
ماذا يحدث في بحر قزوين؟
والواقع أنّ مردَّ هذه الديناميكية التي لا يتحدث عنها الكثير، وهذه الاصطفافات المعلنة وغير المعلنة التي تشهدها منطقة بحر قزوين هو التنافس الإقليمي والدولي على النفط والغاز، وعلى خطوط النقل والتجارة بين آسيا الوسطى وشرقي آسيا من جهة وأوروبا من جهةٍ أخرى، فضلاً عن صراع النفوذ بين الدول الإقليمية (تركيا وإيران وإسرائيل) وتداعيات التنافس الجيوسياسي بين الدول الكبرى، وفي مقدمتها روسيا والولايات المتحدة والصين.
يكفي أن نشير إلى عدة أمثلة تُدلل على هذه الديناميكية، وتؤشر إلى الاصطفافات التي تختبرها منطقة بحر قزوين. أول هذه الأمثلة هو اتهامات طهران للحكومة الآذرية بدعم الهجوم الإسرائيلي على إيران (13-24 يونيو 2025)، سواء كان دعماً استخبارياً أو لوجستياً. وبطبيعة الحال، فقد نفت باكو هذه الاتهامات جملةً وتفصيلاً. ولكن الاصطفاف الآذري-الإسرائيلي منذ التسعينات من القرن المنصرم لا يخفى على أحد. المثال الثاني يتعلق باستضافة أذربيجان اجتماعات أمنية بين مسؤولين من تركيا وإسرائيل حديثاً، بغية خفض التصعيد بين البلدين، والحؤول دون المواجهة المباشرة بينهما في سوريا. وغني عن الذكر الإشارة إلى التحالف بين تركيا وأذربيجان، فهما دولتان في أمةٍ «تركية» واحدة، والذي تجلى أكثر ما تجلى في الدعم العسكري والاستخباري التركي لأذربيجان في حربها الأخيرة ضد أرمينيا، حيث تمكنت القوات الآذرية من استعادة إقليم ناغورنو كاراباخ. وقد دفعت وساطة باكو بين أنقرة وتل أبيب إلى ادعاء بعض المراقبين بتبلور محور أذري-تركي-إسرائيلي، رغم أن نفس المراقبين أو غيرهم كانوا يتحدثون عن تبلور محور باكستاني-أذربيجاني-تركي مضاد لمحور إيران والهند وأرمينيا.
المثال الثالث يتصل بالعلاقات المتغيرة بين روسيا من ناحية وكل من أذربيجان وأرمينيا من ناحيةٍ أخرى. فقد أقدمت الحكومة الأذرية على إلغاء زيارة مسؤول روسي رفيع المستوى بعد مقتل مواطنين أذربيجانيين في مداهمة للشرطة في مدينة يكاترينبورغ الروسية. وتنبع أهمية هذا الحادث من أنه أظهر ما يعتري العلاقات بين أذربيجان وروسيا من توترات بسبب دعم الأخيرة لأرمينيا، وأنه دلل على ضعف النفوذ الروسي في المنطقة، كما سنرى بعد قليل. ومن المفارقات أن أرمينيا، التي يبدو أنها غير مقتنعة بجدوى الدعم الروسي، تتجه حالياً نحو الغرب والولايات المتحدة والهند، ما يُضيف مزيداً من التعقيد في فهم الاصطفافات والتحالفات في المنطقة.
المثال الرابع والأخطر يتعلق بالتفاعلات بشأن ممر زانغزور الذي تروج له أذربيجان، وتساندها تركيا وحلفاؤها الغربيون، والذي يبلغ طوله 40 كيلومتراً، ويربط أذربيجان بجيبها «ناخيتشفان» عبر الأراضي الأرمينية، ليوفر طريقاً للتجارة والنقل يربط بين دول آسيا الوسطى والصين من ناحية وتركيا ودول أوروبا الشرقية والغربية من ناحيةٍ أخرى، متجنباً أو متعمداً تجنب المرور بالأراضي الإيرانية أو الروسية. ومن المفارقات أن إيران تجد نفسها وحيدة في معارضة هذا الممر كونه يمثل تهديداً لمصالحها الاقتصادية والأمنية، بعد أن أبدت موسكو موافقتها على مشروع إنشاء الممر، بل وتحاول إقناع أرمينيا به. ومرد السلوك الروسي أنّ موسكو تبحث عن طرق بديلة للتجارة وتصدير النفط والغاز بسبب العقوبات الغربية عليها بعيد غزوها أوكرانيا عام 2022.
