logo
ديمقراطيات الربيع العربي: ما لها وما عليها

ديمقراطيات الربيع العربي: ما لها وما عليها

موقع كتاباتمنذ 8 ساعات

مثل 'الربيع العربي' منذ 2011 لحظة مفصلية في التاريخ السياسي العربي، حين خرجت الشعوب للمطالبة بإسقاط أنظمة شمولية وبناء نظم ديمقراطية تعكس الإرادة الشعبية، وأسقطت تلك الحركات أنظمة في تونس، مصر، ليبيا، واليمن، فيما واجهت سوريا ثورة عنيفة تحوّلت إلى حرب أهلية، ورغم الزخم الشعبي، لم تثمر هذه التحركات عن ديمقراطيات مستقرة، بل عن تجارب انتقالية قصيرة العمر أو فوضى أو عودة للاستبداد بصيغ مختلفة، وفي هذا السياق، برزت تساؤلات جادة حول طبيعة التحول، مدى واقعيته، ومصيره.
فقد أحدثت الثورات تحولات نفسية واجتماعية مهمة في مقدمتها إزالة الخوف من المشاركة السياسية، بل ومكّنت فئات مهمشة من التعبير والمطالبة، وأعادت النقاش العام إلى مفاهيم المواطنة، والعدالة، والحريات، كما ظهرت نخب سياسية وإعلامية جديدة، خاصة في تونس، وساد شعور جماهيري بالتمكين، ولو مؤقتًا، لكن هذه اللحظة لم تدم، إذ انزلقت دول مثل ليبيا واليمن وسوريا إلى حروب أهلية، بينما شهدت مصر انتفاضات واحتجاجات مليونية على حكم محمد مرسي وجماعة الإخوان التي حاولت الاستحواذ على الحكم المنفرد، وحتى تونس، التي اعتُبرت نموذجًا ناجحًا، عادت إلى حالة من السلطوية 'الدستورية' إثر أزمات اقتصادية وانقسام سياسي، إن ما حدث كان انهيارًا سريعًا لما بُني بعد الثورة، مما يدفع إلى مراجعة أعمق لطبيعة هذا البناء.
تطبيق قسري للنموذج الغربي
سعت النخب الثورية والدول الداعمة إلى استنساخ النموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي، من حيث الآليات (الانتخابات، الدساتير، التعددية)، دون الانتباه إلى أن هذا النموذج هو نتيجة لتراكمات تاريخية وثقافية ومؤسسية لا تتوفر في البيئات العربية الخارجة من أنظمة شمولية، فقد افتقرت هذه المجتمعات إلى البنى التحتية للديمقراطية: استقلال القضاء، المجتمع المدني الفاعل، الإعلام الحر، وتقاليد التسامح والتعايش السياسي، ناهيك عن النقطة الأكثر جوهرية، أن التغيير الذي حدث كان فوقيًا في أغلبه، مدفوعًا بضغوط إقليمية ودولية، واستهدف رأس النظام السياسي دون المساس بالبنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية العميقة، بمعنى آخر: تغيرت الأنظمة ولم تتغير المجتمعات، بل لم تتغير ثقافة الأنظمة التي انهارت، ولم تُمس مفاصل الدولة العميقة، ولم تحدث مراجعة جذرية للثقافة السياسية المبنية على الطاعة، والولاء، والانتماءات الأولية (القبيلة، الطائفة، الزعيم)، كما لم يرافق التغيير السياسي إصلاح ثقافي أو تعليمي يعيد تشكيل وعي المواطن، ونتيجة لذلك، أُعيد إنتاج أدوات الاستبداد بأشكال جديدة، وقد ساهمت هذه الهشاشة في إشعال صراعات داخلية بين التيارات الإسلامية والعلمانية، كما في مصر وتونس، وبين المكونات الطائفية والمناطقية، كما في اليمن وليبيا وسوريا، وبدلاً من بناء توافق تاريخي، انقسمت المجتمعات على أسس عرقية وهوياتية حادة، فتراجع الأمن، وتدهور الاقتصاد، وانهارت ثقة المواطنين بالنخب الجديدة.
المفارقة الخليجية: التحديث التدريجي كنموذج بديل
في مقابل هذا المشهد، برزت تجارب الخليج، خاصة في السعودية والإمارات، كنموذج مغاير في إدارة التحول، لم تشهد هذه الدول ثورات شعبية، لكنها انتهجت مسارًا تدريجيًا ومدروسًا في تحديث الدولة والمجتمع، مع الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي، فتم تعزيز مؤسسات الدولة، وضبط العلاقة بين الدين والدولة، وتحديث الاقتصاد عبر رؤى استراتيجية، دون كسر مفاجئ للمنظومة القائمة.
ورغم عدم تبنيها للنموذج الديمقراطي الغربي الكامل، إلا أن تلك الدول تمكنت من إدخال إصلاحات مؤسسية ومجتمعية فعالة، مما جعلها أكثر استقرارًا وأقل عرضة للفوضى، هذا النموذج يقدم مقاربة بديلة: تحول من الداخل، تدريجي، ومبني على خصوصية الواقع المحلي، لا على ضغوط خارجية أو نسخ أجنبي.
لقد أثبتت التجارب العربية أن التغيير لا يُفرض من فوق، ولا يُستورد من الخارج، الديمقراطية ليست مجرد صندوق اقتراع، بل مسار طويل يتطلب:
– بناء مؤسسات حقيقية لا مجرد رموز شكلية.
– إعادة تشكيل العقد الاجتماعي على أسس المواطنة.
– إصلاح التعليم والإعلام والثقافة بما يعزز الوعي السياسي.
– تفكيك منظومات الفساد والاستبداد المتجذرة.
– دمج البنى التقليدية (العشائر، المرجعيات الدينية) في مسار التحول دون احتكارها.
وخلاصة القول:
فان ديمقراطيات الربيع العربي كشفت توقًا عميقًا نحو الحرية، لكنها اصطدمت بواقع معقد لا يمكن تجاوزه بالنيات وحدها، وبين التسرع الثوري، والاستنساخ الغربي، والتدخل الخارجي، غابت الرؤية الواقعية لبناء نظام جديد، في المقابل، تُظهر التجارب الخليجية أن التحول لا يعني القطيعة، بل التدرج، ولا يكون بالفوضى بل بإعادة هندسة الدولة والمجتمع ببطء وثبات، ويبقى التحدي أمام الشعوب العربية هو بناء ديمقراطية تخصها، وتستمد مشروعيتها من واقعها، لا من نماذج مستعارة.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العثور على طائرة مسيرة إيرانية في كركوك
العثور على طائرة مسيرة إيرانية في كركوك

