
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد أن إيران قادرة على استئناف تخصيب اليورانيوم خلال شهور رغم الضربات الأميركية والإسرائيلية
وفي مقابلة مع شبكة CBS News، أوضح غروسي أن الهجمات التي استهدفت منشآت نووية إيرانية — بما في ذلك ضربات نفذتها قاذفات شبح أمريكية الأسبوع الماضي — لم تُلحق "دماراً كاملاً" بالبنية النووية الإيرانية، محذراً من أن بعض القدرات الأساسية ما زالت قائمة، ويمكن استعادتها بسرعة.
وكانت إسرائيل قد شنت هجوماً على مواقع نووية وعسكرية داخل إيران في 13 يونيو/حزيران الجاري، معلنةً أن الهدف هو "منع طهران من امتلاك سلاح نووي"، وهو ما تنفيه إيران. وفي أعقاب هذا التصعيد، تدخلت الولايات المتحدة ونفّذت هجمات جوية على ثلاث منشآت أساسية على صلة بالبرنامج النووي الإيراني.
ورغم ذلك، تصر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أن البرنامج النووي الإيراني "تراجع لعقود". لكن غروسي خالف هذا الطرح، قائلاً إن إيران تستطيع إعادة تشغيل بعض مجموعات الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم "في غضون شهور أو أقل".
في خضم هذا التوتر، رفضت السلطات الإيرانية طلباً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتفتيش المواقع التي تعرضت للهجوم، مما زاد من الغموض بشأن وضع مخزون اليورانيوم عالي التخصيب، وسط مخاوف متزايدة من احتمالية نقل هذه المواد قبل الضربات.
وأكد غروسي: "لا نعرف مكان المواد حالياً. بعضها ربما دُمّر، لكن لا يمكن استبعاد أن بعضه الآخر قد نُقل. نحتاج لتوضيح ذلك قريباً".
ويُقدّر مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% بنحو 408.6 كيلوغراماً (900 رطل)، وهو ما يكفي نظرياً لإنتاج أكثر من تسع قنابل نووية إذا خضع لمزيد من التخصيب إلى مستوى 90%، وهو الحد المطلوب للأسلحة النووية.
أعرب غروسي عن قلقه من غياب الشفافية قائلاً: "يجب أن نكون قادرين على التحقق من وجود المواد النووية، وتحديد مكانها، ومعرفة ما حدث لها". ولفت إلى أن الوكالة لا تزال تفتقر إلى الوصول الميداني الكامل، خصوصاً إلى منشأة فوردو النووية قرب مدينة قم، والتي تُعد من أهم مواقع تخصيب الوقود في البلاد.
وقد صوّت البرلمان الإيراني في وقت سابق على تعليق التعاون مع الوكالة، مما يزيد من تعقيد مهمة المفتشين الدوليين في تقييم حجم الأضرار أو تعقّب المواد المشعة.
وفي مقابل ما أعلنه غروسي، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مقابلة مع قناة فوكس نيوز إنه "لا يعتقد أن إيران نقلت مخزونها النووي قبل الضربات"، معتبراً أن "نقل هذه المواد عملية معقدة للغاية".
من جهته، أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن واشنطن تواصل دعم جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشيداً بـ"التفاني والاحترافية" الذي يظهره غروسي وفريقه في التعامل مع الملف الإيراني.
وقد نشرت وكالة رويترز صورة ملتقطة بالأقمار الصناعية تُظهر أعمال حفر عند مداخل أنفاق منشأة فوردو، في تطور يُثير تساؤلات بشأن نوايا إيران بعد الهجمات الأخيرة، وإمكانية استئنافها لتخصيب اليورانيوم بوتيرة متسارعة.
ومن المقرر أن تُبث المقابلة الكاملة مع غروسي مساء اليوم الأحد ضمن برنامج "Face the Nation" على شبكة CBS، حيث يُتوقع أن يتناول خلالها تفاصيل إضافية حول مدى تضرر المنشآت الإيرانية، وما إذا كانت طهران قد بدأت فعلياً في إصلاح البنية النووية المتضررة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 41 دقائق
- أخبارنا
ترامب: اتفاق بشأن غزة الأسبوع المقبل
صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء، بأنّه يعتقد أنه سيُتوصّل إلى اتفاق بشأن غزة الأسبوع المقبل، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يريد إنهاء الحرب" هناك. وأكّد ترامب أنه "من الصعب أن ينجز الإيرانيون شيئاً مع العقوبات الحالية"، معرباً عن ثقته بالتوصل إلى "اتفاق معهم" قريباً. كذلك، أشار إلى "النجاح الكبير" الذي حققته الولايات المتحدة في إيران، قائلاً إن "جميع الأهداف التي قصفناها دُمرت تدميراً شاملاً"، وأن زيارة نتنياهو لواشنطن ستكون "احتفالاً قصيراً" بتدمير المنشآت النووية الإيرانية. ويزور نتنياهو البيت الأبيض الاثنين المقبل، 7 يوليوز، للقاء ترامب. وسيكون هذا الاجتماع الثالث لنتنياهو مع ترامب منذ عودة الرئيس الجمهوري إلى السلطة في يناير الماضي.


