logo
أميركا ومخالبها التجارية

أميركا ومخالبها التجارية

الشرق الأوسطمنذ 4 أيام
بالنسبة لمنطقة يُشاد بها كثيراً باعتبارها مستقبل الاقتصاد العالمي، كانت التجربة مخيّبة للآمال، واحد تلو آخر، إذ وافق زعماء آسيا على اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة، قد تكون أفضل قليلاً مما كان متوقعاً قبل أشهر، لكنها في المجمل أكثر صرامة من الصيغ التي كانوا يأملون بها حين راهنوا، قبل عقود، على الوصول إلى السوق الأميركية كركيزة لاستراتيجياتهم التنموية.
أما اليوم، فقد باتت أيام ازدهار سلاسل الإمداد تبدو وكأنها تنتمي إلى عصر ما قبل التاريخ، على الأقل في نظر الدول التي اضطرت إلى الاصطفاف وتقديم التنازلات أمام مطالب البيت الأبيض بفرض تعريفات جمركية مشددة. إنها، بلا شك، عودة إلى حقبة أقل ازدهاراً، إذ تشير تقديرات «بلومبرغ إيكونوميكس» إلى أن مستوى التعريفات الجمركية الأميركية بلغ اليوم أعلى مستوياته منذ ثلاثينات القرن الماضي.
وكان رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في وقت سابق مصمماً على رفض أي تعريفات، خاصة على السيارات، لكنه انتهى بقبول غرامة بنسبة 15 في المائة. أما رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أعلى مسؤولة في الاتحاد الأوروبي، فقد صرّحت يوم الأحد أن نسبة الـ15 في المائة التي اتفقت عليها الكتلة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب كانت أفضل ما تمكنوا من تحقيقه.
أما الاقتصادات الرئيسية التي لم تُبرم اتفاقاً بعد، مثل كوريا الجنوبية والهند، فهي تواجه خطر فرض شروط أشد قسوة من تلك التي رضخت لها الدول التي اختارت «الانسجام لتفادي المواجهة».
ويصرّ ترمب على إظهار الخضوع، وهو بالفعل يحصل عليه في جوانب مهمة، إذ تتربع الولايات المتحدة على قمة السلسلة الغذائية التجارية، ولا تزال الاقتصاد الأكبر بفارق كبير.ورغم أن التعريفات الجمركية قد لا تنعش مجتمعات الطبقة العاملة التي يدّعي ترمب دعمها، فإنها تقدم له عرضاً مرضياً من الناحية العاطفية. أما الدول التي رضخت لمطالبه، فبذلك تخفف الضغط عن نفسها، عاقِدة آمالها على تحسن الأوضاع خلال عهد الرئيس الأميركي المقبل.
وفي هذا السياق، من المفيد النظر إلى المسألة من زاوية الدول التي تُشبه «المفترسات الأعلى» في السلسلة الغذائية، تلك التي تتربع على القمة، ولديها القدرة على افتراس اللاعبين الأصغر، كما أوضح ديمتري غروزوبينسكي، المفاوض التجاري الأسترالي السابق، حين قال: «هم يدفعون، إلى حد كبير، ما يشبه أموال الحماية».
ويبدو أن التعريفات الجمركية التي تبلغ نحو 20 في المائة أصبحت هي المعيار المُعتمَد في جنوب شرقي آسيا، استناداً إلى الاتفاقيات المُعلنة مع الفلبين وإندونيسيا وفيتنام.
وفي ما يتعلق بالأخيرتين، فقد تمكّنتا من التفاوض مع الولايات المتحدة لتخفيض النسبة مقارنةً بما كان مطروحاً في أبريل (نيسان) الماضي، إلا أن التعريفات لا تزال مؤلمة.
فبالنسبة لفيتنام، التي تحولت إلى قوة تصديرية صاعدة، قد تنخفض صادراتها إلى السوق الأميركية بنسبة تصل إلى الثلث، وتشير الاتفاقات كذلك إلى جهود أميركية للضغط على الصين، إذ تسعى واشنطن إلى تقييد قدرة الشركات الصينية على إعادة تصدير منتجاتها عبر دول ثالثة. أما الفلبين فقد بدا وكأنها تعرضت لما يشبه الإذلال، إذ التعريفات الجمركية المفروضة على صادراتها كانت أقل بفارق طفيف فقط مما أعلنه ترمب قبل بضعة أسابيع.
ولا يزال العديد من التفاصيل غير محسوم، كما أن الدول لم تتخلَّ بعد عن مساعيها لتحسين الشروط. غير أن القاسم المشترك بين جميع هذه الاتفاقات، إلى جانب مجرد إنجاز صفقة بأي شكل، هو إتاحة الفرصة لترمب للحصول على قدر من المسرح السياسي الذي يطمح إليه، عبر الثناء على الاتفاقات والإشادة بشاغل البيت الأبيض.
وربما عندما يتحوّل الانتباه إلى ساحات أخرى، تتاح الفرصة للحصول على صفقة أفضل قليلاً. فالرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن أوضح أنه لم يفقد الأمل. وقبيل لقائه الأخير مع ترمب في البيت الأبيض، حرص فريقه على التأكيد على الروابط التاريخية الوثيقة بين البلدين، إذ كانت الفلبين مستعمرة أميركية سابقاً، وتخوض اليوم مواجهات متكررة مع السفن الصينية في بحر الصين الجنوبي.
وعلى الرغم من ذلك، لم تحصد مانيلا مكاسب تُذكر من الاتفاق، ويبدو أن أفضل رهان أمام ماركوس هو مواصلة العمل مع المفاوضين، بينما ينشغل ترمب بملفات أخرى. وقد ألمح وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، إلى احتمال وجود بُعد عسكري ضمن الاتفاق.
وقال غروزوبينسكي، مؤلف كتاب «لماذا يكذب السياسيون بشأن التجارة»: «الذئب بات الآن يطرق أبواباً أخرى»، مضيفاً: «الذلّ أقل إيلاماً من خوض المعركة».
وفي المقابل، تحظى الدول ببعض اليقين بشأن تكلفة الدخول إلى السوق الأميركية، وهي ميزة حيوية في سباق جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وقد يُعدّ الهروب بحدّ ذاته شكلاً من أشكال الانتصار. ففي حالة فيتنام، على سبيل المثال، لا تزال البلاد تتمتع بقدر معقول من التنافسية حتى مع فرض رسوم بنسبة 20 في المائة، وصحيح أن هذه النسبة مؤلمة، لكنها قد لا تكون كافية لدفع المصنّعين إلى نقل أنشطتهم إلى دول أخرى، وقد يكون الثمن مقبولاً مقابل الحفاظ على الوصول إلى المستهلك الأميركي.
وكانت الإدارة الأميركية قد لمّحت إلى هذا المنطق مسبقاً، قبل ما أسمته بـ«يوم التحرير». ففي مارس (آذار) الماضي، صرّح ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة ترمب، لقناة «بلومبرغ» بأن الدول في نهاية المطاف ليس أمامها خيار سوى البيع للسوق الأميركية، وعليها أن تدفع الثمن للاحتفاظ بهذا الامتياز.
سيول ونيودلهي على الموعد التالي، فقد طرح المسؤولون الكوريون عرضاً يتضمن شراكة في مجال بناء السفن، ضمن إطار اتفاق محتمل مع واشنطن. أما المحادثات مع الصين، التي تُجرى حالياً في السويد، فتبدو قصة مختلفة تماماً، ونأمل أن يتجنب الاقتصاد العالمي أضراراً جسيمة نتيجة هذه التوترات.
والسؤال الذي يطرح نفسه أمام الرئيس الصيني شي جينبينغ الآن هو؛ هل تستحق هذه المواجهة الثمن؟ وإلى أي مدى يستطيع اقتصاد بلاده الصمود؟ وفي ظل تعقيد المشهد، قد تكون مشاهدة فيلم وثائقي يعلّق عليه ديفيد أتينبورو، الإعلامي البريطاني الشهير بصوته المميز وسجله الحافل في تقديم وثائقيات الحياة البرية، تجربة لا غِنى عنها لفهم أبعاد هذه المعركة الاقتصادية.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وزير التجارة: إشادة "صندوق النقد" تعكس الحراك غير المسبوق لتنويع الاقتصاد السعودي
وزير التجارة: إشادة "صندوق النقد" تعكس الحراك غير المسبوق لتنويع الاقتصاد السعودي

