logo
مقتل اسرائيلي واصابة 3 اخرين في غزة

مقتل اسرائيلي واصابة 3 اخرين في غزة

من جانبها، أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري ل حركة الجهاد الإسلامي، عن استهداف دبابة ميركافا بقذيفة RPG أثناء توغلها في محيط ملعب أبو رجيلة بمنطقة خزاعة شرق خانيونس، مما أدى إلى مقتل جندي وجرح آخر.
وفي بيان آخر، أعلنت سرايا القدس عن تفجير قنبلة من مخلفات جيش الاحتلال كانت مزروعة مسبقاً في آلية عسكرية إسرائيلية أثناء توغلها في شارع المنطار بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة.
وفي السياق نفسه، أكد المتحدث باسم قوات الشهيد عمر القاسم، الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أبو خالد، أن إحدى مجموعاتهم المقاتلة، العاملة في منطقة شمال غرب غزة، نصبت كميناً محكماً لدورية إسرائيلية راجلة في منطقة العطاطرة.
وأوضح أبو خالد أنه تم تجهيز مسرح العملية بالعبوات الناسفة، ونجح المقاتلون في جرّ القوات المتوغلة إلى الكمين حيث أمطروها بالرصاص وفجّروا العبوات بين أقدام الجنود، مما أدى إلى وقوع إصابات مباشرة في صفوفهم، واضطرت القوة الإسرائيلية إلى طلب إمداد عبر الطائرات المسيّرة.
وأضاف أبو خالد أن قائد المجموعة، زكريا رامي أبو عودة، استُشهد في المعركة، مشيراً إلى أن رفاقه تمكنوا من سحب جثمانه من أرض المعركة والعودة به إلى مواقعهم.
في المقابل، أقرّ جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح الثلاثاء، بمقتل أحد جنوده خلال المعارك الجارية في شمالي قطاع غزة. وأوضح أن الجندي القتيل هو يوسف يهودا حيراك من كتيبة الهندسة "601"، مما يرفع عدد قتلى جنوده إلى 857 منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وفي المنطقة ذاتها، كانت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قد أعلنت في وقت سابق عن تنفيذ كمين مركب ضد قوات الاحتلال في منطقة العطاطرة، غرب بيت لاهيا شمالي القطاع.
ووفق بيان القسام، أكدت الكتائب أن العملية أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف قوات الاحتلال، ورُصد هبوط مروحيات عسكرية إسرائيلية في الموقع لإجلاء المصابين.
من جهتها، أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية عن إصابة ثلاثة جنود، منهم اثنان وصفت جروحهما بالخطيرة، جراء انهيار جزء من مبنى في قطاع غزة.
وأفاد موقع "حدشوت للو تسنزورا" بانهيار مبنى على القوات في قطاع غزة مما أدى إلى إصابة اثنين بجروح خطيرة وواحد بجروح متوسطة.
وذكرت مواقع إسرائيلية أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية فرضت حظراً على نشر معلومات حول الحدث الأمني.
تواصل فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة معركة الدفاع عن الشعب الفلسطيني والمقدسات، ضمن معركة "طوفان الأقصى"، والرد على جرائم ومجازر الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في القطاع.
وفي الضفة الغربية المحتلة، أعلنت المقاومة عن تنفيذ 16 عملاً مقاوماً تنوعت ما بين اشتباكات مسلحة واندلاع مواجهات، أبرزها إطلاق نار على حاجز "شافي شمرون" شمالي الضفة الغربية.
واوضحت فصائل المقاومة ان المواجهات اندلعت بين الشبان وقوات الاحتلال في عدة مناطق هي حزما بالقدس، وسلواد والمزرعة الغربية برام الله، عزرون بقلقيلية، بورين وبرقة، ومادما ومخيم عين بيت الماء والمدينة ذاتها بنابلس، الخضر ببيت لحم، مخيم عقبة جبر بأريحا، راس العروض وبيت كاحل ومخيمي العروب والفوار في الخليل.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إعلام الاحتلال: هجومان صعبان في الشجاعية وخان يونس
إعلام الاحتلال: هجومان صعبان في الشجاعية وخان يونس

اذاعة طهران العربية

timeمنذ 7 ساعات

  • اذاعة طهران العربية

إعلام الاحتلال: هجومان صعبان في الشجاعية وخان يونس

وفي وقت سابق، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي إصابة جنديين في اشتباك شمالي القطاع إثر إطلاق صاروخ مضاد للدروع على دبابة ليلة الخميس إلى الجمعة. كما أُعلن لاحقا عن إصابة قائد دبابة بجروح خطرة في حادث آخر خلال ساعات النهار. وبعد يوم من بثها مشاهد لمحاولتها أسر جندي إسرائيلي في خان يونس قبل قتله، نشرت كتائب القسام صورة أرفقتها بتعليق قالت فيه 'إن حظ الجندي أبراهام أزولاي سيئ، لكن مصير الجندي التالي سيكون أفضل، كأسير جديد لدى القسام'. يذكر أن أبراهام أزولاي هو الجندي الإسرائيلي الذي حاولت كتائب القسام أسره قبل قتله. وسبق أن أعلنت كتائب القسام أنها استهدفت الخميس دبابة 'ميركافا' إسرائيلية بعبوة أرضية شديدة الانفجار، تم إعدادها مسبّقا، في منطقة 'المسلخ' (جنوب غربي مدينة خان يونس). كما بثت كتائب القسام في قطاع غزة صورا لهروب جندي إسرائيلي من مقاتلي القسام، وهو ما قالت القسام إنه يتناقض مع الرواية الإسرائيلية التي ادعت أن الجندي تصدى للمقاومين قبل مقتله. من جهتها، قالت سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) إنها قصفت بالصواريخ مقر قيادة وسيطرة للجيش الإسرائيلي على جبل الصوراني (شرق حي التفاح بمدينة غزة) ودمرت جرافة في شرق خان يونس. وكانت سرايا القدس أعلنت أن مقاتليها تمكنوا من قنص جندي إسرائيلي على جبل الصوراني، وبثت صورا لعملية القنص.

