
السلفية أنواع - إيطاليا تلغراف
محمد عوام
السلفية السنية، وهي السلفية التي كان عليها الصحابة رضي الله عنهم، ومن اقتفى أثرهم من التابعين، والأئمة المهتدين، والعلماء الصالحين. فهي سلفية العقيدة النقية الصحيحة الطاهرة، وسلفية العلم والدعوة، وسلفية السلوك والأخلاق، وسلفية الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسلفية الجهر بالحق ولو في وجه سلطان جائر، وسلفية البناء والعمران والتحضر. فهذا النوع من السلفية لها ميزان واحد، وهو الاقتداء والاتباع، لا الانحراف والابتداع.
وعندي أن هذه السلفية هي سلفية المنهج، الذي أسسه العلماء العظام المبني على قواعد وضوابط في فهم النصوص الشرعية، وفهم الواقع كل ذلك بميزان معتدل وقويم.
والسلفية المدخلية، والجامية، والمخزنية، وهي كلها وإن تعددت أسماؤها، فالخيط الناظم لها، والقاسم المشترك، والجامع بينها، أنها توالي الحكام، فهي تدور في فلكهم، وتقدس شأنهم، وترفع من مكانتهم، ولو كانت على حساب الدين نفسه. ولا أعدو إن قلت إنها سلفية الحكام، صنعوها لتكون عونا لهم، في إضفاء الشرعية على أعمالهم وقراراتهم، فلذلك، ترى هؤلاء 'السلف' على مذهب فرعون، يرددون مثل الببغاء كل ما يراد منهم. والحق أن هذه سلفية فرعون، فالذي يجعل من الحاكم مقدسا، وأنه هو الملهم والمسدد، ولا يجوز مناقشته أو مراجعته فيما يقوم به، فهو قد أقر فرعون على قوله: 'لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد'
والسلفية المطبعة (المتصهينة)، وهذه من أسوأ السلفيات، وأحطها وأخسها، فهي لم تكتف بتسويغ ما يفعله الحكام، ولا السكوت عن الواقع، بنفاق مكشوف، وإنما أصبحت تدافع عن التطبيع، وتلتمس له المسوغات الباطلة، وتدافع عنه، مادام الحاكم قد رأى من 'المصلحة' إقامة علاقة مع الصهاينة. ولا يرعوي أحدهم حين يستدل بقاعدة: 'تصرف ولي الأمر منوط بالمصلحة' والرأي ما رأى.
وسكت هؤلاء المدلسون التلفيون عن أن ولي الأمر الذي تصرفاته تراعي المصلحة أو المصالح، إنما هو الذي تم اختياره أو مبيايعته، بكل حرية وعدل وشورى، حرية لا شية فيها، يعبر فيها الشعب أو الرعايا عن إرادتهم، بلا خوف ولا وجل، ولا ترهيب، وشروط ذلك وتفاصيلها مبثوثة في ثنايا كتب السياسة الشرعية. وليس المقصود به من اغتصب الحكم، واستفرد به، وعلا وطغى واستكبر وتجبر، فمثل هؤلاء كما قال الزمخشري رحمه الله لصوص متغلبة، واللصوص المتغلبة، لا يهمهم أن يقروا لصوصا آخرين على ما أخذوا عنوة وبالقوة.
فهذه السلفية المطبعة، هي التي يصرح بعض أفرادها، ودعاتها المتمخزنين، أنهم لو أتيحت لهم الفرصة للذهاب إلى إسراقيل لفعلوا، إلى هذا السخف والنذالة سقطوا، بحيث لا تهمهم مقدسات المسلمين في فلسطين، ولا ما يفعله العدو بالصامدين المحتسبين، من التقتيل والتجويع والإبادة…كل ذلك أصبح هباء منثورا، مادام ولاة الأمور أعني المطبعين قد رضوا بذلك.
فنحن اليوم أمام إشكال كبير في فهم السلفية، لذلك وجب البيان والتمييز، حتى يتبين الناس الصدق من الكذب، ويميزوا الحق من الباطل، وإن كنا نؤمن بأن السلفية لا تتعدد ولا تتجزأ، من حيث مبادؤها وأسسها وقواعدها، وإن تنوعت طرقها ووسائلها، بحسب الزمان والمكان.
