
الكاتب وأدواته.. عشق ممتد
أذكر اليوم الذي وقفت فيه أمام رفّ وراقة الحي، كانت عيناي تتنقل بين صفوف الدفاتر المرصوصة كجنود في طابور الصباح، كان قلبي يخفق وأنا أمرر أصابعي على أغلفة الجلد الناعم، وأتنشق رائحة الورق البكر الذي لم تلمسه بعد كلمة واحدة. في تلك اللحظة، أدركت أنني مصاب بداء جميل لا شفاء منه: الهيام بأدوات الكتابة.
لست وحدي في هذا العشق الأبدي؛ فنحن -معشر عاشقي الورق والحبر- قبيلة منتشرة في كل مكان، نتنقل بين المكتبات كالنحل بين الأزهار، نجمع الدفاتر والأقلام بشغف لا يفهمه كثيرون.
نحن اليوم محاطون بالشاشات الباردة اللامعة، نكتب على لوحات مفاتيح لا روح فيها، ونرسل نصوصنا بضغطة زر واحدة.. اختفت تلك اللحظات السحرية حين كنا نكتب المسوَّدة الأولى بخط اليد، ثم ننقلها بخط أوضح
أتذكر دفتري الأول، ذلك الكنز الأزرق بغلافه المخملي وقفله الذهبي الصغير، وقد احتفظت به سنوات طويلة حتى بعد أن امتلأت صفحاته بخربشات المراهقة وأحلام الطفولة. كان ذلك الدفتر أول رفيق حقيقي لي، يحتضن أسراري ويحفظ أولى محاولاتي في نظم الشعر.
ومع الأيام، تطور هوسي ليشمل كل ما له علاقة بالكتابة.. أصبحت أقتني الأقلام من كل مكان أذهب إليه، فكل قلم يحمل في طياته قصة مختلفة وإمكانات لا محدودة. وكم من مرة وجدت نفسي في مكتبة أتفحص أقلام الحبر الفاخرة، أزنها في يدي، وأتخيل الكلمات التي ستنساب من خلالها على الورق!
وأي متعة كانت تلك التي أجدها في بري القلم الرصاص بالمبراة المعدنية! أدير القلم ببطء، وأستمع لذلك الصوت الخشن الجميل، وأراقب خصلات الخشب المبرومة وهي تتساقط كأوراق الخريف، ثم أختبر حدة السن بوخزة صغيرة في ظهر يدي، لأتأكد من جودة البري.
أما الكتب، فحدث ولا حرج عن عبقها الفريد.. تلك الرائحة التي تخرج من بين الصفحات عندما تفتح كتابًا جديدًا لأول مرة، أو ذلك العطر العتيق الذي ينبعث من الكتب القديمة في المكتبات الأثرية.
كان جدي -رحمه الله- يملك مكتبة صغيرة في بيته، وكنت أقضي ساعات طويلة أتنقل بين صناديقها العتيقة، وربما غضبت فأتلفت بعضها، لا بغضًا لها بل انتقامًا من نفسي ومن الموقف.
نحن اليوم محاطون بالشاشات الباردة اللامعة، نكتب على لوحات مفاتيح لا روح فيها، ونرسل نصوصنا بضغطة زر واحدة.. اختفت تلك اللحظات السحرية حين كنا نكتب المسوَّدة الأولى بخط اليد، ثم ننقلها بخط أوضح، ونعدل عليها مرارًا وتكرارًا قبل أن نرضى عن شكلها النهائي.
أذكر أنني في سنوات الألفين كنت أنتظر أسابيع لأرى قصيدتي منشورة في أحد المواقع الأدبية؛ كان ذلك الانتظار جزءًا من متعة الكتابة، يعطي النص قيمة وثقلًا لا يمكن تحقيقهما في زمن النشر الفوري اليوم.