رابط نشرة منبر التواصل عدد 2392!
رابط نشرة منبر التواصل عدد 2392!

ساحة التحرير

timeمنذ يوم واحد

  • ساحة التحرير

رابط نشرة منبر التواصل عدد 2392!

رابط نشرة منبر التواصل عدد 2392! * لنتواصل/أ. معن بشور – هل اعتقال ناصر اللحام من مقدّمات مرحلة جديدة من العدوان؟ – سؤال؟ – بشور على قناة 'الاقصى' مساء اليوم * بيان صادر عن المؤتمر العربي العام * بيان صادر عن الحملة الاهلية لنصرة فلسطين وقضايا الأمّة بعد اجتماعها الأسبوعي في قاعة الشهيد خالد علوان في بيروت * مقالات – التجويع والقتل في غزة وصمة عار في جبين الإنسانية أ. علي ناصر محمد (اليمن) – كيف اخترقت كتائب القسام المخابرات العسكرية وحطمت هيبة الجيش الإسرائيلي في كمين بيت حانون وانتصرت لشهداء 'البيجرات'؟ أ. عبد الباري عطوان (فلسطين) – 4 أسباب لوقف إطلاق النار في غزة أ. ناصر قنديل (لبنان) – تساؤلات وألغام ما بعد حربي غزة وإيران أ. عبد الله السناوي (مصر) – خيارات الكيان الصهيوني في المرحلة المقبلة د. حسن نافعة (مصر) – اول مؤتمر يهودي مناهض للصهيونية وعن بيان فيينا د. مصطفى البرغوثي (فلسطين) – امل لا يتزعزع بقرب الفرج وزوال الاحتلال أ. حلمي موسى (فلسطين) – الجزائر.. أعظم قصة تحرير عرفها التاريخ أ. خميس بن عبيد القطيطي (سلطنة عمان) – عن الدولة والسيادة والسلاح أ. موفق محادين (الأردن) – ما بعد التهدئة في غزّة.. في مآلات المرحلة المقبلة أ. هاني المصري (فلسطين) – مرتكب الإبادة الجماعية يرشح ترامب شريكه في الإجرام لجائزة نوبل للسلام أ. سايد فرنجية (لبنان) – حقبة عبدالناصر تأسيس لما بعدها أ. أنور الهواري (مصر) – مهم لنفهم ماذا يدورحولنا ولماذا؟.. دراسه تحليلية لعقيدة الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي من منظور تاريخي د. خليل الهندي (فلسطين) – هل تنتهي الحرب؟.. أ. سعادة مصطفى أرشيد (فلسطين) – اكتبوها حجابا وعلقوها حول الأعناق – المذهب التفجيري أ. عبد الهادي راجي المجالي (اليمن) – من خطة مناحيم مليسون الى خطة مردخاي كيدار أ. راسم عبيدات (فلسطين) – تُفاقم المعاناة الإنسانية في القطاع أ. وسام الفقعاوي (فلسطين) * أنشطة وبيانات وشذرات – تصريحات إعلامية للرفيق علي فيصل نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني ونائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، عبر عدد من المحطات الجزائرية – رابط لقاء العميد منير شحادة المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى اليونيفيل – الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين خلال اجتماع قيادتها في لبنان.. ندعو للاتفاق على رؤية فلسطينية موحدة ومقاربة شاملة للوجود الفلسطيني في لبنان – بيان صادر عن القوات المسلحة اليمنية – تحت عنوان 'أكبر عملية احتيال على الإطلاق' كتب الجنرال 'إسحق بريك' في صحيفة 'معاريف' العبرية – رابط ليه السياح (الاسرائيليين) مبيخافوش مننا؟ – المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن أسرة التحرير – ‎2025-‎07-‎11

من معاداة الصهيونية إلى مشروع التحرر: نحو إعادة تعريف العلاقة بين الفلسطيني واليهودي المناهض للصهيونية !غانيةملحيس
من معاداة الصهيونية إلى مشروع التحرر: نحو إعادة تعريف العلاقة بين الفلسطيني واليهودي المناهض للصهيونية !غانيةملحيس

ساحة التحرير

timeمنذ يوم واحد

  • ساحة التحرير

من معاداة الصهيونية إلى مشروع التحرر: نحو إعادة تعريف العلاقة بين الفلسطيني واليهودي المناهض للصهيونية !غانيةملحيس

