
ارتباطات "الإهانة" و"القوة" في سياسات الدول والمجتمعات
دُهش الرجل من خضوع المربية، ليسألها كيف أنه ينهب مالها ويسرق حقوقها، بينما لا تبدي رد فعل، فأخبرته بأنها لم تحصل من الأساس على أجر عندما عملت في أماكن أخرى. انتهي ذلك الحوار المتخيل بإعطاء الرجل الفتاة أجرها بالكامل، ثم طلب منها الصفح عن تلك المزحة الثقيلة، مختتماً بالقول: "ما أسهل أن تكون قوياً في هذه الدنيا" ([1]).
حملت تلك العبارة المغزى الجوهري لقصة تشيخوف، فاختلال علاقات القوة والطبقية بين الأفراد (صاحب العمل والعاملة) شكل محفزاً رئيسياً على إهانة الطرف الأضعف عبر الانتقاص من حقوقه. ومع أن الإهانة في القصة لم يُعبر عنها مباشرة من خلال ألفاظ وإيماءات مسيئة للآخر، لكنها بدت سلوكية أكثر، أي اقترنت بمسلك طرف لفرض إرادته على الآخر، عبر استخدام ضمني لتفاوت القوة بينهما على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، بما أظهر عجز المُهان عن الدفاع عن نفسه إلى درجة من الذل، بلغت مداها بأن يمدح المُهين على إساءاته.
لا يقف مثل هكذا ارتباط وثيق بين الإهانة والقوة عند حدود العلاقات الاجتماعية، بل يتعداها إلى المجال السياسي، لكن مع اختلاف طبيعة السياقات والأطراف والأهداف والآثار، حيث تتجاوز عندها الإهانة مجرد إشعار طرف لآخر بالسوء، وانحطاط القدر والمكانة إلى تحقيق الفاعلين السياسيين لأهداف ومصالح أخرى أكثر اتساعاً تخص سياسات القادة والدول والمجتمعات.
من منا لم ير الإهانات التي دأب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على توجيهها لخصومه السياسيين في الداخل عندما يصفهم بالغباء والشر والجنون، أو يحرج علناً رؤساء دول وحكومات أثناء استضافتهم في البيت الأبيض، على غرار واقعة تلاسنه مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي أو استخفافه برؤساء دول أفريقية، بينما يختلف خطابه ليمسي أكثر انضباطاً، عندما يتعامل مع قادة قوى كبرى كروسيا والصين والدول الأوروبية، أو يتحول إلى لغة الإطراء عندما يجد ضالته في استثمارات مالية، على غرار ما لوحظ في خطابات ترامب إبان جولته في دول الخليج العربي خلال مايو الماضي.
تقف عوامل عدة مفسرة وراء إهانات ترامب للآخرين، منها: شخصيته المتغطرسة، شعبويته اليمينية التي تزدري النخب والمؤسسات وتميل للغة الجمهور في الشارع، تحويل الإهانات إلى سلاح تفاوضي كي يضفي مصداقية لدى الآخرين على فكرة "الرجل المجنون" ([2]) الخارق للتقاليد والأعراف والمعايير، والذي لا يُتوقع سلوكياته من الطرف الآخر، بما يخلق في الأخير بيئة سياسية من القلق والترهيب والغموض واللايقين سواء للحلفاء والأعداء قد تجعلهم أكثر ارتباكاً وأحياناً خضوعاً لطريقته في تحويل اللعبة السياسية إلى صفقة لتحقيق شعاره "أمريكا أولاً".
الأكثر تأثيراً من تلك العوامل هو القوة الأمريكية التي لا تزال لديها حضور عالمي مهيمن، حتى لو شهدت تراجعات نسبية خلال العقدين الأخيرين. فمع تلك القوة، تتحول الإهانات إلى أداة للسياسة الأمريكية لترامب لتحقيق أهدافها ومصالحها، خاصة أنه يُرفقها عادة بالتهديد باستخدام أدوات قسرية ضد الآخر، كوقف الدعم والمساعدات العسكرية والاقتصادية، وهو ما قاد مثلاً في حالة أوكرانيا إلى التوصل إلى اتفاق المعادن النادرة في نهاية إبريل الماضي لتعويض ما أنفقته الولايات المتحدة من دعم عسكري لها في حربها مع روسيا منذ فبراير 2022 ([3]).
على الرغم من حدة وفجاجة الإهانات السياسية التي يوجهها ترامب للآخرين، لكنها ظاهرة عرفتها التفاعلات السياسية بين القادة والدول والجماعات منذ القدم وإن كان بدرجات متفاوتة، كأحد وسائل إدارة العلاقات مع الحلفاء والأعداء على حد سواء، رغم أنها غير مقبولة أخلاقياً ومدانة اجتماعياً وغير لائقة دبلوماسياً، بل تقود إلى توترات سياسية حادة. يستدعى ذلك محاولة مقاربة مفهوم الإهانة السياسية عبر تلمس معناه وأبعاده وأنماطه، ومحفزاته، والأهم مخاطر التحول إلى وضعية الإذلال.
علماً أن الإهانة هي بالأساس ظاهرة ذات طبيعة نفسية-اجتماعية، نالت اهتماماً واسعاً لدى علماء النفس واللغة والاجتماع، لكنها تمددت إلى المجال السياسي مع صعود المقاربات النفسية والبنائية الاجتماعية لتفسير سلوكيات القادة وسياسات الدول داخلياً وخارجياً، خاصة أن الإهانة السياسية، وطريقة التعامل معها من قبل طرفيها (المُهين والمٌهان) تطرح تساؤلات حول مدى قدرة القادة والحكومات على التمثيل السياسي لدولهم ومجتمعاتهم.
أبعاد الإهانة .. تشارك المعنى والتوظيف السياسي
في اللغة، ترتبط الإهانة بالتهوين أو الاستهانة أو الاستخفاف أو الاحتقار أو الازدراء، وتعني بوجه عام كل قول أو فعل أو إيماءة تُحدث شعوراً سلبياً لدى الآخر، وتحط من قدره ومكانته. وأياً كان نوع تلك الإهانة أو مدى حدتها أو مجالها، فهي لا تنتج من فراغ، وإلا صدرت عن طرف فاقد لعقله، بما لا يستدعي الالتفات له، كأن يسُبك شخص مجنون، دون سبب واضح. بالتالي، فالإهانة ترتبط بسياق تفاعلي بين طرفين أو أكثر بينهما موقف خلافي، وهي قد تكون مقصودة وغير مقصودة أو مباشرة وغير مباشرة ([4]).
لهذا، تنشأ الإهانة في المجال السياسي في سياق يتنازع فيها طرفان أو أكثر ( قادة، دول، جماعات، مجتمعات) حول قضية ذات موضع خلافي وتنافسي كالسلطة أو القوة أو الموارد أو الشرعية أو الهوية أو القبول لدى الجمهور العام. يمتد ذلك الأمر إلى مجال المنافسة بين الدول على الهيبة والمكانة كأحد مكونات القوة خاصة الناعمة، بما يستدعي عدم تصويرها كدولة مُهانة أو ذليلة، لاسيما أنه يتم توظيف تلك المكانة في تحقيق مصالح سياسية واقتصادية، بل وأمنية من قبيل منع التهديد، عبر بث الخوف والترهيب لدى الآخرين من الإضرار بمصالح الدول.
