
في خطوة كانت مستحيلة.. 'المركزي' يحاصر مؤسسات 'الحزب'
فاجأ حاكم مصرف لبنان كريم سعيد بعض الأوساط بإصداره التعميم الرقم 170 والذي منع بموجبه المصارف من التعامل مع عدد من المؤسسات وفي طليعتها مؤسسة 'القرض الحسن' التابعة لـ'حزب الله'.
المفاجأة لم تكن بحيثيات التعميم لأن أياً من المصارف اللبنانية لا يتعامل مع 'القرض الحسن' كونها خاضعة للعقوبات الأميركية، لكن الجديد تمثّل في إقدام حاكم 'المركزي' على إصدار تعميم يُعدّ بمثابة قانون في لبنان يجرّم التعامل مع مؤسسة تابعة لـ'حزب الله' بما يعني البدء بمحاصرة مؤسسات الحزب داخلياً، في خطوة كانت مستحيلة قبل الحرب الأخيرة على 'حزب الله' وإضعافه ومحاصرته.
وفي هذا الإطار، يؤكد مطلعون على مسار السياسات المالية والنقدية في لبنان في حديث لـ'وكالة أخبار اليوم' أن مصرف لبنان يستمر بالسياسات البراغماتية منذ أيام الحاكم الأسبق رياض سلامة وحتى اليوم من دون أي تغيير استراتيجي في السياسات العامة التي وضعها سلامة. فحتى تطبيق العقوبات الأميركية على 'حزب الله' كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تأخذ في الاعتبار الأوضاع الداخلية اللبنانية وموازين القوى ولا تطلب من سلامة ما لا يمكن تحمّله من إجراءات، أما حين بات بالإمكان اتخاذ مثل التعميم الذي صدر بعد إضعاف الحزب ضغط الأميركيون وحصلوا عليه، وهو ما كان مستحيلاً إصداره قبل سنة على سبيل المثال.
لا بل إن الأخطر في مسيرة سلامة تمثل في التعامل بحرفية وذكاء قلّ نظيرهما في العام 2016 مع فرض العقوبات على 'حزب الله'. يومها أشرف سلامة على عملية إخراج الحزب ومموليه من القطاع المصرفي اللبناني من دون أي خضة تُذكر ومن دون جرّ البلد إلى مواجهات داخلية نتيجة تطبيق العقوبات الأميركية.
وبالمنطق إياه يستمرّ مصرف لبنان اليوم بالسياسات العامة التي كان وضعها رياض سلامة، بدءًا بتثبيت سعر الصرف للدولار الواحد على سعر 89500 ليرة الذي أرساه سلامة في آذار 2023 وحافظ عليه من بعد انتهاء ولايته الحاكم بالإنابة وسيم منصوري واليوم يحافظ عليه الحاكم سعيد، وليس انتهاء بالتعاميم التي أصدرها سلامة للحفاظ على حقوق المودعين والسحوبات بالمناصفة من المصارف اللبنانية والمصرف المركزي، ويتم رفع قيمة السحوبات كلما ارتفع منسوب الاحتياطي الذي يجمعه مصرف لبنان بالأساليب نفسها عبر لمّ الدولارات من السوق كلما توفّر له ذلك. لا بل إن إصدار سعيد للتعميم 169 قبل أسابيع قليلة أتى لينصف الاستراتيجية التي وضعها سلامة قبل أكثر من 4 أعوام بما يحافظ على أموال المودعين والتي شرطها الحفاظ على القطاع المصرفي.
ويجزم المطلعون على أنه لولا الخطيئة الكبرى التي ارتكبها الثنائي ميشال عون- حسان دياب في آذار 2020 بالتخلّف عن دفع سندات لبنان السيادية لما حصل الانهيار الذي شهده لبنان، ولكان بالإمكان تفادي السيناريو الأسوأ الذي وقع يومها والذي لا نزال نشهد ارتداداته حتى اليوم.
