logo
#

أحدث الأخبار مع #التحولات_الاجتماعية

الأردن في مرآة الأدب العالمي من التشخيص إلى الإنقاذ
الأردن في مرآة الأدب العالمي من التشخيص إلى الإنقاذ

الغد

time١٣-٠٧-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الغد

الأردن في مرآة الأدب العالمي من التشخيص إلى الإنقاذ

في زمن التحولات العميقة التي تعصف في بعض بالمجتمعات، وتضيع فيه خرائط الخلاص بين الخطابات السياسية وصمت المجتمع، يصبح الأدب أداة استبصار لفهم مأزق الشعوب، وتتحول الروايات إلى خرائط شعورية تُسقط على الواقع أكثر مما تُروى. اضافة اعلان في الكثير من روايات الأدب العالمي، أدوات تحليلية لا تقل دقة وعمقًا عن التقارير الرسمية والدراسات السياسية والاجتماعية، ولا نحتاج إلى عدسة إخبارية لرؤية الأزمات، بل إلى مجهر أدبي يكشف ما هو أعمق، ونكتشف بان الأدب ليس مجرد ترف ثقافي، بل هو أداة حادة لقراءة الواقع لمجتمعات تتراكم فيها الازمات، وعندها تصبح النصوص القديمة أكثر حضورًا من نشرات الأخبار، ومع ان الادب الرؤي لا يقدّم حلولًا جاهزة، لكنها يكشف التشققات العميقة خلف الجدران المطلية بالإنجازات. من دوستويفسكي، المعبر عن الانسان المتصارع بين الإيمان واليأس، وتشيخوف الذي صوّر الخوف من التغيير، إلى كافكا الذي فضح جبروت البيروقراطية، مرورًا ببيكيت الذي أدمن الانتظار، وميلر الذي صوّر الحلم المنهار، وصولًا إلى كامو وشتاينبك اللذين كتبا عن الاغتراب والقهر الطبقي، نجد أنفسنا اما نص أدبي هائل، تُكرر فيه بعض المجتمعات أدوارها بلا نهاية. فاذا كان الكاتب تشيخوف (1860–1904) كتب عن الإنهاك الداخلي الذي يصيب الشعوب، والخوف من التغيير (التغير الذي لا يأتي)، والتشبث بأمل مؤجل دون إرادة للتحرك، وهذا يشبه الى حد ما واقع الكثير من الشعوب، ومنها الأردن، حيث المواطن ينتظر منذ عقود إصلاحًا سياسيًا واقتصاديًا وادارياً، لم يتحقق كما يجب، ورغم التوجيهات الملكية المستمرة والدعوات إلى مغادرة مربع الجمود، الا ان نفس التردد الذي أصاب ابطال تشيخوف، أصاب بعض النخبة الأردنية والمجتمعية على حد سواء (الكل يريد تغيير الواقع الحياتي والاقتصادي والاداري، لكن هناك خوف من التغير)، فالكثير منا يعيشون على الامل، في حين أن الدولة تواجه لحظة مفصلية تستوجب إعادة تعريف الذات لا انتظار لحظة توافق سحري او فرج ما. في روايات دوستويفسكي (1821–1881) الذي فتح جراح الإنسان الممزق بين الخير والشر، وبين العدالة والقهر، لكنه يملك دومًا صوتًا داخليًا يُنقذه أو يُدينه. وعند تحليل واقع الكثير من المجتمعات ومنها الأردني يبدوا لنا بأنهم قد فقد هذا الصوت، واستُبدلوه بمشاعر عامة من نوع الغضب الصامت أو الاستسلام الهادئ امام واقع معيشي صعب والبطالة التي تقتل الطموح، والتعليم الذي لا يحرر، والشباب الموزّع بين الهجرة أو الانكفاء. دوستويفسكي في أسطورة المفتش الكبير "الناس لا يريدون الحرية، بل يريدون الخبز، والراحة من التفكير" وبالتالي هو يكتب عن الانسان الذي يبحث عمن يعفيه من المسؤولية. وفي الأردن، تتكرر هذه المعادلة المعقدة، حيث المواطن يطالب بالحريات، لكنه يرفض مبدأ المساءلة، ويريد الإصلاح، لكنه