شكلاً، فإن الإهانة السياسية Political insult عبارة عن ألفاظ وإيماءات وسلوكيات وسخرية مسيئة صريحة أو ضمنية قد توجه من طرف إلى آخر في الخطابات والممارسات السياسية. أما مضموناً، فتنطوي على إنتاج إحكام ودلالات سلبية تجاه الآخر سواء أكانت نفسية (إشعاره بالسوء) أو اجتماعية (بخس مكانته). أما من جهة الهدف، فهي تسعى لتحقيق أغراض ومصالح سياسية معينة عبر إنتاج صورة للآخر المنافس تظهره كطرف ضعيف غير قادر على الدفاع عن نفسه أمام الجمهور أو من يمثلهم، ومن ثم انتزاع التنازلات منه وتعديل سلوكه ليتوافق مع أهداف المُهين، وهو ما يحول الإهانة إلى نوع من أنواع القوة أو السلطة ([5]). لهذا، تتضمن الإهانة السياسية عدة أبعاد أساسية، من أبرزها:
1 - تشارك المعنى: تتطلب الإهانة عنصراً جوهرياً، وهو تشارك المعنى بين طرفي الإهانة بما يجعل الإساءة الموجهة من طرف إلى آخر مفهومة ومدركة لدى الطرفين، وبالتالي يمكن الحكم عليها أو تفسيرها كإهانة. فلو أن طرفاً ما سب أو شتم أو سخر من آخر بألفاظ أو إيماءات لم يفهم معناها، فقد لا يعدها إساءة له، ومن ثم قد تنتفي عندها وقوع الإهانة لديه.
تكمن أهمية هذا الأمر في أن معاني بعض الألفاظ والإيماءات والسلوكيات التي قد نراها مسيئة قد لا تكون كذلك في بيئات أخرى، بحكم اختلاف السياقات اللغوية والثقافية والاجتماعية والسياسية. هنا، على سبيل المثال، لاحظ تحليل نقدي لخطاب الإهانات السياسية في غانا (تم تطبيقه على التعليقات على الإنترنت والمكالمات الإذاعية بين عامي 2012 و2014) استخدام كلمتي "الولد" أو "الفتاة" لإهانة المسئولين السياسيين في السلطة ([6]).
الكلمتان قد لا تكونان إساءة، عندما توجهان لمن تنطبق عليهما مواصفات النوع والعمر، لكن عندما يتم وصف السياسيين بهما في الثقافة الأفريقية، فإنهما تصبحان إهانة ذات مدلول سلبي على عدم نضجهم أو كفاءتهم، أي محاولة لإضفاء طابع صبياني أو طفولي على طريقة أداء السلطة، وهو أمر نابع من توافقات المعنى والقيم في الثقافة الأفريقية على احترام كبار السن، واعتبارهم يملكون خبرات معالجة الأزمات.
لذلك، يرتبط وقوع الإهانة السياسية باتفاق طرفين في موقف خلافي ما على فهم مشترك لمدلولها السلبي، وهو ما يتضح أكثر في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فمع وجود تقاليد وأعراف دولية متفق عليها في هذا المجال، فإن مخالفتها قد يشكل إساءة للآخر، فعندما تطرد دولة ما ممثلاً دبلوماسياً لدولة أخرى بفعل أزمات بينهما، فإن الأخيرة تنظر لهذا السلوك كإهانة تستدعي الرد بالمثل، بحكم المساواة السيادية بين الدول، وإلا أصبح المُهان في موقف حرج أو نُظر له كطرف ضعيف وقابل للإهانة دولياً ([7]).
2- التمثيل السياسي: برغم أن الإهانة تكتسب طابعها السياسي من كونها تجري بين أطراف تتنافس على قضايا القوة والسلطة والموارد والمكانة، كما أسلفنا، مع ذلك، فحتى لو كان شكل الإهانة الموجهة ذا بعد ثقافي أو ديني أو اجتماعي أو عرقي أو قبلي أو ديني أو غيره، فإنها قد تؤثر في التفاعلات السياسية بحكم التشابك مع القضايا المتنازع عليها.
عندما تهين تنظيمات إرهابية كداعش أو غيرها أطرافاً سياسية كالحكومات بإطلاق لفظ الكفار عليهم، فإنها تسعى للإضرار بشرعيتهم السياسية أمام المجتمع، فالإهانة في المجال الديني تستهدف من ورائها إشعار الطرف الآخر بتدني ما يؤمن به من معتقدات، وهو نوع من التمهيد الخطابي من قبل تلك التنظيمات بغرض انتهاج سلوكيات عنيفة متطرفة تتمثل في استحلال دماء السياسيين وأعراضهم.
سلوكياً، عندما يفجر الإرهابيون أضرحة دينية أو يدخل الغزاة أو المحتلون المساجد بالأحذية أو يهدمونها، فذلك مما يعد إهانة بالغة للمقدس الديني، ويفسر البعض مدلولها المسيء بأنه محاولة من المُهين لـ"إثبات عجز المقدس عن حماية نفسه" ودفع المُهان للاستسلام ([8])، وهو ما يعني في الأخير إهانة الطرف السياسي القائم على حماية تلك المقدسات الدينية، وهي الحكومات التي ترتبط شرعيتها بمدى القدرة على الحفاظ على أمن وسلامة الأفراد في المجتمعات، وقدرتهم على ممارسة حرياتهم الدينية دون تهديدات.
يتضافر البعد السياسي للإهانة مع نظيره التمثيلي لتشكيل أثرها في المجال السياسي، بمعنى أن الإهانة تمس بالأساس "الذات الاجتماعية" للفاعلين السياسيين. فعلى الرغم من أن الدول والجماعات كيانات اعتبارية، لكن يصبح لديها إحساس بتلك الذات، أي ينسب إليها صفات إنسانية: كالهوية والمصالح والقصدية، وفقاً للمنظور البنائي لالكسندر ويندت، بالتالي، فأي إهانة لتلك الدول أو الجماعات تنسحب بالتبعية على من تمثل مصالحهم وهوياتهم.
من هنا، تنتقل الإهانة السياسية الموجهة للقادة أو دولهم أو جماعات دينية أو قبلية أو عرقية من ذواتهم الاجتماعية إلى الجمهور الذي يمثلونه، كونهم يعبرون عنه رمزياً، ومن ثم تتحول آثار الإهانة من الطابع الفردي إلى الجماعي، بما يجعلها تؤثر على قضايا السلطة والشرعية والهوية والمصالح الخارجية للدول.
يفسر ذلك الحساسية الشديدة للإهانة السياسية، ومخاطر استخدامها والحسابات المعقدة عند الرد عليها، خاصة أنه مع انتقالها إلى البعد الجماعي في المجتمعات، تتغذى على انتماءات ومشاعر قومية أو عرقية أو قبلية. قد يمتد أيضاً البعد السياسي التمثيلي للإهانة إلى المواطنين أنفسهم، عندما يكونون خارج الدولة (جماعات الشتات)، فتعرضهم للإهانة من قبل دولة أخرى قد ينسحب رمزياً على دولهم، بما قد يدفع الأخيرة للتدخل لدى الدول المُهينة لحماية مواطنيها، ورد الإهانة عنهم ([9]).
3- أغراض وظيفية: ليست الإهانة في المجال السياسي لغواً مسيئاً لا فائدة منه، بل لها أغراض وظيفية كونها وليدة سياق نزاعي حول قضايا معينة، بالتالي فهي إحدى أدوات إدارة العلاقة مع الآخر السياسي. عاطفياً، قد تستهدف الإهانات نقل مشاعر سلبية من المتكلم إلى المخاطب كالاحتقار والاشمئزاز والكراهية، في مسعى لإيذائه نفسياً والحط من مكانته أمام جمهوره، بما يفقده شرعية التمثيل السياسي. أما دفاعياً، فالإهانة أداة لمواجهة التهديدات المتصورة من الخصوم، فقد يبعث من خلالها المُهين رسالة للمُهان بأنه لن يتورع عن الرد إن تعرض للضرر من قبله، والعكس أيضاً، فالمُهان قد يلجأ للرد الدفاعي بتوجيه إهانات مضادة لإنتاج تهديدات.