يبقى السؤال: متى يمكن إنصاف رياض سلامة الذي أدار أخطر أزمة في التاريخ اللبناني بأقل قدر ممكن من الأضرار، لا بل وساهم في إعادة العجلة الاقتصادية الى الدوران رغم امتناع الحكومات المتعاقبة عن القيام بأي إصلاح فعلي؟ يؤكد المتابعون أن إنصاف سلامة بات قريباً بعدما اعترف المعنيون ضمناً بأنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان في ظل كل الظروف التي مرّ بها لبنان، لا بل إن إدارة الأزمة كما فعل سلامة نجحت بشكل فاق كل التوقعات…

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون ديبايت
منذ ساعة واحدة
- ليبانون ديبايت
"المرحلة صعبة وتقتضي التبصّر"... العريضي: زيارة باراك "الغامضة" بين التهدئة والانفجار!
"ليبانون ديبايت" رأى الكاتب والمحلل السياسي وجدي العريضي، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أن "زيارة الموفد الأميركي توماس باراك إلى لبنان يكتنفها الكثير من الغموض، وتشبه إلى حد بعيد تلك الزيارة الأخيرة التي سبقتها والتي قام بها آنذاك الموفد الأميركي آموس هوكشتين، إذ بعد مغادرة لبنان اندلعت الحرب، وكان العدوان الإسرائيلي الأبرز في تاريخ الحروب التي مرت على البلد. ولكن وفق المعلومات والمعطيات التي يملكها العريضي، هناك استبعاد كلي لأي عدوان مماثل، وإن لم تكن زيارة باراك ناجحة. لكن حزب الله يحاول المناورة السياسية، ودائمًا هذا حق في التفاوض لأي طرف أو حزب أو ميليشيا، بمعنى أنه يريد أن يقول لبيئته الحاضنة إنه انتزع حقه من خلال إعادة الإعمار ورفع العقوبات عنه، ومن ثم عدم تصنيفه إرهابيًا، وسواها من المطالب التي كانت في حوزة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأفضى بها أمام الموفد الأميركي. وأضاف: "لكن السلاح سيسلّم لأن الحزب يدرك سلفًا أنه لا مناص من ذلك، والقرار المتخذ بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو أنه في حال لم يسلّم السلاح، هناك غطاء من واشنطن من أجل أن تجتاح إسرائيل الجنوب وتقضي على ما تبقى من البنية العسكرية لحزب الله، في ظل التحولات الأخيرة بعد الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، وسقوط النظام السوري، وكل ما يحصل في المنطقة". وعلى هذه الخلفية، قال: "إن لقاء عين التينة، أو 'الكنافة بالجبن'، كان إيجابيًا، وخلال الأيام القليلة المقبلة تتبلور الصورة ويُبنى على الشيء مقتضاه. إنما كل الاحتمالات واردة". وفي سياق متصل، أشار العريضي إلى أن "الحكومة ستجري الانتخابات النيابية، وقد سمعتها من الرئيس نواف سلام، مهما كانت الظروف والأجواء، كحال الانتخابات البلدية. وثمة خطوات إصلاحية انطلقت، لأن الجميع، وتحديدًا الخليج، يطالب بإطلاق الورقة الإصلاحية، على صعد البُنى المالية والإدارية والمؤسساتية ومكافحة الفساد". وتابع: "هناك خطوات كبيرة تُجرى على هذا الصعيد، إذ يجب أن لا تكون هناك استنسابية في ملاحقة الفاسدين والمرتكبين والمرتَشين، لأي حزب أو تنظيم أو تيار أو قوة سياسية، ومهما كان حجمهم. وحسنًا فعل النائب فريد البستاني، الذي يُسجّل له هذا الدور الذي يضطلع به من أجل ملاحقة الفاسدين، بعيدًا عن أي اعتبارات وخصوصيات". ولفت إلى أن "الحكومة بدأت بخطوات كبيرة من خلال الدور الذي يقوم به وزير الأشغال والنقل فايز الرسامني، ومن خلال هذا الدور والإصلاحات، وستصدر خطوات قريبة على صعيد المراقبين الجويين، وبات المطار من أبرز المطارات في المنطقة بفعل دور الوزير رسامني والعملية الإصلاحية التي يقوم بها على هذا