نحن – معشر عاشقي أدوات الكتابة- مهددون بالانقراض حقًا، لكننا لم نمت بعد. وما دامت هناك قصة تستحق أن تُحكى، وقصيدة تستحق أن تُكتب، فسيبقى للقلم والورق مكانهما في قلوبنا وبين أيدينا
كانت لدينا أجندات سنوية، نملؤها بمطالع القصائد والفِكَر العابرة والاقتباسات من قراءاتنا، كانت تلك الأجندات كنوزًا حقيقية.. أرشيفًا شخصيًا لأحلامنا وطموحاتنا الأدبية.
اليوم، أجد نفسي أكتب هذه الكلمات على شاشة تؤذي عيني بضوئها الأزرق، تقاطعني الإشعارات كل دقيقة، وتهدد بالانطفاء إذا لم أحركها لفترة.. لا أشعر بنفس الحميمية التي كنت أجدها مع الدفتر والقلم.
لكن، رغم كل هذا التطور التكنولوجي ما زلت أحتفظ في درج مكتبي بمجموعة من الأقلام والدفاتر؛ فقد أحتاج إليها يومًا ما، عندما تنقطع الكابلات أو تتعطل الشاشات، أو ربما عندما أشتاق فقط لتلك المتعة القديمة في رسم الحروف باليد، وسماع حفيف الورق تحت القلم.
نحن – معشر عاشقي أدوات الكتابة- مهددون بالانقراض حقًا، لكننا لم نمت بعد. وما دامت هناك قصة تستحق أن تُحكى، وقصيدة تستحق أن تُكتب، فسيبقى للقلم والورق مكانهما في قلوبنا وبين أيدينا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
حين يولد الأمل من رحم الألم
في حياة كل إنسان مواقف تترك ندوبًا في القلب، ولحظات لا تنسى، نظن فيها أن العالم قد انطفأ! تتهاوى الأحلام، وتفترسنا الخيبات، ونقف على أطلال أنفسنا عاجزين عن الفهم. هناك مراحل نظن فيها أن الحياة توقفت، وأن لا شيء بعد هذه اللحظة قادر على أن يفرحنا أو يبعث فينا الدفء من جديد؛ نُخذل ممن وثقنا بهم، نُقصى من أماكن حلمنا بها، نفشل رغم كل السعي، ونظن أن النهاية قد كتبت فصولها الأخيرة.. غير أن الحقيقة التي لا نراها لحظتها، أن تلك الانكسارات ليست نهاية، بل بداية خفية لرحلة أعظم. حين نكون على حافة الانهيار نفاجأ.. الأمل لا يحتاج إلى ظروف مثالية كي يولد، بل يكفي أن نسمح له بالتسرّب إلى أرواحنا، ولو من ثغرة صغيرة في جدار الحزن ما يغيب عنا في تلك اللحظة القاسية، أنه في أعماق الألم تكمن بذور الأمل، تنمو بصمت تحت رماد الجراح، وأنه في أحلك أوقات الانكسار يصاغ جوهر قوتنا الحقيقية، ويُنسج من الألم أسمى أجزاء ذاتنا. الألم ليس عدوًا دائمًا، وإن بدا كذلك في البداية.. إنه معلم قاسٍ، لكنه صادق، يفتح أعيننا على أشياء لم نكن نراها، ويدفعنا لاكتشاف قوتنا الحقيقية! عندما نخسر شيئًا ثمينًا، أو نُخذل من أقرب الناس، أو نفشل بعد جهد طويل، نعتقد أننا انتهينا.. لكن، شيئًا فشيئًا تبدأ النفوس تتعافى، والعقول تهدأ، وتكتشف القلوب أنها ما زالت قادرة على الحب والفرح من جديد. وقد