من معاداة الصهيونية إلى مشروع التحرر: نحو إعادة تعريف العلاقة بين الفلسطيني واليهودي المناهض للصهيونية ! غانيةملحيس مقدمة: فلسطين ومعاداةالصهيونية: من التضامن الأخلاقي إلى إعادةبناءالعالم يأتي هذا المقال البحثي في أعقاب انعقاد ' المؤتمر اليهودي الأول لمناهضة الصهيونية' في فيينا في الفترة 13- 15 /6/ 2025، وأثار اهتماما واسعا بسبب حضور شخصيات يهودية مناهضة للصهيونية، ومداخلات وصفت بأنها غير مسبوقة في حدة نقدها لإسرائيل والصهيونية. وسط هذا الزخم، تعالت أصوات فلسطينية وعربية تحتفي بالحدث وتتجاوز حدوده. وفي هذا السياق، برزت الحاجة إلى مقاربة نقدية هادئة وقراءة تحليلية معمقة تسعى إلى تفكيك الحدث ضمن سياقه البنيوي الأوسع، بعيدا عن التهويل أو التهوين، وفتح أفق تحرري جديد يتجاوز اللحظة إلى المشروع، والتضامن إلى الفعل. وتعيد طرح الأسئلة الكبرى: هل يشكل هذا التحول رافعة فعلية للتحرر الفلسطيني؟ أم أنه قد يعيد إنتاج علاقات تبعية رمزية باسم 'الضمير العالمي'؟ ففي لحظة عالمية يتقاطع فيها الانكشاف الأخلاقي للغرب، مع صعود نضالات الشعوب من أجل تقرير المصير، تبرز القضية الفلسطينية ليس فقط كجرح مفتوح، بل كعدسة تكشف عن تواطؤ النظام الدولي، وحدود النقد، وإمكانات النهوض. منذ طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر/ 2023، وشن إسرائيل حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة وعموم فلسطين الانتدابية، بمشاركة أمريكية، ودعم غربي وتواطؤ دولي وعربي. شهد العالم تصاعدا غير مسبوق في التضامن مع الشعب الفلسطيني. وعودة تيارات يهودية وغربية إلى نقد المشروع الصهيوني، بوصفه استعمارا عنصريا لا مجرد انحراف سياسي. لكن هذا التصاعد، مهما بدا واعدا، يطرح أسئلة مؤلمة وملحة: • هل يمكن التعويل على معاداة الصهيونية في الغرب كمدخل فعّال للتحرر الفلسطيني؟ • وهل يمكن بناء تحالف فلسطيني–يهودي حقيقي دون إعادة إنتاج التبعية؟ • وهل يؤدي ربط المسارين (النقد اليهودي والتحرر الفلسطيني) إلى تضامن ندي، أم إلى استعاضة 'الوسيط الأخلاقي' عن صوت الضحية الفاعل؟ في هذا المقال البحثي، نحاول تفكيك هذه الجدليات من خلال تحليل تاريخي- بنيوي لمسار معاداة الصهيونية، منذ بداياتها في أوروبا القرن التاسع عشر، مرورا بمؤتمري فيينا 2004 و2025، ووصولا إلى لحظة التصدع العالمي بعد حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة. نستخدم في هذا التحليل أدوات النقد البنيوي – ما بعد الكولونيالي، ونستحضر مساهمات نقدية من المفكرين الفلسطينيين (إدوارد سعيد، جوزيف مسعد، وآخرين)، ومن التيارات اليهودية المناهضة للصهيونية، لفهم موقع فلسطين في المنظومة العالمية، وجدوى النقد من داخلها. يسعى هذا المقال للمساهمة في النقاش حول فك التبعية، وإعادة تعريف التحالفات، واستعادة مركزية الفعل الفلسطيني، ليس بوصفه موضوع تضامن، بل فاعلا يعيد إنتاج العالم من جديد. أولا: الصهيونية في فيينا 1873: مولد المشروع ومولد مناهضيه 1. فيينا: عاصمة التناقضات الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر، كانت فيينا إحدى العواصم الإمبريالية الأوروبية التي جمعت تناقضات اللحظة التاريخية: رأسمالية صاعدة وأزمات قومية متفاقمة، حداثة ليبرالية وإرث استعماري، يهود أوروبيون مندمجون جزئيا ونخب قومية يهودية جديدة تبحث عن خلاص جماعي. يمكن القول إن 1873 تمثل رمزا لبداية الانتقال من اليهودية الدينية إلى الصهيونية السياسية الحديثة، باعتبارها مشروعا لإنتاج 'يهودي جديد': مقاتل، مستعمر، مرتبط بالغرب لا كضحية، بل كشريك في الهيمنة. لم تكن تلك الفكرة مكتملة بعد، لكنها كانت تختمر في عقول أمثال موسى هس، وليون بنسكر، ثم ستتبلور لاحقا في مشروع هرتسل – ابن فيينا – الذي عايش كل تلك التحولات. في هذا السياق، لم تكن الصهيونية مجرد رد فعل على معاداة السامية، بل نتاجا لزمن القوميات الأوروبية العنيفة، والأنماط الاستعمارية التي تنقل 'المسألة اليهودية' من سؤال دمج ومواطنة إلى مشروع تهجير واحتلال. 2. المؤتمر الأول: ولادة مشروع الاستيطان السياسي عام 1897 (وليس 1873 كما ظن البعض أحيانا)، نظم تيودور هرتسل المؤتمر الصهيوني الأول في بازل، لكن جذور المشروع تمتد إلى فيينا، حيث عاش هرتسل وكتب. في قلب فيينا، صاغ فكرة 'الدولة اليهودية'، ليس كرد ديني، بل كمشروع قومي – استيطاني، يسعى إلى خلق شعب جديد عبر الأرض والسيادة والجغرافيا السياسية. هنا برزت الصهيونية كـ: • إعادة تدوير قومية أوروبية على جماعة دينية، • مشروع إحلالي بنَفَس استعماري، • تقاطع بين اليهودية الغربية والصيغة الليبرالية – الإمبريالية للدولة. 