
الحرب تُبرمج: الذكاء الاصطناعي يربك قواعد القانون الدولي
في عالم تُدار فيه المعارك بخوارزميات، وتُتخذ فيه قرارات إطلاق النار دون تدخل بشري، تظهر أنظمة قتالية ذاتية، تحلل وتختار وتنفّذ الهجوم خلال أجزاء من الثانية.. لم تعد الآلة تطيع، بل بدأت تأمر! وهكذا تنتقل حياة الإنسان من أن تكون مسؤولية سياسية أو عسكرية إلى أن تصبح ناتجًا لخوارزمية لا تملك ضميرًا، ولا تحاسب على خطأ.
في هذا الواقع المتسارع، يقف القانون الدولي حائرًا أمام سؤال مصيري: من يحاسَب حين ترتكب الآلة مجزرة؟ ولفهم خطورة هذا التحول، لا بد من العودة إلى المفهوم الجوهري الذي بات يتصدر هذا الجدل القانوني والأخلاقي.
أولًا: ما المقصود بالأسلحة الذاتية القاتلة؟
الأسلحة الذاتية القاتلة (LAWs) قد تكون قادرة على تحديد الهدف، وتقييم الخطر، وتنفيذ الهجوم، كل ذلك خلال أجزاء من الثانية، وبلا مراجعة بشرية، تشمل هده الفئة طائرات بدون طيار، وروبوتات برية مسلحة، وأنظمة بحرية ذاتية التشغيل. ويختلف ذلك عن "الأسلحة الموجهة" التي تحتاج لتأكيد بشري في لحظة إطلاق النار.
ثانيًا: من يتحمّل المسؤولية القانونية؟
وفقًا للقانون الدولي الإنساني، يخضع استخدام القوة لمبادئ أساسية مثل التمييز، والتناسب، والضرورة العسكرية. لكن عندما تكون الآلة هي التي تتخذ قرار القتل، تظهر أسئلة شائكة :
من يتحمل المسؤولية عند ارتكاب مجزرة؟ أهو المبرمج، أم القائد العسكري، أم الدولة؟ كيف يمكن التحقيق في "نية" الخوارزمية؟ هل يمكن أن تُحاكم آلة على "قراراتها" القتالية؟
ماذا عن القائد العسكري؟ في القانون الدولي، القائد مسؤول عن الأوامر التي يصدرها. لكن ماذا لو لم يكن هو من أعطى الأمر النهائي، بل كانت "الخوارزمية"؟
ماذا عن المبرمج أو الشركة المصنّعة؟ يمكن تحميلهما مسؤولية مدنية، لكن من الصعب إثبات "النية الجنائية" أو "القصد"، وهما عنصران أساسيان في القانون الجنائي الدولي.
ماذا عن الدولة المستخدمة؟ هذه أقوى الاحتمالات؛ إذ إن القانون الدولي الإنساني يُحمّل الدولة المسؤولية عن أعمال قواتها أو أدواتها. لكن في حالة العمليات ذاتية القرار، قد تحاول الدولة التنصل بحجة "خطأ تقني" أو "سلوك غير متوقع".
النتيجة: نحن أمام فراغ قانوني خطير؛ فالقانون لا يحدد بعد من هو الفاعل القانوني حين تكون الآلة هي من قررت القتل.
القانون الجنائي يعتمد على الركن المعنوي (القصد أو الإهمال)، لكن الخوارزمية ليست كائنًا عاقلًا.. فكيف يمكن مساءلتها؟ أيُعدُّ الخطأ في البرمجة جريمة؟
ثالثًا: هل يمكن محاكمة خوارزمية؟
قانونيًّا، لا يمكن محاكمة خوارزمية، لأنها ببساطة ليست كيانًا قانونيًّا؛ فهي ليست شخصًا طبيعيًّا يمكن مساءلته جنائيًّا، ولا شخصًا معنويًّا يملك ذمة قانونية مستقلة، كما أنها لا تملك نية أو وعيًا، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها أو تمثيل ذاتها أمام محكمة. وبالتالي، فإنها لا تخضع لأي من المبادئ الأساسية للمسؤولية الجنائية الفردية المعروفة في القانون الدولي أو الوطني.
