logo
أندريه كالفيان… رسّام الشقوق التي تُخبِر عمّا كان

أندريه كالفيان… رسّام الشقوق التي تُخبِر عمّا كان

الشرق الأوسطمنذ 2 أيام
بعض الفنانين يرسمون ما يتمنّون أن يبقى، وآخرون يرسمون ما يخافون أن يضيع. أما أندريه كالفيان، فله انحياز واضح: هو لا يرسم الأمنيات ولا الخوف، وإنما ما بقي فعلاً رغم كل ما توارى... يرسم الوجوه التي تسكن التجاعيد عيونها، يرسم الأبواب التي ما عادت تُفتَح، والجدران التي تتداعى فوق ركام الذكريات... يرسم تلك الهوامش التي نمرُّ بها من دون انتباه، فإذا به يمنحها مركز الصورة.
لا يفتنه الجمال السائد؛ فهو يبحث عن الأثر: عن الخطّ الذي يتركه التعب، عن الظلّ الذي ينساه الضوء، عن الأخشاب المُتهالكة، والحديد الصدئ، والزجاج المشروخ. في عالم يحتفي بالسطح، يشاء الذهابَ أعمق إلى حيث النداء الحقيقي.
تُطلّ على الحنين من خلف الغبار (أندريه كالفيان)
وجد بالرسم الوسيلة الأوفى ليُخرج ما يشعر به؛ فقد كان ضرورة منذ الطفولة. وحين كبُر، مزج بين المسامير والألوان. استخدم أدوات من معجم الورشة، مثل الآلة القاطعة والمسمار، كأنه يقول: الجمال ليس دوماً ناعماً، والذاكرة تُكتَب أيضاً بالخدوش.
أماكن لا يمرُّ بها أحد... لكنها تحتفظ بالأثر (أندريه كالفيان)
حين ترسم الحياة علامات الزمن على وجوه البشر، يراها البعض قسوة، ويرى فيها كالفيان نُضجاً وحقيقة وجمالاً من نوع آخر. ليس مصادفةً أن ينحاز للوجوه التي ينال منها العُمر، ولا أن يلتقط أبواباً صدئة في أحياء مهجورة، ولا أن يُطيل الوقوف عند سيارة قديمة تستريح تحت شجرة. هو لا يرسم الأشياء بقدر ما يرسم الزمن الذي مرَّ فوقها، والقصص التي خبأتها في تشققّاتها وهديرها المنسيّ.
كلّ تجعيدة حكاية (أندريه كالفيان)
وحين نقترب من عالمه، نجد أنّ الميناءَ استعارةُ العودةِ، مَن بقي ومَن رحل، المراكبِ التي غادرت ولم تعُد، والشختورةِ الصغيرةِ التي تواصل السباحة كأنها لم تسمع بمآسي الهجرة. الأبوابُ والشبابيك والشرفات في لوحاته لا تنتمي فقط إلى بيتٍ ما، وإنما إلى فكرة البيت؛ ذلك الذي يُهجَر، لكنه يبقى قائماً في القلب وفي الذاكرة الحيّة.
جبيل، مدينته الساحلية، أكثر من خلفيّة في أعماله. إنها روح متسرّبة في التفاصيل. فهو ابن حجارتها القديمة، وابن الموج والأزقّة. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لطالما فتحتُ حواراً مع حجارة جبيل، وكنتُ أسمع قصصها. تلك الحجارة تعرف مَن مرَّ، ومتى عاد، ومَن لم يعد». في لوحاته، تتجسّد بانحناءاتها وبظلّ الرطوبة عليها. وهي إذ تتكرَّر، فذلك ليُذكّرنا أنها لا تُمحَى.
توقفت منذ زمن... لكنها لا تزال تمضي في الذاكرة (أندريه كالفيان)
ولا يتنكّر أندريه كالفيان لأرمنيته... يحملها في اسمه، في نظرته، في ذاكرة جماعية امتدَّت من الألم إلى الفنّ. يشعر بالامتنان لأولئك الذين جاءوا قبله وتركوا له ما يبني عليه. أجداده الذين حطّوا في جبيل بعد المجازر، أورثوه هذا المعنى العميق للجذور: أنّ الأصل ليس مكاناً فقط؛ إنه شريان، ذاكرة مضرَّجة، وحكاية تُروى حتى بعد انطفاء الراوي.
تُطلّ على الحنين من خلف الغبار (أندريه كالفيان)
لعلَّ أكثر ما يُميّز مشروعه الفنّي هو هذا الحنين البنّاء الذي لا يذرف الدمع بقدر ما يرسمه. كثيرون، كما يقول، أخبروه أنّ لوحاته أعادت إليهم بيتاً نُسِي، أو أباً هاجر، أو جدّاً لم يعرفوه إلا في الصور. وبعضهم، من المغتربين، وجد في أعماله عزاءً خفيفاً، كأنها تُصلح ما هشَّمته المسافة. هذه وظيفة الفنّ عنده: أن يُقارِب وأن يُعيد ترتيب ما يتناثر. يقول كالفيان: «البعض يظنّ أنّ مَن لم يُمنَح طفولةً مستقرّة، فإنه سيكبر ناقصاً. وأنا أؤكد: لا. الظروف لا تُحدّد المصير، فالإنسان يصنع نفسه، ولو من الشقوق». هذه الفلسفة تنطبق على لوحاته كما على حياته. كلّ شقٍّ في باب، كلّ صدأ، كلّ طبقة تقشَّرت من الحائط، ليست خراباً. هي إشارات. وإهمال الطفولة لا يعني غياب المستقبل، والاهتمام بالماضي لا يعني البقاء فيه.
يرسم تلك الزوايا التي نمرُّ بها من دون انتباه (أندريه كالفيان)
من معارضه الفردية في لبنان، إلى مشاركاته الخارجية، فتنظيمه معارض جماعية كان آخرها «بيبلوس آرت 2025»، يحرص كالفيان على ألا يتحوّل الفنّ إلى مناسبة فقط. يريده صلة. ويطمح أن يرى الأحفاد واقفين أمام وجوه مرسومة ببطء وصدق، فيتذكّروا ما لا ينبغي نسيانه، ويشعروا بأنّ الدم لا يمضي وحده، بل يحمل معه شعاع ضوء.
شاء أندريه كالفيان أن يكون رسّام النسيان المتروك على المَفارق؛ ذاك الذي لم يعُد يلفت أحداً، فقرَّر أن يمنحه لوناً جديداً. لا يُفكّك الحاضر بقدر ما يُرمِّم به الماضي، ويُعيد للحجارة صوتها، وللأبواب المفتاح الذي ضاع.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ماذا قالت شام الذهبي عن الفنانة أصالة بعد «ضريبة البعد»؟
ماذا قالت شام الذهبي عن الفنانة أصالة بعد «ضريبة البعد»؟