3. مناهضة مبكرة داخل اليهودية لكن في اللحظة ذاتها، ولدت مناهضة يهودية للصهيونية: • حاخامات أرثوذكس رأوا في المشروع خيانة لوعد التوراة. • مثقفون اشتراكيون اتهموا الصهيونية بنقل الصراع من الطبقة إلى الهوية العرقية. • يهود ألمان وفرنسيون اعتبروا الصهيونية مشروعا انعزاليا يضعف اندماجهم الوطني. هذه التيارات لم تكن فقط دينية أو أخلاقية، بل تحمل وعيا سياسيا مضادا يرى في الصهيونية: • مشروعا استعماريا مغلفا بالخلاص، • محاولة لإسقاط المظلومية اليهودية على شعوب أخرى، • تهديدا للهوية اليهودية بوصفها تراثا روحيا وتاريخا من النفي، لا مشروع سيادة جغرافية. 4. جدلية الضحية والجلاد: من فيينا إلى فلسطين هنا تتجلى المفارقة التاريخية: الصهيونية ولدت في قلب المراكز التي مارست العنصرية ومعاداة السامية، وتلقت الدعم منها لاحقا. بينما رفض كثير من اليهود أن يعاد إنتاج المظلومية في هيئة استعمارية. وهكذا، ظهرت منذ البداية جدلية معقدة: هل يمكن أن يولد مشروع 'تحرر' من رحم منظومة الهيمنة نفسها؟ وهل يمكن أن يتحول ضحايا الأمس إلى جلادين باسم الخلاص القومي؟ ثانيا: السياق العالمي لبزوغ الصهيونية ومعاداة الصهيونية: الحداثة، الاستعمار، والعنصرية البنيوية 1. الحداثة الأوروبية: ولادة الدولة/العرق/الاستعمار نشأت الصهيونية في قلب لحظة حداثية أوروبية مشبعة بالتناقضات: من جهة، وعد بالمواطنة والعقل والحرية. ومن جهة أخرى، عنصرية بنيوية، وهرمية حضارية، واستعمار كوني. المواطنة الحديثة نفسها قامت على نفي 'الآخر' (غير الأبيض، غير المسيحي، غير الأوروبي)، وأدرج اليهود في هذه المعادلة كـ' أقليات مشروطة'. وإن قبلوا، فبثمن: الذوبان الكامل أو العزل الثقافي. فجاءت الصهيونية، لا بوصفها تمردا على هذه الشروط، بل امتثالا لها: حل المشكلة اليهودية لا داخل أوروبا، بل على حساب شعب آخر خارجها: · تبني تصور قومي – استيطاني، على نموذج القوميات الأوروبية (ألمانيا، إيطاليا …) · تبني فكرة 'نقل الحضارة' إلى شرق متخلف – كما ادعت الإمبراطوريات الأوروبية. 2. النموذج الاستعماري الغربي: فلسطين كفراغ قابل للاستعمار تزامن صعود الصهيونية مع ذروة الاستعمار الأوروبي: • فرنسا في الجزائر وتونس، • بريطانيا في الهند ومصر، • بلجيكا في الكونغو. وكان النموذج البريطاني في الاستيطان (كندا، أستراليا، جنوب إفريقيا) هو الأقرب لما أراده هرتسل: · استعمار إحلالي ينقل شعبا إلى أرض. · يمحو السكان الأصليين أو يهمّشهم. · ينشئ 'دولة متحضرة' مكانهم. هنا، لم تر فلسطين بوصفها وطنا لشعب، بل بوصفها 'أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض'. وهذا الخطاب لم يكن جهلا، بل أداة استعمارية بنيوية، تعيد صياغة الواقع لتبرير السيطرة عليه. 3. العنصرية البنيوية: اليهود كأداة والمشرقي كهدف يخطئ من يظن أن أوروبا دعمت الصهيونية 'حبا في اليهود'. فمعاداة السامية لم تختف، بل جرى تدويرها: · من نفي اليهود في الداخل، · إلى دفعهم للهجرة إلى الخارج. الصهيونية سمحت لأوروبا أن 'تغسل يدها' من مسؤولية تاريخية، عبر نقل العبء إلى المشرق. وفي المقابل، جرى تصوير الفلسطيني كـ: • متخلف، • رافض للتقدم، • معاد للمدنية. وهكذا، أنتج الخطاب الغربي ثنائية خادعة: • اليهودي المستوطن = حامل الحداثة، • الفلسطيني المقاوم = عائق أمامها. 4. معاداة الصهيونية في السياق الغربي: بين النقد البنيوي والتواطؤ الليبرالي في هذا السياق، ظهرت أصوات ناقدة بعمق للمشروع الصهيوني: • اشتراكيون عالميون رأوا فيه تشتيتا للصراع الطبقي. • مفكرون يهود حذروا من تحويل اليهودية إلى قومية عسكرية. • حركات مناهضة استعمارية بدأت تلتقط خطورة المشروع على شعوب الجنوب. لكن هذه الأصوات ظلت هامشية داخل المركز الغربي، الذي احتضن الصهيونية لا حبا فيها، بل لأنها أداة هيمنة قابلة للتوظيف. ثالثا: تحولات معاداة الصهيونية حتى مؤتمر فيينا 2004: من النقد الأرثوذكسي إلى الجبهة العالمية 1. البدايات: نقد داخلي يهودي للصهيونية منذ نشأتها، لم تكن الصهيونية محل إجماع داخل الأوساط اليهودية. بل ووجهت بمعارضة فكرية وروحية حادة، يمكن تصنيفها في ثلاث تيارات مبكرة: أ – التيار الديني الأرثوذكسي مثل 'ناطوري كارتا' رفض الصهيونية باعتبارها تجديدا دينيا، لأنها تسبق 'قدوم المسيح' وتحول الانتظار الإيماني إلى مشروع سياسي دنيوي. بالنسبة لهؤلاء، الدولة اليهودية ليست فقط غير شرعية، بل خطر على جوهر اليهودية نفسها. ب- التيار الليبرالي – الاندماجي كان يرى أن خلاص اليهود يكون عبر الاندماج في مجتمعاتهم الأوروبية، لا عبر تأسيس دولة خاصة. أمثال 'هربرت صموئيل' و'ليو بايك' جادلوا أن الصهيونية تقوض فكرة المواطنة، وتعزل اليهود كجسم غريب سياسيا وثقافيا. ج- التيار الاشتراكي والأممي رأى أن المشروع الصهيوني يشوه الصراع الاجتماعي ويخدم الرأسمال العالمي. بالنسبة لحركات مثل 'البوند' في شرق أوروبا، كان الحل في الثورة والعدالة الاجتماعية، لا في تأسيس وطن قومي على حساب الآخرين. 