كذلك تنطوي الإهانة السياسية على وظيفة مطلبية، أي تتضمن طلباً من طرف لآخر بتغيير سلوكه المرفوض أو حتى الاحتياج للاعتراف في حالات التهميش والاستبعاد، وبالتالي قد تصبح عمليات الإساءة للآخر نوعاً من التحدي والضغط لتغيير سياساته ([10]). على سبيل المثال، دأبت احتجاجات الرأي العالمي على إهانة إسرائيل عبر وصمها بدولة قاتلة الأطفال أو إرهابية بسبب ما تقوم به من جرائم إبادة جماعية وتجويع للفلسطينيين في حرب غزة.
هنا، تستهدف الإهانة نقل مشاعر سلبية من الرأي العام كالازدراء تجاه إسرائيل لإيذائها نفسياً والحط من مكانتها، عبر وصمها والتشهير بها كطرف معتدي بغرض عزلها دولياً والضغط عليها لتغيير سلوكياتها العدوانية. بل إن هذا الوصم المُهين قد يمتد إلى من يتعاون أو يدعم إسرائيل، كونه سيقبل حينها ضمناً التعامل مع "دولة قاتلة" لا تعبأ بحياة البشر، أي أنه سيكون شريكاً في الإبادة، بما يعني أن الإهانة لها آثار ممتدة قد لا تشمل فقط أطرافها المباشرين، إنما من لهم علاقات معهم.
قد يفسر ذلك أمرين أساسيين، الأول، ضغوطات النشطاء والمنظمات الحقوقية على الحكومات الأوروبية لمراجعة الشراكة التجارية مع إسرائيل([11]) أو حظر تصدير السلاح لها أو التعامل مع جامعاتها، والثاني، اتجاهات رفض وتراجع التطبيع الشعبي، حتى بما فيها الدول التي وقعت اتفاقات أبراهام في المنطقة ([12])، لأن التطبيع هنا يعني مكأفاة المهين (إسرائيل) على إساءاته (قتل الفلسطينيين وإشعار المنطقة بالعجز عن منع ذلك الأمر)، ما لم يخضع للمحاسبة ويعترف بالحقوق الفلسطينية المشروعة.
أنماط الإهانة.. إساءات صريحة وضمنية
للإهانات السياسية أنماط عديدة قد ترتبط بشكلها (ألفاظ، إيماءات، سلوكيات، سخرية وغيره) أو طبيعة الأطراف التي تتبادلها (قادة، دول، جماعات، مجتمعات) أو المجالات التي تؤثر في قضايا السلطة والقوة سواء أكانت اقتصادية أو أمنية أو عرقية أو دينية أو غيرها. لكن يمكن التمييز بين نمطين رئيسيين لتلك الإهانات، وهما الصريح والضمني على أساس تأثيراتيها المتفاوتة في التفاعلات السياسية داخل الدول وفي العلاقات فيما بينها.
1- النمط الصريح: هو نمط من الإهانات العلنية المباشرة التي لا لبس فيها ولا غموض، والتي قد تقود إلى نشوء توترات حادة تستدعي الرد عليها، وإلا فقد الفاعل السياسي شرعية تمثيله السياسي. هذا النوع من الإهانة يستهدف السمات الشخصية والجسدية والعقلية للخصوم أو انتماءاتهم من أجل وصمهم وتشويههم والتشهير بهم أمام جمهورهم. وعادة ما يكون تكتيكاً سياسياً بغرض تحويل النقاشات عن القضايا الجوهرية أو تجنب الطرف المُهين المساءلة والنقد أو إفقاد المُهان القدرة على التركيز واستثارة غضبه ودفعه للعناد وإغفال الحسابات العقلانية في ردود فعله على الإهانة.
تتنوع الألفاظ المسيئة الصريحة بين أسماء الحيوانات والأمراض والأعضاء التناسلية والانتماء الفكري أو الديني أو العرقي أو القبلي أو المهني. لهذا، استخدم بعض الباحثين مصطلح "النبز" لمقاربة الإهانة السياسية، "أي اختراع لقب مُهين يصف به المتكلم المخاطب في سياق خاص لتشويهه" ([13])، كأن يصف القذافي معارضيه إبان الثورة ضده في العام 2011 بـ"الجرذان" للدلالة على احتقارهم أو ضآلة تأثيرهم، أو يسب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف جالانت الفلسطينيين بـ"الحيوانات"، بعد هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023.
ولكل لفظ مُهين صريح مدلول سياسي مسيء عند توجيهه للخصوم، فاستخدام أسماء الحيوانات، على سبيل المثال، لإهانة السياسيين، هو لنزع الإنسانية عنهم، وبعث رسالة بأنهم وحوش تتعارض سلوكياتهم مع ما هو مقبول في المجتمعات([14]). تلك الصفات المُهينة ليس شرطاً أن تكون صحيحة لدى الحيوانات ذاتها، إنما تخاطب بالأساس ما هو شائع عنها في الثقافات السياسية والمجتمعية. فبرغم رمزية الوفاء المعروفة عن الكلاب، لكنها تستخدم كسُبَّة سياسية للخصوم للإشارة إلى مدلولات تتعلق إما بفسادهم السياسي أو تكالبهم على المناصب أو ترهيبهم للمجتمع في مقابل حراسة السلطة، على غرار الرمزية السياسية التي صاغها جورج أورويل حول الكلاب في روايته الشهيرة "مزرعة الحيوان".
أما الهجوم الصريح على الانتماءات الفكرية أو السياسية أو العرقية أو الدينية، فقد تستخدم فيه ألفاظ مثل: "شيوعي" أو "فاشي" أو "نازي" وغيرها لاستدعاء مدلول سلبي لدى ذاكرة الجمهور عند الإشارة لتلك الألفاظ. قد يلجأ البعض أيضاً لاستدعاء شخصية تاريخية حازت على الكراهية في الثقافة السياسية لإهانة الخصوم، مثلما وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "هتلر هذا العصر" ([15])، لكونه مطلوباً أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة.
تمتد الإهانات اللفظية الصريحة لتمس المرأة، خاصة الأم، بغرض إلحاق العار بالمخاطب وإظهار أنه لا يملك قيمة الشرف. فقد سب الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دويرتي خلال فترة حكمه بين عامي 2017 و2021 منتقدي سجله الحقوقي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عندما وصفهم بـ "أبناء العاهرات" إثر تزايد أعداد القتلى في حربه على تجار المخدرات ([16]).
قد تشمل الإهانات الصريحة السخرية من المنافسين بكلمات وإيماءات واضحة معاً، مثل إهانات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمنافسه الرئيس السابق جو بايدن خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، عندما وصفه تارة بـ"التأتأة" وعدم استطاعة قراءة الكلمات والجمل، وتارة أخرى سخر بإيماءات مسيئة من حركاته البطيئة في المشي وهفواته في التذكر. استهدف ترامب من ذلك إظهار عدم أهلية بايدن صحياً للمنصب الرئاسي وتفوقه عليه في السمات العقلية والجسدية أمام جمهور الناخبين ([17]).
