
اسم النصر: تركيا - في ذكرى 15 يوليو
لقد دبر محاولة الانقلاب هذه أعضاء منظمة فتح الله غولن الإرهابية (FETO)، وهي شبكة سرية عملت لعقود تحت ستار التدين المزيف والخدمة التعليمية. بقيادة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن، تآمرت منظمة فتح الله غولن بشكل منهجي وتسللت إلى المؤسسات الرئيسية للدولة التركية بثوب الورع والتربية- بما في ذلك الجيش والقضاء والشرطة والخدمة المدنية - من خلال أساليب غير قانونية مثل الاحتيال في الامتحانات والابتزاز وهياكل الولاء السرية.
لقد تنكرت المنظمة في صورة حركة دينية خيرية، مستغلةً ثقة المواطنين المتدينين، لتغرس نفوذها في عقول الشباب من خلال المدارس ومراكز التحضير للامتحانات واللقاءات المجتمعية وآليات أخرى متنوعة. لكن وراء هذا الستار البريء، كانت تختبئ أجندة سوداء خبيثة، غير أن نواياهم وطموحاتهم الشريرة دفنت في ليلة 15 يوليو/تموز تحت أقدام إرادة الشعب التركي.
لم يكن ما حدث في 15 يوليو مجرد تمرد عسكري، بل كان اعتداء داخليًا مُخططًا له بعناية على النظام الديمقراطي، نُفِّذ بدقة وخبث. فقد قصفت طائرات مقاتلة مبانٍ استراتيجية في أنقرة، وأطلق جنود مدججون بالسلاح النار على المدنيين العزل الذين وقفوا احتجاجا على هذا الاعتداء. وجرت محاولة اغتيال استهدفت الرئيس. واقتحامات لوسائل الإعلام لإسكات صوت الصحافة الحرة. كان الهدف واضحًا: استبدال حكم القانون بحكم طائفة. وحتى يومنا هذا، مازال الكثيرون في تركيا - وخاصة في أنقرة وإسطنبول – يتذكرون صوت طائرات التآمر وهي تجوب في السماء، معتبرين إياه صوت الخيانة.
ومع ذلك، فإن ما كان من المفترض أن يكسر ظهر الأمة، أدى إلى عكس ذلك تمامًا ومنحها أسبابا جديدة للتماسك. فدون تردد، ودون أي سلاح، ملأ ملايين المواطنين العاديين شوارع المدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد. تحدوا حظر التجول ونيران المغتصبين. وقفوا في وجه الدبابات واستردوا سيادتهم. وبمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية، وقف شعب تركيا العظيم متحدًا دفاعًا عن ديمقراطيته، وأصبحت هذه الوحدة السلاح الأقوى في وجه المتآمرين.
ومع انبلاج الصباح، انقشعت غيمة الانقلاب وظهرفشله جليا، ولكن بتكلفة باهظة - 252 قتيلًا، وأكثر من 2200 جريح، ومبان تداعت فوق احلام ساكنيها الأبرياء.
ومع ذلك، لم تنزلق تركيا إلى الفوضى. فقد استجابت الدولة بسرعة وضمن الحدود القانونية. وبعد طول انتظار، بدأت محاسبة منظمة غولن الإرهابية، وقُدِّم المسؤولون عنها للعدالة. فُكِّكت شبكات المنظمة في التعليم والإعلام والتمويل، بينما أُصلِحت المؤسسات العامة لاستعادة الشفافية. وأُعيد هيكلة المؤسسات الأمنية التي اخترقتها الجماعة لتتماشى مع المصالح الوطنية.
في السنوات التي تلت محاولة الانقلاب الشنيعة، قطعت تركيا أشواطًا كبيرة في ترسيخ الاستقرار السياسي، وتقليل الاعتماد على الخارج، وتبني سياسة خارجية أكثر حزمًا واعتمادًا على الذات.