2. معاداة الصهيونية بعد النكبة: التحول إلى نقد تحرري بعد نكبة 1948، ومع اتضاح الطابع الاستيطاني الإحلالي للمشروع الصهيوني، بدأت معاداة الصهيونية تتخذ طابعا تحرريا عالميا. وفي هذا السياق، ظهرت تحولات أساسية: • فلسطينيا: • بدأت الحركة الوطنية الفلسطينية، خاصة في الستينات، بالنظر للصهيونية ليس كمشكلة 'يهودية داخلية'، بل كمشروع استعماري استيطاني مدعوم غربيا. • تحول نقد الصهيونية إلى عنصر مركزي في الخطاب التحرري الفلسطيني (فتح، الجبهة الشعبية، وغيرها). •عالميا: • مع صعود حركات التحرر في آسيا وإفريقيا، بدأت تظهر مقاربات جديدة ترى الصهيونية ضمن منظومة الاستعمار العالمي. • القرار الأممي 3379 (1975) الذي اعتبر 'الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية'، شكل ذروة هذا الاتجاه. وإن ألغي لاحقا تحت ضغط أمريكي – إسرائيلي في سياق مؤتمر مدريد للسلام (1991). • في أوساط يهودية تقدمية: • بدأ مثقفون مثل 'إسرائيل شاحاك' و'يوري أفنيري' و'مكسيم غيلان' و'إيلان هاليفي' يربطون بين نقد الصهيونية والبحث عن يهودية أخرى – إنسانية، منفتحة، ضد الإقصاء. 3. مؤتمر فيينا 2004: نحو تنظيم أممي لمناهضة الصهيونية شكل مؤتمر فيينا 2004 منعطفا مهما في محاولة بناء حاضنة دولية لمعاداة الصهيونية، جمعت: • مفكرين وأكاديميين يهود غير صهيونيين، • ناشطين فلسطينيين وعرب، • حركات اجتماعية غربية مناهضة للحروب الأمريكية. أبرز مخرجات المؤتمر: • التأكيد على أن الصهيونية ليست تعبيرا عن اليهودية، بل مشروع سياسي استيطاني. • الدعوة إلى إعادة تعريف 'معاداة السامية' بحيث لا تستخدم كسلاح لإسكات النقد السياسي. • التشبيك مع حركات مناهضة العولمة والإمبريالية، كرافعة استراتيجية. 4. حدود مرحلة ما قبل 2004: الهامشية والتجريم رغم تزايد الأصوات المناهضة للصهيونية، إلا أن هذه التيارات ظلت تعاني من: • التجريم السياسي عبر وصمها بمعاداة السامية. • الحصار الإعلامي في الغرب. • غياب التنسيق البنيوي بين مكوناتها المتعددة (فلسطينية، يهودية، أممية). وهكذا، ظل تيار معاداة الصهيونية يتقدم نظريا، لكن دون أن يحقق اختراقا مؤسساتيا حقيقيا في بنية الخطاب الغربي أو النظام الدولي. رابعا: مؤتمر فيينا 2025 – استمرارية نقد الصهيونية وتحولاته 1. السياق السياسي والاجتماعي للمؤتمر في ظل تصاعد موجة المقاومة الفلسطينية بعد طوفان الأقصى، وتصاعد حركات التضامن الدولية، انعقد مؤتمر فيينا 2025 تحت شعار 'نقد الصهيونية وإعادة تعريف العدالة'. تميز المؤتمر بتوسع ملحوظ في المشاركين: 400 – 500 مشارك، وحضرت شخصيات من مختلف أنحاء العالم، من يهود وغير يهود، بينهم مفكرون ونشطاء وأكاديميون • مجموعات يهودية مناهضة للصهيونية، • حركات عالمية مناهضة للاستعمار والعنصرية. • فصائل فلسطينية وناشطون من مختلف أنحاء العالم. 2. تطورات الخطاب النقدي شهد المؤتمر تعميقا في الفهم السياسي للصهيونية كمشروع استعماري إحلالي، متصل ببنى الهيمنة الغربية: • ربط نقد الصهيونية بالبنى العنصرية الغربية الحديثة، وخصوصا ما يعرف بـ' الاستعمار الاستيطاني'. • التأكيد على أن الصهيونية ليست مجرد قضية إقليمية، بل جزء من منظومة الهيمنة الإمبريالية. • انتقاد الاستعمال السياسي لمعاداة السامية كأداة لقمع حرية التعبير والنضال الفلسطيني. 3. التحالفات السياسية والفكرية برزت دعوات لبناء جبهة أممية واسعة تتجاوز التقسيمات التقليدية: • تحالف فلسطيني – يهودي مناهض للصهيونية قائم على الندية والاحترام المتبادل، • تقاطع حركات مقاومة ضد العنصرية والنيوليبرالية، • استثمار الأطر القانونية الدولية للضغط على إسرائيل. 