وعليه، لا تحاسَب الخوارزمية نفسها، وإنما يُوجَّه النظر نحو من صمّمها أو شغّلها أو أمر باستخدامها. لكن الإشكال القانوني الخطير يظهر عندما لا تتوفر نية إجرامية مباشرة، أو تقصير واضح من قبل أي عنصر بشري، فتدخل المساءلة في منطقة رمادية يصعب ضبطها قانونيًّا.
لهذا السبب، يطالب كثير من الخبراء القانونيين والحقوقيين بإعادة التفكير في قواعد المسؤولية، واقتراح مفاهيم جديدة مثل "النية الآلية"، أو على الأقل فرض مبدأ دائم يُلزم بوجود "إشراف بشري هادف" (Meaningful Human Control) في كل قرار تتخذه الأنظمة القتالية الذاتية. وبدون ذلك، سيبقى القانون في موقع المتفرج أمام "قتل آلي" بلا محاسبة.
رابعًا: كيف نقيّم "نية" الآلة؟
القانون الجنائي يعتمد على الركن المعنوي (القصد أو الإهمال)، لكن الخوارزمية ليست كائنًا عاقلًا.. فكيف يمكن مساءلتها؟ أيُعدُّ الخطأ في البرمجة جريمة؟ أم إن انحياز الخوارزمية في تحديد الأهداف هو نتيجة لبيانات منحازة؟ هذا يعقّد مسألة المسؤولية الفردية، ويُظهر الحاجة لإعادة تعريف النية في سياق الذكاء الاصطناعي.
هل يمكن للقانون الدولي أن يُخضع التكنولوجيا لأحكامه؟ أم سنشهد ميلاد حروب بلا قانون؟
القانون الدولي، عبر تاريخه، أثبت قدرته على التطور بعد الكوارث لا قبلها.. تأسس ميثاق الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وجاءت اتفاقيات جنيف ردًّا على الجرائم الجماعية، وتم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بعد فظائع البوسنة ورواندا. لكن ذلك كان دائمًا رد فعل أكثر مما هو استباق.
اليوم، الذكاء الاصطناعي لا يمنحنا هذه "الرفاهية الزمنية"؛ فالآلة التي تتخذ قرار القتل دون بشر تُعيد تعريف الحرب، والمسؤولية، والنية، والعدالة. وهي تفعل ذلك قبل أن يتشكل لها إطار قانوني ناظم.
إذًا، نعم، يستطيع القانون الدولي أن يُطوّر نفسه، لكنه لم يفعل ذلك بعد. وحتى الآن، معظم ما يُطرح هو توصيات غير ملزمة، وجدل فلسفي أكثر منه أدوات ضبط حقيقية.
هل نشهد ميلاد "حروب بلا قانون"؟
جزئيًا.. نعم، حين تُستخدم طائرات مسيرة في اغتيال خارج ساحة المعركة، دون إعلان حرب، وبلا مسؤولية قانونية واضحة، وحين تبرمَج خوارزميات لتحديد "أنماط التهديد"، فتستهدف أشخاصًا بسبب حركتهم أو صورتهم الحرارية، فنحن عمليًّا ندخل منطقة رمادية جديدة: حروب بلا قانون، وبلا قاضٍ، وبلا مدنيين محميين فعليًّا.
القانون لم يختفِ لكنه لم يعد يسيطر، والذكاء الاصطناعي صار في بعض الحالات أقوى من كل المواثيق.
نحن في عصر تتسارع فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي لتصبح حاسمة في ساحات الحرب، يقف القانون الدولي أمام تحدٍّ وجودي
سادسًا: معركة القانون.. أم معركة الكرامة الإنسانية؟
إنها الاثنتان معًا، لكنها في الجوهر معركة على جوهر إنسانيتنا.
من يُقرر القتل؟ في القانون، الإنسان هو من يُقرر.. وفي التكنولوجيا، القرار انتقل إلى الخوارزمية! إننا نُخاطر بأن نُعطي الحق في إنهاء الحياة لكيان لا يعي معنى "الحياة" أصلًا.
