أحدث الأخبار مع #المثقف


الرياض
١٠-٠٧-٢٠٢٥
- ترفيه
- الرياض
المثقف بين الأفكار والأخلاق
في زمن تتسارع فيه الألقاب وتتزايد فيه المنابر، لم يعد المثقف مجرد حاملٍ للمعرفة، بل صار رمزًا أخلاقيًا تحت المجهر. وفي ظل الانكشاف التام على وسائل التواصل، يثور سؤال قديم بصيغة جديدة: هل تكفي الثقافة وحدها لصناعة مثقف يُحتذى؟ أم أن الأخلاق هي ما يمنح الفكر شرعيته وصدقه؟ المعرفة أداة قوية، لكنها قد تتحوّل إلى وسيلة للتضليل إذا تجردت من الضمير. التاريخ يعج بأسماء أضاءت العقل وأظلمت السلوك، وأخرى جسّدت الفكر التنويري في مواقف نادرة من الاتساق الإنساني. بين هؤلاء وأولئك، تتضح معضلة المثقف: هل يعيش ما يقول؟ ومن المثقفين الذين خذلتهم سلوكياتهم، جان جاك روسو، صاحب «العقد الاجتماعي»، نظّر لتربية مثالية، لكنه تخلى عن أطفاله الخمسة وسلمهم لملاجئ الأيتام. مارتن هايدغر، أحد أبرز فلاسفة الوجود، انضم إلى الحزب النازي ولم يعتذر لاحقًا عن ذلك. بابلو نيرودا، الشاعر الثوري، كتب في مدح ستالين رغم معرفته بفظائع حكمه. جان بول سارتر، المدافع عن الحريات، أيد الشيوعية السوفيتية ثم تراجع بعد اجتياح المجر. ليو تولستوي، الذي كتب عن الزهد، عاش مرفهًا وكانت علاقته بزوجته متوترة. أما نيتشه، فقد استخدم نبرة استعلائية تجاه ثقافات بعينها، ووجد النازيون في أفكاره ما يبرر تطرفهم. جورج أورويل، الذي هاجم الشمولية، سلّم قوائم بأسماء مثقفين للسلطات البريطانية. وكانط، الذي كتب عن كرامة الإنسان، أبدى في نصوصه الأولى أفكارًا عنصرية. ماركس، صاحب «رأس المال»، عاش على نفقة إنجلز وتخلى عن ابنه غير الشرعي. أما لوك، أحد آباء الليبرالية، فاستثمر في شركة لتجارة العبيد. بيكاسو، مجدد الفن الحديث، عُرف بتعامل مؤذٍ نفسيًا مع النساء. غاندي، رمز اللاعنف، عبّر عن آراء عنصرية في شبابه. جيفرسون، كاتب إعلان الاستقلال، امتلك مئات العبيد. نيرون، راعي الفنون، اتُّهم بإحراق روما وقتل والدته. هنري الثامن، الذي أسس الكنيسة الأنجليكانية الإصلاحية، أعدم زوجتين وعددًا من معارضيه. في تاريخنا، ابن رشد، الفقيه والفيلسوف الأندلسي، كان من أعظم من دافعوا عن العقل في التاريخ الإسلامي.