يفقد المرء وظيفة أو عملًا، ويظن في تلك اللحظة أن حياته توقفت، وأن المستقبل مظلم لا يلوح فيه أي أمل.. يشعر باليأس، وربما بالإحباط، وكأن كل ما بذله من جهد قد ذهب هباء. لكن مع مرور الوقت، ومع محاولة إعادة ترتيب الأمور، يكتشف أن فقدان الوظيفة والعمل لم يكن إلا بابًا أغلق، لكنه فتح أمامه أبوابًا أخرى للتعلم، وللتجديد، وللبداية من جديد في مجال أفضل أو في تجربة أكثر ثراء! وهنا يأتي دور الأمل، هذا الشعور الذي يولد غالبًا في أحلك اللحظات. حين نكون على حافة الانهيار نفاجأ.. الأمل لا يحتاج إلى ظروف مثالية كي يولد، بل يكفي أن نسمح له بالتسرّب إلى أرواحنا، ولو من ثغرة صغيرة في جدار الحزن. أحيانًا، لا ندرك أن الله ينقذنا ونحن نظن أنه يُبعد عنا شيئًا جميلًا، لكن الحقيقة أن رب العالمين لا يقدّر لنا شيئًا إلا لحكمة، ولا يمنع عنا أمرًا إلا وفي المنع رحمة! ربما يظن المرء أن خسارة شخص أحبه فجوة لا تُسد، لكن الأيام كفيلة بأن تثبت أن الفجوة كانت حماية، وأن القادم يحمل من الحنان ما ينسيك وجع البدايات. تزخر الآيات القرآنية برسائل سامية، تؤكد أن الألم والابتلاء ليسا نهاية الرحلة، بل هما فصل من فصولها المضيئة. يقول الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5-6]. وفي آية أخرى، يربط الله بين ما نكرهه وما فيه الخير لنا، وأن حكمة الله أعظم من إدراكنا المحدود: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216]. تُظهر التجارب أن أولئك الذين مروا من الألم هم أكثر نضجًا، وأكثر وعيًا، وأقرب إلى فهم المعنى الحقيقي للحياة.. لم يعد يغرّهم السطح والقشور، ولا تخدعهم المظاهر؛ فهم يعرفون أن الحياة خليط من الفرح والحزن، من النجاح والفشل، من اللقاء والفقد.. لكنهم أيضًا يعرفون أنها تستمر، وأن كل نهاية ليست إلا بداية لشيء جديد. كم من شخص فقد أحلامه، ثم صنع غيرها! كم من قلب كُسر، فعاد من جديد يحب بقلب أرقى ونفس أنقى! كم من إنسان بكى أمس، وهو اليوم يضحك من قلبه!. هكذا هي الحياة، وهكذا نحن كبشر: لا نسقط إلى الأبد، ولا نحزن إلى الأبد، في داخلنا دائمًا ضوء صغير لا ينطفئ، هو الأمل. إن الصعوبات لا تُدمّرنا، بل تُربينا؛ تجعلنا نعرف من نحن، وماذا نريد، وتقرّبنا من ذاتنا الحقيقية. وكل لحظة صعبة عشناها، إن أحسنا النظر إليها فسنجد أنها تركت فينا دروسًا ثمينة، وحِكَمًا عميقة، وقوة لم نكن نعرف أننا نملكها. حين يولد الأمل من الألم، لا يعود الألم بلا معنى.. حين ننهض بعد السقوط، لا تعود الهزيمة سوى خطوة في طريق النضج. ستبتسم من قلبك مرة أخرى، وتقول: "لقد كنت أظنها النهاية.. لكنها كانت البداية فقط".