اللافت أن الإهانات قد تكون صريحة، ولا تخطئها عين من يراها من وجهة نظره، لكن لا يعترف بها الفاعلون السياسيون، مما يثير معه إشكالية مدى الاتفاق حول أن فعلاً ما قد يفسر على أنه إهانة من عدمه. فقد دفع ترامب بيده رئيس الجبل الاسود دوسكو ماركوفيتش ([18]) ليفسح المجال لنفسه للوقوف في الصف الأمامي، خلال اجتماع لحلف الناتو في بروكسل في عام 2017. وبينما لم يرى رئيس الجبل الأسود حينها أن ما جرى إهانة بالأساس، اعتبرها الرأي العام في بلاده إساءة له ولمكانة الدولة.
2- النمط الضمني: يتعلق بإهانات غير مباشرة وموحية تُستنتج مدلولاتها المسيئة للآخر من طبيعة السياق التفاعلي بين الأطراف السياسية. يسعى هذا النوع من الإساءات إلى التأثير في الآخر نفسياً واجتماعياً لتعديل سلوكياته سياسياً، لكن مع الحفاظ على العلاقات معه، وهو ما يجعل الرد على تلك الإهانات يأخذ على الأغلب بعداً ضمنياً أيضاً من الطرف المُهان، على أساس مبدأ المعاملة بالمثل.
تظهر الإهانة الضمنية في جوانب عديدة في التفاعلات السياسية، منها على سبيل المثال لا الحصر، دعوة طرف سياسي لمؤتمر دولي لكن مع وضعه في ترتيب أقل عند إلقاء الكلمات، بما يخالف الأعراف الدبلوماسية أو أوزان القوة، أو عدم اعتراف دولة بسلطة جديدة في دولة أخرى، أو عدم تقديم التعازي من طرف إلى آخر عند وفاة قيادة سياسية، أو تأخير دولة ما تعيين سفير لها لدى أخرى أو اختيار شخصية دبلوماسية غير مناسبة أو معارضة لتوجهات الدولة الأخرى عمداً.
تمتد أيضاً الإهانات السياسية إلى التمسك بتقاليد ثقافية قد يفهم منها عدم الاحترام والتقدير السياسي للآخر، فقد ألغت فرنسا مأدبة غداء كان سيحضرها الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني في عام 2015، عندما أصر الأخير على أن يتم تقديم وجبات حلال ودون خمور لكن باريس تمسكت بتقاليدها الغربية، كما رفض روحاني استبدال تلك المأدبة بالإفطار، لأنها لا تليق بهيبة بلاده ([19]).
تدخل الإيماءات ولغة الجسد في الإهانات الضمنية مثل: تعابير الوجه أو وضعية الكلام والجلوس أو طريقة المصافحة بين القادة السياسيين، كحال طريقة السيطرة التي يمارسها ترامب عند مصافحته رؤساء الدول والحكومات. فعلى الرغم من أن فكرة المصافحة هي بادرة تعاون، لكن الرئيس الأمريكي حوّلها إلى سلاح لفرض سطوته لإظهار أنه من يقود الأمور، لا سيما مع إدراكه انتشار صور مصافحات القادة في مختلف وسائل الإعلام، وهو ما دفع بعض القادة إلى الرد الضمني بممارسة الأمر ذاته، كحال رئيس الوزراء الكندي السابق جاستين ترودو الذي لجأ عند مصافحة ترامب إلى سحبه للإمام بقوة، كنوع من موازنة القوة على مستوى الصورة على الأقل ([20]).
لكن تصبح الإهانة أكثر عمقاً وتأثيراً من تلك السلوكيات أو الإيماءات أو لغة الجسد المسيئة، عندما يتم استبعاد الخصوم أو إقصائهم من المشاركة في التفاعلات السياسية بغرض تهميشهم والحط من مكانتهم، على نحو يظهر في العلاقات الأمريكية-الروسية بعد انتهاء الحرب الباردة ([21]).
فقد استشعرت روسيا الإهانة عقب تفكك الاتحاد السوفيتي، من خلال استبعاد الولايات المتحدة لها من تشكيل النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة. وكرد رد فعل على ذلك، تمسكت سياسات الرئيس فيلاديمير بوتين باستعادة المكانة الروسية، خاصة أن السياسات الغربية تحولت من الاستبعاد إلى تجاهل الاحتياجات الأمنية لموسكو كتوسع حلف الناتو في دول شرق أوروبا، وهو ما شكل أحد دوافع الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022.
سعت أيضاً روسيا بالتحالف مع الصين إلى الدفع بنظام تعددي دولي لكسر الهيمنة الغربية، خاصة أن بكين تعرضت هي الأخرى لإهانات تاريخية من الغرب إبان ما يعرف بـ"حرب الأفيون" في القرن التاسع عشر، وهو ما يعني أن المُهانين قد يشكلون "تحالفات دولية" لدفع إساءات الاستبعاد التي قد تلحق بهم من الأطراف المُهينة، وهو ما يُذكِّر، مع اختلاف السياقات ومستوى القوة، بحركة عدم الانحياز التي ظهرت في خمسينيات القرن العشرين للاعتراض على سياسات التهميش أو التبعية التي سعت القوتان العظميان لفرضها إبان الحرب الباردة ([22]).
أخيراً، قد تُظهر الصور إهانات صريحة، لكنها قد تحمل معانٍ ضمنية مستنتجة. فصور تفجيرات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة بعثت برسالة إهانة واذلال صريح لأقوى دولة في العالم، حتى أن سياسة واشنطن كانت مدفوعة ضمناً بعد تلك التفجيرات باستعادة هيبتها ومكانتها كقوة عالمية، عندما سعت إلى غزو كل من أفغانستان والعراق. المفارقة أن واشنطن تعرضت لإهانة مضادة مع فشل تجربتها في العراق بسبب حالة الطائفية والإرهاب التي أعقبت سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، أو عودة حركة طالبان إلى السلطة بعد عقدين من الزمن في أفغانستان، حيث أظهرت الصور حينها فوضى الانسحاب الأمريكي في عام 2021، والذي بدا مُهيناً لها كقوة عالمية لم تنجح أساساً في بناء الدول والمجتمعات عبر الغزو العسكري لعدم إدراك الواقع المحلي المضاد لسياساتها ( [23]).
محفزات الإهانة.. القوة والشعبوية والفضاء الإلكتروني
ثمة عوامل قد تسهم في تشكل البيئة العامة المحفزة على الإهانة السياسية سواء أكانت صريحة أو ضمنية أو داخل الدول والمجتمعات أو في العلاقات فيما بينها، وهي لا تنفصل بالأساس عن سياقات اختلال علاقات القوة، فضلاً عن صعود الخطابات السياسية خاصة الشعبوية، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي كوعاء سياسي يُسهِّل انتشار الإهانات في المجال العام، وهو ما يمكن تفصيله كالآتي:
1- اختلال علاقات القوة: ترتبط الإهانة باختلال علاقات القوة بين الأطراف السياسية حال زيادتها أو نقصها أو تفاوت مستوياتها، حيث تصبح مكانة الأفراد أو الجماعات والدول، وقدرتهم على ممارسة تلك القوة رهينة بقدرتهم على ممارسة إهانات تجاه الآخرين، أي تتحول الإهانة إلى نوع من إظهار السلطة على الآخر، والتي لا تثبت بدونها. وبينما قد تدفع زيادة القوة طرفاً سياسياً لتوجيه الإهانات للآخرين لفرض سيطرته عليهم، فإن نقص القوة لا يمنع تحدى الأقوى وإهانته ([24])، لكن هنالك فارقاً في الحالتين، فزيادة القوة قد تجعل انتقال الإهانة من مجرد خطاب إلى تهديد فعلي ملموس لإذلال الطرف الآخر أكثر احتمالاً من نقصها.