، كرّس كتاباته لتأكيد إمكانية التوفيق بين الحكمة والشريعة، وهاجم الجمود العقلي، ودعا إلى التفكير النقدي وتحرير العقل المسلم من سلطة النقل، لكنه في حياته العملية، كان ضمن النخبة المقربة من البلاط الموحدي، وتقلّد مناصب رفيعة كالقضاء والطب، مما جعله في صميم البنية الحاكمة آنذاك. وحين تغيّر المزاج العام، نُفي من قرطبة، وأحرقت كتبه، واتُّهم بالزندقة. هذه التجربة المؤلمة تكشف تعقيد العلاقة بين المثقف ومراكز النفوذ، وتطرح سؤالًا دائمًا: إلى أي مدى يمكن أن يحافظ المفكر على استقلاله. أما ابن خلدون، فتنقل سياسيًا بين سلاطين المغرب وتونس ومصر، وعُرف بتقلب الولاءات. شكيب أرسلان، دافع عن الدولة العثمانية وهاجم الثورة العربية، مما جعله محل خلاف دائم. في المقابل، ألبير كامو رفض تبرير العنف الثوري، وقال عبارته الشهيرة: «سأدافع عن أمي قبل العدالة»، ملخصًا إنسانيته الأخلاقية. مالكوم إكس تحوّل من خطاب الغضب إلى خطاب التفاهم بعد زيارته لمكة، وقال: «أنا مستعد أن أموت من أجل التفاهم بين البشر». محمد أركون ظل ناقدًا للتراث ومتواضعًا في حضوره رغم مكانته الأكاديمية. نجيب محفوظ كتب عن الفقراء وعاش بينهم، ورفض العزلة رغم نيله نوبل. ومن النماذج النادرة أيضًا: علي عزت بيغوفيتش، المفكر والرئيس البوسني، الذي دافع عن التعددية والكرامة الإنسانية، وسُجن بسبب أفكاره، ثم قاد بلاده في الحرب دون أن يتخلى عن المبادئ التي نادى بها. عُرف باستقامته، ورفضه الانتقام، وإيمانه بالسلام رغم الجراح. وكذلك عبدالوهاب المسيري، المفكر الموسوعي المصري، الذي انتصر للإنسان ضد الهيمنة الثقافية، وهاجم الصهيونية بلغة علمية راقية، دون أن يتورط في التوظيف السياسي لفكره. عاش ببساطة، ورفض أي مجد زائف، وبقي في وجدان طلابه قدوةً في الاستقامة الفكرية والسلوك المتزن. في عصر السوشيال ميديا، لم يعد المثقف محجوبًا خلف الكتابة، بل في مرمى الجماهير. الرقابة اليوم جماهيرية وفورية، والصورة قد تهدم نصًا عظيمًا في لحظة. لذلك، فإن السؤال لم يعد: «ماذا يقول المثقف؟» بل «هل يعيش ما يقول؟». الثقافة ليست زينة عقلية، بل التزام أخلاقي. والمثقف، في جوهره، هو من يقود مجتمعه بضميره، لا ببلاغته. وبين من يكتب عن النور ويعيش في الظل، ومن يُضيء بصدقه قبل فكره، يتحدد جوهر المثقف الحقيقي. فالثقافة دون أخلاق كضوء في يد أعمى.


الجزيرة
٠٨-٠٧-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
المثقف العربي بين فخّ التواطؤ ووخز الضمير
في الساحة العربية، الفوضى ليست طارئة بل صارت نمطًا، انهيار القيم صار قاعدة، واكتساح الجهل والتفاهة أضحى مقدّسًا. وبين الضجيج والعتمة، يقف المثقف لا يملك أدوات الفعل، ولا جمهورًا يصغي إليه، كأن صوته نشاز في زمن الطيش. بعضهم لم يُخرِسه القمع، بل أخرسته الشراكة في القمع… من ضمير الأمة إلى ضمير السلطة، انتقل كثير من المثقفين، فذابوا في بنية الاستبداد، أو تماهوا مع شبكات المال والنفوذ، فراحوا