شفق نيوز

timeمنذ 22 دقائق

  • شفق نيوز

العثور على طائرة مسيرة إيرانية في كركوك

شفق نيوز - كركوك أفاد مصدر أمني في محافظة كركوك، اليوم السبت، بأن قوة أمنية عثرت على طائرة مسيرة إيرانية كانت قد سقطت في وقت سابق قرب قرية الشلغم التابعة لناحية الرياض، الواقعة على بعد 45 كم جنوب غربي المحافظة. وقال المصدر، في حديث لوكالة شفق نيوز، إن "الطائرة تم العثور عليها من قبل مفارز أمنية أثناء تنفيذ واجب ميداني في محيط القرية، وتبين بعد الفحص الأولي أنها إيرانية الصنع"، مضيفًا أن "الطائرة كانت في وضع غير قابل للتشغيل، ويُرجّح أنها سقطت منذ أيام الحرب بين إيران واسرائيل". وأشار إلى أن "الجهات المختصة فتحت تحقيقًا فوريًا لمعرفة طبيعة المهمة التي كانت تنفذها الطائرة، وسبب سقوطها في هذه المنطقة الحساسة القريبة من مناطق زراعية مأهولة".

إيران تُحوِّل مناطق سيطرة الحوثي إلى ورشة صواريخ خلفية تهدد الأمن الإقليمي والدولي
إيران تُحوِّل مناطق سيطرة الحوثي إلى ورشة صواريخ خلفية تهدد الأمن الإقليمي والدولي

الحركات الإسلامية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الحركات الإسلامية

إيران تُحوِّل مناطق سيطرة الحوثي إلى ورشة صواريخ خلفية تهدد الأمن الإقليمي والدولي