الصعيد". أما على صعيد حرب السويداء وما يحصل، فيقول العريضي بصراحة متناهية: "علينا في لبنان أن ننتمي إلى هذا الوطن، إلى الدولة، إلى الجيش، إلى المؤسسات، لا إلى الطوائف ولا إلى الزعامات، وأن نتّعظ من الحروب التي مرّ بها البلد". واستكمل: "ثمّة مواقف يُبنى عليها في هذا الصدد من قبل البعض الذين لعبوا دورًا وطنيًا كبيرًا لإبعاد شبح الفتنة. فكفانا حروبًا، لا سيما في الجبل، فإسرائيل قصفت الدروز والمسيحيين، وكان لها دور سيئ، وبالتالي الأحزاب وأمراء الطوائف لم يقصروا بكل ما قاموا به. فآن الأوان أن تعيش الناس بأمان وارتياح". وقال: "المسألة في سوريا إقليمية دولية، صراع درزي - درزي إقليمي. فأين نحن من كل هذه الصراعات؟". وتابع: "أسجل لبعض نواب السنة دورهم وحضورهم على هذا الصعيد الوطني، أكان النائب اللواء أشرف ريفي، الذي يقوم باتصالات ولقاءات مع القيادات الدرزية، إضافة إلى النائب إيهاب مطر، الذي بدوره يتخذ مواقف وطنية تصب في خانة الدولة ومؤسساتها، والأمر عينه للنائب وليد البعريني. أما نائب بيروت نبيل بدر، فلا يزال، باعتقادي، اليوم الأبرز على الساحة السنية في العاصمة، ومواقفه أيضًا مشرفة، ما يعني أننا لن ندخل في أي صراع درزي – سني كما يصوره البعض، فهذا ليس تاريخنا". وختم العريضي بالقول: "المرحلة صعبة ومعقدة، وتقتضي التبصّر والرأي السديد بعيدًا عن الإنشائيات والمصالح والزعماء وسواهم. فآن لنا أن نعيش بسلام".


صوت لبنان
منذ 2 ساعات
- صوت لبنان
مخزومي استقبل براك: لترسيم كامل لكافة الحدود وإصلاح بنيوي عميق
استقبل النائب فؤاد مخزومي المبعوث الأميركي السفير توم باراك إلى مأدبة عشاء في دارته، بحضور عدد من النواب والوزراء، وتم التأكيد على ما يلي: - نجتمع معًا لنُكرّم ونُعرب عن امتناننا لضيفٍ مميز، ورجل دولة حكيم وصديقٍ ثابت للبنان، تأتي زيارته في لحظة حاسمة يقف فيها لبنان على مفترق طرق مصيري، وفي رسالة واضحة وحازمة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي: يجب على لبنان أن يفي بكامل التزاماته - سياسياً وعسكرياً واقتصادياً - من أجل حماية سيادته، واستقراره، ومستقبله، لا بالأقوال بل بالأفعال. - لم يعد بإمكاننا نحن اللبنانيين تجاهل مبدأ وضع جميع الأسلحة تحت السلطة الحصرية للدولة اللبنانية بما في ذلك نزع سلاح حزب الله بالكامل، وسحب جميع الأسلحة من الفصائل الفلسطينية داخل وخارج المخيمات، وحلّ جميع الميليشيات اللبنانية والأجنبية دون استثناء. - هذا التزام ملزم قطعه لبنان على نفسه من خلال اتفاق الطائف الذي نص بوضوح على حلّ جميع الميليشيات، ومن خلال قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 1559 و1680 و1701 التي تطالب ببسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية ونزع سلاح جميع الجهات غير الرسمية، ومن خلال اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقّع بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024. - على الحكومة اللبنانية أن تعتمد وتنشر جدولاً زمنياً وطنياً لنزع السلاح بالتشاور مع مؤسساتها. علمًا أن نزع السلاح وحده لا يكفي لإنقاذ لبنان بل يجب أن نتحرك على جبهتين إضافيتين بالقدر ذاته من الإلحاح: 1- ترسيم كامل لكافة حدودنا البرية والبحرية مع جيراننا 2- وإصلاح بنيوي عميق يشمل: - إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي، قائمة على الشفافية والعدالة وحماية المودعين؛ - القضاء على الاقتصاد النقدي وغير الرسمي الذي يغذي الفساد