يظهر ذلك جلياً في العلاقات بين الولايات المتحدة والدول التي تعارض معاييرها وسياساتها في السياسة العالمية، فزيادة القوة الأمريكية قد يحفز واشنطن على انتهاج سياسات إهانة كوصم الآخرين بالشر أو الإرهاب أو المروق، على غرار دول مثل: كوبا وكوريا الشمالية والعراق إبان حكم الرئيس الأسبق صدام حسين وليبيا إبان حكم الرئيس الأسبق معمر القذافي وإيران، وهو وصم لا يشوه صورة تلك الدول فحسب، وإنما يسعى لعزلها دولياً واخضاعها للمعايير الأمريكية، خاصة أنه يصاحبه استخدام لأدوات قسرية مثل فرض العقوبات على الدول المُهانة.
قد تتخذ الإهانة السياسية مساراً مرتبطاً بتدرجات اختلال علاقات القوة، فالأقوى قد يهين من هو أقل منه قوة وهذا الأخير قد يفعل الأمر مع الأضعف منه وهكذا دواليك، بما يعكس امتداد هيكل وتراتبية توازنات القوى من النظام الدولي إلى داخل المجتمعات، والتي قد تتعرض للإهانة من نظام تسلطي يعاني هو نفسه إساءات على يد قوة خارجية أقوى منه، في مفارقة تشير إلى تقلب مواقع أطراف الإهانة السياسية، أي أن المُهين قد يصبح مُهاناً، والعكس ([25]).
مع ذلك، قد تتحول الإهانة المضادة لرموز السلطة داخل الدول إلى أحد أدوات موازنة قوتها، كحال الإهانات الصريحة والضمنية التي تطلقها المجتمعات تجاه تلك الرموز بغرض تحديها سياسياً، وهو أسلوب قد تلجأ له المعارضات السياسية بأشكال مختلفة في النظم التسلطية أو الديمقراطية. فقد لاحظ البعض مثلاً أن نواب أحزاب المعارضة في البرلمان التركي كانوا أكثر استخداماً للاهانات في الخطاب السياسي مقارنة بأحزاب السلطة. بدت الإهانة هنا، كآلية سياسية للخصم من شرعية السلطة عبر تشويهها أمام مؤيديها وبالتالي موازنتها أمام المجتمع، وفي الوقت نفسه رفع أسهم المعارضة لدى الجمهور، أو حتى للتغطية على إخفاقاتها في أعقاب عقد الانتخابات ([26]).
2- صعود الخطابات الشعبوية: حفز صعود الخطابات الشعبوية في السياسة العالمية على انزلاق لغة السياسيين إلى مستوى الإهانات التي تدور في النزاعات اليومية بين الافراد في الشارع. إذ يلجأ بعض القادة الشعبويين إلى الألفاظ والإيماءات والسلوكيات المسيئة في محاولة للوصول إلى الجمهور، على أساس منطق شعبوي يعتبر النخب والمؤسسات العدو الأساسي للشعب، ومن ثم يمقتون طريقة تفكيرها وخطاباتها "الاستعلائية"، حيث يرونها سبب الأزمات الداخلية أو الخارجية.
وفي غمار تصوير القادة الشعبويين لأنفسهم على أنهم المنقذين لبلادهم من الأزمات، فإنهم يعمدون إلى لغة مليئة بالمبالغات والغطرسة والتحريض والإساءة للآخرين، لتأكيد هويتهم كقادة ينتمون إلى طريقة تفكير الناس العاديين. لكن تجنباً للتعميم والاختزال، من الأهمية التفرقة بين الشعبوية اليمينية التي تتبنى نهجاً مضاداً للتعددية والعزلة كترامب وأوربان وبولسونارو والشعبوية اليسارية التي تفضل استيعاب الآخر وتدعم بناء نظام دولي تضامني مثل لولا داسيلفا في البرازيل ([27]).
ما يحفز السياسيين الشعبويين أكثر على استخدام الإهانة في خطاباتهم أنها قد لا ترتب أحياناً آثاراً وخيمة عليهم بما يجعلهم يحدون منها، بل العكس فقد يستفيدون منها في توسيع قاعدتهم الانتخابية. على سبيل المثال، لم يمنع استخدام ترامب للغة مهينة ضد خصومه في الانتخابات الرئاسية فوزه بها لمرتين في الولايات المتحدة. المعضلة أن الطرف المُهان قد يُعرض عن الرد على تلك الاهانات فيظهر كضعيف أو يلجأ للإهانة المضادة فيخسر معها صورته أمام أنصاره، وهي إشكالية واجهت هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، حيث لم ترد على إهانات ترامب بالتركيز على شخصه ومظهره، إنما ركزت على تصريحاته وأفكاره ([28]).
3- انتشار وسائل التواصل الاجتماعي: أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي بما تملكه من قدرة تقنية واسعة على إنتاج وتدوير الخطابات في نشر الإهانات على نطاق واسع عبر الرموز والرسوم والفيديوهات وغيرها. عزز من ذلك أن الفاعلين السياسيين باتوا على اختلاف توجهاتهم يقبلون على المنصات الاجتماعية لتسويق الأفكار السياسية وحشد الجمهور، وهو ما أفقد نسبياً الخطاب السياسي هيبته، خاصة مع لجوء البعض على تلك المنصات إلى مجاراة عواطف الجمهور والتركيز على مشاعرهم أكثر من الأفكار والحقائق.
تسببت أيضاً إمكانية التفاعل اللحظي الإلكتروني مع الاهانات الموجهة من طرف إلى آخر في نشوب معارك لفظية متبادلة امتدت إلى أنصارهم، حيث يحشد كل طرف أولئك الأنصار للرد الفوري على الإهانات، من خلال التعليقات أو البوستات المسيئة المضادة التي قد تستخدم فيها الإهانات سواء بنمطيها الصريح أو الضمني من أجل الوصم والتشهير بالآخر. المعضلة أيضاً أن عملية دحض الرواية المسيئة على منصات التواصل الاجتماعي قد تسهم في انتشارها، وفي الوقت نفسه فإن تجاهلها قد ينظر له كعجز عن الرد على التشويه ([29]).
هنا، تحلل إحدى الدراسات تغريدات سياسيين إيطاليين بين عامي 2020 و2022 في موقع تويتر - إكس حالياً ([30])، حيث عمدوا إلى مدح أنفسهم، في مقابل تشويه الآخر من خلال إهانات مباشرة وغير مباشرة، فيما سيطر الخطاب العاطفي على مضامين تلك التغريدات، دون تقديم حجج معقولة.
آثار الإهانة.. العنف والاستقطاب والإذلال
تثير الإهانات السياسية الشعور بالغضب وتنشر الاستقطابات، وقد تدفع المُهان إلى الرد الفوري أو حتى التخطيط للثأر لرد الإهانة أو ممارسة العنف المضاد تجاه الطرف المُهين. لكن تلك الآثار المحتملة تتوقف على حدة الإهانة وطبيعتها وأهدافها وسياقاتها. يمكن طرح بعض الآثار المحتملة لانتشار الإهانات سواء داخل الدول والمجتمعات أو في العلاقات فيما بينها كالآتي:
1- احتمالات العنف المادي: أول الآثار المحتملة للإهانة يكمن في تحفيزها للعنف بين أطرافها، فالإهانة في حد ذاتها طاقة من العنف الرمزي (عدوان لفظي وخطابي واستغلال لضعف الطرف الآخر) قد تتحول إلى سلوكيات عنيفة مادية بين الأفراد، كأن ينتقل تبادل السباب والشتائم بين الأفراد إلى تشابك بالأيدي وقد يصل أحياناً إلى جرائم قتل. لكن انتقال هذا الأثر العنيف إلى المجال السياسي قد يتحدد وفقاً لطبيعة الإهانة وحسابات موازين القوى والكلفة والعائد من الرد على تلك الإهانة بسلوكيات عنيفة، ناهيك عن الأهم وهو مدى وجود سياق نزاعي له مسببات موضوعية تتعلق بتناقض المصالح أو وجود تهديدات حيوية بما يستدعي استخدام العنف من عدمه.