لقد أحدثت صدمة 15 يوليو تحولًا ليس فقط في الحكم، بل في الوعي العام أيضًا. حيث أصبح المواطنون اليوم أكثر وعيًا بأهمية المسؤولية المدنية، واليقظة في مواجهة التهديدات المعادية للديمقراطية مثل هذه المحاولة الانقلابية الدنيئة.
لقد بات من الضروري للمجتمع الدولي أن يفهم طبيعة ما حدث في تلك الليلة. فإن منظمة فتح الله غولن الإرهابية ليست مجرد قضية تركية داخلية فحسب، بل هي تهديد عابر للحدود، يستخدم أساليب القوة الناعمة - المدارس، والمنظمات غير الحكومية، وشبكات الإعلام - ويستغل الحريات الديمقراطية ذاتها التي يسعى إلى تقويضها. وكما أن الإرهاب يتخذ أشكالًا متعددة، ينبغي على المجتمعات الديمقراطية أيضًا أن تكون متيقظة للتهديدات غير التقليدية والخفية التي تسعى إلى تقويضها من الداخل.
في الخامس عشر من يوليو من كل عام، تحتفل تركيا بيوم الديمقراطية والوحدة الوطنية، وهو مناسبة لا تقتصر على استذكار أرواح الشهداء التي زهقت، بل أيضًا لحظة تأمل في قوة وعظمة إرادتها الديمقراطية. لقد ذكّرت تلك الليلة الأمة بأن الديمقراطية ليست مجرد نظام مؤسسات، بل هي التزام حيّ بين الدولة والمواطن. يمكن مهاجمتها، ولكن عندما ندافع عنها بوحدة وعزيمة، فإنها تصمد وتزدهر وتزداد قوة.
لا تزال ذكرى تلك الليلة حاضرة في الأذهان، ليس كلحظة حزن فحسب، بل كرمز للشجاعة الجماعية. لم ينتظر المواطنون الأتراك أن تحميهم الديمقراطية، بل نهضوا بأنفسهم لحمايتها. وبين خيار القمع أوالحرية، اختارت الأمة الديمقراطية.
بعد تسع سنوات، تقف تركيا شامخةً. متدثرة بروح تلك الليلة التي لا تزال حية بوجدانها، إن روح 15 يوليو/تموز ليست شيئًا من الماضي، وما دامت تلك الروح حية، فلن يقوى أي ظلام على قهر وإخضاع إرادة الشعب التركي.
نقولها وبكل فخر: «اسم النصر: تركيا».
نستذكر أرواح شهداءنا بالرحمة والامتنان، ونكرم أبناء الوطن قدامى المحاربين الذين رابطوا دفاعا عن الحرية والوطن. حفظ الله وحدتنا، وحمى ديمقراطيتنا، وأعزّ أمتنا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأنباء
منذ 15 دقائق
- الأنباء
صاحب السمو يعود إلى أرض الوطن قادما من الجمهورية الفرنسية بعد زيارة رسمية
بحفظ الله ورعايته عاد صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، حفظه الله ورعاه، والوفد الرسمي المرافق لسموه إلى أرض الوطن قادما من الجمهورية الفرنسية الصديقة وذلك بعد زيارة رسمية. وكان في مقدمة مستقبلي سموه على أرض المطار سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد وسمو الشيخ أحمد العبدالله رئيس مجلس الوزراء ووزير شؤون الديوان الأميري الشيخ محمد العبدالله. وقد رافق سموه وفد رسمي ضم كلا من وزير الدفاع الشيخ عبدالله العلي ومدير عام هيئة تشجيع الاستثمار المباشر الشيخ د.مشعل جابر الأحمد وعدد من كبار المسؤولين بالدولة. رافقت سموه السلامة في الحل والترحال.