إن السلفية الحقة السنية، هي التي الآن تجاهد في الميدان، من أبناء كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس حفظهم الله، وهي التي بحت في الساحات بحناجرها، عالية أصواتها، تندد بأفعال الصهاينة المجرمين، وتطالب الحكام باتخاذ موقف صارم وفعال، كما تطالب بوقف التطبيع. هؤلاء هم السلف، وهكذا كانوا منذ الرعيل الأول، فما بدلوا، ولا غيروا.
وغيرهم ممن يحسبون على السلف، من المداخلة والمتمخزنين والجاميين، فهؤلاء صنعوا على أعين حاشية فرعون، وبأمر منه، ولا علاقة لهم بالسلف البتة.
إيطاليا تلغراف
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جزايرس
منذ 38 دقائق
- جزايرس
رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة الاحتفال بالذكرى ال63 لعيد الاستقلال
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. "بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين,أيتها المواطنات .. أيها المواطنون, تحيي الجزائر في هذا اليوم ذكرى مجيدة, لها في أفئدتنا دلالة عميقة. إنها الذكرى الثالثة والستين (63) لعيد الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية, ذلك اليوم الذي انجلت فيه عن وطننا المفدى جحافل الاستعمار البغيض وهي تجر أذيال الهزيمة لأنها جوبهت برجال أشداء سكن الوطن سويداء قلوبهم وعقدوا العزائم أن تتحرر الجزائر. وإننا إذ نحيي هذه الذكرى المجيدة, نستحضر تلك الملاحم الخالدة التي خاضها شعبنا ضد الاستعمار وقواه العاتية. وظل على درب التضحية يقدم القوافل تلو الأخرى من الشهداء البواسل حتى النصر المبين.أيتها المواطنات .. أيها المواطنون, لقد عكفت الجزائر منذ بزوغ عهد استقلالها على استثمار تلك المحطات الخالدة التي رفعت شعبنا إلى أعلى مراتب الوطنية الصادقة بين شعوب الأرض. ولقد كان هذا الاستثمار مبنيا على الوفاء لتلك الدماء التي سالت فداء للوطن وتقديسا للأرواح الطاهرة التي قدمت قربانا من أجل حرمة أرضه وسمائه ومصير أبنائه. وإننا حين نقف عند هذه الذكريات المنيرة في سجل وطننا المجيد فهي تذكرنا بما قطعناه من أشواط على مسار تعزيز حصانتنا الوطنية من توثيق لأواصر الوحدة والمضي بخطى واثقة نحو بناء الدولة وتعزيز مؤسساتها والتكفل بحاضر شعبنا الكريم ومستقبل بناته وأبنائه. إن الجزائر اليوم تخوض غمار مرحلة عمادها التعامل مع مختلف الرهانات بنفس جديد, والتطلع إلى رفع التحديات بكامل الثقة في قدراتنا ومقدراتنا الوطنية المنبعثة من خالص آمال المواطن. لقد قطعت بلادنا أشواطا متتالية على هذا النهج, نهج الجزائر المنتصرة الوفية لمبادئها والمرسخة لمرجعياتها الساعية إلى ترسيخ المواطنة الحقة ولقد تمكنت بتضحيات بناتها وأبنائها من الانتصار.أيتها المواطنات, أيها المواطنون,إن ذكرى استقلالنا واسترجاعنا للسيادة الوطنية, كما أنها تستنهض فينا روح استذكار التضحيات الجسيمة التي دفعها شعبنا في سبيل انعتاقه, فإنها تدفعنا إلى النظر مليا حول ما يشهده العالم اليوم من تحولات, وكيف أن التلاحم والتكاتف والحس الوطني اليقظ هو أمثل مسلك لتجنيب الأوطان ويلات الهزات والأطماع. وعلى هذا المنحى الوجيه فقد كان الشعب الجزائري دوما حريصا على التمسك بوحدته ورص صفوفه, وظل عبر مختلف وقفاته التاريخية عبرة للشعوب في الولاء للوطن. أيتها المواطنات الفضليات, أيها المواطنون الأفاضل,ونحن نحتفي بهذه الذكرى الغالية والمتميزة في تاريخ وطننا, والمقرونة بعيد الشباب, أتوجه إلى أخواتي المجاهدات وإخواني المجاهدين وإلى كافة بناتنا وأبنائنا بأسمى عبارات التهاني, كما أحيي حامي حمى الوطن جيشنا الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني, وكل الأسلاك الأمنية والنظامية التي تحفظ أمن الوطن والمواطن, داعيا أبناء وطننا العزيز إلى البذل والتفاني والوعي بالرهانات تأسيا بالمبادئ العظيمة التي سار على نهجها شهداؤنا الخالدون. عاشت الجزائر حرة أبية شامخة المجد والخلود لشهدائنا الأبرار".


