الإسرائيليين عبروا الحدود إلى قرية درزية سورية
كشف الجيش الإسرائيلي اليوم (السبت)، أن عشرات الإسرائيليين عبروا الحدود مع سوريا إلى مجدل شمس، وهي قرية درزية في هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل. وأضاف أن الإسرائيليين تصرفوا بعنف ضد القوات الإسرائيلية، أثناء محاولتها فض تجمع في المنطقة خلال الليل. وكان قد حضر في الأيام الماضية إلى المنطقة الحدودية في مجدل شمس، عدد من الوجهاء المحلّيين والشخصيات الدينية بلباسهم التقليدي ونساء ارتدينَ أغطية بيضاء على رؤوسهن، وذلك بهدف الاطّلاع على الأجواء من الناحية السورية. أفراد من الدروز يقفون بالقرب من السياج الحدودي في قرية مجدل شمس بمرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل (أ.ف.ب) ويوجد الدروز بشكل رئيسي في سوريا ولبنان وإسرائيل. وفي إسرائيل، يشكّلون أقلية ناطقة بالعربية يبلغ تعدادها أكثر من 150 ألفاً. وأكد الرئيس السوري أحمد الشرع، اليوم، التزام الدولة حماية الأقليات ومحاسبة جميع «المنتهكين من أي طرف كان»، بعد أعمال عنف شهدتها محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية أوقعت أكثر من 700 قتيل خلال أسبوع.


الشرق السعودية
منذ 2 ساعات
- الشرق السعودية
الشرع: "مصالح ضيقة وطموحات انفصالية" وراء أحداث السويداء
قال الرئيس السوري أحمد الشرع السبت، إن سوريا "ليست ميداناً لمشاريع الانفصال، أو التحريض الطائفي"، واتهم "مصالح ضيقة" و"طموحات انفصالية" بأنها وراء اشتعال الموقف في السويداء، مضيفاً أن هذه المصالح "لا تعبر عن الطائفة الدرزية بأكملها"، وشدد على أن الدروز "ركن أساسي من النسيج الوطني السوري". وأضاف في خطاب متلفز عقب إعلان وقف نار شامل وفوري بالسويداء، أن الدولة السورية "ملتزمة بحماية الأقليات والطوائف كافة في البلاد، وهي ماضية في محاسبة المنتهكين من أي طرف كان". وتعهد بـ"ألا يفلت أي شخص من المحاسبة"، وأن تقف الدولة بكل إمكانياتها لدعم جهود المصالحة، وأعلن تبرؤ الدولة "من جميع الجرائم والتجاوزات التي جرت سواءً كانت من داخل أو خارج السويداء"، وأكد "أهمية تحقيق العدلة وفرض القانون على الجميع". وقال الرئيس السوري إنه "لا يجوز أن نحاكم الطائفة الدرزية بأكملها بسبب تصرفات فئة قليلة انزلقت في مواقف لا تمثل تاريخ الطائفة العريق"، وأضاف: "السويداء كانت ولا تزال جزءاً أصيلاً من الدولة السورية وهم يشكلون ركناً أساسياً من النسيج الوطني السوري". وذكر أن "أبناء السويداء بجميع أطيافهم يقفون بجوار الدولة السورية، ويرفضون مشاريع التقسيم باستثناء مجموعة صغيرة تحاول دفعهم بعيداً عن الموقف الوطني". "لا بديل عن دور الدولة في سوريا" واعتبر أن "أي محاولة لتفكيك وحدة الشعب السوري أو إقصاء مكوناته تعد تهديداً مباشراً لاستقرار سوريا". وقال: "اللحظة الحالية تتطلب وحدة الصف والتعاون الكامل لتجاوز ما نمر به جميعاً، والحفاظ على بلدنا وأرضنا من التدخلات الخارجية والفتن الداخلية". وأضاف: "لا بديل عن دور الدولة في إدارة البلاد وبسط الأمن، الدولة هي وحدها القادرة على الحفاظ على هيبتها". وساطات عربية وأميركية وتركية وقال الشرع إن الوساطات الأميركية والعربية تدخلت لتهدئة الأوضاع بالسويداء في ظل "ظروف معقدة"، مشيداً بما وصفه بـ"التوافق الدولي الذي يعكس الحرص المشترك عى استقرار سوريا وسيادتها". وأعرب الشرع، عن شكره وتقديره للدور الذي قامت به الولايات المتحدة "بتأكيدها الوقوف إلى جانب سوريا في هذه الظروف الصعبة وحرصها على استقرار البلاد وإعادة إعمارها، ودور الدول العربية التي قدمت دعماً فاعلاً في هذه المرحلة". كما أشاد بتركيا التي قال إنها "كانت جزءاً من الجهود الإقليمية الرامية إلى دعم الاستقرار والتهدئة"، وكذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين لاتخاذها "مواقف قوية برفض القصف الإسرائيلي والانتهاكات المتكررة للسيادة السورية". "أرضية وطنية جامعة" وقال الشرع إن "البعض اختار طريق الاختلاف والانفصال، واصطدموا بمواقف مأساوية أثبتت خطورة هذا المسار"، وفق قوله، مضيفاً: "بات من الضروري العودة إلى جادة الصواب والالتقاء على أرضية وطنية