المغرب اليوم
منذ 3 ساعات
- المغرب اليوم
ترامب يبحث عن انتصار… في عالم مجنون
لم يعد من مكان للعقل والمنطق في العالم والمنطقة. يصعب إيجاد تفسير لهذا الإصرار الإيراني على الاستمرار في المواجهة مع إسرائيل. هذه مواجهة مع أميركا في وقت يبحث دونالد ترامب عن انتصار في عالم مجنون! في الواقع، خسرت إيران الحرب قبل أن تبدأ. يفترض في إيران قبول الاستسلام، لا لشيء سوى لأن الحرب التي تشنها إسرائيل، بدعم أميركي، هي استمرار لحروب بدأت مع 'طوفان الأقصى' في غزّة. خسرت إيران كلّ الحروب التي خاضتها منذ حصول 'طوفان الأقصى'. لا يمكن عزل الحرب الإيرانيّة – الإسرائيلية عن حرب غزّة التي وجدت 'الجمهوريّة الإسلاميّة'، من خلالها، فرصة لتأكيد امتلاكها لمفاتيح الحرب والسلام في المنطقة كلّها. ما كان للحرب أن تصل إلى إيران نفسها لولا أنّها لعبت في الأساس دورا في هجوم 'طوفان الأقصى' الذي شنته 'حماس' بقيادة يحيى السنوار على مستوطنات غلاف غزّة في 7 تشرين الأوّل – أكتوبر 2023. ◄ كلام عبدالله الثاني يبقى كلاما لمرحلة تهدأ فيها النفوس. في انتظار ذلك، لا مجال أمام إيران سوى التصعيد في وقت يخوض النظام فيه معركة حياة أو موت أدى الهجوم إلى مقتل نحو 1200 يهودي، معظمهم من الإسرائيليين. لا يزال هناك أسرى يهود لدى 'حماس'. يشكّل هؤلاء الورقة الأخيرة التي تمتلكها الحركة. في الحقيقة، إن الورقة التي تمتلكها 'حماس'، أي ورقة الرهائن، باتت منسية في ضوء الحرب الإيرانية – الإسرائيليّة. من هذا المنطلق، ومن أجل عدم نسيان المأساة الكبرى المتمثلة في غزّة، كان على الملك عبدالله الثاني الذهاب إلى ستراسبورغ ليقول في خطاب ألقاه قبل أيام قليلة أمام البرلمان الأوروبي إن الحرب الإيرانيّة – الإسرائيلية يجب ألا تجعل مأساة غزّة مسألة ثانوية. ليس من وصف دقيق لما يشهده العالم والمنطقة أكثر من الوصف الذي قدّمه العاهل الأردني أمام البرلمان الأوروبي. وضع عبدالله الثاني، الذي أثبتت الأحداث والتطورات العالميّة قدرته على استشفاف المستقبل، النقاط على الحروف. قام عمليا بمحاولة متواضعة لوضع العالم أمام مسؤولياته مركّزا على الدور الأوروبي والدولي في العمل من أجل السلام والعدل. يشمل ذلك، في طبيعة الحال، وضع حدّ للتصعيد بين إيران وإسرائيل حيث يرى رئيس الحكومة أن لا خيار آخر أمامه سوى متابعة خوض حروبه لضمان مستقبله السياسي. لا يعود توجه العاهل الأردني إلى أوروبا إلى قرب القارة العجوز جغرافيا من المنطقة فحسب، بل إلى وجود تجربة أوروبية لا يمكن تجاهلها أيضا. إنّها تجربة ما بعد الحرب العالميّة الثانية. قال عبدالله الثاني موجها كلامه إلى الّنواب الأوروبيين 'بعد الحرب العالمية الثانية، اختارت أوروبا إعادة البناء. ليس لمدنها فقط، بل للركائز التي تأسست عليها، إذ صممت شعوب أوروبا على ترك الماضي خلفها وبناء عصر جديد من السلام. اختار الأوروبيون الكرامة الإنسانيّة عوضا عن الهيمنة والقيم عوضا عن الانتقام، والقانون عوضا عن القوة والتعاون عوضا عن الصراع.' بغض النظر عن الجنون الإسرائيلي