في حال كانت الإهانة لفظية أو إيمائية فقط، فإن الرد العنيف قد يكون أقل احتمالاً، حيث يصبح معيار التناسب حاكماً في الردود عليها بين الدول والجماعات. فعندما سخر ترامب من رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون في عام 2017، ووصفه برجل الصواريخ الصغيرة، وتفاخر بأن زره النووي أكبر وأقوى منه، رد عليه كيم بأنه مختل ورجل عجوز وضعيف. لكن ذلك لم يقود للعنف بين قوتين تملكان سلاحاً نووياً، بل إن القيادتين عقدتا اجتماعاً بعدها في عام 2018 ([31]).
عندما تكون الإهانة ذات طبيعة سلوكية عنيفة مثل هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 الذي نظرت له إسرائيل كانكشاف مُهين لاستراتيجيتها في الردع أمام مجتمعها ومحيطها الإقليمي، فإن الرد عليها كان أكثر عنفاً حتى أنه بلغ إبادة الفلسطينيين وتجويعهم في غزة. بل إن الرد الإسرائيلي على الإهانة توسع لتحقيق أغراض سياسية أخرى كالضغط لتهجير الفلسطينيين من غزة، وإضعاف أذرع إيران في لبنان واليمن وسقوط نظام بشار الأسد، بل وإيران نفسها، على نحو كرره نتنياهو أكثر من مرة في تصريحاته، عندما تحدث عن تغيير وجه الشرق الأوسط بعد السابع من أكتوبر بدعم أمريكي.
قد تكون الإهانة مزيجاً بين اللفظ الصريح والسلوك العنيف، لكن الرد عليها قد يكون مرتبطاً بحسابات موازين القوى، أي يجمع بين الحسابات الواقعية، والتعامل مع الإهانات بطريقة محسوبة لحفظ الحد الأدنى من الكرامة، وبالتالي شرعية السلطة أمام الرأي العام الداخلي. هنا، يمكن الاستدلال بالتعامل الإيراني مع إهانات ترامب، خلال حرب الـ12 يوماً مع إسرائيل في يونيو الماضي، عندما طالبها بالاستسلام غير المشروط والتخلي عن تخصيب اليورانيوم، ثم هاجم بالفعل منشآتها النووية.
ردت إيران بـ"هجوم رمزي" استهدف قاعدة العديد الأمريكية في قطر، كرسالة متعددة الأوجه، تحفظ من خلالها قدراً من كرامتها أمام المجتمع ومن ثم تأمين شرعية النظام السياسي، وتحذر في الوقت نفسه من إمكانية بلوغ الخيار الصفري مستقبلاً عبر استهداف مصالح واشنطن في الخليج، فضلاً عن تجنب الدخول في مواجهة شاملة مع واشنطن تدرك فيها طهران أن موازين القوة ليست لصالحها، في ظل الدعم الخطابي لا السلوكي لها من قوى كبرى كروسيا والصين، وأخيراً، عدم الممانعة ضمناً في إبقاء الباب موارباً أمام المفاوضات بشروط لا تنطوي على استسلام إيراني.
2- نشر الاستقطاب السياسي: تطرح انتشار الإهانات السياسية في المجال العام آثاراً غير مباشرة من قبيل نشر مشاعر الخوف والترهيب والكراهية، بل قد تصل آثار الإهانة إلى استغلالها في محاولة تقويض الحقوق السياسية للآخر، كحال الإهانات التي وجهها ترامب مؤخراً إلى زهران ممداني الذي فاز في الانتخابات التمهيدية على منصب عمدة نيويورك، واصفاً إياه بمجنون شيوعي، ومهدداً باعتقاله وترحيله بسبب خطابه المعارض لسياساته وإسرائيل، وهو نمط من الإهانات الذي يستهدف منع الخصوم من القيام بتغييرات سياسية مؤسسية قد لا تكون في صالح الطرف المُهين.
تُعمِّق الإهانة الاستقطاب داخل المجتمعات في مراحل الانتقال السياسي بعد الثورات مثلما الحال في بلدان عدة في المنطقة كمصر وتونس وليبيا واليمن وغيرها، حيث انتشرت في تلك المراحل الإهانات اللفظية والسلوكية المتبادلة بين الخصوم، فبرزت ألفاظ مسيئة كالفلول والخرفان والشبيحة والعملاء والخونة وغيرها ([32])، مما أسهم في زيادة الاستقطاب السياسي، خاصة مع تغذية خطابات الإهانة من قبل وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية. فقد سعى كل طرف سياسي لتوظيف الإهانة للخصوم في تعزيز الولاءات بين أنصاره وإشعار المُهان بضعف هويته وعجزه عن الدفاع عن انتماءاته. أي أصبحت الإهانة إحدى وسائل ممارسة السلطة وزيادة الشرعية والسيطرة على الحدود الاجتماعية والهوياتية للمجموعات المتنافسة.
دلل ذلك على إشكالية عدم التعايش السياسي داخل دول المنطقة، ليس فقط بين النخب المتنافسة على السلطة والثروة، لكن على مستوى المجتمعات بما أفقد الأخيرة الثقة في المجال العام. ومع انتشار الإهانة في المجتمعات، فإنها قد تنتقل إلى الإساءة إلى عقول الأفراد أنفسهم عبر نشر المعلومات المغلوطة أو الترويج لنظريات المؤامرة ضد الآخر، أي تستهدف الإهانة هنا العقل الجماعي عبر إغراقه بالأكاذيب والأساطير السياسية، وهو نوع من الحط من قدر المخاطبين، وقيمتهم لدى المتكلمين.
3- التحول إلى الإذلال: لا تقف إهانة طرف سياسي لآخر، عند حدود إحداث الضرر النفسي والاجتماعي له أمام جمهوره، إنما قد يكون هدفها الأخير تحويله إلى "طرف ذليل"، أي ضعيف أو منقاد أو عاجز عن رد العدوان عليه، بما قد يدفعه إلى قبول أهداف الطرف المُهين. لذلك، تُستخدم مفردتا الإهانة والإذلال بشكل مترابط، ومتداخل في الخطابات العامة. لكن بلوغ وضعية الإذلال سواء للأفراد أو الجماعات أو الدول لا تأتي فقط، عبر عدم مقاومة الإهانات الموجهة لهم، إنما أيضاً عبر سياقات أخرى كالقهر أو الفقر أو التفاوت أو الارتهان للآخر وغيرها.
هنا، يقارب المفكر الفرنسي برتران بديع في كتابه "زمن المذلولين" معنى الإذلال السياسي من منظور اختلال القوة وهياكلها في النظام الدولي بأنه نوع من الفرض التسلطي الذي يدفع بمكانة الفاعل السياسي مثل الدولة إلى مرتبة أدنى لا يتمناها، ولا تطابق المعايير المعلن عنها في العلاقات الدولية ([33]).