البلاد الجزائرية
منذ ساعة واحدة
- البلاد الجزائرية
الرئيس تبون يتوجه برسالة إلى الشعب الجزائري بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 63 لعيد الاستقلال - الوطني : البلاد
وجه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، رسالة إلى الشعب الجزائري، بمُناسبة الاحتفال بالذكرى الثالثة والستين لعيد الاستقلال. وجاء في نص الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم والصّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ المُرسَلين،أيَّتُها المُواطِناتُ .. أيّها المُواطِنُون، تُحيي الجزائر في هذا اليوم ذكرى مجيدة، لها في أفئدتِنا دَلالَة عَمِيقَة. إنَّها الذّكرى الثالثة والستين (63) لعيد الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية. ذلك اليومُ الذي انْجَلَتْ فيهِ عن وطننا المُفدّى جَحَافِلُ الاستِعْمار البَغيضِ وهي تَجُرُّ أذيَالَ الهَزيمَةِ لأنَّها جُوبِهَتْ بِرِجَالٍ أشِدَّاءَ سَكَنَ الوَطَنُ سُوَيْدَاءَ قُلُوبِهِم وَعَقَدُوا العَزَائِمَ أن تَتَحَرَّرَ الجزائر. وَإنَّنَا إذْ نُحيِي هذه الذّكرى المجيدَةَ، نَسْتَحْضِر تلك المَلاحِم الخالدَةَ الَّتي خَاضَهَا شعبُنَا ضد الاستعمار وَقِوَاهُ العَاتِيَةَ. وَظلَّ على دَرْبِ التَّضحيَةِ يُقَدّم القَوافِل تِلْوَ الأُخرى مِنَ الشُّهداءِ البَواسِل حتّى النّصر المُبِين. أيَّتُها المُواطِناتُ .. أيّها المُواطِنُون، لَقَدْ عَكَفَتْ الجزائرُ مُنْذُ بُزُوغ عَهْدِ استقلالِهَا على اسْتِثْمَارِ تلك المَحَطَاتِ الخَالِدَةِ الَّتي رَفَعَتْ شَعْبَنَا إلى أعلى مَرَاتِب الوطنِيَةِ الصَّادِقَةِ بَيْنَ شُعُوبِ الأرْضِ. وَلَقَدْ كان هذا الاستِثْمَار مَبْنِيًا على الوَفَاءِ لِتِلْكَ الدِّمَاءِ الَّتي سَالَتْ فِدَاءً للوَطَنِ وَتَقْدِيسًا لِلْأرْواحِ الطَّاهِرَةِ الَّتي قُدِّمَتْ قُرْبَانًا مِنْ أجْلِ حُرْمَةِ أرْضِهِ وَسَمَائِهِ وَمَصِيرِ أبْنَائِه. وَإنَّنا حين نَقِفُ عِنْدَ هَذِه الذِّكرَياتُ المُنِيرَةُ في سِجل وَطننَا المَجِيد فهي تُذَكِّرُنَا بمَا قَطَعْنَاهُ مِنْ أشْوَاطٍ على مَسَارِ تَعْزِيزِ حَصانَتِنَا الوَطنِيَةِ مِنْ تَوْثِيقٍ لِأوَاصِرِ الوِحْدَةِ وَالمُضَيِّ بِخُطَى وَاثِقَة نَحْوَ بِنَاءِ الدّولة وَتَعْزيزِ مَؤسَّسَاتِهَا وَالتَّكَفُّلِ بِحَاضِرِ شَعْبِنَا