والتهرب الضريبي، - تفكيك المؤسسات المالية غير الشرعية فورًا، وعلى رأسها جمعية القرض الحسن التي تعمل خارج الإطار الرقابي الرسمي وتُموّل أنشطة تُهدد الاستقرار -إصلاح القضاء بشكل جذري لضمان استقلاليته ونزاهته وفعالية المحاكم في لبنان. - يجب أن تُتوَّج هذه الإصلاحات جميعها باتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي، يُوجّه رسالة واضحة للعالم بأن لبنان جاهز ليكون شريكًا كاملاً في المنطقة، ومنفتحًا على الاستثمار والنمو. - أُعبّر عن خالص امتناني للسفيرة ليزا جونسون وفريقها على دعمهم المتواصل والتزامهم الثابت بمسار الإصلاح والتعافي في لبنان. - أُعرب عن عميق امتناني لحكومة الولايات المتحدة - ليس فقط لدورها الدبلوماسي - بل أيضًا لدعمها المستمر للشعب اللبناني، خصوصًا من خلال المساعدات للجيش اللبناني، ولقطاع التعليم، والبرامج الإنسانية والإنمائية العديدة. لقد أحدثت هذه المساهمات فرقًا ملموسًا في حياة آلاف العائلات اللبنانية، وهي تجسّد صداقة مبنية على القيم المشتركة والشراكة طويلة الأمد. مُستَقبِلًا المبعوث الأميركي السفير توم باراك إلى مأدبة عشاء في دارتي، بحضور عدد من النواب والوزراء، حيث أكدت ما يلي: - نجتمع معًا لنُكرّم ونُعرب عن امتناننا لضيفٍ مميز، ورجل دولة حكيم وصديقٍ ثابت للبنان، تأتي زيارته في لحظة حاسمة يقف فيها لبنان على مفترق طرق مصيري، وفي رسالة…

المركزية
منذ 3 ساعات
- المركزية
التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عوده: 3 شروط لتعزيز الثقة وعودة الناتج ودخل الفرد إلى مستويات ما قبل الأزمة
المركزية- صدر عن "بنك عوده" تقريره الاقتصادي الفصلي الجديد بعنوان "ثلاثة شروط لتعزيز عامل الثقة ولعودة الناتج ودخل الفرد إلى مستويات ما قبل الأزمة"، وجاء فيه: "شهد النصف الأول من العام 2025 تحوّلاً لافتاً في المسار، نتيجة الخروقات السياسية المحلية بعد إنجاز الانتخابات الرئاسية الواعدة، وتأليف حكومة من ذوي الكفاءات، وإتمام التعيينات في مناصب إدارية رئيسية واتخاذ بعض المبادرات الإصلاحية. وقد رحّبت الأسواق بهذه التطورات حيث سجّلت انعطافاً ملحوظاً في أدائها. ففي الواقع، سجّلت بعض المحطات المهمة، نذكر منها ما يلي: - نمو المستوردات بنسبة 16% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام نتيجة تحسّن الطلب على السلع الاستهلاكية والاستثمارية في الداخل. وإذا عزلنا عامل التضخم المستورد (6.7%) تكون الواردات الفعلية قد نمت بنسبة 9.3% خلال الفترة. - ازدياد الطلب على الليرة اللبنانية، ما أتاح لمصرف لبنان تعزيز احتياطياته بمقدار 1.2 مليار دولار منذ بداية العام (معوّضاً عن الخسائر بقيمة 500 مليون دولار التي تكبدّها خلال الحرب الشاملة)، لتبلغ زهاء 11.3 مليار دولار في نهاية حزيران، وهو أعلى مستوى لها منذ ثلاث سنوات. - ارتفاع أسعار سندات اليوروبوندز إلى حدود 18 سنت للدولار الواحد اليوم (مقابل 6 سنت للدولار الواحد في أواخر أيلول الماضي)، إذ راهن المستثمرون المؤسساتيون بأن يفضي الخرق السياسي إلى الإفراج عن الاصلاحات وعملية إعادة هيكلة الدين التي طال انتظارها. - ارتفاع الودائع بالنقد الأجنبي (الفريش) لدى المصارف بقيمة 800 مليون دولار منذ بداية العام الحالي، حيث قفزت من 3.2 مليار دولار في بداية العام إلى 4.0 مليار دولار حالياً، بينما الانتظام الكامل للقطاع لا يزال يتطلّب إصدار القوانين المرتبطة بإعادة هيكلة المصارف ومعالجة الفجوة المالية. إلا أنّ مناخاً من الحذر لا يزال يخيّم على الاقتصاد والأسواق في ظل الضبابية السائدة. إن غالبية التحديات تتمحور حول ثلاث مسائل رئيسية: 1- إنّ الحاجة لاستعادة الثقة تفرض صمود وقف إطلاق النار، واستعادة هيبة الدولة والجيش وحصر السلاح بيد الدولة، والعمل على إرساء أسس سلام عادل وشامل. ويبدو ذلك كشرط مسبق من أجل تأمين الحاجات التمويلية لإعادة البناء. 