والحديث عن ممر زانغزور يقودنا إلى التنافس بين دول المنطقة، ومن ورائها الدول الكبرى، على ممرات النقل الدولي من بطن آسيا وشرقها إلى أوروبا. فهناك «ممر الوسط»، الذي يربط آسيا الوسطى بأوروبا عبر بحر قزوين نحو أذربيجان، ثم يتجه إلى جورجيا وتركيا، وصولاً إلى الأسواق الأوروبية. وهذا الممر تدعمه الدول الغربية، بعكس ممر «الشمال- الجنوب»، الذي يهدف إلى ربط الهند بأوروبا وروسيا عبر أراضي أرمينيا وإيران. وهناك طريق الحرير الجديد، الذي تتبناه مبادرة الحزام والطريق الصينية، والذي يبدو أنه ليس لديه مشكلة في اتخاذ أي من الممرين سبيلاً إلى ربط آسيا بأوروبا.
ومن الواضح أنّ أذربيجان هي الحلقة المحورية في هذه الممرات الدولية وغيرها، مثل خط الغاز الجنوبي الذي يحمل الغاز الآذري إلى الاتحاد الأوروبي، ما يعطي الدولة الصغيرة مزيداً من الأهمية من النفوذ حتى في مواجهة الهيمنة الروسية والإيرانية التقليدية على منطقة بحر قزوين وجنوب القوقاز. وما يزيد من هذه الأهمية وذلك النفوذ أنّ دول آسيا الوسطى (كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان) باتت تضخ استثمارات هائلة في ممرات النقل التي تعبر أذربيجان إلى أوروبا، وأصبحت أكثر اندماجاً في الممر الأوسط أو ممر باكو-تبليسي-قارص (في تركيا).
والخلاصة أنّ التغيرات الهيكلية والمكثفة ولعبة الأمم التي تتكشف في منطقة بحر قزوين وجنوبي القوقاز، وإن لم يتحدث عنها الكثير، سوف يكون لها أثرها في تطور هذه المنطقة، والعلاقات بين دولها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 3 ساعات
- صحيفة الخليج
الحكومة اللبنانية: المرحلة تتطلب تحكيم منطق الدولة لا الميليشيات
أكّدت الحكومة اللبنانية أن الفكرة الأساسية للورقة الأمريكية الهادفة إلى إيجاد حل للنزاع بين لبنان وإسرائيل تقوم على التلازم بين الانسحاب الإسرائيلي وحصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية وحدها، فيما جدد حزب الله اعتراضه على أي عملية لسحب سلاحه، متهماً الولايات المتحدة بأنها تسعى للحصول، عبر الضغط السياسي، على ما عجزت عن نيله بالقوة العسكرية. في حديث تلفزيوني أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، أنّ «المبعوث الأمريكي توم براك آت إلى لبنان، الأسبوع المقبل، والورقة الّتي قدّمها هي مجموعة من الأفكار المتعلّقة بتنفيذ إعلان ترتيبات وقف الأعمال العدائيّة، الّذي تبنّته الحكومة السّابقة والحالية». وأوضح أنّ «الورقة تقوم على فكرة أساسيّة، هي التّلازم بين عمليّتَي الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللّبنانيّة المحتلّة، وإتمام عمليّة بسط سلطة الدّولة اللّبنانيّة على كامل الأراضي اللّبنانيّة وحصر السّلاح بيد الدّولة». وأبدى رئيس الحكومة خشيته من التصعيد، معتبراً أن «الانخراط في ورقة برّاك مع تحسينها هو السبيل لتفادي