جامعة تشكل منصة حقيقية لبناء مستقبل سوريا". وتابع: "قوة الدولة السورية تنبع من تماسك شعبها، ومتانة علاقاتها الإقليمية والدولية وترابط مصالحها الوطنية". وألقى الرئيس السوري باللوم في الاشتباكات التي شهدتها السويداء، على خروج الدولة من المنطقة، وقال: "بدأت مجموعات مسلحة بعدها بشن هجمات انتقامية عنيفة ضد البدو وعائلاتهم ما أدى لتهجير جماعي من للسكان وخلق حالة من الرعب والفوضى". وقال إن "هذه الهجمات الانتقامية ترافقت مع انتهاكات لحقوق الإنسان دفعت بقية العشائر العربية للتوافد لفك الحصار عن البدو داخل السويداء ما أدى إلى تصاعد التوتر". وذكر أنه "في ظل هذا المشهد تلقت الحكومة السورية دعوات دولية للتدخل مجدداً لوقف ما يجري وفرض الأمن والاستقرار في البلاد". "مصالح ضيقة" وقال الرئيس السوري إن "المصالح الضيقة لبعض الأفراد في السويداء ساهمت في حرف البوصلة حيث ظهرت طموحات انفصالية لبعض الشخصيات التي استقوت بالخارج وقادت جماعات مسلحة تمارس القتل والتنكيل بشكل متسارع". وأضاف: "رغم أن الدولة وقفت بجانب السويداء بعد تحرير سوريا وتقديم الخدمات إلا أن هذه الشخصيات وقوى الفوضى أساءت لتلك المدينة ودورها في الاستقرار الوطني"، على حد وصفه. وقال إن "الاستقواء بالخارج واستخدام بعض الأطراف الداخلية كأداة في صراعات دولية لا يصب في مصلحة السوريين بل يفاقم الأزمة". وفيما أعرب عن شكره للعشائر العربية على "مواقفها البطولية"، دعاها إلى الالتزام التام بوقف إطلاق النار. وقال: "تبرز الحاجة إلى تغليب صوت العقل والحكمة وفتح المجال للعقلاء من الجانبين لإصلاح ذات البين".

العربية
منذ 2 ساعات
- العربية
أمر وزير الدفاع الأميركي بمراجعة صفقات البنتاغون على خلفية تحقيق استقصائي كشف هذه الممارسة لـ"مايكروسوفت"
قالت شركة مايكروسوفت، يوم الجمعة، إنها ستتوقف عن الاستعانة بمهندسين مقيمين في الصين لتقديم المساعدة التقنية للجيش الأميركي، وذلك بعد أن أثار تقرير نُشرته منظمة بروبابليكا للصحافة الاستقصائية تساؤلات عضو في مجلس الشيوخ ، ودفع وزير الدفاع بيت هيغسيث إلى إصدار أمر بمراجعة مدتها أسبوعان لصفقات البنتاغون للحوسبة السحابية. وتناول التقرير بالتفصيل استخدام "مايكروسوفت" لمهندسين صينيين للعمل على أنظمة الحوسبة السحابية للجيش الأميركي تحت إشراف "مرافقين رقميين" أميركيين، يتم تعيينهم من خلال متعهدين فرعيين يمتلكون تصاريح أمنية، لكنهم غالبًا ما يفتقرون إلى المهارات التقنية اللازمة لتقييم ما إذا كان عمل المهندسين الصينيين يشكل تهديدًا للأمن السيبراني. وقالت "مايكروسوفت"، وهي متعاقد رئيسي مع الحكومة الأميركية، وقد تعرضت أنظمتها للاختراق من قبل قراصنة صينيين وروس، لـ "بروبابليكا" إنها كشفت عن ممارساتها للحكومة الأميركية خلال عملية الترخيص. وقال متحدث باسم "مايكروسوفت" فرانك شو، يوم الجمعة على منصة إكس، إن الشركة غيّرت طريقة تقديم الدعم لعملاء الحكومة الأميركية "استجابةً للمخاوف التي أُثيرت في وقت سابق من هذا الأسبوع...لضمان عدم تقديم فرق هندسية مقرها الصين أي مساعدة فنية" للخدمات التي يستخدمها البنتاغون، بحسب "رويترز". وفي وقت سابق من يوم الجمعة، وجّه السيناتور توم كوتون، الجمهوري من ولاية أركنساس، والذي يرأس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، وهو أيضًا في لجنة القوات المسلحة، رسالةً إلى وزير الدفاع بيت هيغسيث بشأن ممارسات "مايكروسوفت" الواردة في التقرير المنشور. وطلب كوتون من الجيش الأميركي قائمةً بالشركات المُتعاقد معها التي تستخدم أفرادًا صينيين، ومزيدًا من المعلومات حول كيفية تدريب "المُرافقين الرقميين" الأميركيين على اكتشاف الأنشطة المشبوهة. وفي مقطع فيديو نُشر على منصة إكس يوم الجمعة، قال هيغسيث إنه سيطلق مراجعةً لمدة أسبوعين لضمان عدم عمل مهندسين مقيمين في الصين في أي عقود أخرى لخدمات الحوسبة السحابية لوزارة الدفاع. وقال هيغسيث في الفيديو: "أُعلن أن الصين لن يكون لها أي انخراط أيًا كان في خدماتنا السحابية، اعتبارًا من الآن"، مضيفًا: "سنواصل المراقبة والتصدي لجميع التهديدات لبنيتنا التحتية العسكرية وشبكاتنا الإلكترونية".