2- يشكّل تحدي إعادة هيكلة المصارف اختباراً رئيسياً، يرتبط بقدرة الدولة على إصدار قانون إعادة الهيكلة وقانون معالجة الفجوة المالية خلال الأشهر المقبلة، وتحديداً قبل إجراء الانتخابات النيابية في أيار 2026، إذ ستتحوّل الحكومة بعد هذا التاريخ إلى حكومة تصريف أعمال إلى حين تأليف حكومة جديدة. يجدر الذكر أنّ القطاع المصرفي اللبناني يرزح اليوم تحت ضغوط، ولا سيما جراء التراجع السنوي للسيولة الحرّة، ما يضع استدامة القطاع عموماً على المحك. 3- لا يقل أهمية عن كل ما سبق الحاجة للتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي. فلبنان بحاجة ماسة للدعم الدولي والذي لا يمكن تأمينه إلا من خلال الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد. إنّ الاتفاق مع الصندوق إنّما يمثّل شرطاً أساسياً لتأمين الدعم المالي من قبل الدول المانحة، ذاك أنّ الوعود السابقة لم تترجم على أرض الواقع في ظل غياب مراقب دولي ذي مصداقية للإصلاحات المطلوبة، ألا وهو صندوق النقد. إنّ هذه المسائل الثلاث إنما تمثل متطلبات ضرورية لاستعادة الثقة من قبل المجتمعين المحلي والدولي، وتأمين الأرضية للمجاميع الاستثمارية الملحة والتي جاءت دون المستوى لفترة طويلة، وتأمين النهوض الاقتصادي المستدام في المدى المتوسط والطويل، ما يخوّل البلاد العودة إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي ودخل الفرد الذين كانا سائدين قبيل اندلاع الأزمة في العام 2019. على المستوى النقدي، رأى تقرير "بنك عوده" أنّه لقد كان لافتاً استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق الموازية خلال العامين المنصرمين وذلك على الرغم من تداعيات الحرب على مدى 13 شهراً والمناخ الضبابي الذي هيمن على البلاد. ويعزى هذا الاستقرار في سعر صرف الليرة من الناحية التقنية إلى اعتماد مصرف لبنان سياسة تجفيف النقد المتداول بالليرة. في الواقع، بلغ حجم النقد المتداول زهاء 65 ترليون ليرة في المتوسط خلال العامين الماضيين، ما يعادل أقل من 800 مليون دولار، أي أقل من 10% من الاحتياطيات السائلة من النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان، ما يشير إلى أن سوق القطع بقيت تقنياً تحت السيطرة. إنّ الاستقرار في سعر الصرف جاء مدعوماً بشكل أساسي بشبه توازن في حسابات المالية العامة وميزان المدفوعات. على صعيد المالية العامة، قاربت الإيرادات العامة النفقات خلال العامين المنصرمين، في إشارة إلى غياب العجز في حساب المالية العامة وعدم ظهور الحاجة لخلق النقد بالليرة. في الواقع، بلغت الإيرادات العامة زهاء 3.11 مليار دولار في العام 2023، بحيث ناهزت النفقات العامة البالغة قيمتها زهاء 3.14 مليار دولار. كذلك الأمر، في العام 2024، بلغت الإيرادات العامة زهاء 4.65 مليار دولار، أي أعلى بقليل من النفقات العامة البالغة قيمتها زهاء 4.55 مليار دولار. إنّ غياب خلق النقد بالليرة ترافق مع تعزيز لكتلة النقد الأجنبي كما يستدل من خلال تسجيل فوائض حقيقية في ميزان المدفوعات. فقد سجّل ميزان المدفوعات فائض اسمي بقيمة 2.2 مليار دولار