منذ 3 أيام
نتالي فيرداي المديرة الإبداعية الأولى في TIFFANY & CO لـ"هي: مجموعة "بحر العجائب" تترجم غموض المحيط وسحره
نيويورك: Adnan Alkateb
في مدينة نيويورك، حيث تتداخل ناطحات السحاب مع أحلام المبدعين، التقيت واحدة من أكثر العقول الفنية تألقا في عالم المجوهرات الراقية: "نتالي فيرداي" NATHALIE VERDEILLE المديرة الإبداعية الأولى للمجوهرات الراقية والمجوهرات في دار TIFFANY & CO. امرأة فرنسية بروح فنانة، وتجذر عميق بالتاريخ، قادها شغفها إلى رسم مسارات جديدة في عالم التصاميم الفاخرة، حيث تتلاقى الحكاية مع الحرفية، والفن مع الخيال. فقبل انضمامها إلى "تيفاني أند كو"، شغلت "نتالي" مناصب إبداعية رفيعة لدى دور كبرى مثل "كارتييه" و"بوشرون"، وهو ما منحها نظرة موسوعية في تاريخ المجوهرات وإرثها الفني. وعند دخولها عالم "تيفاني"، حملت معها رؤية معاصرة متجذّرة في الفخامة والابتكار، نجحت من خلالها في إعادة تعريف المجوهرات الراقية بأسلوب مميز، يحترم التراث ويحتفي بالمستقبل. في نيويورك التقيتها بمناسبة إصدار مجموعة "بحر العجائب" BLUE BOOK 2025 التي تحاكي عالما تحت الماء تنبض فيه الحياة بالحركة والانبهار. مجموعة استثنائية تجسّد توازنا دقيقا بين التجريد والواقع، وبين الخيال البحري والدقة الفنية، في رحلة تستحضر جمال الأعماق وتحاكي روعة اللآلئ، وتُعيد رسم الأسماك، والشعاب المرجانية، والدوامات البحرية بعيون مبدعة تعرف تماما كيف تُحوّل الجمال الطبيعي إلى قطع فنية خالدة.
في هذا الحوار الحصري، نتعمق مع "نتالي" في كواليس هذه الرحلة الإبداعية: كيف تحاورت مع البحر بلغة التصميم؟ كيف وازنت بين المادة والخيال؟ وكيف أعادت صياغة الروح البحرية برؤية فنية عصرية تُدهش وتُلهم في آن معا؟
"نتالي فيرداي" NATHALIE VERDEILLE المديرة الإبداعية الأولى في TIFFANY & CO
تأخذنا مجموعة "بحر العجائب" في رحلة حالمة إلى أعماق المحيط. كيف وازنت بين الواقع والتجريد في عمليتك الإبداعية أثناء تصميم هذه المجموعة؟
وُلدت مجموعة "بحر العجائب" من رغبة في ترجمة غموض وسحر المحيط إلى لغة المجوهرات الرفيعة. وقد تطلب تحقيق هذا التوازن بين الواقع والتجريد أن نغمر أنفسنا في العالم الطبيعي من دراسة الكائنات البحرية، وهياكل الشعاب المرجانية، وحركة المياه وفي الوقت ذاته، أن نعيد تفكيك هذه العناصر وإعادة تصورها من خلال عدسة السريالية والتجريد. لم يكن الهدف هو التقليد، بل استحضار إحساس: وميض الضوء تحت الماء، إيقاع التيار، أو شاعرية التوهج الحيوي.
وصفتِ المجموعة بأنها تتحرك "من التصويري إلى السريالي، ومن السريالي إلى التجريدي". هل يمكنك أن تشاركينا كيف تجسدت هذه الانتقالية في أحد فصولك المفضلة؟
في فصل WAVE، يتجلى هذا التحوّل بشكل لافت. تبدأ التصاميم بأمواج تصويرية يمكن تمييزها، مرصّعة بالألماس والأوبال لتعكس الضوء كما تفعل زبدة البحر. ومع تطور القطع، تبدأ الأشكال في الذوبان والانحناء لتصبح أكثر تجريدا بأشكال لا تُقرأ حرفيا، لكنها توقظ ارتباطا عاطفيا بالحركة والعمق واتساع البحر. إنها دعوة إلى استشعار الغمر في الماء بدلا من وصف الموجة ذاتها.