4. التحديات والانتقادات رغم النجاح النسبي، واجه المؤتمر انتقادات تشمل: • محدودية التأثير في دوائر القرار الغربية، رغم قوة الخطاب. • صعوبات في توحيد الفصائل الفلسطينية والمجموعات اليهودية المناهضة للصهيونية حول رؤية استراتيجية مشتركة. • محاولات بعض الجهات الغربية والإسرائيلية تفريغ محتوى المؤتمر من أبعاده السياسية وتحويله إلى حراك رمزي. 5. مخرجات المؤتمر وأثره • رفع سقف الخطاب السياسي لمعاداة الصهيونية، وربطها مباشرة بمشروع التحرر الفلسطيني. • تحفيز انخراط مجموعات جديدة من اليهود المناهضين للصهيونية في الدعم السياسي والعملي للقضية الفلسطينية. • إحياء النقاش حول إعادة تعريف مصطلحات مثل 'معاداة السامية' و' التحريض'، لتصبح أدوات للنضال لا للوصم. مؤتمر فيينا 2025 مثل مرحلة تطور نوعية في نقد الصهيونية، حيث لم يعد الأمر مقتصرا على خطاب نقدي نظري، بل تحول إلى مساحة فعل سياسي معزز بتحالفات متعددة الأبعاد. رغم ذلك، يبقى تأثيره محدودا ضمن البنى السلطوية الغربية، ما يستدعي تطوير آليات جديدة للتأثير والمقاومة. خامسا: طوفان الأقصى – من كابح إلى محفز عالمي لمناهضة الصهيونية 1. خلفية الحدث وتأثيره المباشر أثارت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، بعد عملية 'طوفان الأقصى' صدمة عالمية، وأعادت قضية فلسطين إلى مركز الاهتمام الدولي. • عكست التطورات فشل المحاولات السياسية التقليدية لإيجاد حل، وأظهرت مدى عنصرية ووحشية المشروع الصهيوني. • عززت الصور والفيديوهات المروعة من حجم المعاناة وأدت إلى تصاعد موجات التضامن الشعبي عبر العالم. 2. التحولات في مواقف الجاليات اليهودية كشفت الأحداث تباينا حادا في مواقف الجاليات اليهودية حول العالم: • توسع دور التيارات اليهودية المناهضة للصهيونية التي رأت في هذه المأساة فرصة لتعزيز نقدها الداخلي للمشروع الصهيوني. • ازدياد الانقسامات داخل المجتمعات اليهودية بين من يدافع عن إسرائيل كدولة شرعية، وبين من يرفض العنف والاحتلال ويرى في الصهيونية تحريفا لليهودية. • تصاعد الضغوط على اللوبيات الصهيونية، وظهور أصوات جديدة تنادي بضرورة الفصل بين اليهودية والصهيونية. 3. تحالفات المقاومة الجديدة والمقاومة الدولية أحدث طوفان الأقصى ديناميكية جديدة في حركات المقاومة الدولية: • تزايد التعاون والتنسيق بين الفصائل الفلسطينية والحركات العالمية المناهضة للاستعمار والعنصرية. • تجذر فكرة المقاومة كحق مشروع، ورفض الشرعنة الغربية للعنف الإسرائيلي تحت ذريعة الأمن. • توسيع قاعدة التضامن من الحركات المدنية إلى الحركات السياسية والنقابية والثقافية في أنحاء متعددة من العالم. 4. التأثير السياسي والردود الدولية • تصاعد الانتقادات الدولية للسياسات الإسرائيلية، رغم التباين في مواقف الحكومات الرسمية. • محاولات أمريكية وأوروبية لاحتواء الأزمة عبر دبلوماسية محدودة، لكنها اصطدمت بواقع ضغط شعبي متزايد. • انتعاش خطاب حقوق الإنسان الدولي الذي بات يتضمن نقدا أكثر وضوحا للاستعمار الصهيوني. 5. التحديات المستمرة • استمرار الحصار والإبادة في غزة وفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية على الفلسطينيين. • محاولات إسرائيل لإعادة تشكيل الواقع على الأرض عبر التهويد والاستيطان، مما يفاقم الصراع. • الحاجة إلى توسيع الفعل المقاوم ليشمل أبعادا سياسية، قانونية، واجتماعية، إلى جانب البعد العسكري. مثل طوفان الأقصى نقطة تحول دراماتيكية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، حيث أخرج القضية من أزمتها المزمنة إلى مشهد عالمي جديد يفرض إعادة النظر في أدوات النضال والتحالفات الدولية. لم يعد بالإمكان الاعتماد على الخطابات التقليدية، بل يتطلب الأمر حراكا شاملا ومفتوحا يعيد رسم ملامح المقاومة والتحرر. سادسا: العوامل البنيوية لتطور معاداة الصهيونية: الاقتصاد، المجتمع، الثقافة، والسياسة لا يمكن فهم التحول في معاداة الصهيونية خارج السياقات البنيوية العميقة التي شكلت البنية الغربية واليهودية الحديثة، وعلاقات القوة العالمية. فصعود هذا التيار لا يرتبط فقط بردود أفعال أخلاقية على ممارسات إسرائيل، بل بتغيرات أعمق في الاقتصاد العالمي، والتحولات الاجتماعية والثقافية، وتبدل موقع إسرائيل في معادلات الهيمنة الدولية. 1. الاقتصاد السياسي العالمي: من المركز إلى التعددية • أدى انتقال العالم من نظام أحادي القطب إلى مشهد عالمي أكثر تداخلا وتعددا إلى تراجع مركزية الغرب في تشكيل الخطاب العالمي، وفتح مجالا أوسع للخطابات المناهضة للهيمنة، ومنها معاداة الصهيونية. • تصاعد التناقضات داخل الاقتصاد الرأسمالي النيوليبرالي نفسه، وخاصة بعد أزمات 2008 وما بعدها، أدى إلى تزايد الاحتجاجات الاجتماعية التي باتت ترى في إسرائيل أحد تعبيرات البنية النيوليبرالية الأمنية العالمية. • أصبح المشروع الصهيوني يرتبط في أذهان العديد من النشطاء الشباب بحماية مصالح رأس المال العابر للقوميات، وليس فقط بمشروع قومي يهودي. 