الجريدة
منذ 2 ساعات
- الجريدة
سمو الأمير يعود إلى الوطن قادماً من فرنسا بعد زيارة رسمية
عاد سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد والوفد الرسمي المرافق له إلى أرض الوطن مساء اليوم قادماً من الجمهورية الفرنسية وذلك بعد زيارة رسمية. وكان في مقدمة مستقبلي سموه على أرض المطار سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد، وسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد العبدالله، ووزير شؤون الديوان الأميري الشيخ محمد العبدالله.


الرأي
منذ 2 ساعات
- الرأي
المحكمة العليا الأميركية تمنح ترامب الضوء الأخضر.. لتفكيك وزارة التعليم
منحت المحكمة العليا الأميركية الرئيس دونالد ترامب الضوء الأخضر لاستئناف تفكيك وزارة التعليم. وقضت المحكمة التي يهيمن عليها المحافظون بإنهاء التعليق الذي أمر به قاض فيديرالي لعمليات التسريح الجماعي للموظفين في الوزارة. وأبدت القاضيات الليبراليات الثلاث في المحكمة المكونة من تسعة أعضاء معارضتهنّ للقرار. وكان ترامب تعهّد خلال حملته الانتخابية إلغاء وزارة التعليم التي أنشئت بموجب قانون أصدره الكونغرس عام 1979، وتحرك في مارس لخفض عدد موظفيها بنحو النصف. وأصدر ترامب تعليماته لوزيرة التعليم ليندا ماكماهون بـ"البدء بإلغاء الوزارة نهائيا"، وهو مشروع انتظره اليمين الأميركي وأشاد به لكنه يتطلب موافقة الكونغرس. وانضمت نحو 20 ولاية إلى نقابات المعلمين في الطعن بالخطوة قضائيا، بحجة أن الرئيس الجمهوري ينتهك مبدأ فصل السلطات من خلال التعدي على صلاحيات الكونغرس. وفي مايو، أمر القاضي الفدرالي ميونغ جون بإعادة مئات الموظفين المفصولين من وزارة التعليم إلى وظائفهم. وألغت المحكمة العليا قرار القاضي جون دون أيّ تفسير، في قرار صدر بعد أيام فقط من حكم آخر يمهّد الطريق أمام ترامب لتنفيذ عمليات طرد جماعي لموظفين في إدارات فدرالية أخرى. وقالت القاضية الليبرالية في المحكمة العليا سونيا سوتومايور، في رأي مخالف دعمته القاضيتان الليبراليتان الأخريان إيلينا كاغان وكيتانجي براون جاكسون، إنّ "الكونغرس وحده لديه السلطة لإلغاء الوزارة". وأضافت سوتومايور أنّ "الأغلبية إما أنها تتجاهل عمدا تداعيات قرارها أو أنها ساذجة، ولكن في كلتا الحالتين فإن التهديد الذي يواجه الفصل بين السلطات في دستورنا خطير". وتقليديا، أدت الحكومة الفدرالية دورا محدودا في التعليم في الولايات المتحدة حيث كان حوالى 13 في المئة فقط من تمويل المدارس الابتدائية والثانوية يأتي من خزائن الحكومة الفدرالية بينما يتم تمويل الباقي من ميزانيات الولايات والسلطات المحلية الأخرى. لكنّ التمويل الفدرالي شديد الأهمية للمدارس ذات الدخل المنخفض وللطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة. وقد كان للحكومة الفدرالية دور أساسي في إنفاذ حماية الحقوق المدنية للطلاب. وبعد عودته إلى البيت الأبيض في يناير وجّه ترامب الوكالات الفدرالية لإعداد خطط شاملة لتقليص القوى العاملة وذلك في إطار جهود أوسع نطاقا تبذلها "إدارة كفاءة الحكومة" (دوج) لتقليص حجم الإدارات الفدرالية. وتحرك ترامب لطرد عشرات الآلاف من الموظفين الفدراليين وتقليص برامج حكومية عدة، مستهدفا خصوصا مبادرات التنوع وإلغاء وزارة التعليم ووكالة المساعدات الإنسانية الأميركية (يو إس إيد).