الجزيرة
منذ 14 ساعات
- الجزيرة
لماذا ينجذب الجيل "زد" إلى الأزياء القبيحة؟
في كل صباح، وبينما تستعد "ريم" للخروج، تلفت انتباهها إطلالة ابنتها المراهقة التي تبدو غريبة وغير مألوفة: قصة شعر غير متناسقة، وغرة قصيرة جدًا، وملابس فضفاضة تكاد تُخفي ملامح الجسم، وسراويل ممزقة، وحقائب تبدو متّسخة عن قصد. مشهد بات مألوفًا لكثير من الأهل، ويدفعهم إلى التساؤل: ما الذي يجذب جيل "زد" إلى هذا النوع من الأزياء غير التقليدية؟ امتداد للهوية الرقمية يُشير مصطلح " جيل زد" إلى الأفراد المولودين بين منتصف التسعينيات وأواخر العقد الأول من الألفية الثالثة، ويُعرف عنهم اهتمامهم الشديد بالمظهر كوسيلة أساسية للتعبير عن الذات، خاصة مع نشأتهم في ظل ثقافة تركز على الصورة التي تعتبر جزءا أساسيا من الهوية الرقمية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن اللافت للنظر هو شيوع الملابس القبيحة أو ما يطلق عليه Uglycore وكذلك الملابس غير المتناسقة بمقاييس الأجيال السابقة. لكن ما يعتبره البعض فسادا في الذوق يراه أبناء جيل زد موقفا متمردا على الجماليات التقليدية السائدة التي يفرضها المجتمع، وهو اتجاه يعرف ب"Anti-Aesthetic"، أو المناهضة للجمالية، وهو تيار في الفن والموضة يرى أن الجاذبية البصرية ليست شرطا للقيمة. وغالبا ما يرتبط بالموضة المضادة، حيث يستخدم ملابس وأساليب غير تقليدية وغير متطابقة لتحويلها إلى شكل جريء من أشكال التعبير عن الذات والاحتفاء بالفردية والتمرد على الذوق المهيمن. كما يتجه الكثير من أبناء جيل زد لاستخدام الملابس المستعملة والمعاد تدويرها في اتجاه يربط الجمالية بالممارسات الأخلاقية والمستدامة. ملابس غير مألوفة نشأ جيل "زد" وسط أزمات متلاحقة وشعور دائم بعدم الاستقرار، بدءًا من جائحة كوفيد-19، ومرورا بالتضخم الاقتصادي، ووصولا إلى التوترات السياسية العالمية. في الوقت ذاته، هيمنت الفلاتر الرقمية على حياتهم، مقدّمة صورة مثالية ومصطنعة للعالم من حولهم. وسط هذا المشهد، ظهرت مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية التي ساهمت في انتشار ما يُعرف بـ"الموضة القبيحة". من أبرز هذه العوامل: جائحة كوفيد-19 التي دفعت الناس إلى قضاء شهور طويلة داخل منازلهم، مما منحهم مساحة للتجريب والتحرر من الضغوط المرتبطة باتباع معايير الموضة التقليدية. كما عززت تلك العزلة ميولهم نحو اختيار ملابس مريحة، بعيدا عن الشكل المتعارف عليه للأناقة. فعلى سبيل المثال، زادت مبيعات شركة كروكس بنسبة 10% خلال جائحة كوفيد-19. رفض المعايير الجمالية التقليدية: تعتبر خيارات الموضة القبيحة بمثابة مقاومة واعية للضغوط الاجتماعية التي تطالبهم بالمظهر المثالي. التمرد على الأجيال السابقة: يسعى أبناء جيل زد لارتداء ملابس مختلفة عن السائد والانفصال عن الأجيال السابقة. تأثير وسائل التواصل الاجتماعي: تعمل منصات وسائل التواصل على زيادة انتشار اتجاهات الموضة القبيحة، وهو ما يجعل البعض يشعر أن أبناء جيل زد يرتدون الملابس نفسها الفضفاضة والمتشابهة. ورغم نزعة التمرد التي تقف خلف هذا الاتجاه، فسرعان ما تمكنت شركات الموضة السريعة من ركوب الموجة، واستغلته كوسيلة للتسويق عبر إنتاج