صحيفة سبق

timeمنذ 5 دقائق

  • صحيفة سبق

وزير التجارة: إشادة "صندوق النقد" تعكس الحراك غير المسبوق لتنويع الاقتصاد السعودي

أشاد وزير التجارة الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي بما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي من إشادة بجهود المملكة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز التنوع. وقال الوزير عبر حسابه في منصة 'إكس': 'الحمد لله والشكر.. صندوق النقد الدولي يشيد بجهود المملكة في الإصلاحات الاقتصادية، التي تترجم الحراك غير المسبوق، لتنويع الاقتصاد وتحفيز القطاع الخاص'. وكان صندوق النقد الدولي قد أكد في تقريره أن الاقتصاد السعودي يُظهر مرونة قوية وتنوعًا متزايدًا في ظل مستهدفات رؤية المملكة 2030، متوقعًا نمو الناتج المحلي بنسبة 3.6% في عام 2025، و3.9% في 2026، مع استمرار انخفاض معدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها تاريخيًا. وأشار الصندوق إلى أن المملكة تُعد أكبر مُصدر عالمي لتحويلات الوافدين بقيمة 45.7 مليار دولار، أي ما يعادل 5% من إجمالي تحويلات العاملين بالخارج عالميًا، لافتًا إلى أن أصول المملكة الدولية تبلغ 1.5 تريليون دولار، ويُقدّر صافي استثماراتها الدولية بـ9% من الناتج المحلي الإجمالي.