عكاظ

timeمنذ 2 ساعات

  • عكاظ

ماذا قالت شام الذهبي عن الفنانة أصالة بعد «ضريبة البعد»؟

وجهت شام الذهبي، ابنة الفنانة السورية أصالة، رسالة دعم لوالدتها وتهنئة على ألبومها الجديد الذي يحمل عنوان «ضريبة البعد»، مؤكدة أن والدتها تعرضت للعديد من الظروف والمحن لأكثر من ربع قرن. وشاركت شام عبر حسابها على منصة «إنستغرام» البوستر الرسمي لألبوم أصالة «ضريبة البعد»، معربة عن مدى فخرها وامتنانها لوالدتها، ووصفتها بـ«المرأة الحديدية». وكتبت شام الذهبي قائلة: «أصالة مش بس صوت الوطن العربي، أصالة المرأة الحديدية اللي واجهت وما زالت بتواجه كل الحروب والمحن من أكثر من ربع قرن، وهي تنتصر بالحب والموهبة، والإيمان بالفن والحب، برغم كل الظروف». وأضافت شام عن والدتها أصالة: «بتنسى الجرح وتصنع من كل محنة منحة حتى تكون مثال للمرأة العربية، الأم الفنانة المسؤولة لينا كلنا، حبي لك مش من فراغ أنا وأخواتي صناعتك من بعد ربي أنتِ الحياة». وتابعت: «شكراً على إخلاصك، مثابرتك، صبرك، اجتهادك، محبتك التي لا تنتهي، كرمك اللي غامرنا، وعظمة فنك اللي معيشنا بحبك يا ملكة عمري وحياتي». يذكر أن أصالة حققت أخيراً تفاعلاً واسعاً بعد طرح ألبومها الجديد «ضريبة البعد» عبر مختلف المنصات الإلكترونية، وضم الألبوم مجموعة من الأغاني التي تنوّعت بين الرومانسي والدرامي والطابع الشرقي. أخبار ذات صلة