الانزلاق إلى مواجهات جديدة». وأضاف: «نراهن على وعي اللبنانيين وعلى حكمة الجيش في حماية لبنان». وقال سلام: «نحمي لبنان بعدم الانجرار لأي مغامرة جديدة»«. وشدد على أن المطلوب تسليم السلاح للدولة اللبنانية بدلاً من أن تقصفه إسرائيل. وأن المرحلة من الدقة بحيث تتطلب اعتماد منطق الدولة وليس منطق الميليشيات. وكان الرئيس جوزيف عون قد أكد أن بيروت عازمة على حصر السلاح بيد الدولة، لكنه شدّد على ضرورة معالجة الملف برويّة ومسؤولية. من جهته، قال أمين عام حزب الله نعيم قاسم إن حزبه غير مستعدّ لتسليم سلاحه أمام خطر وجودي يتهدّد لبنان. وقال قاسم في كلمة بمناسبة حفل تأبين أحد القياديين، تعليقاً على الطرح الأمريكي مشروع نزع السلاح الآن، في هذه المرحلة، في كل الأطروحات، هو من أجل إسرائيل. وأضاف: لبنان أمام تهديد وجودي، المقاومة أمام تهديد وجودي، وهذا أكبر خطر يُهدّد لبنان، معتبراً أن صد هذا الخطر هو في بقاء قوة المقاومة، والتماسك بين الدولة والمقاومة، وتعاون كل الأطراف اللبنانية على تمرير هذه المرحلة وبتطبيق إسرائيل للاتفاق والضغط على أمريكا وفرنسا والأمم المتحدة والرعاة، أن يُخرجوا إسرائيل من لبنان وأن ينفذوا ما عليهم. أمنياً، أغار الطيران الإسرائيلي المسير أمس السبت على منطقة مطل الجبل في مدينة الخيام، ما أدى إلى مقتل مواطن كان يعمل في إصلاح شبكة الأدوات الصحية على سطح أحد المنازل في حي مأهول. فيما أدت غارة من مسيرة على دراجة نارية في يحمر الشقيف إلى مقتل سائق الدراجة الذي زعم الجيش الإسرائيلي أنه من مقاتلي مجموعة الرضوان التابعة لحزب الله.


سكاي نيوز عربية
منذ 3 ساعات
- سكاي نيوز عربية
وزير الدفاع الإسرائيلي يشيد بعملية "مطرقة منتصف الليل"
اختتم وزير الدفاع الإسرائيلي زيارة وُصفت بـ"التاريخية" إلى العاصمة الأميركية واشنطن، التقى خلالها نظيره الأميركي بيت هيغسيث، حيث ناقش الطرفان مجموعة من القضايا الإقليمية والاستراتيجية. وقال الوزير الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان عقب الزيارة، إنه تم الاتفاق على سلسلة من الخطوات المشتركة بين الجانبين، تهدف إلى "ضمان قوة إسرائيل وازدهارها، وتعزيز الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط، لما فيه مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء". وأعرب وزير الدفاع عن "عميق امتنانه" للإدارة الأميركية على تنفيذ عملية "مطرقة منتصف الليل"، واصفا إياها بأنها "ضربة مدمّرة للبرنامج النووي الإيراني". وخصّ الوزير بالشكر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ، مشيدا بـ"قراره الشجاع وقيادته الحازمة التي قادت إلى تنفيذ العملية بنجاح". وختم الوزير بالقول إن "التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة ليس مجرد شراكة، بل مهمة مشتركة"، مؤكداً أن "البلدين أقوى معا".


