logo
الفنانة السعودية شذى السعيدان لـ"هي": أرى في الفن طريقاً للشفاء وإعادة بناء الذات

الفنانة السعودية شذى السعيدان لـ"هي": أرى في الفن طريقاً للشفاء وإعادة بناء الذات

مجلة هيمنذ 18 ساعات

في عالم تتسارع فيه الإيقاعات وتتكدّس فيه الصور، اختارت شذى السعيدان أن تمشي عكس التيار. أن تُنصت بدل أن تملأ الفراغ، وأن تُبطئ كي ترى ما لا يُرى. لم تأتِ إلى الفن من المسارات التقليدية، بل من الممرات الطويلة في المستشفيات، من لحظات الصمت مع المرضى، ومن انشغال حقيقي بالإنسان، لا كمفهوم نظري، بل ككائن هشّ يتشكّل عبر الألم والعلاقة والذاكرة.
شذى السعيدان فنانة سعودية متعددة الوسائط، تحمل خلفية علمية في التأهيل الطبي وإدارة الفنون، وتحوّل المواد الطبيعية—كالسُكر، الطين، والألياف—إلى مساحات للتأمل والشفاء.
في هذا الحوار ترافق "هي" شذى خلال مراحل التحوّل التي مرّت بها، ونغوص في فلسفتها الفنية التي ترى في الفن أكثر من مجرد ممارسة جمالية؛ بل ممارسة وجودية، تُعيد للذات صلتها بالعالم، وللإنسان صلته بالآخر.
جوهر أعمالها محاولة لتجسيد تلك اللحظات الدقيقة والهشة التي تُبنى فيها الهوية الإنسانية ورفاهيتها.
التحوّل ليس قفزة... بل امتداد داخلي
بعد أكثر من عقد في مجالي التأهيل الطبي والتعليم، وخمس سنوات في موقع استراتيجي في التحول الصحي، كانت قد كوّنت نظرة عميقة للوجود الإنساني من زوايا متعددة.
تقول شذى: "لم يكن قراري للتفرغ للفن في عام 2024 انفصالًا عن مساري السابق في القطاع الصحي، بل امتدادًا داخليًا لمسار ظل يتشكّل بصمت عبر سنوات من العمل والتجربة. لقد تركت تلك التجارب أثرًا عميقًا في حياتي الشخصية، وعلّمتني أن رؤيتي للإنسان واحدة، سواء تمظهرت في رعاية الجسد أو في ملامسة الروح عبر الفن."
هذا التحوّل يتطلّب، كما تصفه، "قدرًا كبيرًا من الوضوح الداخلي والصدق مع الذات"، مشيرة إلى أن الفن أصبح في هذه المرحلة الوسيط الأصدق للتعبير عن العمق، "عن أفكار تتجاوز الكلمات، ومشاعر لا يليق بها إلا أن تتجسّد… كعمل فني".
الذاكرة الحسية في مواجهة الجسد
في خلفية شذى المهنية خصوصية نادرة، توضح: "خلفيتي في التأهيل الطبي وتفاعلي السابق على مدار عشرة أعوام مع المرضى بشكل يومي، منحاني نافذة نادرة للتأمل في النفس البشرية، لا بوصفها كيانًا منفصلًا، بل ككائن متحوّل يتشكّل باستمرار بفعل التجربة والعلاقة والذاكرة. هناك، في تفاصيل الألم والشفاء، أدركت أن الإنسان لا يتشكل بمعزل عن الآخر، بل من خلاله."
ولذا، أصبح جوهر أعمالها محاولة لتجسيد تلك اللحظات الدقيقة والهشة التي تُبنى فيها الهوية الإنسانية ورفاهيتها.
"أسعى من خلال فني إلى كشف الطبقات الخفية للعلاقات الإنسانية، بوصفها تجربة عميقة من الارتباط بالآخر"
حين تختار المادة الفنانة