يكتبون بلغة لا تُفهم، يسكنون أبراجًا عاجية، بينما الشارع يغلي بلغةٍ لا تُقرأ. وفي زمن الرقمنة، حيث "الترند" يُصنَع قبل أن يُفكَّر فيه، أصبح المؤثر نبيَّ المرحلة، واليوتيوبر قائد الرأي العام، بينما المثقف يُقصى لا لأنه بلا صوت، بل لأن صوته خفت في سوقٍ لا تشتري إلا الضجيج. الخرس لم يكن فقدانًا للكلام، بل تشققًا في المعنى. الكلمات لم تعد قادرة على القبض على الواقع، والخيانة والخوف والتسليع ذبحت في المثقف رغبته في الشهادة.. صار الصمت ملاذًا، لا أخلاقيًّا بل وجوديًّا، خائفًا من فتوى، أو وشاية، أو تقرير أمني يتعقب الحروف قبل أن تُقال. لقد تحوّلت الكتابة إلى مشيٍ أعمى في حقل ألغام، كل كلمة لغم، وكل استعارة تهمة. وفي زمنٍ تُقاس فيه القيم بعدد "الإعجابات واللايكات"، صار التفكير نفسه فعلاً مشبوهاً، وانقلبت الأدوار، فصار المؤثر هو المشرّع، والمثقف كائنًا فائضًا عن الحاجة، متحفًا حيًّا لزمن الورق. في المدن التي التهمتها النيران، جلس المثقف في المقاهي الباردة يدوّن الرماد، يحلله، يجمّله. بعضهم صمت اتزانًا، وبعضهم نطق بلغة السلاطين، وآخرون تقاذفتهم مطارات المنافي، يتتبعون وطنًا يشبه المعنى، فلا يجدونه إلا في صدى الذات المنكسرة. الخرس ليس عطبًا في اللسان، بل في العالم.. عالم عربي مثقوب لا يحتفظ إلا بالوجع، لا يحتفي إلا بالفراغ. المثقف لم يخرس لأن قلبه جاف، بل لأن الضجيج أجهض نداء قلبه قبل أن يولد. ورغم كل شيء، ثمّة من لا يزال يهمس، من يزرع قنابل في الاستعارات، ويُهرّب المعنى تحت جلود الحروف. هؤلاء لا يظهرون في القنوات، بل يعيشون في الفواصل، في البياض، في أعين الطلبة المتعبين، الذين لا يفهمون الآن، لكنهم قد يفهمون غدًا، ويبدؤون هم أيضًا في الهمس. المأساة ليست في خرس المثقف وحده، بل في أمّةٍ لم تعد تبحث عن صوته، بل عن خدر يقتل السؤال؛ فعندما يصمت العقل، يتكلم الظلام. لكن، أخَرَسُ المثقف علامة سقوطه، أم صرخة صامتة ضد عالم لم يعد يصغي؟ الصمت ليس انسحابًا ربما، بل شكلاً من أشكال الرفض، لغةً أخرى لا يفهمها من اعتاد الصراخ. ربما يكون خرسه هو آخر ما تبقّى من مقاومته، حين خانته اللغة ولم تخنه الفكرة؛ فالمثقف حين يختار الصمت لا يعني أنه مات، بل أنه يتحوّل، يتحصّن في الظلال، ينتظر لحظةً يصبح فيها الكلام أكثر جدوى من الهتاف، حين يصير الهمس أثقل من الرصاص، والمعنى أقوى من الجلاد. في النهاية، المثقف الحقيقي ليس من يتكلم كثيرًا، بل من يصمت حين يُغتال المعنى، ثم يعود، لا ليتكلم فقط، بل ليصنع لغة جديدة قادرة على إنقاذ العالم من صمته.