البيان
منذ 3 ساعات
- البيان
زيلينسكي: روسيا شنت غارات جوية بأكثر من 300 طائرة على أوكرانيا
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر تطبيق تليجرام، اليوم السبت، إن القوات الروسية شنت هجمات جوية بأكثر من 300 طائرة مسيرة وأكثر من 30 صاروخا وصاروخ كروز على المدن الأوكرانية ليلا. وأفادت تقارير رسمية بأن زيلينسكي نشر صورا تظهر الأضرار التي لحقت بالمباني السكنية في أوديسا، المطلة على البحر الأسود، حيث قُتل شخص وأصيب ستة آخرون. وأضاف زيلينسكي أن مناطق دنيبروبيتروفسك ودنيتسك وخيرسون وزابوريجيا قد قصفت. ودُمرت بنية تحتية مهمة في سومي حيث انقطعت الكهرباء عن الآلاف من الأسر. وقال زيلينسكي: "مازالت هناك مسيرات في السماء"، مضيفا أن الدفاعات الجوية الأوكرانية تدمرها وأن أجهزة الطوارئ تعمل. وتابع بالقول إن مدينة بافلوهراد في منطقة دنيبروبيتروفسكي تضررت بشدة جراء القصف، حيث تضرر مبنى سكني، وبنية تحتية مهمة. وشكر الرئيس الأوكراني القادة الدوليين "الذين يدركون مدى أهمية سرعة تطبيق اتفاقاتنا" التي تهدف لتعزيز قدرات الدفاع الأوكرانية، بما في ذلك الإنتاج المشترك للأسلحة وتصنيع المسيرات وتزويد البلاد بأنظمة الدفاع الجوي، حسبما ذكرت وكالة أنباء أسوشيتد برس (أ ب). وعلى صعيد آخر اتهم وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها روسيا اليوم بترحيل مواطنين أوكرانيين إلى جورجيا وتركهم عالقين بدون وثائق ثبوتية مناسبة، وفقا لوكالة (أ ب). وقال سيبيها إن موسكو صعدت ممارسة طرد الأوكرانيين، والعديد منهم سجناء سابقين، عبر حدودها الجنوبية مع جورجيا، بدلا من إعادتهم مباشرة إلى أوكرانيا، بحسب (أ ب). من جهتها ذكرت وزارة الدفاع الروسية، اليوم السبت، أن الدفاعات الجوية أسقطت أكثر من 80 طائرة مسيرة خلال الليل، في إطار هجوم واسع شنّته القوات الأوكرانية استهدف موسكو ومناطق قريبة من الحدود. وأفاد سكان موسكو بسماع انفجارات قوية، بعد إسقاط أكثر من عشر طائرات مسيرة. وأصبح عمدة موسكو، سيرجي سوبيانين، يبلغ عن هجمات يومية بالطائرات المسيرة في الآونة الأخيرة. وتسبب الهجوم في تعطيل الرحلات الجوية في مطاري دوموديدوفو وشيريميتيفو، وهما من أكبر مطارات العاصمة الروسية، وذلك في ذروة موسم العطلات الصيفية. كما تم تعطيل حركة السكك الحديدية في منطقة روستوف، الواقعة شرق أوكرانيا مباشرة، بعد أن تساقطت شظايا من طائرات مسيّرة أُسقطت على البنية التحتية للسكك الحديدية، ما أثّر على 50 قطارا للمسافات الطويلة بالإضافة إلى حركة النقل المحلية، بحسب ما أفادت به السلطات. وأفاد حاكم منطقة روستوف، يوري سليوسار، أن منازل خاصة في مدينة كامينسك اندلعت فيها النيران بعد سقوط شظايا طائرات مسيّرة عليها، مما أدى إلى إصابة امرأة. كما تعرضت منطقة بريانسك، الواقعة شمال أوكرانيا مباشرة، لهجمات، دون ورود تفاصيل عن الأضرار. وتسعى أوكرانيا من خلال هجماتها على المناطق الحدودية الروسية إلى تعطيل خطوط الإمداد العسكري. وتؤكد أن الأضرار التي تلحق بالمدنيين الروس لا تُقارن بما يتكبده المدنيون الأوكرانيون من دمار وقتلى بسبب هجمات روسيا بالصواريخ والطائرات المسيرة. وكتب مدير شركة السكك الحديدية الأوكرانية، أولكسندر بيرتسوفسكي، على فيسبوك، أن الهجمات الروسية على القطارات المدنية التي لا تنقل معدات عسكرية آخذة في التزايد، مشيرا إلى أن قطارات نقل الفحم تستهدف بشكل خاص.