الذي لا حدود له، يبدو أن القيادة في إيران، على رأسها 'المرشد' علي خامنئي، مستعدة لتقديم كلّ الأعذار التي تطلبها حكومة الدولة العبرية من أجل متابعة حروبها وجعل غزّة قضيّة منسية. تؤكّد مأساة غزّة مدى استعداد إسرائيل للذهاب بعيدا في استخدام الوحشية، فيما تؤكد اللغة الخشبية التي تستخدمها طهران العجز عن فهم الواقعين الإقليمي والعالمي، بما في ذلك أن الحرب الدائرة حاليا مع إسرائيل هي حرب لا يمكن إلّا أن تنضم إليها أميركا في مرحلة معيّنة. يتمثّل كلّ ما يريده دونالد ترامب حاليا في الرغبة في أن يكون الرابح الأوّل من الانتصار الذي لا بدّ أن يتحقّق على إيران. هذا ما يفسّر الضربة الأميركية لثلاثة مواقع نووية إيرانية بينها فوردو. يبحث ترامب عن انتصار يريد حرمان نتنياهو منه! ◄ لا يمكن عزل الحرب الإيرانيّة – الإسرائيلية عن حرب غزّة التي وجدت "الجمهوريّة الإسلاميّة"، من خلالها، فرصة لتأكيد امتلاكها لمفاتيح الحرب والسلام في المنطقة كلّها في ظلّ هذه الصورة القاتمة، كانت هناك حاجة لدى العاهل الأردني لتقديم وصف دقيق لحال العالم. كان مهما، بالنسبة إليه، عدم الاكتفاء بالوصف… مهما بلغت دقته. أصرّ على تأكيد وجود' قيم تجمعنا'. أشار إلى أن العديد من هذه القيم 'متجذّرة في أدياننا: الإسلام والمسيحية واليهودية.' هذه القيم موجودة 'لتقيم الرحمة والعدل والمساواة.' كان الخطاب دعوة إلى العودة إلى القيم، كما كان صرخة رجل يتألم في ضوء المأساة التي تشهدها غزّة حيث ' إذا فشل المجتمع الدولي بالتصرف بشكل حاسم، فإننا نصبح متواطئين في تعريف معنى أن تكون إنسانا.' خلاصة الخطاب الذي ألقاه عبدالله الثاني أن الحاجة إلى البحث عن مخرج بدل الاستسلام للعنف ومنطق القوة. لذلك يؤكد العاهل الأردني المرة تلو الأخرى أنّ القوة ليست حلا وأنّ الحاجة إلى حلول سياسية قبل أي شيء آخر، خصوصا في وقت تزداد الحرب الإيرانيّة – الإسرائيلية ضراوة. هناك إدراك أردني واضح لخطورة المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة. عانت المملكة الأردنية الهاشمية دائما من السعي الإيراني إلى التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة وإيجاد حال من عدم الاستقرار فيها. كان هناك دائما جهل إيراني بالأردن وبما يمثله وذلك على الرغم من أن كلّ المحاولات التي قامت بها 'الجمهوريّة الإسلاميّة' من أجل المسّ بالأردن باءت بالفشل. هل بقي مكان لكلام عاقل ومنطقي في ظلّ هذا الجنون الذي يشهده العالم، جنون إسرائيل وجنون إيران، وجنون الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة على سبيل المثال وليس الحصر؟ يبقى كلام عبدالله الثاني كلاما لمرحلة تهدأ فيها النفوس. في انتظار ذلك، لا مجال أمام إيران سوى التصعيد في وقت يخوض النظام فيه معركة حياة أو موت. لا مجال أمام نتنياهو سوى خوض حروبه. لا مجال أمام دونالد ترامب سوى السعي إلى القول إنّه من انتصر على إيران وإن الفضل يعود إليه وليس إلى إسرائيل في تخليص المنطقة والعالم من برنامجها النووي ومن صواريخها ومن أذرعها.