إعلان
من يُحاسب؟ لا أحد.. كل طرف يشير إلى الآخر: القائد يقول "اتّبعنا البرمجة"، والمبرمج يقول "نفذنا الأوامر"، والدولة تقول "الآلة أخطأت". وإذا استمر كل طرف يُحمّل الآخر المسؤولية -القائد للبرمجة، والمبرمج للدولة، والدولة للآلة- فإن النتيجة الحتمية هي القتل بلا مساءلة.
ختامًا، نحن في عصر تتسارع فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي لتصبح حاسمة في ساحات الحرب، يقف القانون الدولي أمام تحدٍّ وجودي. إما أن يتطور ليضبط هذا الواقع الجديد، أو نشهد ولادة حروب بلا ضوابط، حيث تُتخذ قرارات القتل بلا ضمير، وتغيب المحاسبة.
الإنسانية لا تحتمل أن يُترك مصيرها لمعادلات رقمية، والقانون لا بد أن يظل الحصن الحامي لكرامتها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
شاهد.. المقاومة تفكك أجهزة تجسس زرعها الاحتلال وعملاؤه بغزة
بثت الجزيرة صورا حصرية لأجهزة تجسس مخصصة للتنصت والتصوير زرعها الاحتلال الإسرائيلي وعملاء له بين الركام والأنقاض والجدران بمناطق مختلفة في قطاع غزة خلال الحرب الحالية. وكشف مسؤول أمني في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للجزيرة أن المقاومة نجحت في السيطرة على هذه الأجهزة وإعادة استخدامها في عملياتها، لافتا إلى أن مسيّرات " كواد كابتر" متعددة المهام زرعت هذه الأجهزة لأغراض تجسسية وعسكرية. وفي التفاصيل، زرع الاحتلال جهاز تنصت مفخخ بعد تمويهه على شكل وعاء بلاستيكي مهترئ على قارعة طريق بمحيط مركز إيواء مركزي في مدينة غزة. ووفق المسؤول الأمني، فإن مهندسي المقاومة فككوا هذا الجهاز وحددوا آلية عمله والهدف من ورائه، وهذا قاد لعمليات أوسع سيطرت المقاومة عبرها على مزيد من الأجهزة. كما ضبطت المقاومة جهاز تتبع عن بعد بالقرب من مكان مكتظ شهد مراسم تسليم أسرى الاحتلال في صفقة التبادل الثانية. وأكد المسؤول الأمني في تصريحات للجزيرة أن هذا الجهاز يجري تشغيله بواسطة تطبيق إلكتروني عبر خاصية "واي فاي" أو من خلال إرسال رسائل نصية إلى شريحة الاتصال الموجودة داخله. وكذلك، ضبطت المقاومة جهاز تجسس مموه داخل كتلة أسمنتية كان الاحتلال قد زرعه عبر أحد العملاء في ساحة مستشفى جنوبي القطاع بغرض التنصت وجمع المعلومات. كما ضبطت المقاومة جهاز بث وتسجيل فيديو كان مموها بين ركام المباني في منطقة حيوية، وكان من المفترض أن يلتقط صورا ويسجل مواد فيلمية عند اكتشاف أي حركة في المنطقة، ليلا ونهارا، ثم يرسلها عبر الإنترنت لقواعد الجمع والتحليل التابعة لاستخبارات جيش الاحتلال. فضح الاحتلال ولم تكتفِ المقاومة بالسيطرة على هذه الأجهزة وتعطيلها فحسب، بل تمكنت من فضح ما وثقته الأجهزة ضد الاحتلال، إذ أظهرت صور قتل جنود الاحتلال سيدة فلسطينية ترفع يديها وتحاول العبور عبر شارع في وادي غزة في محاولتها للانتقال من جنوب القطاع إلى شماله. وأكد المسؤول في أمن المقاومة للجزيرة نجاح فصائل المقاومة في إعادة استخدام أجهزة التجسس المضبوطة لأغراض عسكرية واستخبارية، في إطار الحرب المفتوحة مع الاحتلال، داعيا السكان لإدامة اليقظة والانتباه، كما حذر من أن تكون الأجهزة مفخخة. وفي هذا السياق، يقول الخبير العسكري العميد إلياس حنا إن هدف الاحتلال يبقى دائما الاستعلام، إذ ترتكز عقيدته العسكرية الإستراتيجية الكبرى على الإنذار المبكر والحسم السريع والردع. ووفق هذه العقيدة، تبرز أهمية الحصول على المعلومات المسبقة على الصعد الإستراتيجية أو العملياتية أو التكتيكية. وخلص الخبير العسكري -في حديثه للجزيرة- إلى أن هذه الوسائل والأجهزة تعد إحدى أدوات جيش الاحتلال للحصول على المعلومات وجمعها.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