الرياض
٠٧-٠٧-٢٠٢٥
- ترفيه
- الرياض
وزارة الثقافة.. هوية تتجدد ومستقبل يُصنع
منذ تأسيس وزارة الثقافة، أصبح للهوية صوت، وللإبداع حضن، وللمثقف أفقٌ يتّسع. فالثقافة، التي طالما اعتُبرت روح المجتمع، تحوّلت اليوم إلى عمود من أعمدة التنمية، لا سيّما في ظل التحولات العميقة التي تعيشها المملكة ضمن رؤية 2030، والتي وضعت الإنسان في قلب المشهد، والمعرفة في صدارة الأولويات. إن الدور الذي تنهض به وزارة الثقافة لا يقتصر على تنظيم الفعاليات أو دعم الفنون، بل يتجاوز ذلك إلى صياغة وعي جديد، وترسيخ قيم الانتماء، وفتح نوافذ الحوار مع العالم، عبر لغة الإبداع ومفردات الفن ومخزون التراث. الثقافة استثمار في الإنسان أولاً.. لا يمكن لمجتمع أن ينهض إلا إذا عرف ذاته وتصالَح مع هويته. وهنا يتجلّى جوهر دور وزارة الثقافة؛ إذ وضعت الإنسان المثقف والمبدع في مقدّمة أولوياتها، فكانت البرامج التدريبية، والمبادرات التعليمية، والمسارات الثقافية التي استهدفت بناء جيل واعٍ، يدرك أن الثقافة ليست ترفًا، بل ضرورة. فمن دعم الكتاب والمؤلفين، إلى تعزيز حضور اللغة العربية، إلى فتح أبواب المسارح ودور السينما والمعارض الفنية، تجلّت صورة الثقافة كركيزة لبناء المواطن المتوازن: يقرأ، ويفكر، ويبدع، ويساهم في صناعة المشهد الحضاري لوطنه. هوية وطنية تحتضن التعدد.. في ظل هذا الحراك الثقافي، لم تكن الهوية مجرد شعار يُرفع، بل مشروع يُعاد بناؤه من عمق التراث إلى رحابة المستقبل. عملت الوزارة على إبراز التنوع الثقافي الذي تزخر به مناطق المملكة، حيث لكل منطقة صوتها، وحكايتها، ولباسها، ولهجتها، وموروثها الذي لم يعد حبيس الذاكرة، بل أصبح حاضرًا في المهرجانات والمراكز والمعارض. هذا التوجه منح المواطن شعورًا بالانتماء، ومكّن المجتمع من أن يرى نفسه في مرآة ثقافته، بكل ما فيها من أصالة وتعدد. الحوار مع العالم بلغة الثقافة.. ليس خفيًا أن الثقافة هي الجسر الأعمق في الحوار بين الشعوب. وقد أدركت وزارة الثقافة هذه الحقيقة، فحرصت على أن يكون للمملكة حضور لائق في المحافل الدولية، من خلال معارض الكتب، والأسابيع الثقافية، والعروض السينمائية، والمشاركات الأدبية والفنية. وباتت الأعمال السعودية –في الأدب والسينما والفن التشكيلي– تلقى صدى عالميًا، لأنها لم تكتفِ بالتمثيل، بل قدّمت نفسها من خلال أصوات أصيلة ورؤى جديدة، تعكس مجتمعًا يعيش تحولًا حقيقيًا. الصناعة الثقافية مورد اقتصادي واعد.. تسير المملكة بخطى واثقة نحو تنويع مصادر الدخل، وكان للثقافة نصيب من هذا التوجه. فقد أصبحت الصناعات الثقافية والإبداعية قطاعًا اقتصاديًا له وزنه، يوفّر فرص عمل، ويعزّز الناتج المحلي، ويجذب الاستثمارات. ومن خلال برامج التمويل، ودعم رواد الأعمال الثقافيين، وتمكين المواهب، غدت الثقافة مهنة ومصدر دخل، وليست هواية عابرة. هذا التحوّل يُعد إنجازًا استراتيجيًا، يُحسب لوزارة الثقافة في سعيها لبناء اقتصاد إبداعي مستدام. نحو مجتمع حيّ بالثقافة.. اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تبدو الثقافة في المملكة شريانًا نابضًا. إنها لا تعيش في أروقة النخبة، بل تمشي في الشوارع، وتدخل المدارس، وتُعرض في المعارض، وتُناقش في المنتديات، وتُشاهد على الشاشات. هذا الزخم لم يأتِ من فراغ، بل من رؤية واعية لوزارة الثقافة، وأدركت أن المجتمع لا ينهض بالسياسة أو الاقتصاد فقط، بل بالفكر، والإبداع، والحوار، والذائقة. إن ما نشهده اليوم من حراك ثقافي حقيقي يؤكد أن المملكة تتجه بثقة نحو مستقبل تُصاغ فيه الشخصية السعودية من جديد؛ شخصية تؤمن أن الثقافة ليست مكمّلاً، بل قاعدة راسخة لأي تطور مستدام.