لا يثق بالمخرجات، ولا حتى بنفسه احياناً، وبعض المؤسسات من جانبها تُمارس إدارة فوقية، وتُكثر من الحديث عن المشاركة، لكنها تُبقي المفاتيح في أيدي نخبة مغلقة، وهكذا يُعاد إنتاج الانسان المُسيّس بالشعار، لكنه مفصول عن الممارسة، وهو ما يُنتج نمطًا من "المواطنة الطيعة" التي تشبه ما وصفه دوستويفسكي بالحرية كعبء، لا كحق. رغم أن الملك دعا وبوضوح إلى "عقد اجتماعي جديد"، وإلى توسيع قاعدة صنع القرار، إلا أن القاعدة الشعبية لا تزال رهينة لمعادلة، لا أريد أن أُحاسب، فقط أن أُحمى. كافكا (1883–1924) جاء ليضعنا أمام بيروقراطية خانقة تحوّل المواطن إلى مشروع مؤجل، وبيروقراطية عبثية في منظومة غامضة، لا يدري لماذا يعاقَب فيها أو يُهمَّش، ويدخل في متاهة بلا نهاية وهي صورة ليست بعيدة عن واقع مجتمع يضج بالشكاوى الصامتة، حيث تتسع الفجوة بين المواطن والدولة، وبين الطموح والإمكان. كافكا، الذي يتحدث عن البيروقراطية ككابوس وجودي (في روايتي المحاكمة والقلعة)، وكأنه يعكس الاحساس اتجاه بعض المؤسسات التي يشعر أمامها بالضعف وحالة من عدم اليقين، وكأنها تحاسبه دون أن تشرح له المعايير (وهذا يعني ان الإدارة العامة والمترهلة تحتاج إلى ثورة في الشفافية والحوكمة)، والإصلاحات تُصاغ على الورق، ولكنها تُستقبل بالتصفيق، الا انها لا تغيّر في المعادلة شيء، لأن بيروقراطية الادارة ما تزال تسيطر، والولاءات المختلفة لا تزال معيار الترقية. ان مثل هذا الوضع سبق وان نبه منه جلالة الملك في أكثر من مناسبة (منذ عقدين وهو يدعو للإصلاح الإداري وتبسيط الإجراءات ومكافحة البيروقراطية، إلا أن البنية البيروقراطية القوية، لا تزال تعيق التغيير). بيكيت (1906–1989)، وعبث الانتظار، كما في مسرحية "في انتظار غودو"، ينتظر البطلان شخصًا لا يأتي، في واحدة من أبلغ صور اللامعنى والفراغ، فيه شيء يمس حياتنا (فاغودو الأردني ليس شخصًا بعينه، بل هو كل مشروع وعد بالخلاص ولم يتحقق (مبادرات فرص التشغيل (بيكيت في انتظار التشغيل) وتمويل المشاريع وبرامج التمكين إلى وعود التحول الاقتصادي، ومن استراتيجيات التعليم إلى خطط التنمية، لكنها لم تصل بعد، أو تصل مشوهة، أو متأخرة)، وحتى يصبح الانتظار هو النشاط ذاته، ويتحوّل الشباب من مشروع فاعل إلى متلقٍ سلبي. في دائرة لا تنتهي من المنح الموجهة، والمبادرات، والبرامج (التي لا تقيم نتائجها)، حيث الانتظار الطويل (للخروج من عنق الزجاجة)، والذي لم يأتي بعد، والوجوه ذاتها والخطابات تتكرر على خشبة الوطن (تمامًا كما انتظر وإستراغون تحت شجرة جافة (في مسرحية غودو)، ينتظر التحوّل من الممكن، الا انه لم يأتي بعد. رغم التوجيهات الملكية للحكومات المتعاقبة، وكثرة المبادرات، التي لا تترجم على ارض الواقع احياناً، يخلق حالة تشابه للانتظار العبثي، حيث يتحول كل شيء إلى مشروع مؤجل بانتظار جهة ما، وقد لا تصل. وهنا يُطرح سؤال وجودي، هل الدولة تنتج البرامج، أم الفرص؟ وهل المؤسسات تُنَفذ الرؤية الملكية، أم تُعيد تدويرها في شكل مبادرات مؤجلة؟ شتاينبك (1902–1968)، وسحق الفقراء والهامشيين كما في رواية 'عناقيد الغضب'، حيث قسوة الاقتصاد على الفلاحين الأميركيين، ويكشف هشاشة الطبقة الريفية في رحلة البحث عن الكرامة في ظل نظام اقتصادي جائر، وأمام السياسات الكبرى (في زمن الأزمات)، وهو ما يشبه واقع بعض المجتمعات في البحث عن حياة كريمة وسط أرقام متضاربة وخطابات من بعض الرسميين مكررة وبدون فحوى. في الأردن، تعاني مناطق الريف، والبادية، والمخيمات من تهميش تنموي (رغم شعارات التمكين، ومنح الوعود بالفرص)، حيث خذلتها التنمية وتعيش على الحد الأدنى وتزداد اختناقًا، والبطالة التي صارت ميراثًا عائليًا، والتعليم الذي تحوّل من أداة تمكين إلى عبء (حيث يدرس الطالب ويتخرج إلى واقع لا تنفع فيها شهادته الغير مقرونة بمهارته، والجامعات تُدار بمنطق التكرار لا الإبداع)، نجد ان المشكلة تكمن في الفلسفة العامة للتعليم، ما هو هدف النظام التعليمي؟ هل هو للتوظيف؟ للتفكير؟ للنجاة؟، وأصبح الفقر يُورّث باسم الشهادة، واسوأ الفقر هو فقدان الأمل بالمستقبل، والنتيجة أجيال تتعلم لكي تنتظر، والطبقة الوسطى تنهار بهدوء (وهي الطبقة الواعية والتي يُعوّل عليها قيادة التحولات، لكنها مشلولة الإرادة، باتت تكتفي بالمراقبة الصامتة، وتستنزف طاقتها في التحليل والتنظير عبر مواقع التواصل). ان هذه النصوص ترشدنا الى انه لا تنمية دون عدالة، ولا عدالة دون إصلاح، ولا اصلاح دون معالجة خلل التعليم. الملك، كان قد دعا مرارًا إلى "تعليم منتج"، ومحو الفجوة بين المهارات والفرص، الا ان الانفصال بين ما يُدرَّس وما يُطلب في الحياة العملية، ما زال كبيراً، والتحدي الحقيقي هو ألا نترك شريحة كاملة من المجتمع تُكرر ذات المصير الذي وصفه شتاينبك بطبقة شابة مشحونة بالمعرفة فاقدة للمهارة، لكنها مُعطّلة عن الفعل. ميلر (1915–2005)، صاحب "موت بائع متجول" حيث ينهار الحلم الأميركي تحت وطأة واقع عنيد (خيبة الحلم)، في عالم لا يرحم، وساسة يبيعون الحلم على أرصفة البطالة (مما يشكل حالة الحلم المنهار والاغتراب العام). في الأردن، حيث يطارد المواطن حلم الوظيفة، أو المشروع الريادي (يصطدم بعقبات التمويل، والتراخيص، والروتين القاتل)، وحيث اعتقد الكثيرون أن التعليم والعمل الجاد سيقودهم إلى النجاح، فاكتشفوا أن الأهم هو العلاقات والوساطات، وتم الوعد بالصبر "تصبروا قليلاً، والثقة تعود، والمستقبل لنا (حيث تم بيع وشراء الحلم نفسه مرارًا في سوق السياسة والاقتصاد، الا انه لم يعد يجد مشترين). ان عدم وضوح الرؤيا، يُفرغ الأحلام من مضمونها، ويحول التمكين إلى شعار دون أثر ملموس، وعندها يبدأ الانهيار المعنوي قبل المادي. كامو (1913–1960)، صاحب رواية "الغريب" و"الطاعون، يتناول شعور الإنسان باللاجدوى وسط عالم عبثي لا يُكافئ الأخلاق ولا يفهم الاحتجاج، حيث يرى أن على الإنسان أن يخلق معناه رغم عبثية العالم. لو كان كامو موجود، فلربما يجد في "اللامعقول واللامعنى" واغتراب الإنسان، شعور يتقاطع مع شرائح واسعة من الشباب، المقتنع بأن مشاركتهم السياسية أو الاجتماعية لا تُغير شيئًا، رغم ما يتمتعون به من وعي. الأردني يجد بلداً يعرف مشكلاته (لكن البعض من النخبة يواصل الإنكار، ويراهن على الزمن بدلًا من التغيير)، والسؤال لبعض النخب، هل المستقبل ضرباً من اللاجدوى؟ (وهذه اللاجدوى تسكن في أحاديث الكثير من الشباب الأردني، ليس لأنهم عدميون، بل لأن الواقع لا يكافئ الجهد)، ومع ذلك فأنهم لا يتوقفون عن طرح السؤال، هل نحن عالقون في مرحلة ما قبل الوعي؟ او نعيش حالة من الإنكار، ونعرف الحقيقة، ولكننا نفضل تجاهلها (وربما لا يلومهم أحد، فالحقيقة موجعة حين تكون مكشوفة، والعبث أحيانًا أقل ألمًا من الوعي). يبدو أن البعض يعاني من تقاطعات مؤلمة، تتحرك بين مشاهد تشيخوف، ومظلمة دوستيوفسكي، ومتاهات كافكا، وانتظارات بيكيت، وأحلام ميلر، ومآسي شتاينبك، واغتراب كامو. ففي الأردن اليوم، لا نحتاج إلى عدسة إخبارية لرؤية الأزمات المركبة، ويبدو كمن يعيش داخل عمل روائي كثيف تتداخل فيه البيروقراطية، والخوف من التغيير، وثقافة الانتظار، والارتباك بين الحرية والمسؤولية، الا ان ما يلفت النظر الى أن ما نعيشه من أزمات اقتصادية وبيروقراطية واجتماعية ونفسية، قد صوره كتّاب مثل تشيخوف وكافكا وبيكيت ودوستويفسكي وغيرهم ومنذ عقود من الزمن. في ظل التحولات الكبرى التي تمر بها المنطقة، الأزمات لا تنشأ من فراغ، بل من بنية سياسية واجتماعية تعيد انتاج نفسها باستمرار (البرلمان لا يُحاسب الحكومات كما يجب، والأحزاب ضعيفة، والحريات تتراجع (حسب المؤشرات الدولية). اما نحن، فإذا أردنا مستقبلًا مختلفًا، فعلينا أن نقرأ الأردن كما نقرأ رواية عظيمة، لا نكتفي بالعناوين، بل نغوص في التفاصيل، ونجرؤ على تغيير النهاية. ما ينقصنا ليس التشخيص، بل الفعل الجريء، الذي يحرر المواطن من النصوص المتكررة، والانتقال من مرحلة "قراءة الواقع" إلى "إعادة كتابته"، وهذا يبدأ بخطة وقرار (لا نكتفي بقول اللهم فرجك، بل بالسعي لتطبيق الفكر الاستراتيجي)، لا بالشعار والتأجيل، ولا الهروب منها بالتسكين، بل بمواجهةٍ حقيقيةٍ مع النفس. فالإنقاذ يكون بإعادة بناء العلاقة بين الدولة والمواطن على أسس جديدة (الشفافية، العدالة، والكفاءة)، وان نتوقف عن اعادة تدوير بعض النخب وتكرار الخطابات، ويجب أن نعيد تعريف الأولويات، ونسعى لبناء عقد اجتماعي جديد يعطي لكل فرد مكانًا الذي يستحق في وطنه. نحن نعلم بان الأزمات ليست مجرد أرقام أو مؤشرات اقتصادية، بل هي ظاهرة اجتماعية متجذرة تؤثر على الطبقات الأكثر هشاشة، وسكان المناطق النائية، حيث يتفاقم شعور الاغتراب لديها بتفاقم البطالة، ويزداد التوتر الاجتماعي، مما يشكل تهديدًا للأمن المجتمعي، إذا لم يُعالج بحلول شاملة وعميقة. اننا نفهم بان المشهد الأردني لا يمكن فصله عن التأثيرات الإقليمية والدولية، فالتحديات معقدة، والضغوط كبيرة، وتلقي بظلالها على قدرة الأردن في تنفيذ الإصلاحات المنشودة، الا ان الامر يتطلب حوكمة مرنة وحساسة للتوازن بين القرار الوطني والواقع الجيوسياسي، وعليه فأننا اليوم بحاجة الى قرار تاريخي يُخرجنا من الرواية (قرار سياسي، ومؤسسي، وإداري، وثقافي، يعيد تعريف الدولة لا كشعار، بل كممارسة). فالدولة ما يشعر به المواطن في المدرسة والمستشفى والدائرة الحكومية والصندوق الانتخابي، وغيرها، ولا يكفي أن نُعدّ خططًا تنموية محكمة، إن كانت تُنفّذ بذهنية تشيخوف (يخاف التجديد)، أو بفكر كافكا (يؤمن بالغموض)، أو ببيكيت (تفضيّل الانتظار)، فقد أصبح لزاماً أن نعيد كتابة نصنا، أو ان نستمر كأبطال ثانويين في روايات لم نؤلفها في ظل التحولات الكبرى في المنطقة. الملك، دائماً السباق، وكتب النص للرواية الأردنية الجديدة، وحدد نصوصها بسردية وطنية، فهل قرأها الجميع؟ الملك متابعاً للمشهد وبدقة، فمنذ عقدين، وهو يوجه الحكومات، واصدر أوراقًا نقاشية (دعا فيها إلى تجديد العقد الاجتماعي، وتمكين الطبقة الوسطى، وتجاوز البيروقراطية)، وقدم خطاباً إصلاحيًا متقدمًا، يؤسس لرؤية تشاركية ناضجة لمستقبل الدولة (دعا إلى التعددية، وسيادة القانون، والمواطنة الفاعلة، وتطوير التعليم، وتجديد النخب، وتحقيق التنمية)، إلا أن المشكلة في المسرح، وفي بعض الممثلين الذين يرفضون الخروج عن النص او عاجزين عن مغادرته (نص الخوف، والمراوحة، والمحسوبية، والمظلومية المزمنة، والولاءات الضيقة والمصالح المتجذرة، وهي تقاوم التجديد وتكرس سياسات الاستمرارية على ما نحن عليه)، وفي جمهور تعب من انتظار التغيير (بعض فئات المجتمع ترفض المشاركة الحقيقية (تلعب دور الضحية الذكية)، إما عن خوف، أو بسبب إرث طويل من التهميش واللا ثقة)، الامر الذي جعل مؤسسات الدولة تعيش في حالة لا توازن، حيث تسير بخطاب إصلاحي، وسلوك تقليدي؛ في مجتمع يُريد العدالة، لكنه يهاب الحرية. نحن اليوم بحاجة الى ان ندخل إلى مسرح التغيير الواقعي، فالانتظار لم يعد بطولة بل خطراً قد يصيب المجتمع ان اعتاد السكون. الملك المدافع عن نص السردية الوطنية والموجه لتطبقها، فهل نستجيب؟ للخروج من حالة التموضع، وهل نحن قادرين على التجديد باختيار القيادات المؤسسية القائمة على الكفاءة (لا بالتوصية)، ونقل الوعي من التلقي إلى الفعل، وإصلاح التعليم والإدارة معًا، وبناء الثقة عبر النتائج لا الشعارات، والموازنة بين الحرية والمسؤولية، والبرلمان ميدانًا للرقابة والمساءلة، وتمكين المجتمع من إعلام مستقل، وتشكيل هيئة مستقلة لتقييم أداء المؤسسات وغيرها. نعم، الملك كتب الفصل الجديد لنا، حيث قال "لا يجوز أن نبقى في مكاننا، ونريد عقدًا اجتماعيًا جديدًا، والمشاركة لا الانتظار، والمواطن أولًا"، كما دعا الى تمكين الطبقة الوسطى، وتعزيز المشاركة الحزبية، وإصلاح التعليم والإدارة، واقتصاد الإنتاج بدل الريع، وبناء أردن جديد. وهنا يأتي دور التعليم لخلق جيل قادر على التفكير النقدي، والانتقال بالمجتمع نحو الديمقراطية الفعلية، التي توفير مساحة للحريات السياسية والاجتماعية، مع ضمان الاستقرار والحد من الفوضى التي قد تنجم عن تراخٍ مفرط أو قمع مفرط. هل نحن جاهزون لنرفع قلمنا وهممنا مع الملك، لا أن ننتظر الصفحة التالية، ويجب ان نرفض ان نكون مجرد شخصيات متعبة في رواية أجنبية، ونحن تتوفر لديه مقومات البطولة، القادرة على تحويل مؤشرات الأزمة إلى فرص (إذا توفرت الإرادة التنفيذية القادرة على تحمل المسؤولية والقابلة للمحاسبة) وبالفعل عندها نكون نملك أدوات الخروج من النص القديم، لا لأننا لا نؤمن به، بل لأننا نستحق نصًا جديدًا يليق بنا وعبر عنه الملك بوضوح، لنعيشه وندافع عنه تحت قيادته. *مركز عبر المتوسط للدراسات الاستراتيجية