الكَريمِ وَمُسْتَقْبَلِ بَنَاتِه وَأبْنَائِه. إنَّ الجزائرَ اليوم تَخُوضُ غِمَارَ مَرْحَلَةٍ عِمادُها التَّعَامُل مَعَ مُخْتَلَفِ الرِّهانَات بِنَفَسٍ جَدِيدٍ، وَالتَّطلُّعِ إلى رَفْعِ التَّحدِّيات بِكَامِلِ الثِّقَة في قُدُرَاتِنَا وَمُقَدَّرَاتِنَا الوَطَنِيَةِ المُنْبَعِثَةِ مِنْ خَالِصِ آمَال المُوَاطِن. لَقَدْ قَطَعتِ بِلادُنَا أَشْوَاطًا مُتتاليةً عَلَى هَذَا النَّهجِ، نَهج الجزائر المُنْتَصِرَة الوَفِيَة لمَبَادِئِهَا والمُرَسِّخَة لمَرْجِعِيَاتهَا السَّاعيةِ إلى تَرسِيخِ المُواطَنَة الحَقَّة ولقد تمكنت بِتَضْحِياتِ بَنَاتِهَا وَأَبْنَائِهَا من الانْتصَار. أيَّتُها المواطنات، أيُّها المواطنون. إنَّ ذِكرى اسْتقلالِنَا واسْترجَاعِنَا للسِّيَادَةِ الوَطنيةِ، كَمَا أَنَها تَسْتَنْهِضُ فِينَا رُوحَ اسْتِذْكَارِ التَّضْحِياتِ الجَسيمَة التي دَفَعَهَا شَعْبُنَا في سَبيلِ انْعِتَاقِهِ. فَإنَّها تَدْفَعُنَا إلى النَّظَرِ مَلِيًّا حَوْلَ مَا يَشْهَدَهُ العَالَمُ اليَومَ من تَحَوُّلاتٍ، وَكَيفَ أَنَّ التَّلاَحُمَ والتَّكَاتُفَ والحِسّ الوطَنيّ اليَقِظَ هُوَ أَمْثَلُ مَسْلَكٍ لِتَجْنيبِ الأوْطَانِ وَيْلاَتِ الهزَّات والأطْمَاع. وَعَلَى هَذَا المَنْحَى الوَجِيهِ فَقَدْ كَانَ الشَّعْبُ الجَزائريُّ دَومًا حريصًا على التَّمَسُّكِ بِوِحْدَتِهِ وَرَصِّ صُفُوفِهِ، وَظَلَّ عَبْرَ مُخْتَلَفِ وَقَفَاتِهِ التَّاريخِيَةِ عِبْرَةً للشُّعُوبِ في الولاءِ للوَطَن. أيَّتُها المُواطنات الفُضليات، أيُّها المُواطنون الأفاضل. وَنَحْنُ نَحْتَفِي بهذِهِ الذِّكْرَى الغَاليَةِ والمُتَمَيِّزَةِ في تَاريخ وَطَنِنَا، والمَقْرُونَةِ بِعيدِ الشَّبَابِ، أتوجّهُ إلى أَخَوَاتِي المُجَاهِدات وإخْوَاني المُجَاهدين وإلى كَافَة بَنَاتِنَا وأَبْنَائِنَا بأَسْمَى عِبَارَاتِ التَّهَانِي. كَمَا أُحَيِّي حَامِي حِمَى الوَطَنْ جَيْشَنَا الوَطني الشَّعْبي سَلِيلَ جَيْشِ التَّحرِيرِ الوَطَني، وكُلَّ الأَسْلاَكِ الأَمْنِيّةِ وَالنِّظَامِيَة التي تَحفظُ أَمْنَ الوَطَنِ والمُوَاطن، دَاعِيًا أَبْنَاءَ وَطَنِنَا العَزِيز إلى البَذْلِ والتَّفَانِي والوَعْيِ بالرِّهَانَاتِ تَأَسِيًا بِالمَبَادىء العَظِيمَةِ الَّتي سار على نهجها شُهَداؤُنَا الخَالِدُون.عَاشَتْ الجزائرُ حُرَّةَ أبِيَّةً شَامِخَةً. المَجْد والخُلُودُ لِشُهدائِنَا الأبرَار