راكان آل ساعد.. صوتٌ سعوديٌّ يعيد تشكيل العلاقة مع الموسيقى
راكان آل ساعد.. صوتٌ سعوديٌّ يعيد تشكيل العلاقة مع الموسيقى

عكاظ

timeمنذ 4 ساعات

  • عكاظ

راكان آل ساعد.. صوتٌ سعوديٌّ يعيد تشكيل العلاقة مع الموسيقى

بهدوء العارف، وخطى الواثق، يشق راكان آل ساعد طريقه في المشهد الموسيقي السعودي كأحد أبرز المواهب التي لا تُشبه سواها. فنان لا ينطلق من لحظة انبهار مؤقتة، بل من مشروع فني يتكئ على فهم عميق للموسيقى، وتكوين أكاديمي ومهاري يجمع بين العزف، والتلحين، والغناء. اللافت في تجربة راكان ليس تعدد أدواته فحسب، بل اختياره الواعي للهوية الموسيقية التي يريد التعبير من خلالها. فهو لا ينجرف مع التيار السائد، ولا يستنسخ تجارب الآخرين، بل يعيد وصل ما انقطع من التراث الموسيقي، ويقدّمه بصوت العصر، دون أن يتنازل عن الدقة أو الجمال أو الاحترام لروح اللحن والكلمة. ظهوره في منصات ثقافية وموسيقية مرموقة محلياً وعالمياً، لم يكن مجرّد تمثيل رمزي، بل أداء حيّ يؤكد حضوره كفنان سعودي يتحدث لغة عالمية دون أن يتخلى عن نبرة محليّة أصيلة. كما أن فوزه بجائزة «جوي أووردز» عن فئة الفنان المفضل الجديد، ومشاركته في مسابقات ومؤتمرات كبرى، لم تكن سوى نتائج طبيعية لموهبة تعمل على تطوير ذاتها بصمت واجتهاد. راكان، لا يُقدّم نفسه كفنان من أجل الغناء فقط، بل كصوت يريد أن يقول شيئاً جديداً ومختلفاً عن السائد، ويُراكم تجربة موسيقية تنمو بثبات. توقيعه أخيراً مع «روتانا» يأتي كخطوة ضمن هذا المسار، لا غاية بحد ذاتها، تُمهّد لمرحلة أكثر نضجاً، تنتظر منها أعمال تعكس ملامح مشروعه وتُضيف للمشهد السعودي صوتاً آخر يُعتد به. أخبار ذات صلة

عمر يونس يفتتح مشواره بـ «لو عارف»
عمر يونس يفتتح مشواره بـ «لو عارف»

الرياض

timeمنذ 4 ساعات

  • الرياض

عمر يونس يفتتح مشواره بـ «لو عارف»

أطلق الفنان الأردني عمر يونس أول أعماله الغنائية بعنوان «لو عارف»، وهي من كلماته وألحانه وأدائه، في عودة للون الكلاسيكي، وتعاون يونس في التوزيع الموسيقي لجوزيف دمرجيان، فيما تولى م. حسني أبو زهرة مهمة المكس والماستر، وقد تم تسجيل العمل في استوديوهات دبي، بإشراف عام من المنتج والمخرج صلاح الياسري. وتحمل أغنية «لو عارف» طابعًا وجدانيًا عاطفيًا، يمزج نصّها الغنائي بين البساطة والإنسانية. هذا وعبر عمر يونس عن سعادته بهذا التعاون، قائلاً: «أغنية ‹لو عارف› تمثل بداية حقيقية لي، وحاولت من خلالها أن أقدم إحساسي الخاص من الكلمة للحن، وسعيد جدًا بالشراكة مع دوزان ميوزك التي وفّرت لي بيئة إنتاجية احترافية وآمنت بموهبتي من اللحظة الأولى»، مضيفا: «العمل مع فريق مثل الأساتذة حاتم منصور وحسني أبو زهرة وصلاح الياسري منحني دفعة قوية في بداية طريقي الاحترافي، وأتطلع للمستقبل ضمن خطة إدارية وإعلامية مدروسة وممنهجة». حيث تم طرح أغنية «لو عارف» عبر المنصات المتخصصة في عرض وبث الأغاني، من خلال فيديو كليب ممنتج بشكل وسيناريو مناسب مع كلمات الأغنية ولحنها العاطفي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store