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتعاظم التهديدات الأمنية في البحر الأحمر والخليج العربي، أطلق وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، تصريحاً لافتاً سلّط فيه الضوء على ما وصفه بـ"الوجه الحقيقي لمنظومة التصنيع العسكري الحوثية"، وذلك في أعقاب الضربات الصاروخية التي نفذها الحرس الثوري الإيراني ضد الأراضي المحتلة خلال ما عرف بـ"حرب الـ12 يوماً". الإرياني اعتبر أن هذه الضربات كشفت عن أبعاد خطيرة تتجاوز الاشتباك الإيراني-الإسرائيلي المباشر، مؤكداً أنها فضحت زيف الادعاءات الحوثية بشأن امتلاك قدرات تصنيع عسكري محلي، وأعادت تسليط الضوء على البصمات الإيرانية العميقة في إدارة المعارك من داخل الأراضي اليمنية. التصريح جاء في توقيت حساس، يعيد فتح ملفات طالما طرحتها الحكومة اليمنية وتحالف دعم الشرعية، حول حقيقة الدعم الإيراني للحوثيين. وأشار الإرياني إلى أن الأنظمة الصاروخية التي استخدمها الحرس الثوري – من الباليستية إلى الفرط صوتية والطائرات المسيّرة الانتحارية – تماثل تماماً تلك التي استخدمتها مليشيا الحوثي في هجماتها منذ أواخر عام 2023 على دول الجوار، وعلى السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، هذه المطابقة كما يرى الوزير تمثل دليلاً عملياً قاطعاً على أن ما يسمى بالقدرات التصنيعية الحوثية ليست سوى واجهة إعلامية تخفي وراءها حضوراً إيرانياً مباشراً مادياً وعقائدياً. وأضاف الإرياني أن تكتيكات الحرس الثوري الإيراني – مثل الإغراق الصاروخي، وتعدد مسارات الهجوم، واستخدام الطائرات المسيرة على ارتفاع منخفض لتجاوز الرادارات – تنسجم كلياً مع ما دأبت المليشيات الحوثية على تنفيذه في هجماتها ضد أهداف إقليمية ودولية. وهذا، بحسب الوزير يؤكد بشكل قاطع أن الحوثيين لا ينفذون عملياتهم بشكل مستقل، بل يتلقون توجيهات مباشرة من خبراء الحرس الثوري المتواجدين على الأرض اليمنية وهو ما وثقته تقارير أممية متعددة. وفي أخطر نقاط التصريح، حذر الإرياني من أن إيران وتحت ضغط الاستهدافات الدقيقة لمنشآتها العسكرية، قد تتجه لتوطين أجزاء من برنامجها الصاروخي والطائرات بدون طيار في مناطق سيطرة الحوثيين، خاصة في صعدة وحجة وأرياف صنعاء، وهو ما يجعل اليمن وفقاً له مرشحة للتحول إلى "ورشة خلفية" لتطوير الصناعات العسكرية الإيرانية، وقاعدة صاروخية متقدمة تهدد أمن الإقليم والملاحة العالمية. هذا السيناريو المقلق في حال تحققه لا يعني فقط استمرار الحرب في اليمن، بل يهدد بتحويل البلاد إلى نقطة اشتعال دائمة في واحدة من أكثر الممرات البحرية حيوية في العالم، فالموقع الجغرافي اليمني على باب المندب يمنح أي جهة تسيطر عليه قدرة استراتيجية لتعطيل التجارة الدولية، وضرب استقرار أسواق الطاقة العالمية، وتوسيع رقعة الصراع الإيراني إلى جغرافيا أوسع من لبنان وسوريا والعراق. ويرى مراقبون أن تصريح وزير الإعلام اليمني لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى معطيات ميدانية وتقارير استخباراتية أكدت مراراً وجود دعم إيراني واسع النطاق للحوثيين، يشمل الخبرات، والمعدات، وتكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيّرة. ويتفق المراقبون على أن الحرب في اليمن خرجت منذ سنوات عن إطارها المحلي، وباتت جزءاً من صراع إقليمي أوسع، تُوظف فيه المليشيا الحوثية كذراع عملياتي لإيران في مواجهة خصومها. كما يشير بعض المراقبين إلى أن التطابق في العقيدة القتالية والتكتيكات الميدانية بين الحوثيين والحرس الثوري لم يعد محل جدل، بل هو أمر موثق بالوقائع والنتائج الميدانية. ويرى هؤلاء أن إيران تستفيد من ساحة اليمن لعدة أهداف: استنزاف خصومها، تجريب منظوماتها العسكرية الجديدة، وتوسيع مجال نفوذها البحري من الخليج العربي إلى البحر الأحمر. وفي الوقت الذي تدعو فيه الحكومة اليمنية والمجتمع الإقليمي إلى مواجهة هذا الخطر بصرامة، يرى المراقبون أن استمرار المجتمع الدولي في سياسة "الاحتواء" و"المقاربة الدبلوماسية البطيئة" يمنح إيران فرصة ذهبية لترسيخ وجود عسكري غير مباشر في اليمن، وهذا التهاون إن استمر قد يُفضي إلى واقع إقليمي أكثر هشاشة، ويهدد باندلاع مواجهات واسعة النطاق يصعب احتواؤها مستقبلاً. إن ما يجري – كما يراه بعض المحللين – ليس مجرد حرب وكالة، بل مشروع استراتيجي لإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة، تستخدم فيه إيران الحوثيين كحصان طروادة لتحقيق أهدافها دون أن تتحمل التبعات المباشرة، وهو ما يجعل من التصعيد الإيراني الأخير جرس إنذار لا ينبغي تجاهله، خصوصاً في ظل تكرار الهجمات على الممرات البحرية، وتوسع شبكة الأذرع المسلحة المدعومة من طهران في أكثر من ساحة عربية. وختامًا يعكس تصريح وزير الإعلام اليمني عمق القلق الرسمي من تحول اليمن إلى امتداد مباشر للبنية العسكرية الإيرانية، وهو تحذير يتطلب من المجتمع الدولي إعادة النظر في نهجه حيال الملف اليمني، والانتقال من الاحتواء إلى المواجهة السياسية والأمنية الحازمة، لتجنيب اليمن والمنطقة مزيداً من التصعيد والانفجار.