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
رئيس الجمهورية: الجزائريون حريصون دوما على التمسكِ بِوِحدتهم ورصِّ صُفُوفهِم
وجه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، رسالة إلى الشعب الجزائري، بمُناسبة الاحتفال بالذكرى الثالثة والستين لعيد الاستقلال. وجاء في نص الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم والصّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ المُرسَلين، أيَّتُها المُواطِناتُ .. أيّها المُواطِنُون، تُحيي الجزائر في هذا اليوم ذكرى مجيدة، لها في أفئدتِنا دَلالَة عَمِيقَة. إنَّها الذّكرى الثالثة والستين (63) لعيد الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية. ذلك اليومُ الذي انْجَلَتْ فيهِ عن وطننا المُفدّى جَحَافِلُ الاستِعْمار البَغيضِ وهي تَجُرُّ أذيَالَ الهَزيمَةِ لأنَّها جُوبِهَتْ بِرِجَالٍ أشِدَّاءَ سَكَنَ الوَطَنُ سُوَيْدَاءَ قُلُوبِهِم وَعَقَدُوا العَزَائِمَ أن تَتَحَرَّرَ الجزائر. وَإنَّنَا إذْ نُحيِي هذه الذّكرى المجيدَةَ، نَسْتَحْضِر تلك المَلاحِم الخالدَةَ الَّتي خَاضَهَا شعبُنَا ضد الاستعمار وَقِوَاهُ العَاتِيَةَ. وَظلَّ على دَرْبِ التَّضحيَةِ يُقَدّم القَوافِل تِلْوَ الأُخرى مِنَ الشُّهداءِ البَواسِل حتّى النّصر المُبِين. أيَّتُها المُواطِناتُ .. أيّها المُواطِنُون، لَقَدْ عَكَفَتْ الجزائرُ مُنْذُ بُزُوغ عَهْدِ استقلالِهَا على اسْتِثْمَارِ تلك المَحَطَاتِ الخَالِدَةِ الَّتي رَفَعَتْ شَعْبَنَا إلى أعلى مَرَاتِب الوطنِيَةِ الصَّادِقَةِ بَيْنَ شُعُوبِ الأرْضِ. وَلَقَدْ كان هذا الاستِثْمَار مَبْنِيًا على الوَفَاءِ لِتِلْكَ الدِّمَاءِ الَّتي سَالَتْ فِدَاءً للوَطَنِ وَتَقْدِيسًا لِلْأرْواحِ الطَّاهِرَةِ الَّتي قُدِّمَتْ قُرْبَانًا مِنْ أجْلِ حُرْمَةِ أرْضِهِ وَسَمَائِهِ وَمَصِيرِ أبْنَائِه. وَإنَّنا حين نَقِفُ عِنْدَ هَذِه الذِّكرَياتُ المُنِيرَةُ في سِجل وَطننَا المَجِيد فهي تُذَكِّرُنَا بمَا قَطَعْنَاهُ مِنْ أشْوَاطٍ على مَسَارِ تَعْزِيزِ حَصانَتِنَا الوَطنِيَةِ مِنْ تَوْثِيقٍ لِأوَاصِرِ الوِحْدَةِ وَالمُضَيِّ بِخُطَى وَاثِقَة نَحْوَ بِنَاءِ الدّولة وَتَعْزيزِ مَؤسَّسَاتِهَا وَالتَّكَفُّلِ بِحَاضِرِ شَعْبِنَا