لا تتعامل شذى مع المواد بوصفها أدوات، بل كيانات تملك طاقتها الخاصة وذاكرتها الكامنة، تقول: "أيقنت أن اختيار الخامة لا يكون عشوائيًا، بل هو امتداد طبيعي لفكرة المشروع وسياقه. فالمادة تحمل في داخلها لغة خاصة، وذاكرة تُسهم في تشكيل المعنى."
وتكمل الحديث قائلة: "علاقتي بالمادة علاقة حسية قبل أن تكون فكرية؛ أستكشفها بحواسي، أتحسّس ملمسها، أراقب تحوّلاتها الخفية، وأترك لها المجال أن تتغير وتتشكّل بحرّيتها. وفي الوقت نفسه، تُمكّنني خلفيتي العلمية من التعامل مع المادة بمنهج بحثي تجريبي واعٍ."
من يختار من؟ الفكرة أم الوسيط؟
ترى شذى أن الفكرة دائمًا تأتي أولًا، وهي من توجّه الوسيط، لكنها لا تستبعد أن تبادر المادة أحيانًا وتفرض نفسها توضح ذلك قائلة: "الفكرة دائمًا تأتي أولًا. هي البذرة التي يبدأ منها كل شيء. وبعد ذلك، أبدأ في الغوص داخلها، أبحث، وأغمر نفسي في تجارب قريبة منها شعوريًا أو مفهوميًا... أحيانًا أشعر أن المادة تختارني بقدر ما أختارها."
وتضرب مثالًا باستخدام لحاء شجرة الجوز في أحد أعمالها، لاستحضار أدوات الزينة القديمة والروابط النسائية العابرة للأجيال: "أصبحت المادة نفسها حاملة للمعنى، وامتدادًا لزمن مضى ينعكس على الحاضر، ويعيد إحياء الروابط الإنسانية التي تتجاوز الزمان والمكان."
" لا أرى الفن محصورًا في نطاق علاجي ضيق، بل كمساحة تُنصت فيها الروح لما هو أعمق من الكلمات"
الفن كأداة شفاء... وكتجربة وجودية
في نظرتها للفن، لا تفصله شذى عن مكوّناته العلاجية، لكنها في الوقت ذاته ترفض حصره في إطار الفن العلاجي، توضح ذلك قائلة: "الفن بالنسبة لي هو بوابة لعبور أعمق نحو الذات، نحو فهم النفس والتواصل معها بصدق... لا أرى الفن محصورًا في نطاق علاجي ضيق، بل كمساحة تُنصت فيها الروح لما هو أعمق من الكلمات، وتعيد اكتشاف العالم بشفافية الداخل لا صخبه."
من العمل إلى الجمهور: متى يدخل المتلقي؟
لا تضع شذى الجمهور في الواجهة عند بدايات مشروعها الفني. بل يبدأ كل شيء من فكرة داخلية تتعلق بمفهوم جودة الحياة تقول: "في هذه المرحلة، لا يكون الجمهور في مركز تفكيري، بل تكون الأولوية لصدق الفكرة وكيفية تمثيلها بعمق وأصالة. ومع تطوّر المشروع، يبدأ وعي المتلقي في التشكل؛ فأفكر في كيفية خلق مساحة تتيح له التفاعل، لا كمراقب، بل كعنصر حي داخل التجربة."
جوهر الرؤية في جملة واحدة
عند سؤالها عن الجملة التي تختصر مشروعها الفني، تجيب شذى بتكثيف بالغ يلخّص تجربتها الفنية والإنسانية: "أسعى من خلال فني إلى كشف الطبقات الخفية للعلاقات الإنسانية، بوصفها تجربة عميقة من الارتباط بالآخر، نختبر من خلالها ذواتنا ونرى انعكاسنا في ملامحه، فتكتشف هشاشتنا وقوتنا معًا؛ هناك، حيث تلتقي المادة بالمعنى، والهشاشة بالقوة، والذات بالآخر."