الميادين
٠٧-٠٧-٢٠٢٥
- ترفيه
- الميادين
عن خيانة المثقّف وخيانة التاريخ
أن تتابع الإبادة في قطاع غزة، أمام صمت العالم، وأن تستمع للأخبار في الوقت الذي يهدّد فيه سموترتش وبن غفير بتجويع غزة بينما تأكل الأمة ما لذّ وطاب، وأن يموت كلّ يوم عشرات الأطفال والنساء من دون أن يصرخ أحد من أجل وقف الدم، يستوقفك لأن تسأل: أين المثقّف مما يجري؟ أين صوت الأدب الذي سيسجّل هذا الصمت المريع؟ أين السينما والمسرح والفن الذي لم يعد يهتمّ بالقضية الفلسطينية؟ وماذا سيكتب التاريخ عن الإبادة الجماعية التي تحدث منذ عامين في بثّ حيّ ومباشر بحقّ أهل غزة؟ بينما تتمتم لنفسك: للأسف، لقد انتقل المثقّف العضوي إلى مثقّف مأجور، إذ خان معظم هؤلاء المعرفة قبل أن يخونوا الشعوب، فهل سيأبهون للتاريخ؟ وإلى أن يكون للأسود مؤرّخون حسبما يقول المثل الأفريقي، سيظلّ التاريخ يمجّد الصياد. لذلك كان لا بدّ من المثقّف الحقيقي، الذي خرج من رحم المعاناة، أن يصرخ "لا" في وجه من قالوا "نعم"، مستذكراً قول الشاعر الراحل أمل دنقل، صاحب قصيدة "لا تصالح" حين يعبّر عن المثقّف الملتزم بقضايا أمته بقوله: معلّق أنا على مشانق الصباح وجبهتي بالموت محنية، لأنني لم أحنها حيّة. فالمثقّف هو صوت الأمة، هو أوّل من يقاوم، يدفع ثمن مواقفه المعارضة لسياسات أيّ نظام يستقوي على صوت الشعوب، والمثقّف ليس بوقاً لسلطة أو عبداً لمنصب أو مصلحة كما بات المشهد اليوم، بل صانع فكر وصمام أمان، وأتذكّر هنا رواية "عو، الجنرال لا ينسى كلابه" لإبراهيم نصر الله، الذي تحدّث عن الصحافي الذي أصبح رئيساً للتحرير بعدما صار بوقاً للجنرال، ورغم ذلك فالتاريخ لا ينتمي إلى أصحاب ربطات العنق والسيارات الفارهة، وسينسى حضورهم الآني طالما هناك أقلام حرّة، تحارب من أجل الحرية؛ فمن خرج من فوهات الأنفاق ومن بين ركام البيوت، لا يشبه من كانوا قبلوا على أنفسهم أن يكونوا أدوات ناعمة للاستعمار أو أدوات للقمع الفكري بيد الجنرال. كثيراً ما يراودني: من الذي سيقنع الأجيال اللاحقة بحقيقة ما يجري؟ من الذي سيخبرهم كيف ولماذا خنعت الأمة في الوقت الذي كان فيه إخوة التراب والدم والدين واللغة يموتون جوعاً وقنصاً وتدميراً، بينما تصدأ أسلحة الجيوش العربية في مخازنها؟ من سيقنع الأطفال حين تكبر، أنّ أكثر من مليوني فلسطيني لا يجدون الطعام، يسيرون لأكثر من عشرين كيلومتراً إلى الجنوب لأجل الحصول على حفنة طعام، بينما تشرع الشركات الأمنية الأميركية بقنصهم واحداً واحداً في مشهد لن تنساه البشرية؟ هل ستخرج تلك الأبواق المسترزقة لاحقاً لتدافع عن صمت وخنوع الأنظمة؟ أم ستلوم الضحية لأنه يسعى للتحرّر من براثن الاستعمار؟ لقد انحرف المثقّفون عن الإرث التحرّري، وتخلّت كثير من بلدان هذه الأمة عن سيادتها لصالح الوصاية الخارجية، بدلاً من صناعة القوة التي تسمح لها ببناء تحالفات عظيمة مع جيران القومية أو الدين، تحفظ هيبتها وكرامتها، كما صارت الأنظمة التي تغنّت بالثورات تميل كلّ الميل مع المستعمر في حصار ومحاربة الأخ والصديق، ولعلّ النموذج الإيراني يفنّد حقيقة التبعيّة العمياء، إذ تنطلق الطائرات من القواعد الأميركية في البلدان العربية وقاعدة إنجرليك التركية ضدّ تلك الجمهورية وغيرها ممن يسعى للخروج عن النظام العالمي الرأسمالي الذي تتسيّد فيه "دولة" الاحتلال على رقاب أيّ مشروع نهضوي حقيقي يواجه المستعمر. اليوم 21:39 اليوم 11:00 لقد ارتهنت معظم النظم العربية والإسلامية للمساعدات الغربية مقابل الولاء، والقروض مقابل التبعيّة، رغم أنها تمتلك الأرض والموارد الطبيعية التي تغنيها عن العالم، فالسودان وحده يمكنه أن يكون سلّة العرب الغذائية، وليبيا الجنة الخضراء ومصر القطن وقصب السكر وو، لكن الاستبداد الداخلي ورفض تداول السلطة ومحاربة الفكر المعارض، والاعتماد على الحماية الأجنبية جعل الأمة في ذيل القافلة، لا تأبه بالتحضّر والنهوض، بل بالبقاء على كرسيّ الحكم، تتسوّل من البنك الدولي وهي تمتلك الطعام والشراب. لقد خسرت النظم الشمولية الثقة الشعبية، وانكشفت أمام الأزمات الأخلاقية، القومية والدينية، إلا أنّ المثير للحنق هو صمت وخنوع أقلام السلطة التي خانت التاريخ النضالي الطويل بتمجيد الصياد ولعن الأسود، ونسيت الحسين والحلّاج وغسان كنفاني وباسل الأعرج وغيرهم الكثير. لقد أثبت المثقّف أمام امتحان غزة الأخلاقي والتاريخي سقوطه المدوّي، وسقوط أخلاقه وضميره؛ إذ كيف سمح لهذه الإبادة أن تحدث من دون أن نسمع له رِكزاً؟ أين الضمير الجمعي العربي؟ أين الأقلام والألوان والسينما التي تلهم الشعوب للثورة؟ أين هؤلاء من المقاطعة الاقتصادية؟ أينهم من فضح الإعلام العالمي المتواطئ؟ أين قصصهم ورواياتهم ولوحاتهم وعروضهم الفنية؟ أينها من التظاهر أمام السفارات وفي الشوارع والأزقة؟ أين كلّ هؤلاء من الصراخ على الفضاء الأزرق على الأقلّ؟ حتى السوشيل ميديا العربية لم تعد تهتم بما يجري مع الإبادة في قطاع غزة. ربما تبيّن أنّ المكان الوحيد الحرّ هو غزة، بينما عقول الأمة محاصرة، فقد انتهت شعارات التحرّر إلى تحالفات مع الجلّاد؟ والجلّاد يتمثّل في الجنرال الذي بات الجميع يدين له بالولاء كما في رواية "عو"، وباتت غزة وأحلافها يمثّلون رمز الوعي والحرية. لقد غدر المثقّف بالتاريخ وباع نفسه لمصلحة لن تمنحه المجد، من دون مواربة أو تجميل لهذا الواقع المدلهم، الفاضح لأرباب القلم والريشة؛ في الوقت الذي حمل فيه قلّة البنادق والأقلام لأجل الحرية، وغزة بأطفالها ونسائها وشيوخها تحاكم المثقّفين بالمعيار الأخلاقي: هل كان هؤلاء مع الإنسان أم ضدّه؟ أما كان عليهم الانتفاض في وجه الجنرال حين خاف الآخرون؟ فالمثقّف الحقيقي يكتب رغم القمع ويتحدّث رغم الحصار ويقف حيث يقف الأطفال لا حيث تقف المدافع. المثقّف العضوي ليس مواطناً عادياً بل حارساً للذاكرة وخيانته أشدّ خطراً من خيانة الجنرال؛ لأنه حين يخون يضلّل أمّة بأكملها.. باختصار: إن خان المثقّف؛ فمن ينير الطريق؟