التحليل المجتمعي.. هل نحن بحاجة إلى مختبر؟
التحليل المجتمعي.. هل نحن بحاجة إلى مختبر؟

الرياض

time٠١-٠٦-٢٠٢٥

  • أعمال
  • الرياض

التحليل المجتمعي.. هل نحن بحاجة إلى مختبر؟

التحولات الاجتماعية لا تنتظر، والمجتمعات لا تعيش في فراغ، بل تتشكل وتتغير كل يوم تحت تأثير عوامل كثيرة، وهذا ما يجعل الحاجة إلى أدوات لفهم هذه التغيرات أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، لم تعد الظواهر الاجتماعية مجرد موضوعات للملاحظة أو النقاش، بل أصبحت معطيات تتطلب تحليلًا منهجيًا عميقًا، شبيهًا بما يحدث في مختبرات العلوم الدقيقة، وهنا يُطرح سؤال جوهري: هل نحتاج فعلاً إلى "مختبر" مجتمعي؟ ولماذا يُعد إنشاؤه ضرورة وليست ترفًا أكاديميًا؟ وفقًا لتقرير "المنتدى الاقتصادي العالمي" لعام 2024، فإن 67 ٪ من المجتمعات في الدول النامية شهدت تغيرات ملموسة في البنية الأسرية، وأنماط العمل، والقيم الثقافية خلال العقد الأخير، دون وجود آليات بحثية واضحة لرصد هذه التحولات، هذا الرقم لا يعكس مجرد تغيير، بل يشير إلى فجوة متنامية بين الواقع المجتمعي والسياسات العامة، وهي فجوة لا يمكن ردمها إلا بأدوات تحليل دقيقة ومستمرة. يرى عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو أن "الواقع الاجتماعي ليس معطى جاهزًا بل يُبنى"، ما يعني أن الفهم الحقيقي للمجتمع لا يتم تلقائيًا، بل يحتاج إلى أدوات علمية تسبر أغواره وتفكك تعقيداته، والمختبر المجتمعي هنا لا يُقصد به مكانًا فيزيائيًا فحسب، بل منظومة تحليلية شاملة، تجمع بين رصد الظواهر وتحليلها باستخدام مناهج علم الاجتماع، والإحصاء، والأنثروبولوجيا، وتكنولوجيا البيانات، من خلال هذا الإطار، يمكن تحليل التغيرات في القيم، وفي أنماط الحياة، والتفاعل مع القضايا المعاصرة مثل الانتماء، والهوية، والتحولات الرقمية. أما المفكر الألماني يورغن هابرماس فقد أشار إلى أن "التواصل هو جوهر الفعل الاجتماعي"، وهي إشارة إلى ضرورة أن يكون المختبر المجتمعي أداة حوارية تشاركية، لا مجرد مركز للرصد الأكاديمي، بل يجب أن يُدمج فيه صوت الشارع، وتحليلات الخبراء، وقراءة الخطاب العام، ليصبح فضاءً لفهم المجتمع من داخله، وليس من خارجه فقط. المختبر، بهذا المعنى، يعزز من قدرة صناع القرار على تبني سياسات واقعية، تستند إلى فهم سليم للمزاج المجتمعي وتحولاته. إن إنشاء مختبرات للتحليل المجتمعي هو استثمار في الوعي، وفي الحصانة الثقافية والفكرية للمجتمع، فحين نفهم ما الذي يتغير فينا، ولماذا، نصبح أقدر على التكيف مع المستقبل، وعلى التخطيط له لا الانقياد إليه.. إنها دعوة لإعادة التفكير في كيفية رؤيتنا لأنفسنا كمجتمعات، للمزيد من الفهم والتحسين.. دمتم بخير.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store