نتنياهو: التقيت وزير الخارجية روبيو وأجريت معه محادثة هامة جدا
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من البيت الأبيض: التقيت وزير الخارجية روبيو وأجريت معه محادثة هامة جدا بشأن تعزيز تحالف إسرائيل والولايات المتحدة بحثت مع وزير الخارجية الأمريكي التحديات المشتركة التي نواجهها على الصعيدين الإقليمي والدولي أعبر عن امتنان جميع الإسرائيليين وإعجابهم بقيادة ترمب للعالم الحر طواقمنا معا توفر فريقا رائعا والرئيس ترمب يرسم السلام في المنطقة الرئيس ترامب تحدث عن حرية الاختيار وإذا أراد سكان من قطاع غزة المغادرة لهم ذلك ومن أراد يمكنه البقاء بإمكان الفلسطينيين حكم أنفسهم ولكن ليس تهديدنا بإمكاننا تحقيق سلام واسع في الشرق الأوسط يشمل كل جيراننا الرئيس الأميركي دونالد ترامب:


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
تلغراف: مركز أبحاث بلير عمل على خطة "ريفييرا ترامب" لغزة
عمل معهد أبحاث توني بلير (تي بي آي) على خطة "ريفييرا ترامب" لغزة، وتضمنت فكرة مشابهة لما أورده مقطع فيديو مثير للجدل نشره الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وقت مبكر من هذا العام مستوحى من دبي. وقالت صحيفة "تلغراف" البريطانية إن المعهد عمل على مشروع بقيادة رجال أعمال إسرائيليين، وناقش إنشاء منطقة تصنيع تحمل اسم إيلون ماسك. كما ساهم موظفو المعهد في مشروع "الثقة الكبرى" لمجموعة بوسطن الاستشارية (بي سي جي)، وتضمنت إحدى الوثائق التي كتبها موظف في المعهد فكرة "ريفييرا غزة" بجزر اصطناعية. وقالت صحيفة "فايننشال تايمز"، التي كانت أول من نشر الخطة، إن الوثيقة اقترحت مبادرات تجارية تعتمد على العملات المشفرة و"مناطق اقتصادية خاصة" ذات أنظمة ضريبية منخفضة، مضيفة أن الحرب في غزة، التي قتل فيها عشرات الآلاف من الأشخاص، خلقت "فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في القرن لإعادة بناء غزة". وأشارت الوثيقة إلى أن القطاع سيكون قادرا على المضي قدما كـ"مجتمع آمن وحديث ومزدهر". وفي الأسبوع الماضي، ظهر أن مجموعة بوسطن الاستشارية كانت قد أعدت نموذجا مسبقا لتكلفة نقل الفلسطينيين من غزة، وأثار الأمر ردود فعل غاضبة، إذ شاركت المجموعة في تأسيس مؤسسة غزة الإنسانية، التي حظيت بدعم إسرائيل والولايات المتحدة. ثم نأت مجموعة بوسطن الاستشارية بنفسها عن المشروع لاحقا. وقال متحدث باسم بلير إن رئيس الوزراء السابق لم يتحدث إلى الأشخاص الذين أعدوا الخطط ولم يعلق عليها، مضيفا "يتحدث فريق (تي بي آي) إلى العديد من المجموعات والمنظمات المختلفة التي لديها "خطط" لما بعد الحرب في غزة، لكن لم يكن له أي علاقة بتأليف هذه الخطة. وأضاف: "الوثيقة المشار إليها هي وثيقة داخلية تابعة لـ (تي بي آي) تنظر في المقترحات التي قدمتها أطراف مختلفة وتغطي جميع الجوانب المختلفة لما يمكن أن تبدو عليه غزة بعد الحرب، ولكنها لم تُنتج فيما يتصل بعمل ( بي سي جي) ولم تُسلم إليها.