تتفاقم آثار هذا الإذلال عندما يكون مقننا من خلال اتفاق سياسي، بما ينذر بالثأر والانتقام على المدى البعيد. يطرح تاريخ العلاقات الدولية أمثلة موحية لذلك، كمعاهدة فرساي التي فرضت على ألمانيا في عام 1919 بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، حيث قبلت تلك المعاهدة التي تضمنت تقييد جيشها، وإجبارها على دفع تعويضات للمنتصرين.
قاد الإذلال المقنن لألمانيا إلى صعود هتلر والنازية كرد فعل ثأري بلغ حد إشعال الحرب العالمية الثانية، إلا أن الوعي بالدرس التاريخي لمعاهدة فرساي فضلاً عن الطبيعة المهيكلة للنظام الدولي بعد 1945، دفعت المنتصرين في الحرب العالمية الثانية إلى "التمييز بين النظام المخلوع والبلد المهزوم" وفقاً لبديع ([34]). أضف لذلك، إطلاق مشروع مارشال الأوروبي للحد من محفزات الثأر للهزيمة لدى الألمان، أي بمعنى آخر الوصول إلى نوع من "الإذلال المحسوب" الذي لا يقود إلى عودة دائرة العنف مرة أخرى.
ليست الهزيمة في الحرب فقط من تقود إلى الإذلال السياسي، بل هنالك عوامل أخرى عديدة تسهم في بناء تلك الوضعية، كالاستعمار الغربي للدول الأفريقية أو السياسات الامبريالية الحديثة في الهيمنة على مقدرات الدول المستقلة التي تصبح سياساتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية معتمدة على الخارج. تلك العوامل قد تخلق إذلالاً بنيوياً يشل قدرة البنى السياسية والمؤسسية داخل الدول والمجتمعات على مواجهة الإهانات الموجهة لها.
بذلك، تصبح الدول أو الجماعات "ذليلة أو خاضعة" سياسياً، عندما تقبل بما يتم إملائه عليها من الآخرين، حتى لو تعارض مع مصالحها، أو تفقد القدرة على استقلالية قراراها الوطني لصالح قوى خارجية تهيمن على مقدراتها، أو تتراجع مكانتها إلى وضع لا يناسب مقدراتها. لهذا، ثمة علاقة وثيقة ومتداخلة بين الإهانة والإذلال في المجال السياسي، فالأولى قد تقود للثاني حال عدم مقاومتها، والعكس صحيح، فالمذلولون سياسياً أكثر عرضة للإهانة من غيرهم.
الأكثر خطورة أن تقود الإهانة إلى القابلية للإذلال، فمع تعرض الفاعلين السياسيين لإهانات مستمرة دون قدرة على الرد أو المقاومة للحد منها، فقد يخلق ذلك بمرور الزمن استعداداً أو قابلية للخضوع، أي تعديل توجهاتهم وسلوكياتهم رضوخاً لأهداف الطرف المُهين، بما قد يؤدي إلى الاعتياد الإدراكي والسلوكي على وضعية الذل ([35])، على نحو يعبر عنه المفكر المغربي المهدي المنجرة بقوله: "الذل الأكبر في نهاية المطاف، عندما لا نعود عارفين لمعنى الذل" ([36])، أي لا ندرك أن الخطاب أو السلوك المُهين قد يحولنا بمرور الزمن إلى أذلاء صاغرين، وحتى إن أدركنا ذلك قد نبتلعه في صمت، أو شكر الطرف المُهين، كحال تلك المربية "المغفلة" في قصة تشيخوف التي أشرنا لها في استهلال هذا التحليل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 4 ساعات
- نافذة على العالم
إقتصاد : ترامب ينفي سحب الدعم الحكومي لشركات إيلون ماسك
الخميس 24 يوليو 2025 10:20 مساءً نافذة على العالم - مباشر: نفى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صحة ما يُتداول حول نيته سحب الدعم الحكومي المقدم لشركات رجل الأعمال إيلون ماسك، مؤكداً أن هذا الادعاء غير صحيح. يأتي ذلك في أعقاب هجوم حاد شنه ماسك على ترامب بسبب دفاعه عن وزيرة العدل السابقة بام بوندي، ودورها في التعامل مع قضية الممول الراحل جيفري إبستين، المدان بجرائم استغلال جنسي للقاصرات. وعبر منصة "إكس"، التي يمتلكها ماسك، أعاد نشر تغريدة لمستخدم انتقد فيها منشور ترامب على موقع "تروث سوشيال"، وكتب ماسك معلقاً: "هذا المنشور مرشح لجائزة أسوأ منشور على الإطلاق"، مضيفاً: "نعم، بجدية". وانتقد ماسك استخدام ترامب المتكرر لاسم إبستين في منشوره، في الوقت الذي دعا فيه للتوقف عن الحديث عنه، مطالباً بالكشف عن الملفات كما تم التعهد سابقاً، في إشارة إلى تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية. وفي منشور آخر، وصف ماسك القضية بأنها "بالغة الأهمية"، قائلاً: "أي نظام نعيش فيه إذا كانت الحكومة تمتلك مقاطع فيديو لمعتدين على آلاف الأطفال، ولا أحد يُحاسب؟". وكان ترامب قد دافع في منشور مطول على "تروث سوشيال" عن بام بوندي، مشيداً بأدائها، ومتهماً خصومه السياسيين بمحاولة تقويض فريقه عبر استغلال قضية إبستين. وأشار إلى أن المذكرة التي أصدرتها بوندي خلصت إلى عدم وجود قائمة عملاء لإبستين، ولا دلائل على وجود شبهة جنائية في وفاته عام 2019، التي صنفت على أنها انتحار. كما لمح ترامب إلى أن بعض خصومه السياسيين يستخدمون قضية إبستين كأداة لتأليب الرأي العام ضده، متهماً منتقديه بالسعي لإثارة الفتنة داخل صفوف أنصاره. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال آبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية.. اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك المصرية.. تابع مباشر بنوك مصر.. اضغط هنا ترشيحات هاني جنينه: برنامج مصر مع صندوق النقد بـ8 مليارات دولار مقسمة إلى 8 مراجعات السيسي يؤكد استمرار جهود مصر المكثفة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة


أهل مصر
منذ 8 ساعات
- أهل مصر
ترامب يواجه تعميقًا لأزمته السياسية مع ظهور اسمه في ملفات إبستين
يواجه الرئيس دونالد ترامب مأزقًا سياسيًا متزايدًا بعد الكشف عن ورود اسمه في ملفات رجل الأعمال جيفري إبستين، الذي أدين بتهم تتعلق بالاتجار بالفتيات والجنس. وقد أبلغت وزيرة العدل الأمريكية، بام بوندي، الرئيس بهذا الأمر منذ مايو الماضي، وهو ما يثير المزيد من المطالبات بالكشف عن جميع المعلومات الواردة في هذه الملفات. وأفادت مصادر مطلعة في واشنطن أن التحذير الذي وجهته بوندي لترامب بشأن ظهور اسمه في وثائق قضية إبستين قد يلحق ضررًا سياسيًا بالغ الخطورة به. وقد وصف مسؤولان في البيت الأبيض المحادثة، التي حضرها أيضًا نائب وزيرة العدل تود بلانش، بأنها "إحاطة روتينية" حول عمل الوزارة، ولم تقتصر على مناقشة اسم ترامب وحده. كما أشارت بوندي إلى أن أسماء شخصيات بارزة أخرى وردت في الملفات المتعلقة بإبستين، والذي توفي في السجن عام 2019. وأكدت الوزيرة أن المحققين لم يعثروا على قائمة عملاء لإبستين، أو أدلة