
كل سموم الحياة في تلك الرقعة الواحدة
حسن داوود
في الصفحات الأولى، وبمجرد أن نبدأ بالقراءة، تقع الحادثتان اللتان ستُبنى الرواية على قسوتهما الفادحة. أولهما سقوط طفل، أو إسقاطه، أو رميه من نافذة منزل، إلى الطريق؛ والحادثة الثانية إفراغ الفتاة دلو َالجاز على رأسها وجسمها وإشعال النار فيهما، ثم سقوطها إثر ذلك كتلة متفحمة على الطريق. حادثتان مروّعتان ستتحمل فظاعتهما امرأتان إحداهما كاتبة روائية (رضوى) والثانية اختصاصية في نزع شعر النساء بالليزر (يمنى).
الصدمة التي تلقتها الامرأتان، أو تلقّتها كل منهما، لن تكون عابرة، فهي لن تتوقف عن التحكم بكل ما تفعلانه من بعد ما شاهدتاه، كما ستودي بهما إلى التيقّن من أن العالم البشع الذي عاشتاه سيزداد بشاعة. هما بطلتا الرواية، وقد ضمّتا إليهما الفتاة المحترقة (مرمر) وهي في الثالثة عشرة من عمرها، لتكون البطلة الثالثة، مع أنها ماتت منذ بداية تولّي المرأتين سرد حكايتيهما.
هما حياتان تعلّقتا بحرق مرمر نفسها، كما بحادثة وليدها الذي أُسقطته. لم يعد شيء يجري لهما يمكن تخليصه مما اعتبرتاه فجيعتهما، سواء تعلّق ذلك بماضي حياتيهما أو بحاضرهما فيها. ثم هناك المكان المقيمتان فيه، وكذلك البشر في المكان. البطل السلبي الكريه في الرواية هو عزوز، عمّ مرمر، المقيم مع أهلها في بيتهم، رغم اقترابه من عمر الستين، والمندسّ في فراشها ليلا متسبّبا بفاجعتها بعد ذلك. عزوز يظل حاضرا في الرواية حتى نهايتها، وقد اختُتمت الرواية به شاهدا على هدم الجرافات للحيّ كله، بما في ذلك أكشاك البيع فيه ومقبرته ومستشفى المجذومين كذلك. أولئك الذين في الجوار والذين، كلما اقتربت الرواية منهم، تولّدت منهم أكثر مشاهدها قوّة وقسوة، سواء تعلّق ذلك بأشكالهم، أو باعتدائهم المستمر على بعضهم بعضا، أو باحتكاكهم بمن هو خارج معتزلهم، أو بالتحرش الذي يقومون به، هم الفاقدون لأجزاء من أياديهم وأرجلهم ومناطق أخرى من أجسادهم، فرغم فقدهم الكثير من أطرافهم، ما زالوا يشعرون بإلحاح تلك الرغبة. حتى الموت لن يكون قادرا على إخراجهم من حيث هم، لذلك أقيمت مقبرة لهم حيث هم، ليُدفنوا حيث عاشوا.
ثم هناك البيوت المطلة على منطقة المجذومين، حيث الفقر الذي لا يجارى في تشكيله لعلاقات المجاورة وأخلاق الساكنين وإجراء الحياة على البشر بذلك القدر من الوحشية. ذلك يتعلّق بعيش النساء الذي تغلب عليه في الرواية الحمل والإنجاب، كرها أو اعتيادا، وإسقاط الحمل، أو قتل المواليد إن لم تتمكن تلك التي اسمها نجاة من التخلّص منهم بعقاقيرها والجراحات البدائية السريعة التي تجريها. تجارب الولادة وما قبلها، وكذلك في أثنائها وبعدها، تملأ حياة الجارات اللواتي تُظهر الرواية قربهن من مراحل نموّ الأجنة بدءا من شهر تكونهم الأوّل. دمٌ وكتل من دم تسقط في المراحيض أو تُدفن إن صارت مرئية في جسم. وما هو بالغ القسوة هو تلك الألفة التي تقوم بين من كانت هذه حياتهم. الألفة التي تجعل نساء المبنى، أو نساء الحي، يشتركن في تسهيل الفضيحة على الواقعات فيها، مثل مساعدتهن لمرمر على التخلّص من حملها، وإذ يتعذر ذلك على نجاة، يساعدنها على التخلص منه برميه.
