أحدث الأخبار مع #المتكبرين


الشرق الأوسط
منذ يوم واحد
- منوعات
- الشرق الأوسط
بَينَ نَصيحةِ المَعرّي وَشفقتِه
عَجيبٌ ما فعلَهُ شَاعرُ الفَلَاسفةِ، وَفَيلسُوفُ الشُّعراء، أبُو العَلاء المَعَرِّي وهوَ ينقُضُ عُرَى المُتَكبّرِ، باسْتخدَامِهِ منطقاً حِوارياً يمكنُ لِمَنْ يتفكَّرُ به ويتأمَّلُه بِتمعُّنٍ وَتَبَصُّرٍ أنْ يُصدمَ مِنْ حَقَائقَ جَلَاهَا المَعرّي وأزَالَ عنهَا كلَّ خِمارٍ وَكَشَفَ عنهَا كلَّ غِطَاء. كَانتِ البدايةُ في وصفِ سُلُوكِ المُتكبّرينَ، الّذِي يندُرُ أنْ يَتَنَبَّهَ إليهِ المُتغَطرِسُ وإنْ كَانَ يَتلبَّسُ بهِ؛ إذْ يُمارسُه كلَّ حِينٍ وَفِي كلّ مَكَان! يُريدُ المتكبرُ أن يُحدثَ جلبةً ودوياً وما يترك إلا قعقعةً بلَا طِحْنٍ ضمنَ بحثِهِ عنِ الشُّهرةِ الفَارِغَةِ وضمنَ هُيامِه المُفرطِ بنفسِهِ، تَراهُ يَمشِي بِتَبخْتُرٍ وَتَغطْرُسٍ، وَيضرِبُ الأَرضَ بِأقدامِهِ، وَكَأنَّهُ يَسيرُ فِي عَرضِ مارشالٍ عَسْكَرِي، لِذلكَ تَلَطَّفَ المَعَرّي بِنَصِيحَتِهِ الشَّفِيفَةِ فَقَالَ: صَاحِِ هَـذِي قُبُـورُنَا تَمْلَأُ الـرُّحْـبَ فَــأَيْـنَ القُـبُـورُ مِـنْ عَـهْـدِ عَـادِ يَبدأُ أبُو العلاء بيتَه بنداءٍ مُرخَّمٍ تّحَبُّباً وَتَلَطُّفاً وَحُنُوّاً معَ المُتغطْرسِ، فيقولُ لَهُ: صَاحِ وَهُوَ تَرْخِيمُ صَاحِبي، فَوَصَفَ المتكبّرَ بِصَاحبِه، وهذَا فيهِ دلالةٌ علَى أنَّ منهجَ النَّصيحةِ الأَمثلَ إنَّمَا يكونُ بالمَحبَّةِ وَاللطفِ واللينِ، لأنَّ النَّاصحَ الحَقيقيَّ مُشفقٌ علَى المَنصُوحِ، والمُشفقُ مُحِبٌ غايتُهُ أنْ يفتحَ اللهُ علَى المَنصوحِ فَيَرِقّ للنَّصيحةِ ويَقتنِع بِهَا وَيَمتثل لَهَا، وليسَ هدفُ النَّاصحِ أنْ ينفخَ ذاتَه ويُطرِبَ داخلَه بصوتِه المُخمَلِيِّ وَهوَ يقولُ لنفسِه بشكلٍ غيرِ مُباشرٍ، أنَا خيرٌ مِنْ هذَا الّذِي لَمْ يَتَوصَّلْ إلَى مَعنَى النَّصيحَةِ، فأنَا أُحَدّثُ المَنصُوحَ مِنْ عُلُوٍّ، حيثُ مَرتبةُ العَالمِ الفَاهِمِ مِثلِي، وأنَا أتَفضَّلُ عَليهِ بِنُصْحِي، وَوَقتِي وَجهدِي وَعِلمِي! هَذَا النَّوعُ منَ النَّصَائحِ مرَّ علَى مُحرّرِ صِيَاغَةٍ فِي جُمهوريَّة إبليسَ، فَحَبَّرَ النَّصَّ للنَّاصِحِ، وَدَبَّجَهُ بِكلّ تَوَاضُعٍ شَيْطَانِيّ يَكفِي للدّلالةِ عَليهِ مَرَّاتُ اسْتخدَامِ (أنَا) فِي حَديثِ النَّاصِحِ، حَتَّى أوْشَكَتْ أنْ تَتحوَّلَ إلَى (نحنُ) مِنْ كَثْرَتِهَا! ثمَّ قالَ الشَّاعرُ فِي تَأكيدٍ عَلَى مَنْهَجِهِ المُشْفِقِ فِي النَّصِيحَة: صَاحِ هَـذِي قُبُـورُنَا تَمْلَأُ الـرُّحْـبَ فاستخدمَ (قبورنا)، جَامعاً نفسَه معَ المَنصوح، وجعلَهَا قضيةً لا تختصُّ بِالمنصُوحِ وحدَه، حتَّى لَا يتركُه في العَراء وحيداً، بل اعتبرَ الأمرَ مُتَعَلّقاً بِالجَميعِ، ومَا هيَ بِمشكلةٍ ينفردُ بهَا المَنصُوحُ المُتغطرِسُ! وَقولُهُ (الرُّحب): يريدُ الأرضَ الرَّحبةَ الواسعةَ الشاسعةَ الممتدة، وَهيَ رغمَ امتدادِهَا بلَا حَدٍّ، فإنَّ قبورَنَا تَملأُهَا، منْ كَثْرةِ القُبُورِ. وَقَصدَ بِالجَمعِ فِي قُبورِنَا: البَشرَ كُلَّهُمْ فِي مُختلفِ العُصُور. ثم انتقل ليطرحَ تساؤلاً في عجزِ البيتِ، بقوله: فأينَ القبورُ من عهدِ عادِ؟ أيْ هذهِ الأعدادُ المَهولةُ منَ الخَلقِ، أين هيَ قبورُهم؟ إذا كانتِ الأرضُ تملؤها قبورُنَا نحنُ وأسلافنا المعاصرين فأينَ قبورُ الأوائل؟! يُلمح الشَّاعرُ إلى أن القبورَ تضيع ملامحُها بالتقادم، وتبقى قبورُ المتأخرين ظاهرةً شاخصةً، لكنَّها إلى زوالٍ سائرة، شأنُها شأنُ قبور المتقدمين. وتحدَّثَ عن عهدِ عاد بالذات، لأنَّ العربَ كانوا إذا أرادوا أن يتحدثوا عن عصرٍ قديم، ذكرُوا قومَ عادٍ. وَفِي التَّنزيل: (وإلى عادٍ أخاهم هوداً)، أي وأرسلنَا إلى عادٍ أخاهم هودَا. ثمَّ ينشدُ المعرّي، بيتاً رائعاً، يخاطبُ به المتكبر: خَــفِّــفِ الـوَطْءَ مَـا أَظُـنُّ أَدِيـمَ الْأَرْضِ إِلَّا مِــنْ هَــذِهِ الأَجْـــسَـــادِ يقول: يا أيُّها المتغطرسُ في مشيتِه، إذ يضرب الأرضَ بقدميه بقوة، خفف وطأك بأقدامك، فأديم الأرض: أي ظاهرها، وهي الطبقة العلوية من الأرض أحسبُها تشكَّلت من أجسادِ الموتى؛ إذ أصبحتْ أجسادُهم جزءاً من التربة. والأرض التي بعضها فتات أجساد البشر الأوائل لا تستحق أن تضربَها بخطوات قدميك القوية، فخفّفْ وطأتَك وخفّف وطأَكَ. ويبرر نصيحته بتخفيف الوطء، بقوله: وَقَـبِــيـحٌ بِــنَـا وَإِنْ قَــدُمَ الــعَـهْــدُ هَــــوَانُ الآبَــــاءِ وَالأَجْــــدَادِ أي أنَّ إهانةَ الآباءِ والأجدادِ الذين صارَ رفاتُهم على هذه الأرضِ يكون بضربِ الأرضِ بالأقدامِ بقوةٍ، وَهوَ فعلٌ قبيحٌ. لاحظْ أنَّ المعريَّ يكرّرُ الانضمامَ إلى المنصوحِ بقولِه: قبيحٌ بنَا، ولم يقلْ قبيحٌ بكَ أيُّهَا المُتَغطْرِسُ، مع أنَّ الشَّاعرَ لم يمشِ مِشيةَ التَّكبُّرِ تلك، لكنَّها شَفقةُ المُحِبِّ النَّاصِحِ.


فيتو
١٣-٠٣-٢٠٢٥
- منوعات
- فيتو
فيه هدى وشفاء (4)
عزيزي القارئ لازال الحديث عن آفة الكِبر المُهلكة، وكنا قد ذكرنا في المقال السابق أن الكبرياء والعظمة صفتان من الصفات الذاتية لله عز وجل تفرد سبحانه وتعالى بهما، فله تعالى العظمة والكبرياء، ولخطورة هذه الآفة الخطيرة والمُهلكة ولشدة العقوبة عليها إليك عزيزي القارئ بعض الآيات المحذرة من الكِبر والمُشيرة إلى عظم الجُرم والعقوبة.. يقول تعالى ﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾.. ويقول سبحانه في خطابه لإبليس عندما إمتنع عن السجود لأبينا آدم عليه السلام ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾.. ويقول تبارك في علاه ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.. ويقول جل جلاله ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾.. ويقول جل ثناءه ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾. هذا ومن أشد العقوبات التي تصيب المتكبرين في الدنيا عقوبة طمث قلوبهم وعماء بصائرهم وحرمانهم من نور الهداية والإيمان، وإلى ذلك أشار الحق سبحانه بقوله ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾. هذا ومن أعظم وأشد العقوبات للمتكبر الذي لا يؤمن بالآخرة ويستكبر أن يُحرم من محبة الله تعالى حيث يقول تعالى ﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾، والأية الكريمة ﴿ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾. وكان من وصايا سيدنا لقمان لإبنه أن يتواضع وألا يستكبر. وقد أشار الله إلى ذلك بقوله تعالى ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.