الأنباء
٠٥-٠٧-٢٠٢٥
- ترفيه
- الأنباء
المثقف الكويتي.. صوت العقل وسط الضجيج
في زمن تتسارع المتغيرات، وتتداخل الأصوات، يبرز سؤال ملح: أين صوت المثقف الكويتي؟ وأي دور يمكن أن يلعبه في مرحلة تتطلب أكثر من مجرد متفرجين على المشهد؟ لقد كان المثقف الكويتي، تاريخيا، حارسا للمعنى، وشاهدا على تحولات المجتمع، بل ومشاركا فاعلا في تشكيل الوعي العام. أما اليوم، ومع تمدد الأزمات وتراجع الثقة، فإن الحاجة إليه أصبحت أكثر من أي وقت مضى. المجـتمع الكـويتي يتمــتع بمستــوى تعليــمي عال، ووعي اجتماعي لا يستهان به، لكنه يواجه في الوقت نفسه تحديات عميقة في الفكر والسلوك والتفاعل. هناك شعور عام بأن الصوت العاقل بات هامشيا، وسط تصاعد نبرة الانفعال، وانتشار الخطاب العاطفي، واختلاط الحقائق بالآراء. لم يعد التحدي في نقص المعلومة، بل في تراجع الثقة بين الناس، وتباعد الأجيال، وضياع البوصلة الفكرية. وهنا يأتي دور المثقف، لا كمنظر بعيد، بل كمشارك في قراءة اللحظة، وفهم عمقها، وتقديم خطاب يعيد ترتيب الأولويات. لقد انسحب بعض المثقفين إلى العزلة، إما بسبب الإحباط أو الخوف أو الشعور بعدم التأثير، لكن اللحظة الراهنة لا تسمح بالغياب، فكل صوت مسؤول، وكل فكرة موزونة باتت ضرورة لا ترفا. وسائل التواصل الاجتماعي منحت المثقف منبرا جديدا، لكنها في الوقت نفسه فتحت الباب أمام اختلاط المعايير. فهل يتابع الناس من يفكر أم من يثير؟ هل نكتب من أجل التفاعل، أم من أجل الحقيقة؟ الفارق كبير، ومسؤولية المثقف أن يستخدم هذه الأدوات لا ليصبح مؤثرا فقط، بل ليبقى مثقفا. الكويت كانت دوما منارة ثقافية في الخليج والعالم العربي.. امتلكت الصحافة الرائدة، والحراك الثقافي المتنوع، والنقاش العام الواعي. لكنها اليوم بحاجة إلى مشروع ثقافي جديد، لا شعارات مستهلكة. مشروع يتسع لكل مكونات المجتمع، وينتج سردية جامعة من دون أن تقصي أحدا أو تذيب الاختلاف. إن المثقف الكــويتي مطــالــب بأن يبقـي جذوة الوعي مشتعلة، وأن يكون لسان العقل حين تعلو الضوضاء، أن يكتب لا من موقع فوقي، بل من موقع الإنسان المنخرط، المشارك، الموجِّه، لا الموجَّه. الناس في زمن التعب لا تبحث فقط عن حلول، بل عن صوت يطمئن، فكرة تضيء، وكلمة تعيد المعنى لما فقد معناه. وهذا تماما هو دور المثقف: أن يكتب حين يصبح الصمت نوعا من التواطؤ، وأن يفكر حين يتوقف الجميع عن التفكير. شخطة قلم: في أوقات التحول قد يصمت الكثير من الأصوات، لكن المثقف الحقيقي لا يسكت، بل يشتغل على الكلمة، وينحتها لتكون موقفا لا مجرد رأي. قد لا يحدث ضجيجا، لكنه يترك أثرا يتغلغل ببطء وثبات في الضمير الجمعي. «في زمن الصمت، تكون الكلمة موقفا.. لا صوتا فقط».