
عائلات مسلحة.. أمن غير رسمي في لبنان؟
في هذا المشهد، يطفو على السطح سؤال محوري: هل تحوّلت البلديات إلى "قوى أمن رديفة"؟ وهل يكفي العمل البلدي لضبط قلق الشارع، وسط طوفان السلاح غير الشرعي وتنامي النزعات الدفاعية الفردية؟
الأمن المحلي... ضرورة أم انزلاق إلى الفوضى؟
في عدد متزايد من البلدات اللبنانية ، من الجنوب إلى الشمال ، مرورًا بالبقاع، والجبل، تتشكل لجان حراسة ليلية، يمولها المغتربون أو الأهالي مباشرة، ويتولاها شبّان من أبناء البلدة، غالباً دون أي تدريب أمني. بلديات عديدة، تواصل معها "لبنان24" أكّدت استعانتها بمجموعات حراسة خاصة أو بموظفين سابقين في الأجهزة الأمنية للقيام بدوريات، بحجة الحد من السرقات المتزايدة.تكشف إحدى البلديات، أنّ الحال الذي وصلنا إليه اليوم خطير، فالأمر لم يعد يقتصر على تواصلنا مع القوى الامنية من عدمه، بل الامر بات أشبه بأمن ذاتي يجب على البلديات، خاصة البعيدة عن العاصمة، أو تلك النائية، أن تؤمنه... فمن نلوم؟ نحن مجبرون على ملء الفراغ قبل أن يقع المحظور.
لكن الخطر لا يكمن فقط في غياب الدولة، بل في ما يحلّ محلها: التسلح العشوائي.
فتضاعفت في السنوات الأخيرة ظاهرة اقتناء السلاح الفردي، ليس بدافع الجريمة فقط، بل تحت شعارات "الدفاع عن النفس"، و"الاستعداد للطوارئ"، و"الخوف من المقبل". لبنان اليوم يُعد من أعلى الدول عالميًا في معدل السلاح الفردي بالنسبة لعدد السكان. بحسب "Small Arms Survey"، هناك أكثر من 31 قطعة سلاح لكل 100 مدني في لبنان، أي ما يعادل أكثر من مليون و500 ألف قطعة سلاح بين الأيدي، خارج الأجهزة الرسمية.
لبنان يحتل المرتبة الـ15 عالميًا من حيث انتشار السلاح بين المدنيين، متقدمًا على معظم الدول العربية ، ومنافسًا لدول تشهد نزاعات مسلحة مباشرة.
من أين يأتي السلاح؟ يشير مصدر أمني تواصل معه "لبنان24"إلى أن التهريب من تركيا عبر سوريا بات طريقًا مفتوحًا منذ سنوات، لا سيما لأسلحة خفيفة وحديثة مثل المسدسات النصف آلية والبنادق التكتيكية. ويجري بيع هذه الأسلحة عبر شبكات غير شرعية تمتد من عكار إلى بيروت والبقاع، بأسعار تبدأ من 600دولار للمسدس التركي وتصل إلى 5000 دولار للأسلحة المتقدمة.
ففي مناطق لبنانية باتت تعيش على هامش الغياب الرسمي، اضطرت بعض العائلات الكبرى إلى حمل السلاح وتنظيم صفوفها، لا تمرداً على الدولة، بل دفاعاً عن الأمن المعيشي والاجتماعي في قراها وبلداتها. فمع تصاعد موجات السرقة والتعديات وازدياد الشعور بالعزلة، ظهرت العائلات المسلحة كقوة اضطرارية، لا تطمح للسيطرة بل لمنع الانفلات. لم تعد الكاميرات والحواجز العشوائية مشهداً غريباً، بل بات "ابن الحي" هو العين الساهرة حين تغيب الدورية، و"صوت العائلة" هو الإنذار الأخير قبل الكارثة. هم لا يزاحمون القوى الأمنية، بل يملأون الفراغ بحذر، مدركين أن حملهم للسلاح ليس بطولة بل عبء ثقيل يُحمَل على مضض، في انتظار عودة الدولة القوية التي لا يستبدلونها، بل يحمون الأرض إلى حين عودتها.
حين يتحول المواطن إلى "رجل أمن"
بات من الطبيعي أن ترى رجلًا يضع سلاحه على خصره في السوق، أو شابًا يصوّر نفسه بالبندقية على "إنستغرام" تحت وسم "حماية النفس". هذا النوع من "الاعتياد على الخطر" يشكل بيئة خصبة للانفجار، خاصة حين تترافق مع فراغ أمني، وتوترات طائفية أو مناطقية.