ومن مظاهر الإلفة أيضا أن يعيش عزوز بينهم بعد اغتصابه لابنة أخيه، بلا عار يلحقونه به. لا يُبعَد من الحي، وهو لا يتوقف عن الجلوس في المقهى ومنادمة رواده. كما أن أخاه، والد مرمر، لم يصدر عنه لوم أو عتاب أو سباب، ولا أي رد فعل تجاه ما فعله أخوه.
عوض عبد الدايم (والد مرمر) حاضر فقط في فصل صغير خُصّص له. كان عليه أن يستمر في عمله بائعا للجاز لإعالة المقيمين معه، مع ان شغله ذاك صار أقرب إلى الانقراض، حيث صار الناس يستعملون مواد أخرى، غير الجاز، لطبخ طعامهم، كما أن الحصان الذي يجرّ الكنكة اكتهل ولم يعد قادرا على القيام بما كان يقوم به.
المشاهد الجانبية والبشر الجانبيون لا يقلّون حضورا عن بطلتي الرواية. ربما لأن الامرأتين تولّتا سرد كل ما يجري حولهما، تاركتين لنفسيهما القليل المتأتي من شعورهما بالذنب عن أفعال لم ترتكباها. لم يحدث ليمنى أكثر من اقتراف خيانة واحدة، ورضوى الروائية منشغلة بما تعرف أنه لن يوصلها إلى ما تصبو إليه. ما قالته عن الكتابة ربما هو بين الأكثر صدقا وعمقا من معظم ما كتب عن أزمة الكتابة والكتّاب. ذلك الطموح الذي لن يُبلغ طالما أن حدّه ليس في مجال المنظور أو المتخيّل. ثم إنه، في لحظة تحقّق الإنجاز تعرف، هي الكاتبة، أن المكافأة أقل بكثير مما وُعدت به.
كتابة نورا ناجي في روايتها الأخيرة، متفجّرة وقلقة، متحفّزة ومبدعة، جُمل تتتابع كما لو أنها تتلاطم، إذ لا تتيح لقارئها أن يتوقف قليلا ليحتفل بقوّة ما قرأ، رافعة إياه، مع الجملة التي تلي، إلى ذروة مبدعة أخرى، فأخرى..
«بيت الجاز» رواية نورا ناجي صدرت عن دار الشروق في 202 صفحة – سنة 2025
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبر للأنباء
منذ 17 دقائق
- خبر للأنباء
استشهاد امرأة بانفجار عبوة ناسفة حوثية شمالي لحج
استشهدت امرأة، السبت، إثر انفجار عبوة ناسفة زرعتها مليشيا الحوثي الإرهابية في منزلها، في منطقة قداش بمديرية كرش شمالي محافظة لحج، جنوبي اليمن. وقالت مصادر محلية، إن المواطنة مريم عبده مقبل أحمد هريش، فارقت الحياة على الفور بعد انفجار عبوة ناسفة كانت مخفية خلف باب منزلها، الذي كانت قد اضطرّت لمغادرته في وقت سابق بسبب التصعيد العسكري الحوثي في المنطقة. وبحسب المصادر، عادت الضحية إلى منزلها لجلب بعض الأعلاف لماشيتها، لكنها ما إن فتحت الباب حتى دوّى الانفجار. ووصفت المصادر الحادثة بالمروعة، والتي كشفت عن استمرار المليشيا المدعومة إيرانياً في استخدام أساليب الغدر عبر تفخيخ المنازل والممتلكات الخاصة بالمواطنين.