رئيس تيفاني Anthony Ledru ونانسي عجرم خلال حفل إطلاق المجموعة في نيويورك
تعتمد مجموعة هذا العام على افتتان "جان شلومبرجيه" JEAN SCHLUMBERGER الأسطوري بالمحيط. كيف أعدتِ تفسير تصاميمه الأرشيفية لتخاطب جمهورا معاصرا، مع الحفاظ على إرثه؟
امتلك "جان شلومبرجيه" موهبة استثنائية في رواية القصص عبر الطبيعة. لقد حافظنا على هذا الإرث من خلال تبني روحه الطفولية واستخدامه الجريء للألوان والأشكال، في حين أضفنا خطوطا معاصرة وحرفية متقدمة. مشبك SEA ANEMONE المعاد تفسيره، على سبيل المثال، يحتفظ بتعبير "شلومبرجيه" الحيوي، لكنه ينال حياة جديدة من خلال قابلية التحوّل واستخدام قصّات وأحجار كريمة معاصرة. إنها حوار مستمر بين الماضي والحاضر.
يكشف كل فصل من فصول المجموعة عن جانب مختلف من العالم البحري. هل هناك كائن بحري أو ظاهرة طبيعية أشعلت خيالك بشكل خاص؟
كـــانت السلــــحــفـــــاة البـــــحــــريــــــة التــــــي تــــظــهر في OCEAN GEM وWAVE مصدر إلهام قوي بشكل خاص. شفافيتها الرقيقة، حركتها الرشيقة، وتوهجها الداخلي أثّرت في بنية ولوحة ألوان عدة تصاميم. أصبحت رمزا للازدواجية: النعومة والقوة، الهشاشة والغموض. وقد تطلب تجسيد ذلك في المجوهرات العمل مع مواد متعددة الطبقات، وأطر انسيابية، وأحجار مثل الأوبال والكلسيدوني التي يبدو أنها تشع من الداخل.
تشكل OCEAN FLORA بداية لافتة للمجموعة. هل يمكن أن تخبرينا أكثر عن كيفية مقاربتك لمفهوم الحدائق المغمورة، ولا سيما عند استخدام الزمرد الزامبي وخيوط الألماس المتدفقة؟
في OCEAN FLORA، تصوّرنا حدائق تحت الماء تتمايل بلطف مع التيار. اختير الزمرد الزامبي نظرا لخضرته الزاهية والمشبعة، ليجسد أوراق الطحالب والشعاب المرجانية، بينما تحاكي خيوط الألماس حركتها العضوية. وقد تحقق هذا التدفق من خلال تقنية تثبيت معقدة تتيح للألماس أن "ينساب" بدلا من أن يظل جامدا، وهو ما يضفي على كل قطعة إحساسا بالحياة والإيقاع.
القلادة القابلة للتحوّل بشكل سلحفاة البحر قطعة استثنائية. ما الذي ألهم إدخال مثل هذه الآليات الديناميكية في التصميم؟ وكيف تعكس رواية التحول من اليابسة إلى البحر؟
صُممت SEA TURTLE كرمز للمرونة والقدرة على التكيف. قدرتها على الهجرة لمسافات شاسعة والعيش في الماء وعلى اليابسة تعكس الرحلة التي خضناها إبداعيا من الإلهام الطبيعي الملموس إلى التعبير الفني التجريدي. قابلية تحوّل القلادة ليست مجرد إنجاز تقني؛ إنها استعارة لهذا الازدواج. إنها تدعو من يرتديها للمشاركة في هذا التحوّل وحمل رمزيته معه.