على أن انتحاره لم يكن السبب وراء وفاته، وهما نقطتان أساسيتان في نظرية المؤامرة التي يروج لها بعض أنصار "فلنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى". وعلى الرغم من عدم وجود دليل على تورط ترامب في أي مخالفات أو علمه بالأنشطة الإجرامية لإبستين عندما كانا جزءًا من نفس الدائرة الاجتماعية قبل عقود، إلا أن التكهنات حول طبيعة الإشارات إلى الرئيس في ملفات التحقيق قد ازدادت. تصاعد الضغط من الكونغرس تفاقم الصداع السياسي لترامب بعد تصويت لجنة الرقابة ذات الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب على استدعاء وزارة العدل للحصول على ملفات تتعلق بإبستين. هذا التصويت يشير إلى رغبة بعض الجمهوريين في الكشف عن المزيد من المعلومات، بما في ذلك استدعاء شريكة إبستين، غيسلين ماكسويل، التي تقضي عقوبة بالسجن لمدة 20 عامًا. وانضم النواب الجمهوريون نانسي ميس، وسكوت بيري، وبريان جاك إلى الديمقراطيين في تمردهم على قيادة رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الذي حاول الحد من تداعيات هذه القضية على ترامب. محاولات لصرف الأنظار حاول ترامب صرف الأنظار عن هذه القضية من خلال توجيه اتهامات للرئيس السابق باراك أوباما بالخيانة. واستعان بمديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، التي اتهمت أوباما بإثارة قضية التدخل الروسي في انتخابات عام 2016 بهدف تدمير رئاسة ترامب الأولى. جاء الكشف عن ورود اسم ترامب في ملفات إبستين كدليل على فشله في احتواء تداعيات قضية إبستين، التي أصبحت تشكل التحدي الأخطر لسلطته على قاعدة "فلنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى". تزداد التساؤلات حول الخطوات التي سيتخذها ترامب لتهدئة هذه العاصفة ومنعها من طغيانها على النجاحات السياسية والاقتصادية والقضائية التي حققتها إدارته مؤخرًا، مثل الصفقات التجارية الضخمة مع اليابان والفلبين، والانتصارات القانونية التي سمحت له بتحقيق وعود انتخابية رئيسية. سياق جديد للجدل في محاولة لاحتواء الأزمة، صرح مدير الاتصالات في البيت الأبيض، ستيفن تشيونغ، بأن ترامب طرد إبستين من ناديه في مارالاغو بعد اعتباره "شخصًا غريب الأطوار". ومع ذلك، فإن تفاصيل إحاطة بوندي، التي كشفت عنها صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" أولًا، قدمت سياقًا جديدًا للجدل السياسي حول ملفات إبستين، خاصة وأن بوندي أعلنت منذ مدة أن قائمة عملاء إبستين موجودة على مكتبها. لم يكن مفاجئًا ورود اسم ترامب في ملفات إبستين، نظرًا للصداقة السابقة المعروفة بينهما وظهورهما معًا في مناسبات عدة. كما تم تضمين اسم ترامب في سجلات رحلات طائرة إبستين التي نشرتها بوندي في وقت سابق من هذا العام. لكن الكشف الذي حدث يوم الأربعاء يمثل تحديًا سياسيًا صعبًا لترامب، حيث يجدد التكهنات بأن رفض الإدارة الإفراج عن وثائق إبستين، كما وعد كبار مساعديه خلال حملته الانتخابية، مدفوع بمحاولة للتستر. ستزداد الآن التكهنات حول طبيعة الإشارات إلى ترامب، وما إذا كانت ستعزز التساؤلات حول ما إذا كان ترامب على علم بأي شيء عن التهم التي وجهت إلى إبستين لاحقًا، خاصة وأن ترامب بدا خلال الأسابيع الأخيرة وكأنه ينكر أن بوندي أخبرته بوجود اسمه في ملفات إبستين، التي ادعى لاحقًا أنها من تأليف أوباما. يُمثل هذا الجدل المتزايد اختبارًا لسبب سرية مواد هيئة المحلفين الكبرى وغيرها من الوثائق، والذي يعود جزئيًا إلى الحاجة إلى حماية سمعة الأشخاص، بمن فيهم الشهود والضحايا والأطراف الثالثة البريئة، الذين يتم تحديد هوياتهم أثناء التحقيق ولكن لم توجه إليهم أي اتهامات.


صوت الأمة
منذ 8 ساعات
- صوت الأمة
ترامب يكذب تدميره لشركات إيلون ماسك بسحب بعض الدعم من الحكومة
قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب "إنه ليس صحيحا أننى سأدمر شركات إيلون ماسك بسحب بعض الدعم الذى يتلقاه من الحكومة الأمريكية أو كله". يذكرأن، هاجم الملياردير الأمريكى ايلون ماسك، الرئيس دونالد ترامب بسبب دفاع الأخير عن وزيرة العدل بام بوندى وطريقة تعاملها مع القضية المتعلقة بـ جيفرى ابستين الممول سيئ السمعة المدان بجرائم استغلال جنسى للقاصرات. فى منشور على منصة اكس التى يمتلكها، رد ماسك على مستخدم آخر نشر لقطة شاشة لبيان ترامب على موقع تروث سوشيال وكتب: "هذا المنشور مرشح لجائزة أسوأ منشور على الإطلاق"، وقال ماسك: "نعم، بجدية"، موافقًا على الرأى بشأن منشور ترامب. واضاف ماسك: "لقد كرر كلمة "إبستين" ست مرات، طالبًا من الجميع التوقف عن الحديث عنه.. أفرجوا عن الملفات كما وعدتم"، فى إشارة إلى ترامب وإدارته. بعد دقائق، رد ماسك على منشور منفصل وصف قضية إبستين بأنها "نقطة ضعف ترامب"، منتقدا الرئيس الأمريكى لتعهده بالإفصاح عن الملفات خلال حملته الانتخابية، ثم استخفافه بأهمية القضية. رد ماسك: "هذه قضية بالغة الأهمية.. أى نظام نعيش فيه بحق الجحيم إذا كان آلاف الأطفال قد تعرضوا للإساءة، والحكومة لديها مقاطع فيديو للمعتدين، ومع ذلك لا يواجه أى منهم اتهامات!؟" فى وقت سابق، لجأ ترامب إلى موقع "تروث سوشيال" ليدافع عن بام بوندى وزيرته للعدل والمدعى العام الأمريكى التى خضعت للتدقيق منذ أصدرت مذكرة خلصت إلى أن إبستين لم يحتفظ بما يسمى "قائمة عملاء الشخصيات البارزة"، وخلصت المذكرة إلى عدم وجود دليل يشير إلى وجود شبهة جنائية فى وفاة إبستين عام 2019، والتى حددت سابقا على أنها انتحار. وقف ترامب إلى جانب بوندى وجدد دعمه لمدعيته العامة فى منشور مطول، كتب فيه: "دعوا بام بوندى تؤدى عملها - إنها رائعة!.. ماذا يحدث مع "أبنائي"، وفى بعض الحالات، "بناتي"؟ جميعهم يهاجمون المدعية العامة بام بوندى، التى تقوم بعمل رائع! نحن فى فريق واحد، "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، ولا يعجبنى ما يحدث. لدينا إدارة مثالية، حديث العالم، و"أنانيون" يحاولون الإضرار بها، بسبب رجل لا يموت أبدًا، جيفرى إبستين" وألمح إلى أن بعض خصومه السياسيين "صنعوا" ملفات إبستين، وأن غضب بعض أعضاء حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" بشأن الوثائق المتعلقة بالقضية هو بالضبط ما يبحث عنه منتقدو ترامب منذ فترة طويلة.