أسهم أوروبا تصعد بعد موجة جني أرباح يوم الجمعة
أسهم أوروبا تصعد بعد موجة جني أرباح يوم الجمعة

الرياض

timeمنذ 16 دقائق

  • الرياض

أسهم أوروبا تصعد بعد موجة جني أرباح يوم الجمعة

أغلقت أسهم أوروبا على ارتفاع اليوم الاثنين متعافية من أدنى مستوياتها في ستة أسابيع بعدما عوضت مكاسب قطاع البنوك خسائر الأسهم السويسرية التي تضررت من رسوم جمركية أمريكية ضخمة بلغت 39 بالمئة على السلع السويسرية. وارتفع المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.9 بالمئة، مع انتعاش معظم الأسواق الإقليمية الرئيسية، باستثناء أسهم سويسرا، معوضا الخسائر الحادة التي تكبدها يوم الجمعة، عندما أثرت المخاوف بشأن الرسوم الجمركية وتقرير الوظائف الأمريكي الضعيف على المعنويات. وصعد المؤشر داكس الألماني 1.4 بالمئة، وارتفع المؤشر كاك الفرنسي 1.1 بالمئة وزاد مؤشر فاينانشال تايمز البريطاني 0.7 بالمئة. وانخفض مؤشر (إس.إم.آي) في زيورخ 0.2 بالمئة مع استئناف التداول بعد عطلة نهاية أسبوع طويلة. واصطدمت سويسرا بواقع فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عليها يوم الجمعة رسوما جمركية مرتفعة ضمن مساعيه لإعادة ضبط التجارة العالمية، إذ حذرت اتحادات نقابية من أن عشرات الآلاف من الوظائف معرضة للخطر. وانخفضت أسهم شركات صناعة الساعات السويسرية الفاخرة، منها ريتشمونت وسواتش 1.3 بالمئة و2.3 بالمئة على الترتيب. وقال روس مولد، مدير الاستثمار في (إيه.جيه بيل) "من المفهوم سبب تأخر سويسرا. يبدو أن الشركات الأكثر تعرضا لتدفقات التجارة الدولية هي الأكثر تعرضا للضغوط. ومع ذلك، فإن انخفاضا بنسبة ربع في المئة ليس مهما بشكل خاص". وابتعدت الأسهم الأوروبية أكثر عن ذروة هذا العام حيث أثارت الرسوم الجمركية الأمريكية على شركاء تجاريين رئيسيين مخاوف بشأن عودة الضغوط التضخمية وتباطؤ النمو الاقتصادي. وكان قطاع البنوك نقطة مضيئة في تعاملات اليوم، إذ ارتفعت أسهم البنوك البريطانية بعد أن ألغت المحكمة العليا في البلاد حكما بشأن عمولات تمويل السيارات، مما خفف من مخاوف البنوك بشأن خطة التعويض التي حذر بعض المحللين من أنها قد تصل إلى عشرات المليارات من الجنيهات الإسترلينية. وزاد سهم لويدز تسعة بالمئة ليتصدر المؤشر ستوكس 600، بينما كسب سهم كلوز براذرز 24 بالمئة. وارتفع كل من باركليز وبنك أيرلنداوسانتاندر بأكثر من اثنين بالمئة لكل منهما. وانخفض سهم يو.بي.إس 0.7 بالمئة بعد أن قال البنك إنه سيدفع 300 مليون دولار لتسوية قضايا سندات الرهن العقاري الأمريكية المتعلقة بإساءة بيع الاستثمارات المرتبطة بالرهن العقاري.

ترامب يهدد بزيادة الرسوم الجمركية على الهند بسبب شرائها النفط الروسي
ترامب يهدد بزيادة الرسوم الجمركية على الهند بسبب شرائها النفط الروسي

الرياض

timeمنذ 37 دقائق

  • الرياض

ترامب يهدد بزيادة الرسوم الجمركية على الهند بسبب شرائها النفط الروسي

هدد الرئيس دونالد ترامب الإثنين بزيادة الرسوم الجمركية الأميركية على السلع الهندية بشكل كبير بسبب مشتريات الهند من النفط الروسي، وذلك قبل أيام من دخول الرسوم الجمركية الأكثر شدة التي فرضها على عشرات الاقتصادات حيز التنفيذ. وقال ترامب في منشور على منصته "تروث سوشال": "لا يكترثون بعدد من تقتلهم آلة الحرب الروسية في أوكرانيا. ولهذا السبب، سأزيد الرسوم الجمركية التي تدفعها الهند للولايات المتحدة بشكل كبير". وكان ترامب فرض تعرفة جمركية بنسبة 25 % على الهند، فضلا عن "غرامة" لم تحدّد قيمتها بسبب شراء نيودلهي الأسلحة والنفط من روسيا. وتعدّ التعرفة الجديدة المفروضة على الهند أدنى بقليل من تلك التي أعلنت في نيسان/أبريل، لكنها أعلى من الرسوم المحدّدة لدول آسيوية أخرى سبق أن أبرمت صفقات تجارية مع واشنطن. وكانت الهند، وهي أكثر بلدان العالم تعدادا للسكان، من أوّل الاقتصادات الكبرى التي خاضت مفاوضات تجارية مع إدارة ترامب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store