المغرب اليوم
منذ 5 ساعات
- المغرب اليوم
حرب إسرائيل وإيران ترسم ديناميكيّات جديدة في الشرق الأوسط
تحوّلت الحرب التي كانت مُتخيّلة بين إسرائيل وإيران واقعاً ملموساً. خلقت الشيطنة المتبادلة أجيالاً تكره أجيالاً أخرى. إسرائيل هي «الشيطان الأصغر»، ومدعومة من «الشيطان الأكبر... العم سام». إيران هي التهديد الوجودي للدولة العبريّة. رُسمت الاستراتيجيات، وحُضّرت الوسائل، ومُهّدت الطريق للصدام الأكبر، لتتحقّق النبوءة. وقد يمكن مقارنة مسار هذه الحرب بما كتبته بربارا توخمان في كتابها «مدافع أغسطس»، بشأن فشل الدبلوماسية في الحرب العالمية الأولى، كما الحسابات العسكرية الخاطئة. تَمثّل فشل الدبلوماسية في غياب قنوات التواصل بين القوى الكبرى المتنازعة، كما تمثّل الفشل العسكري في الاعتقاد الذي كان سائداً في ذلك الوقت لدى القيادات العسكرية، بأن الحرب ستكون قصيرة وسريعة وخاطفة. لكن الأكيد، ووفق توخمان، أنّ هذه الحرب ضربت نظاماً أوروبيّاً قديماً، لتفتح الباب لنظام جديد. قبل الحرب شيء؛ وما بعد الحرب مرحلة مختلفة كليّاً. في الحرب بين إسرائيل وإيران، تَظهّر كثير من المعادلات الجديدة، كما سقطت غالبية المعادلات القديمة. في هذه الحرب، شكّل الداخلُ الإسرائيليّ والداخلُ الإيرانيّ مسرحَيَّ الحرب الأساسيّين. نصح بن ديفيد بن غوريون بالقتال على أرض العدو، وها هو الداخل الإسرائيليّ يعاني بشكل لم يعهده منذ تأسيس الكيان. خطّط المرشد الإيراني علي خامنئي لاستراتيجيّة «الدفاع المُتقدّم»، ليكون القتال بعيداً عن الداخل الإيرانيّ، وبالواسطة. ضُرب الوكلاء، ودُمّر الداخل الإيراني، كما استُهدفت جوهرة التاج النووي الإيرانيّ؛ «فوردو». هذا عدا اغتيال القيادات العسكريّة والعلميّة من الصف الأوّل. في التسعينات، ورثت أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي نحو 1900 رأس نوويّ استراتيجي، و2500 رأس نوويّ تكتيكي، وكانت ثالثة الدول في التصنيف العالميّ. سلّمت أوكرانيا هذه الترسانة إلى روسيا عام 1994. في عام 2022، غزا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا. في عام 2003، فكّك العقيد معمّر القذافي المشروع النووي الليبي، وذلك بضغط غربيّ، خصوصاً بضغط أميركيّ. في عام 2011، سقط نظام القذافي تحت تأثير هجوم «الناتو» على ليبيا، وقُتل القائد على قارعة الطريق. خلال 12 يوماً من الحرب بين إيران وإسرائيل، تدخّلت الولايات المتحدة لضرب مركز ثقل المشروع النووي الإيراني (فوردو - نطنز - أصفهان). بعد ذلك، دعا الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى وقفٍ لإطلاق النار. وبذلك، يكون الرئيس ترمب هو الخصم والحكم في المسألة الإيرانية. وبهذا، استعاد ترمب المصداقية الأميركية لدى الحلفاء، خصوصاً في المنطقة. فهل يمكن القول إن توفّر السلاح النووي لدى الدول يرفع من مستوى الردع لديها؟ وهل يمكن القول إن السلاح النووي ورقة الدول الكبرى، خصوصاً الحليفة لأميركا، لضمان أمنها القومي، تحديداً بعد التحوّل في المواقف الأميركية من الأمن الأوروبي عموماً؟ القَطبَة المخفية في وقف النار الأخير هناك مؤشرات عدّة تدلّ على المسار الذي أدّى إلى وقف النار. فما هذه المؤشرات؟ نشرت جريدة «واشنطن بوست»، وقبيل الضربة الأميركية على مفاعل «فوردو»، صورة جوية لـ16 شاحنة متوقفة قرب المفاعل. فما كانت مهمة هذه الشاحنات؟ ولماذا لم تُدمَّر، خصوصاً أن المفاعل يخضع لمراقبة مستدامة؟ فهل سُمح بنقل الـ409 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المائة إلى مكان آمن؟ ولماذا 16 شاحنة لنقل 409 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصّب؟ هل هذا العدد مخصّص لنقل الطرود المركزية من «فوردو»؟ بعد الضربة الأميركية، قال جي دي فانس، نائب الرئيس الأميركي، خلال مقابلة تلفزيونية، إن مقياس النصر بالنسبة إلى أميركا هو بضرب إمكانات إيران في مجال تخصيب اليورانيوم.فما نفعُ امتلاك يورانيوم مخصّب بنسبة عالية إذا لم تكن هناك قدرة على تخصيبه إلى مستوى أعلى، أي إلى 90 في المائة؟ كان مفاعل «فوردو» يحتوي 6 آلاف طارد مركزي من الجيل السادس، هذا عدا المفاعلات الأخرى التي استهدفتها الغارات الأميركية. ووفق فانس، فإن إيران غير قادرة حالياً على تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المائة، أي إلى المستوى اللازم لتصنيع قنبلة نووية حقيقية. وقد تدخل هنا استراتيجيّة إسرائيل في اغتيال العلماء (Know How). لكن الحصول على يورانيوم مُخصّب بنسبة 90 في المائة، لا يعني الحصول على القنبلة فوراً. فالوصول إلى القنبلة مسار مُعقّد وطويل يقوم على ما يلي: تجهيز الكميّة اللازمة للقنبلة؛ 47 كيلوغراماً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 90 في المائة. ثم التجربة، مع توفّر المُفجّر، أو آليّة التفجير. وبعد نجاح التفجير، يلزم تحويل القنبلة إلى رأس حربيّ، وبعده السعي إلى تأمين وسيلة الإطلاق (الأسهل لإيران هو الصاروخ الباليستيّ)، واختبار هذا الأمر. بعد هذه المرحلة، السعي إلى تنويع وسيلة الإطلاق لخلق ردع نوويّ موثوق وفعّال، كتأمين الإطلاق من البحر والجو. إنّ الرّد الإيرانيّ على الهجمة الأميركيّة لا يتناسب مع الخسائر التي مُنيت بها (Proportionality). لكنها اختارت جوهرة التاج الأميركيّ في المنطقة، قاعدة «العديد»، لتضربها، لكن بعد تنسيق مُسبق كما قال الرئيس ترمب. بعد هذا الرّد الإيرانيّ، أعلن الرئيس ترمب وقف النار. إذا تبجح نتنياهو بأنه حقق كلّ أهدافه، فهذا يعني أنّ إيران هي الخاسر الأكبر. وإذا صمد وقف النار وفُتح باب الدبلوماسية مع طهران، فما الإغراءات لإيران؟ وهل سيحصل تغيير جذريّ في الداخل الإيرانيّ، تحت مقولة إن «من يبدأ الحرب لا يمكن له صناعة السلم»؟ لكن الأكيد أنّ هذه الحرب شكّلت المسرح الجديد والأهمّ لتجربة الأسلحة، والاستراتيجيّات، والتكتيك، وذلك بعد أوكرانيا، وغزّة، ولبنان. في هذه الحرب، وصلت إسرائيل إلى امتدادها الأقصى باستعمال أفضل ما تملك من السلاح، حتّى حدود النوويّ. في المقابل، وصلت إيران إلى الحدّ الأقصى باستعمال ترسانتها من صواريخ باليستيّة ومسيّرات، فقط لتنقذ مشروعها النوويّ. ولأنّنا تحدثنا عن ديناميكيات جديدة في الشرق الأوسط، فقد يمكن، وبعجالة، مقارنة ما رسمه قائد «فيلق القدس» السابق، قاسم سليماني، لإيران في المنطقة، مع الواقع الذي نتج بعد عمليّة «طوفان الأقصى». فهو قال لرئيس أركان الجيش الإيرانيّ، نقلاً عن الجنرال غلام علي رشيد، قائد العمليات الإيرانية في هيئة الأركان، الذي بدوره اغتيل من قبل إسرائيل في حرب الـ12 يوماً (وفق إليوت كوفمان): «لقد جمعتُ لكم 6 جيوش خارج إيران. وبنيتُ كوريدوراً بطول 1500 كيلومتر وبعرض ألف كيلومتر، يصل مباشرة إلى البحر المتوسّط. فإذا أراد أيّ عدوّ قتال الجمهوريّة الإسلاميّة، فعليه أن يمرّ عبر هذه الجيوش الستّة، وهو حتماً لن يستطيع ذلك». في الختام، قد يمكن تشبيه تاريخ إيران بتاريخ روسيا في بعض الزوايا؛ فهما تأرجحتا بين الامتداد الأقصى جغرافياً خلال عصر الإمبراطوريات، ومن ثمّ الانحسار. وعند كلّ تمدّد وانحسار، تتبدّل الديناميكيّات في المحيط المباشر لهما. امتدّ سليماني إلى الحدّ الأقصى... أُسقط مشروعه بالضربة القاضية بعد «طوفان الأقصى». فكيف سيكون شكل الشرق الأوسط والمحيط المباشر لإيران خصوصاً أنّ إسرائيل بدأت الاستعداد لمرحلة ما بعد حرب الـ12 يوماً؟