مجموعات أزياء مستوحاة من اتجاهات الموضة المضادة، وترويجها كخيارات جريئة وجذابة، خاصة مع تبني العديد من نجوم ومشاهير هذا الجيل لمظاهر تكسر القواعد التقليدية مثل بيلي أيليش ، و ويجز ، وكلاهما يظهران بإطلالات غير معتادة. وبدلا من أن يصبح هذا التوجه وسيلة للتعبير عن التمرد أصبح اتجاها نمطيا جديدا لاتباعه. محاولة للفهم بدلا من القمع إذا كنت تتساءل عن الطريقة المثلى للتعامل مع اختيارات أبنائك المختلفة في الملابس -خاصة إن بدت لك غير ملائمة أو حتى "قبيحة"- فقد تتردد بين منعهم أو تركهم يكتشفون ذوقهم الشخصي، حتى لو تعارض مع معايير الجمال السائدة. ينصح المتخصصون بضرورة احترام ذوق الأبناء وعدم رفض اختياراتهم بشكل مباشر، إذ تُعد الملابس في مرحلة المراهقة وسيلة مهمة للتعبير عن الهوية الشخصية. كما يحذرون من استخدام عبارات ساخرة أو وصف المظهر بأنه "قبيح" أو "كمشرد"، لما لذلك من أثر سلبي على صورة الأبناء الذاتية وثقتهم بأنفسهم. وبدلا من إصدار أحكام قاطعة على مظهرهم، من الأفضل وضع حدود واضحة تتعلق بالاحتشام والسلامة الشخصية، مع التأكيد على أهمية ملاءمة الملابس للمكان أو المناسبة، مثل المدرسة أو المناسبات الرسمية. والأهم من ذلك هو الإنصات لوجهة نظرهم، وتشجيع الحوار المفتوح، وتقبّل أن لكل جيل ذوقه الخاص ووسائله المختلفة في التعبير عن نفسه.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
صور مفبركة تثير الجدل حول عودة عادل إمام
تصدر الممثل المصري عادل إمام محركات البحث بعد تداول صور مفبركة له برفقة الممثلتين لبلبة ويسرا، وقد زُعم أنها التقطت أثناء تجوله في شوارع القاهرة. وقد أظهرت الصورة الأولى إمام إلى جانب لبلبة التي شاركته بطولة عدد كبير من الأفلام. وفي تصريحات صحفية نفت الممثلة صحة الصورة، وأكدت أنها لم تكن موجودة بالقاهرة ولم تلتق إمام، وأعربت عن استيائها من تداول صورة تظهر ملامحها بشكل مختلف عن شكلها الحالي. كما ظهرت يسرا في صورة مشابهة أثارت جدلا واسعا، قبل أن تخرج في تصريحات صحفية لتؤكد أن الصورة غير حقيقية وأنها مصنوعة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وأعربت عن انزعاجها من هذه الموجة من الصور الملفقة، معتبرة أن من يروج لها يسعى إلى إثارة الجدل. وليست هذه المرة الأولى التي تنشر فيها صور مفبركة لإمام، إذ سبق أن تم تداول صور له داخل أحد المستشفيات مما دفع عائلته إلى إصدار بيان أكدت فيه أنه بصحة جيدة، وأن الصور لا أساس لها من الصحة. ويعيد هذا الجدل طرح التساؤلات حول سبب استمرار انتشار مثل هذه الصور، خاصة في ظل غياب إمام عن الساحة الفنية منذ مسلسل "فلانتينو "عام 2020، وما إذا كان الغموض المحيط بحالته الصحية وابتعاده عن الظهور هو ما يغذي هذه الشائعات. ومن جانبه علق الناقد الفني طارق الشناوي -في تصريح للجزيرة نت- أن السبب في انتشار مثل هذه الصور هو إصرار إمام على عدم التصوير، وهو ما خلف رغبة في نشر صور مزيفة له بشكل كبير، لكن في النهاية يجب احترام القرار الخاص به بعدم الظهور وعدم الإلحاح عليه. وقال الشناوي إن إمام من المؤكد أنه لا يرغب في أن يشاهد أحد تغيير ملامحه، ولذلك اختار أن يكون آخر ظهور له من خلال مسلسل "فلانتينو" ولم يتعاقد بعدها على أي عمل فني جديد، ولم يظهر في أي فعالية فنية أو شخصية. وتابع أن القرار من المؤكد يخص الفنان نفسه والذي قرر أن يكون عام 2020 آخر ظهور له، وأشار إلى أنه اقترح أن يقوم إمام بتسليم جائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر للسيناريست والكاتب وحيد حامد أثناء تكريمه من مهرجان القاهرة السينمائي قبل سنوات، وبالفعل تواصل رئيس المهرجان وقتها المنتج محمد حفظي مع نجله رامي الذي اعتذر بالنيابة عن والده عن الأمر لتفشي فيروس كورونا وقتها، ولم يظهر أيضا في عزاء صديقه الفنان صلاح السعدني الذي رحل عن عالمنا قبل سنوات قليلة. وأضاف أن إمام منذ هذا الوقت لم يظهر حتى في الصورة التي نشرها رئيس هيئة الترفيه بالسعودية تركي آل الشيخ الذي أعلن زيارته للنجم المصري قبل أسبوعين، وظهر في الصورة بمنزله لكن برفقة أبنائه، ولم يحضر إمام أيضا حفل زفاف حفيده أو ابنة شقيقه مؤخرا، ولم يتم الاحتفال بعيد ميلاده في مايو/أيار الماضي كما اعتاد كل عام. لكن خلال هذه الفترة اكتفى إمام برسالة صوتية أثناء تكريمه من الجوي آورد كزعيم للفن العربي، في يناير/كانون الثاني 2024، إلى جانب مداخلة هاتفية له مع الإعلامي شريف عامر قبل سنوات قليلة طمأن خلالها الجمهور على صحته. وكل ذلك يؤكد على رغبة إمام في عدم الظهور، وهو ما يجعل هناك رغبة في اختلاق صورة لكي تحقق صدى وتفاعلا واسعا مع الجمهور. ومن جانبها اعتبرت الناقدة الفنية أمنية عادل أن المكانة التي يتمتع بها إمام، إلى جانب ابتعاده عن الساحة الفنية، جعلاه مادة ثرية للباحثين عن الانتشار والزج باسمه، حتى لو كان الأمر يندرج تحت عدم احترام الخصوصية أو كان مهينا أو سخيفا، فهو في النهاية عدم احترام لرغبته في الابتعاد عن المشهد بإرادته. وتابعت أن شخصا بعقلية إمام لا يمكن أن يكون أبناؤه قرروا إبعاده عن الساحة، بل هي رغبته الشخصية، بعد أن شاهد آخر أعماله وشعر بعدها بعدم قدرته على العطاء أو تقديم ما يليق بتاريخه واسمه، ففضل أن يحتفظ به الجمهور في ذاكرته. وأضافت: أتصور أن هذا قرار نابع من ذكائه ووعيه، لأنه عاصر عددا كبيرا من النجوم الذين سبقوه، وشاهد كيف انتهت مسيرتهم، وتعلم من تجاربهم، وأدرك أن كونه نجما لا يعني أن يحتفظ بحضوره لنفسه فقط، بل للتاريخ وللناس. وأشارت إلى أن أصحاب الصفحات والفيديوهات العشوائية يحاولون استغلال اسمه بوضعه في أي سياق، لكن حالة الترفع التي يتعامل بها أبناؤه وعائلته، واختيارهم المعارك التي يخوضونها، هو ما يحافظ على قوة اسمه وتاريخه، وليس الاستجابة لأي محاولة ابتزاز تدفعه أو تدفعهم إلى الظهور أو الحديث. كما يمكن اعتبار أن بعض من تداولوا هذه الصور لا ينتمون إلى صفحات أو جهات تبحث عن الانتشار. بل على العكس، يبدو أنهم فعلوا ذلك بدافع المحبة لإمام، وهو جانب أفضل في المسألة. فبينما يسعى البعض لاستغلال الذكاء الاصطناعي بهدف إثارة الجدل أو تحقيق مكاسب، فهناك آخرون يستخدمونه للتعبير عن حبهم لممثل يعيش في ذاكرتهم الجمعية. وكان آخر ظهور لإمام على الشاشة قبل 5 سنوات قبل أن يبتعد عن الساحة الفنية عندما أعلن نجله رامي إمام قبل سنوات أن والده قرر أن يكتفي بما قدمه ويقضي وقته مع أسرته وأحفاده.