الكَريمِ وَمُسْتَقْبَلِ بَنَاتِه وَأبْنَائِه. إنَّ الجزائرَ اليوم تَخُوضُ غِمَارَ مَرْحَلَةٍ عِمادُها التَّعَامُل مَعَ مُخْتَلَفِ الرِّهانَات بِنَفَسٍ جَدِيدٍ، وَالتَّطلُّعِ إلى رَفْعِ التَّحدِّيات بِكَامِلِ الثِّقَة في قُدُرَاتِنَا وَمُقَدَّرَاتِنَا الوَطَنِيَةِ المُنْبَعِثَةِ مِنْ خَالِصِ آمَال المُوَاطِن. لَقَدْ قَطَعتِ بِلادُنَا أَشْوَاطًا مُتتاليةً عَلَى هَذَا النَّهجِ، نَهج الجزائر المُنْتَصِرَة الوَفِيَة لمَبَادِئِهَا والمُرَسِّخَة لمَرْجِعِيَاتهَا السَّاعيةِ إلى تَرسِيخِ المُواطَنَة الحَقَّة ولقد تمكنت بِتَضْحِياتِ بَنَاتِهَا وَأَبْنَائِهَا من الانْتصَار. أيَّتُها المواطنات، أيُّها المواطنون. إنَّ ذِكرى اسْتقلالِنَا واسْترجَاعِنَا للسِّيَادَةِ الوَطنيةِ، كَمَا أَنَها تَسْتَنْهِضُ فِينَا رُوحَ اسْتِذْكَارِ التَّضْحِياتِ الجَسيمَة التي دَفَعَهَا شَعْبُنَا في سَبيلِ انْعِتَاقِهِ. فَإنَّها تَدْفَعُنَا إلى النَّظَرِ مَلِيًّا حَوْلَ مَا يَشْهَدَهُ العَالَمُ اليَومَ من تَحَوُّلاتٍ، وَكَيفَ أَنَّ التَّلاَحُمَ والتَّكَاتُفَ والحِسّ الوطَنيّ اليَقِظَ هُوَ أَمْثَلُ مَسْلَكٍ لِتَجْنيبِ الأوْطَانِ وَيْلاَتِ الهزَّات والأطْمَاع. وَعَلَى هَذَا المَنْحَى الوَجِيهِ فَقَدْ كَانَ الشَّعْبُ الجَزائريُّ دَومًا حريصًا على التَّمَسُّكِ بِوِحْدَتِهِ وَرَصِّ صُفُوفِهِ، وَظَلَّ عَبْرَ مُخْتَلَفِ وَقَفَاتِهِ التَّاريخِيَةِ عِبْرَةً للشُّعُوبِ في الولاءِ للوَطَن. أيَّتُها المُواطنات الفُضليات، أيُّها المُواطنون الأفاضل. وَنَحْنُ نَحْتَفِي بهذِهِ الذِّكْرَى الغَاليَةِ والمُتَمَيِّزَةِ في تَاريخ وَطَنِنَا، والمَقْرُونَةِ بِعيدِ الشَّبَابِ، أتوجّهُ إلى أَخَوَاتِي المُجَاهِدات وإخْوَاني المُجَاهدين وإلى كَافَة بَنَاتِنَا وأَبْنَائِنَا بأَسْمَى عِبَارَاتِ التَّهَانِي. كَمَا أُحَيِّي حَامِي حِمَى الوَطَنْ جَيْشَنَا الوَطني الشَّعْبي سَلِيلَ جَيْشِ التَّحرِيرِ الوَطَني، وكُلَّ الأَسْلاَكِ الأَمْنِيّةِ وَالنِّظَامِيَة التي تَحفظُ أَمْنَ الوَطَنِ والمُوَاطن، دَاعِيًا أَبْنَاءَ وَطَنِنَا العَزِيز إلى البَذْلِ والتَّفَانِي والوَعْيِ بالرِّهَانَاتِ تَأَسِيًا بِالمَبَادىء العَظِيمَةِ الَّتي سار على نهجها شُهَداؤُنَا الخَالِدُون. عَاشَتْ الجزائرُ حُرَّةَ أبِيَّةً شَامِخَةً.