الموصل.. مبادرة لإيصال مياه الشرب لأحياء تشكو الظمأ منذ أسابيع (صور)
الموصل.. مبادرة لإيصال مياه الشرب لأحياء تشكو الظمأ منذ أسابيع (صور)

شفق نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • شفق نيوز

الموصل.. مبادرة لإيصال مياه الشرب لأحياء تشكو الظمأ منذ أسابيع (صور)

شفق نيوز - الموصل أطلق متطوعون في مدينة الموصل مبادرة لإيصال مياه الشرب إلى العائلات في منطقة العبور الثانية/ بدرية، بعد انقطاع المياه عنهم لأكثر من ثلاثة أسابيع، وسط مناشدات للحكومة المحلية بالتدخل العاجل. وقال الناشط المجتمعي عبد الله الدليمي، لوكالة شفق نيوز، إن "المبادرة جاءت استجابة لنداءات من أهالي منطقة بدرية، الذين يعانون من انعدام تام لوصول المياه منذ أكثر من 3 إلى 4 أسابيع"، مبيناً أن "المتطوعين بادروا بتوفير ست حوضيات (تناكر ماء) لإيصال المياه إلى نحو 55 منزلاً". وأضاف أن "أبسط مقومات الحياة مفقودة في هذه المنطقة، خصوصاً في ظل فصل الصيف الذي تزداد فيه الحاجة للماء أكثر من أي خدمة أخرى، وحتى هذه الحوضيات لا تكفي لأكثر من خمسة أو ستة أيام فقط"، مؤكداً أن "عدد سكان منطقة العبور يتجاوز 30 ألف نسمة، وهناك قاطع كامل لا تصله المياه نهائياً". كما وجّه الدليمي، رسالة إلى الحكومة المحلية قائلاً: "نعرف أن لديكم جهوداً كبيرة في دعم المحافظة، لكننا نناشدكم اليوم بالالتفات إلى هذه المناطق المهمّشة وتوفير المياه لهم كأولوية إنسانية لا تحتمل التأجيل". من جهته، عبّر المواطن عمار عكلة، أحد سكان منطقة بدرية، عن استيائه من الإهمال المزمن بالقول إنه يسكن في المنطقة منذ 12 سنة، طرق جميع الأبواب من المحافظ إلى النواب والمسؤولين، ولم يجد حلاً، حيث أن منطقته تعاني من نقص حاد في الخدمات وعلى رأسها الماء. وأضاف: "مدرستنا الوحيدة في المنطقة تضم أكثر من 2500 طالب، والمواطنون يذهبون لشراء الماء من أصحاب التناكر الذين يطلبون 5 آلاف دينار للتنكر، والعديد لا يستطيعون دفع هذا المبلغ"، متسائلاً في الوقت نفسه: "في 2025، أليس من العيب أننا لا نملك ماءً صالحاً للشرب؟". وأشار عكلة إلى أن "الأهالي باتوا يشعرون بأن منطقتهم منسية تماماً من قبل الجهات الحكومية، رغم تكرار المناشدات والمتابعة المستمرة من السكان". وتعد منطقة العبور الثانية من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وتفتقر إلى الخدمات الأساسية منذ سنوات، وسط مطالبات متكررة بوضعها ضمن أولويات المشاريع الخدمية لمحافظة نينوى.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store