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ثقافي / "ملامح متغيّرة".. معرض فني يوثّق تطوّر الحركات الفنية في الخليج خلال القرن العشرين
ثقافي / "ملامح متغيّرة".. معرض فني يوثّق تطوّر الحركات الفنية في الخليج خلال القرن العشرين

الأنباء السعودية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الأنباء السعودية

ثقافي / "ملامح متغيّرة".. معرض فني يوثّق تطوّر الحركات الفنية في الخليج خلال القرن العشرين

جدة 05 محرم 1447 هـ الموافق 30 يونيو 2025 م واس يتيح معرض "ملامح متغيّرة" المقام في حي جميل بمدينة جدة، الفرصة أمام الزوّار لاستكشاف تطوّر المشهد الفني الحديث في منطقة الخليج والحركات والمجموعات الفنية في الخليج بالقرن العشرين، ويستمر حتى 13 أكتوبر 2025 القادم. ويقدّم المعرض، رؤية بحثية فنية معمّقة حول نشأة الحركات الفنية الحديثة في دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين، وعمان، وقطر. ويركّز المعرض على لحظات مفصلية تقاطعت خلالها ممارسات فنية خلال مراحل تأسيسية لبناء الدولة في المنطقة، حيث أسهم التفاعل الجدلي بين التقاليد والحداثة في بلورة مفردات فنية خاصة، تجسّدت في أعمال فنية أدّت دورًا محوريًا في صياغة ملامح الحداثة، والمشاركة في بناء المؤسسات الثقافية، وتعزيز الحراك الفني المحلي. ويستوحي المعرض عنوانه من نص تأسيسي للفنان والقيّم الراحل أوكوي إنويزور، نُشر في العدد الأول من مجلة "نكا: مجلة الفنون الأفريقية المعاصرة" عام 1994، حيث يتفاعل الزوار مع الأعمال المعروضة من خلال منظور يتجاوز هذه الاستثناءات، مستحضرًا تجارب لفنانين ومفكرين سعوا إلى إعادة صياغة أنظمة المعرفة والسياسات الثقافية القائمة. وكانت نسخة سابقة من المعرض قد عُرضت عام 2022 في رواق الفن بجامعة نيويورك أبوظبي، تحت عنوان "حداثة خليجية: روّاد ومجموعات فنية في شبه الجزيرة العربية"، حيث شكّل هذا المعرض مرجعًا بصريًا وثقافيًا لتوثيق بدايات الحركات الفنية الخليجية. ويجمع معرض "ملامح متغيّرة" أكثر من 50 فنانًا ممن أسهموا في بلورة التيارات الفنية الحديثة في منطقة الخليج، خلال مراحل مفصلية شهدت نشوء مفردات جمالية متميزة. ويُبرز المعرض الدور الحيوي الذي اضطلعت به هذه النخبة في تشكيل المشهد الفني الإقليمي، من خلال إسهاماتها الإبداعية ومبادراتها المؤسسية، التي أثرت الحراك الثقافي وأسهمت في تأسيس بنى فنية ومجتمعية مستدامة على امتداد شبه الجزيرة العربية. //انتهى//18:33 ت مـ 0163

عودة «بدرجة الغليان».. هل تسترجع منة شلبي بريقها؟
عودة «بدرجة الغليان».. هل تسترجع منة شلبي بريقها؟

عكاظ

timeمنذ ساعة واحدة

  • عكاظ

عودة «بدرجة الغليان».. هل تسترجع منة شلبي بريقها؟

تعود منة شلبي إلى الدراما التلفزيونية من بوابة مسلسل 'درجة الغليان'، في تجربة جديدة يُراد لها أن تكون استثنائية، لكنّها تفتح في الوقت ذاته باب التساؤلات أكثر مما تقدّم إجابات. فبعد سلسلة من الأدوار المتفاوتة بين السينما والتلفزيون، تعود منة ببطولة نسائية مطلقة، وسط تكتم على التفاصيل، وضجيج إعلامي لا يبدو أنه مدعوم بعد برؤية فنية واضحة. العمل من تأليف محمد هشام عبية، وإخراج السدير مسعود، وهو تعاون يثير الفضول أكثر مما يبعث على الاطمئنان. عبية كاتب يمتلك حضورًا في الساحة، لكنه لم يرتقِ بعد إلى مصاف الأسماء التي تُراهن عليها الأعمال الثقيلة. أما السدير مسعود، فرغم موهبته، ما زال في طور البحث عن لغة إخراجية خاصة تمنحه فرادة وسط زحام الدراما العربية. وفي ظل هذا السياق، تصبح منة شلبي في موضع الرهان، لا بطلة مضمونة النتائج. المسلسل يُبنى على مفهوم 'البطولة النسائية المطلقة'، وهي مغامرة محفوفة بتحديات، خاصة حين لا تكون مدعومة بنص محكم أو طرح غير تقليدي. الجمهور لا يبحث اليوم عن أسماء بقدر ما يتوق إلى عمق درامي وتماسك في السرد، وهي أمور لم تكن حاضرة بقوة في آخر أعمال شلبي، لا سيما 'تغيير جو' الذي مرّ باهتًا رغم رهاناته الأولى. منة شلبي لا تزال فنانة تملك رصيدًا يحترمه النقاد، وموهبة لم تُستنزف بعد، لكن العودة الحقيقية لا تُقاس بالإعلان ولا بالضجيج المحيط بالعمل، بل بما سيُنجزه المسلسل حين يُعرض. فهل ستكون 'درجة الغليان' صعودًا حراريًا في مسارها، أم مجرّد تذبذب آخر في رسم منحنى كان يومًا مستقيمًا وواثقًا. أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store