خبر للأنباء
منذ 17 دقائق
- خبر للأنباء
مركز حقوقي أمريكي يوثق حملة اختطافات حوثية واسعة طالت 41 شخصاً في إب ويطالب بتدخل دولي عاجل (أسماء)
وذكر المركز، في بيان له، أن عدد المختطفين بلغ 41 مدنياً، بينهم شخصيات مرموقة في المجتمع اليمني، مشيراً إلى أن هذه الحملة تمثل تصعيداً خطيراً ضمن سياسة قمع ممنهجة تهدف إلى تكميم الأفواه وترويع السكان. وأشار المركز إلى أن الاختطافات بدأت في مايو الماضي بشكل فردي، ثم تحولت في يونيو إلى مداهمات جماعية شملت مديريات الظهار، العدين، السياني، ذي السفال، ومذيخرة. وأوضح البيان أن الاختطافات بلغت ذروتها بين 16 و30 يونيو، حيث تم تسجيل 20 حالة اختطاف في تلك الفترة، بينها الدكتور توفيق العاطفي، والمهندس غانم المعمري (70 عامًا)، واستمرت حتى مطلع يوليو مع اختطاف كل من زيد السماوي وطه عثمان. وحذر المركز من تداعيات هذه الانتهاكات على السلم المجتمعي، مؤكداً أن الحملة دفعت أكثر من 70 شخصية أكاديمية واجتماعية إلى النزوح ومغادرة محافظة إب خوفًا من الملاحقة، ما فاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة. ودعا البيان المجتمع الدولي، وفي مقدمته الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلى التحرك العاجل لوقف هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة، مطالباً بـتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لكشف مصير المختطفين ومواقع احتجازهم السرية، وفرض عقوبات على قيادات مليشيا الحوثي المتورطة في الانتهاكات. كما طالب المركز الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بتحمل مسؤولياتها، والقيام بواجباتها القانونية في حماية الحقوق الدستورية للمواطنين، والعمل على فضح الجرائم الحوثية أمام المحافل الدولية. 1. عبده يحيى 2. صادق اليوسفي 3. احمد يسين 4. توفيق امين العاطفي 5. نبيل اليفرسي 6. فيصل الشويع 7. عبدالله غانم ثوابة 8. مختار محمد سعيد الشغدري 9. يزيدطه محمدمربوش 10. عبدالعليم عبدالاله ناجي محمد 11. ياسرعبده احمدالرحامي 12. علي عبده قاسم المغربي 13. احمدمنصورعلي سيف 14. عبدالباري احمد علي المغاربة 15. غفران احمد قاسم خولان 16. حميد محمد مهيوب 17. غانم عبده قايد المعمري 18. زيد السماوي 19. محمد قايد عبده قاسم عقلان 20. حميد علي عبده محسن الحبري 21. علي حسن احمد الصبري 22. فؤاد العرومي 23. علي الذيب 24. سيلان عبدالحميد النهمي 25. جميل علي علي المنحمي 26. احمد حسين عبدالله الشامي 27. عبدالواحد قايد ناجي كرش 28. أمين عبداللطيف ناصر علي الجيلاني 29. هاشم أحمد صالح قاسم 30. محمدلطف الواصلي 31. محمد طاهر 32. محمد علي أحمدالوهيبي 33. طلال محمد عبد سلام 34. سعيد عبدالله قايد القداسي 35. بندر صادق عبدالله سعيد 36. منتضر عبده سيف علي 37. مطيع عبدالله نعمان الطيار 38. عبدالرحمن الظافري 39. احمد محمد فرحان 40. طه عثمان 41. ماجد السبئ


خبر للأنباء
منذ 17 دقائق
- خبر للأنباء
فيضانات تكساس تخلّف 27 قتيلاً بينهم أطفال.. ومئات المفقودين