في الأحياء الفقيرة، كما في بعض قرى الأطراف، لم يعد السلاح وسيلة دفاع، بل رمزًا للسلطة، وعلامة على القدرة، وذريعة لخرق القانون. وإذا استمر هذا المسار، سيجد لبنان نفسه أمام خريطة أمنية موازية، لا تتحكم بها الدولة، بل تقودها "البلديات الأمنية"، والعائلات المسلحة، والمجموعات المحلية. وقد يؤدي ذلك إلى تكرار نماذج مأسوية شهدناها في الحرب الأهلية، حين كانت القوى الشرعية غائبة، والسلاح مشرّع.
إن أمن الأحياء ليس حلاً، بل علامة إنذار. وإن غياب الدولة ليس مجرد فراغ، بل دعوة للانهيار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 21 دقائق
- صدى البلد
ترامب يهدد بفرض عقوبات قاسية على روسيا ويهاجم بوتين بسبب حرب أوكرانيا
أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عدم رضاه عن تصرفات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مهددا بفرض "عقوبات صارمة وقاسية" على روسيا، في حال استمرارها في الحرب ضد أوكرانيا. وقال ترامب في تصريحات جديدة: "لست سعيدا مع بوتين، فهو يقتل الكثير من الناس، بينهم جنوده. هذه الحرب تفتك بحياة الكثير من الأبرياء، وبوتين أصبح عصيا على الفهم". وأشاد ترامب بصمود الأوكرانيين، قائلا: "الأوكرانيون شعب شجاع، وقدمنا لهم أفضل الأسلحة والصواريخ"، مؤكدا أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات لأوكرانيا بقيمة 300 مليار دولار، مضيفا: "كان من المفترض على أوروبا أن تقدم ما قدمناه نحن". وفيما تتصاعد وتيرة الحرب التي دخلت عامها الثالث، شدد ترامب على أن بلاده "تبحث فرض عقوبات شديدة" على روسيا، معتبرا أن التصعيد العسكري الروسي يضع العالم أمام تحديات خطيرة تستوجب ردا حاسمًا.


IM Lebanon
منذ ساعة واحدة
- IM Lebanon
ترامب: لست مسروراً من بوتين
أشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه 'غير مسرور' من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، متهما إياه بقتل أعداد كبيرة من الأشخاص خلال الحرب المستمرة في أوكرانيا. وأوضح ترامب أن بوتين 'لم يقدّم أي شيء فعليا لوقف الحرب'، متهماً إياه بـ'التفوه بترهات' فيما يتعلق بالأوضاع في أوكرانيا، بحسب تعبيره. وكشف ترامب أن فريقه يدرس فرض عقوبات قاسية وصارمة على روسيا في حال استمر النزاع، مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية قدمت مساعدات لأوكرانيا بقيمة 300 مليار دولار حتى الآن. وردا على سؤال بشأن مشروع قانون اقترحه مجلس الشيوخ لفرض عقوبات إضافية على روسيا، قال ترامب 'أنا أنظر في الأمر بقوة'. وأضاف أن الولايات المتحدة قامت بـ'تزويد أوكرانيا بأفضل المعدات العسكرية المتاحة'، في إطار دعمها العسكري لمواجهة الهجمات الروسية المستمرة. وتأتي تصريحات ترامب في ظل استمرار التوتر بين واشنطن وموسكو، وتزايد الانتقادات الدولية للدور الروسي في الحرب الأوكرانية، وسط دعوات متجددة إلى إيجاد حل دبلوماسي ينهي الصراع الدامي.


IM Lebanon
منذ ساعة واحدة
- IM Lebanon
ماسك يخسر 14 مليار دولار!
تعرّض الملياردير إيلون ماسك، المعروف بتأثيره الواسع في الساحتين الاقتصادية والسياسية، لضربة قوية على صعيد ثروته ومكانته في عالم الأعمال، حيث فقد نحو 14 مليار دولار من صافي ثروته في يوم واحد، نتيجة تراجع سهم تسلا بنسبة 7%، في ظل تنامي قلق 'وول ستريت' من انخراطه المتزايد في المشهد السياسي. ويأتي هذا التراجع في أعقاب إعلان ماسك عن تأسيس كيان سياسي جديد يحمل اسم 'حزب أميركا'، وتصاعد الخلاف العلني بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو ما يرى محللون أنه صرف الأنظار عن أداء تسلا التشغيلي، بحسب تقرير لمجلة فوربس. ويُعد توقيت إعلان ماسك عن حزبه السياسي حساسًا، إذ يتزامن مع حالة من التذبذب في قطاع السيارات الكهربائية وزيادة التدقيق على الأطر التنظيمية في ظل إدارة ترامب. وفي مذكرة للعملاء نُشرت يوم الاثنين، خفّض المحلل جيد دورشايمر من شركة ويليام بلير تصنيف سهم تسلا من 'شراء' إلى 'احتفاظ'، مشيرًا إلى ما وصفه بـ'بيئة تنظيمية اتحادية أقل ملاءمة للائتمانات البيئية'، نتيجة لتشريعات جديدة أُقرت أخيراً.