في فصل URCHIN، أدرجتم تقنية "المينا المُذهّبة" المعروفة بتأثيرها المتلألئ والمُتعدّد الطبقات. ما الذي جذبك إلى هذا النهج الحرفي، وكيف يُعزز سرد القصة وملمس التصاميم في هذا الفصل؟
أتاحت لنا تقنية "باييونيه" أي "المينا المذهبة" استحضار التعقيد الملمسي والتألق لقنافذ البحر والشعاب المرجانية دون تمثيل حرفي. إنها تقنية غنية بالإرث، لكنها منحتنا وسيلة جديدة لتجسيد الحجم والشفافية، وهما من الصفات الأساسية في الحياة البحرية. تعمل طبقات رقائق الذهب تحت المينا على التقاط توهج الضوء تحت الماء، وكأنها توهج حيوي، وتضفي على القطع ملمسا عضويا وحسيا.
هنــــاك شعـــــور بالحـــركــــــة والمــســـرحيـــــة في جمـــيــــع أنحاء المجـــمـــوعـــــة، وخاصة في فصل WAVE. ما دور الحــــركــــة في سردك الإبداعي؟
الحركة هي نبض البحر. في WAVE وفي كافة أنحاء مجموعة "بحر العجائب"، استخدمنا عدم التماثل، والتراكب، وآليات التثبيت المتحركة لالتقاط هذا الإحساس بالحركة الدائمة. الأمر لا يتعلق بجمال ساكن، بل باستحضار رقصة للمد
والجزر، وللكائنات، وللضوء. تلك الحركة تدعو من يرتدي القطعة للدخول في السرد، وهو ما يجعل كل قطعة نابضة بالحياة وأقرب إلى الأداء المسرحي.
تلعب الألوان دورا قويا في التأثير العاطفي لتصاميمك. كيف استكشفتِ الألوان المستوحاة من البحر في هذه المجموعة، سواء من خلال الأحجار الكريمة، أو الملمس، أو الحركة؟
بنينا لوحة الألوان كرحلة نزول في عمق المحيط من المياه الضحلة التي تضيئها أشعة الشمس إلى أعماق المحيط المعتمة. وقد تجلّت هذه الرحلة من خلال الأحجار الكريمة، مثل تورمالين بارايبا المتوهج، والأوبال اللؤلئي، والصفير الأزرق العميق، والزمرد بلون زَبَد البحر. اعتمدنا أيضا على التأثيرات البصرية: تدرّج اللون، والتراكب، والشفافية، والحركة لاستحضار ألوان البحر المتغيّرة التي تتلألأ حسب الضوء، تماما كالبحر نفسه.
تعكس العديد من قطع مجموعات BLUE BOOK للمجوهرات الراقية براعة حرفية فائقة وتنسيقات غير متوقعة من المواد. هل واجهتم تحديات فنية أو إبداعية برزت أثناء تنفيذ مجوهرات هذا العام؟
نعم بالتأكيد! لقد تحدّت عدة قطع حدود ما يمكن أن تُحققه ورشاتنا. في OCEAN TREASURE، على سبيل المثال، صمّمنا تثبيتا يسمح للؤلؤ الوردي والألماس بالتعليق برقة وكأنها عائمة. أما في URCHIN، فإتقان تقنية "باييونيه" أي "المينا المذهبة" تطلب عملية حرق دقيقة للغاية للحفاظ على العمق والدقة في التراكب. هذه التحديات هي ما يجعل من "بلو بوك" منصة استثنائية حيث يلتقي الابتكار بالفن.
مع الزميل عدنان الكاتب
تراث "تيفاني" متجذّر بعمق في التصميم الأمريكي والحِرَف الباريسية، وهو حوار تجسدينه شخصيا. كيف تفسرين هذا التوازن الثقافي في مجموعة "بحر العجائب"؟
إن مجموعة "بحر العجائب"، من نواحٍ عديدة، هي تجسيد مثالي لهذا الإرث المزدوج. هناك جرأة ووضوح يحملان طابعا أمريكيا أصيلا خصوصا في الثقة باستخدام النطاق واللون. وفي الوقت ذاته، فإن الحرفية، والتفاصيل الشاعرية، والاحترام للفنون الحِرَفية مثل الطلاء بالمينا والقطع القابلة للتحول، كلها متجذرة في التقاليد الباريسية. إنه حوار بين الحرية والرقة، وبين الخيال والدقة.