وفي مؤتمر صحفي، أوضح مسؤول مدينة كيرفيل دالتون رايس أن المئات يشاركون في عمليات الإنقاذ، بما فيها عمليات الإنقاذ الجوي بالمروحيات. وأكد ليثا: "أريد أن أطمئنكم جميعاً أننا لن نتوقف حتى يتم العثور على كل شخص". بدأت الفيضانات يوم الجمعة الماضي عندما هطلت أمطار تعادل عدة أشهر خلال ساعات قليلة، ما تسبب في ارتفاع منسوب نهر غوادالوبي 26 قدماً (8 أمتار) خلال 45 دقيقة فقط. وحذّرت هيئة الأرصاد الوطنية من هطول أمطار غزيرة إضافية وفيضانات مفاجئة "مدمرة محلياً" في المنطقة الواقعة شمال غرب سان أنطونيو. وفي كيرفيل يوم السبت، كان نهر غوادالوبي الهادئ عادةً يجري بسرعة، ومياهه العكرة مليئة بالحطام. وصرّح المواطن جيراردو مارتينيز (61 عاماً): "هطل في يوم واحد ما يعادل أمطار سنة كاملة". وأضاف: "بلغت المياه قمم الأشجار، بارتفاع نحو 10 أمتار. كانت السيارات والمنازل بأكملها تجرفها مياه النهر". الفيضانات المفاجئة - التي تحدث عندما تعجز التربة عن امتصاص الأمطار الغزيرة - ليست ظاهرة غير مألوفة. لكن العلماء يؤكدون أن التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري جعل الظواهر الجوية المتطرفة كالفيضانات والجفاف وموجات الحر أكثر تكراراً وشدة. وأفاد مسؤول المدينة رايس يوم السبت بأن 27 طفلاً من المخيم الصيفي المسيحي "كامب ميستيك" في مقاطعة كير المنكوبة ما زالوا مفقودين، من بين 750 فتاة مسجلة في المخيم. ونقلت وسائل إعلام أمريكية عن عائلات الضحايا تأكيد مصرع فتاتين من المفقودات. وظهر المخيم الواقع على ضفاف النهر في حالة من الفوضى، مع انتشار البطانيات والمراتب والدمى ومتعلقات أخرى بين أنقاض المباني. كما تحطمت نوافذ كبائن المخيم بفعل قوة المياه الجارفة. وكان مايكل (الذي فضّل ذكر اسمه الأول فقط) يبحث عن ابنته الثمانينية في أنحاء المخيم. وقال: "كنت في أوستن وسافرت فور سماعي الخبر، وقضينا اليوم كله في محطات الطوارئ بكيرفيل". وأشار إلى الكابين الذي كان مقر إقامة ابنته، مؤكداً أنه عثر على بعض متعلقاتها بداخله. وأكّد مخيم "هارت أوف ذا هيلز" الصيفي المجاور - الواقع على بعد ميل واحد - أن مديرته جين راجسديل كانت بين الضحايا. وقّع حاكم تكساس جريج أبوت إعلان كارثة لتعزيز موارد المقاطعات المنكوبة، بينما وعد الرئيس ترامب بتقديم دعم فدرالي. وصرّح رايس بأن فرق الإنقاذ تواجه ظروفاً "صعبة للغاية"، قائلاً: "بدأنا عمليات البحث الأرضي الساعة 8 صباحاً (13:00 بتوقيت غرينتش)"، محذراً المواطنين من القيام بعمليات بحث فردية. وأضاف أنه لا يُعرف عدد الزوار الذين كانوا في منطقة التخييم الشهيرة، ممتنعاً عن تقدير العدد الإجمالي للمفقودين. وحذّر مسؤولون محليون من التوجه إلى المنطقة التي تعجّ بمواقع التخييم على ضفاف النهر، حيث أصبحت عشرات الطرق غير سالكة. وأظهرت مقاطع متداولة منازل وأشجاراً تجرفها الفيضانات الناتجة عن أمطار بلغت 12 بوصة (ثلث المعدل السنوي للمقاطعة). وغرّد الحاكم أبوت بمقطع يظهر إنقاذ أحد الضحايا من فوق شجرة بواسطة مروحية، بينما المياه الغاضبة تحته. ووصفت المواطنة سويلا رينا (55 عاماً) - التي تعمل في كنيسة محلية لمساعدة المتضررين - الكارثة قائلة: "لم أشهد شيئاً بهذا القدر من الدمار، أطفالٌ وضحايا ومنازلُ تختفي.. إنه أمرٌ مروع". بينما قال مارتينيز: "يُضرب المثل هنا بفيضان كل مئة عام.. لقد حدث الآن، لم نر مثله وسنأمل ألا يتكرر". ومع انتشار فرق الإنقاذ، ناشد رئيس البلدية جو هيرينج المجتمع التكاتف، قائلاً بصوت متهدج: "اعلموا أن اليوم سيكون عصيباً.. سيكون يوماً صعباً".