2. التحولات الاجتماعية والجيل الجديد • ظهرت أجيال يهودية شابة – خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا – لا تشعر بالارتباط العاطفي أو الديني بإسرائيل، بل ترى فيها كيانا استعماريا منبوذا. • هذه الأجيال، التي نشأت في ظل ثورة المعلومات، باتت أكثر حساسية للتمييز العنصري، والاستعمار، والسياسات القمعية، مما يجعلها منفتحة على تبني مواقف نقدية للصهيونية، دون أن تراها خيانة لهويتها. • في العالم العربي والإسلامي، أيضا، أعادت التحولات الاجتماعية والسياسية، وخاصة بعد الانتفاضات الشعبية، تفعيل النقاش حول فلسطين كقضية تحرر، وليس كرمز خارجي فقط. 3. الإنتاج الثقافي والفكري الجديد • برز جيل جديد من المثقفين اليهود والعالميين، مثل إيلانبابيه،نورمانفنكلشتاين،شلوموساند،آفيشلايموآخرين، الذين أعادوا كتابة التاريخ الصهيوني من منظور نقدي، وربطوه بالسياقات الاستعمارية والعنصرية الغربية. • ساهمت الأعمال الفنية، والسينمائية، والأدبية، وخاصة تلك القادمة من جنوب العالم، في فضح الصورة الاستعمارية لإسرائيل، وتفكيك الرموز السياسية والدينية التي طالما حصنت الصهيونية من النقد. • كما باتت شبكات التواصل الاجتماعي منصة لتبادل السرديات البديلة، مما ساهم في تحطيم احتكار إسرائيل للخطاب الأخلاقي. 4. التحولات السياسية في مراكز القرار • بدأت بعض الأحزاب الغربية، خاصة في اليسار الجديد، تتبنى مواقف نقدية من إسرائيل، وتطالب بمساءلتها على جرائمها، كما حصل في حزب العمال البريطاني تحت قيادة جيرمي كوربن، وحركات اليسار في أمريكا اللاتينية. • حتى في داخل بعض البرلمانات الأوروبية، ظهرت مبادرات للاعتراف بفلسطين، أو لحظر منتجات المستوطنات، ما يعكس تغيرا تدريجيا في المزاج السياسي الرسمي. • لكن هذا التحول يظل بطيئا ومقاوما من قبل تحالف اللوبيات الصهيونية والمؤسسات النيوليبرالية، مما يجعل المعركة طويلة ومركبة. إن صعود معاداة الصهيونية هو تعبير عن أزمة حضارية أوسع يعيشها الغرب الحديث، حيث تفقد مفاهيم التقدم والتنوير معناها الأخلاقي في ظل دعم الاحتلال والقتل الجماعي. لذا فإن فهم هذه المعاداة لا يمكن أن يتم فقط عبر مواقف الأفراد، بل ينبغي أن يقرأ داخل منظومة عالمية تتحول، ويصعد فيها خطاب العدل من الهامش إلى المركز، رغم كل القيود. سابعا: التحالف الصهيوني- النازي ومعاداة السامية ككوابح لمعاداة الصهيونية غالبا ما يصور المشروع الصهيوني كاستجابة لاضطهاد اليهود، خاصة مع صدمة المحرقة. غير أن هذا السرد التاريخي، الذي يستثمر كدرع أخلاقي لحماية إسرائيل، يتجاهل لحظات مفصلية كشفت تواطؤا بنيويا بين الصهيونية الاستيطانية وقوى معادية لليهود أنفسهم، وعلى رأسها النازية. لا يسعى هذا الجزء إلى إثارة الجدل الأخلاقي فقط، بل مساءلة الذاكرة الغربية التي تستغل معاداة السامية لتبرير الصهيونية، بينما تمارس في الوقت نفسه قمعا عنيفا ضد كل من يعارض إسرائيل، حتى لو كان يهوديا. 1. اتفاقية 'هافارا' (Haavara) – حين تواطأت الصهيونية مع النازية • وقّعت الوكالة اليهودية عام 1933 اتفاقا اقتصاديا مع النظام النازي الألماني لنقل رؤوس أموال اليهود الألمان إلى فلسطين، مقابل تشجيع هجرتهم وتسهيل مصالح الطرفين. • هذه الاتفاقية، التي وقعت في وقت كانت فيه الجاليات اليهودية في العالم تدعو لمقاطعة شاملة لألمانيا، تظهر أن المشروع الصهيوني لم يكن على استعداد لمواجهة الفاشية حين كان ذلك يتعارض مع مشروع بناء الدولة في فلسطين. • بعض الأصوات اليهودية، مثل حاييمأرلوزوروف، دافعت عن الاتفاق بوصفه 'ضرورة تاريخية'، بينما اعتبره آخرون – من المعسكر الأرثوذكسي أو الاشتراكي – خيانة مزدوجة. 