في العام 2023 و6.4 مليار دولار في العام 2024 (8.1 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2025)، بشكل جزئي نتيجة ارتفاع أسعار الذهب عالمياً وتغيّر سعر الصرف الرسمي. فعلى أساس سعر صرف رسمي ثابت وأسعار الذهب كذلك ثابتة، يكون ميزان المدفوعات قد سجّل فوائض فعلية بقيمة 0.4 مليار دولار و1.4 مليار دولار على التوالي في العامين 2023 و2024 (1.9 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2025)، ما يشير إلى أنّ الأموال الوافدة إلى لبنان قد فاقت الأموال الخارجة منه خلال الفترة المغطاة. هذا وفي حين أنّه صحيح أنّ الليرة اللبنانية حافظت على استقرارها بدعم تقني وبدعم من الأساسيات الاقتصادية، إلإ أنّ العملة الوطنية لم تستعد أياً من أدوراها التي خسرتها في السابق، ما جعلها تقع تحت مسمى عملة فاقدة لأدوارها. في الواقع، لم تستعد الليرة دورها كأداة للتداول، ذاك أنّ معظم التبادلات التجارية لا تجري بالعملة الوطنية. فعمليات الشراء، ولا سيما الكبيرة منها، لا تزال تنفّذ بالدولار الأميركي. من هنا تبرز أهمية التسعير بالعملة الوطنية من قبل تجار الجملة والتجزئة على حدّ سواء، واستخدام بطاقات الدفع الائتمانية والخصم المباشر والشيكات بالليرة بشكل متزايد من أجل تعزيز استخدام الليرة كأداة لإجراء العمليات التجارية. إنّ إقرار مجلس النواب مؤخراً لقانون يتيح لمصرف لبنان طباعة أوراق نقدية من فئتي الـ 500 ألف ليرة والمليون ليرة، هي خطوة مرحبّ بها حيث قد تسهم مع الوقت في تعزيز دور الليرة اللبنانية كأدة للتداول. إنّ الليرة اللبنانية لم تستعد دورها كوحدة محاسبة، حيث يجري في معظم الأوقات استخدام الدولار للأغراض المحاسبية. في المدى المنظور، ينبغي للعملة الوطنية أن تستعيد دورها كوحدة محاسبة وأن تُعتمد أكثر فأكثر في الأغراض المحاسبية. يجب على المؤسسات المالية والشركات الضخمة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم اعتماد العملة الوطنية في محاسبتها. وفي حين يصحّ القول بأن بعض المؤسسات الكبرى تحتاج لنشر حساباتها المالية بالدولار أو اليورو، إلاّ أن هذا الإفصاح ينبغي أن يأتي تكملة لعملية الإفصاح بالعملة الوطنية، وليس بديلاً عنها. إنّ الليرة اللبنانية لم تستعد دورها كعملة ادخار رغم التحويلات النسبية إلى الليرة اللبنانية في الأشهر القليلة الماضية، وعلى الرغم من الفارق في معدل الفائدة بين متوسط الفائدة على الودائع بالليرة ومتوسط الفائدة على الودائع بالدولار. في الواقع، بلغ متوسط الفائدة على الودائع بالليرة في القطاع المصرفي زهاء 2.1% في أيار 2025، في حين أن متوسط الفائدة على الودائع بالدولار بلغ 0.10% في التاريخ نفسه. بالتأكيد إن الليرة اللبنانية لم تستعد دورها الإقراضي ذاك أن العملة الوطنية لا تستخدم لغايات التسليف. من المهم أن تستعيد الليرة ولو بشكل جزئي دورها الرابع، والذي لا يقل أهمية عن أدوراها الثلاث السابقة، وهو أن تستخدم كأداة للتسليف. إن استعادة دور الليرة اللبنانية كأداة تسليف سيسهم من دون شك في تحفيز الوساطة المالية إلى جانب دعم نوعية الموجودات لدى المصارف اللبنانية بشكل عام. في المحصلة، إن التحدي النقدي للمرحلة الجديدة يكمن في أن تستعيد الليرة اللبنانية تدريجياً أدوارها الأربعة التي خسرتها بعد الأزمة. ويجدر القول هنا بأنّ العملة الوطنية هي أحد أوجه السيادة في أي بلد، مثلها مثل الجيش والأرض، ما يبرز أهمية حمايتها وتحفيز دورها كركن أساسي من أركان الاقتصاد الوطني بشكل عام".