2. معاداة السامية كسلاح سياسي لحماية إسرائيل • بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت معاداة السامية تهمة جاهزة تستخدم لقمع أي نقد موجه لإسرائيل. فكل من يصف إسرائيل بأنها دولة استعمارية أو عنصرية، يتهم ضمنيا أو علنا بكراهية اليهود. • هذا الاستخدام السياسي لمعاناة اليهود يعيد إنتاج شكل من 'التوظيف الأخلاقي للضحوية'، لا يخدم اليهود ضحايا النازية، بل يعيد تأطير ذاكرتهم في وظيفة استعمارية. • الأمر الأخطر أن هذا التوظيف يطال حتى اليهود المعادين للصهيونية، مثل نورمانفنكلشتاين أو جيكوببنعامي أو ناطوريكارتا، حيث يتهمون بأنهم 'يهود كارهون لذاتهم'. جيرمي كوربن، الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني، خضع لحملة تشويه ممنهجة بتهمة معاداة السامية بسبب مواقفه النقدية من إسرائيل، رغم سجله الحافل في مناهضة العنصرية. • نورمان فنكلشتاين، الباحث اليهودي الذي كتب عن 'صناعة الهولوكوست'، طُرد من جامعته بعد حملة شرسة من جماعات ضغط صهيونية رغم كونه ابنا لضحايا المحرقة. • حظر حركة BDS في ألمانيا وفرنسا، ومنع محاضرين في جامعات أمريكية بسبب تضامنهم مع فلسطين، يظهر حدود حرية التعبير حين تمس إسرائيل 3. الأثر المزدوج على معاداة الصهيونية • أدى هذا الوضع إلى نشوء حالة شلل أخلاقي في الغرب: إذ يمنع نقد إسرائيل باسم مناهضة العنصرية، في حين تمارس أبشع أشكال العنصرية ضد الفلسطينيين من دون مساءلة. • كما تم خلط الخطوط بين اليهودية كديانة، والصهيونية كمشروع سياسي استعماري، مما يصعب فصل الموقف من إسرائيل عن موقف من الهوية اليهودية، ويسهل اتهام المعارضين بالعداء الديني أو العرقي. • هذا الواقع أضعف التيارات المناهضة للصهيونية داخل المجتمعات الغربية، وجعلها عرضة للحصار القانوني والسياسي، كما في حالات حظر حركة BDS أو مطاردة الأكاديميين المنتقدين لإسرائيل في الجامعات. إن أحد أخطر كوابح معاداة الصهيونية اليوم هو استغلال سردية الضحية – المأساة اليهودية – في تبرير جريمة استعمارية مستمرة. وهذا يتطلب تفكيكا مزدوجا: 1. مساءلة التحالفات التاريخية للصهيونية مع قوى معادية لليهود أنفسهم. 2. تحرير نقد إسرائيل من فخاخ الخطاب الغربي الأخلاقي المزدوج. فمعاداة السامية الحقيقية هي تلك التي تصمت أمام جرائم إسرائيل باسم الذاكرة، وتقصي اليهود الأحرار باسم الطاعة القومية. ثامنا: البنية العنصرية الغربية كقيد بنيوي على مناهضة الصهيونية والتحرر الفلسطيني رغم تعاظم مظاهر التضامن العالمي مع فلسطين، خاصة في أعقاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة بعد 'طوفان الأقصى'، تظل البنية العميقة للخطاب الغربي محكومة بمنظور استعماري أبيض، يعيد إنتاج المركزية الأوروبية حتى في لحظات التعاطف. هذا الانحياز البنيوي لا يظهر فقط في ازدواجية المعايير، بل في الطريقة التي يسمح بها لفلسطين أن تروى: كألم إنساني وليس كمشروع تحرري. وكضحية تستحق الشفقة لا كمقاوم يمتلك حقا أصيلا في الأرض والكرامة. 1. الفلسطيني كضحية… لا كفاعل تحرري • تسود في الإعلام الغربي صورة الفلسطيني كجسد مدمى تحت الأنقاض، أو كأم ثكلى وطفل جائع. • رغم أهمية هذه الصور في كشف البشاعة، إلا أنها غالبا تبتر من سياقها التاريخي والسياسي، لتصبح مأساة إنسانية لا نتيجة بنيوية للاحتلال والاستعمار. • في المقابل، يقدم الإسرائيلي دوما كفاعل عقلاني يمارس 'الحق في الدفاع عن النفس'، حتى لو ارتكب المجازر. • هذه المعادلة تجرد الفلسطيني من صفة الفاعل السياسي، وتبقي خطابه أسير العتبة الأخلاقية لا السيادية، حيث لا تطرح مشروعية المقاومة، بل تختزل في طلب التعاطف. 2. معاداة صهيونية منزوعة الجذر… قابلة للهضم الغربي • في معظم الخطابات الغربية المناهضة للصهيونية، يسمح بنقد إسرائيل فقط ضمن حدود 'اللياقة الأخلاقية': أي انتقاد 'المبالغة' أو 'عدم التناسب'، لا المشروع الاستيطاني ذاته. • يتم تجنب نقد البنية الاستعمارية العنصرية لإسرائيل، وينظر إلى الحلول غالبا من داخل بنية الدولة: 'تحسين الديمقراطية'، 'إصلاح الجيش'، 'العودة إلى حدود 1967' … • أما الأصوات التي تفضح الصهيونية كبنية عنف متجذرة في النظام العالمي الأبيض – سواء أتت من يهود أو فلسطينيين أو حلفاء عالميين – فغالبا ما تقصى أو تشيطن أو تحاصر قانونيا. 3. التحدي البنيوي: تفكيك المركز لا التوسل له • جوهر الإشكال لا يكمن في غيابالتضامنالغربي، بل في حدودهالبنيوية. • فحتى حين يتعاطف الغرب، يظل يعيد إنتاج نفسه كمركز أخلاقي يمنح الاعتراف، لا كشريك في الجريمة الاستعمارية. • هذا يعني أن المطلوب ليس فقط نقد إسرائيل، بل تفكيك البنية المعرفية والسياسية الغربية التي أنتجتها، ورفض أن يكون الفلسطيني مجرد متلق للتعاطف، بل صانعا للرؤية والنضال. • هنا تبرز ضرورة بناء خطاب تحرري عالمي جديد، لا يطلب الاعتراف من المركز، بل يفكك المركزية ذاتها، ويستعيد موقع الفعل من الأطراف، حيث تنبثق أشكال بديلة من العدالة والتحالف. إن قيد الخطاب الغربي على فلسطين لا يختصر في الانحياز لإسرائيل، بل في نزعجذورالمقاومةمنأصلهاالسياسيوالاستعماري. لا بد من الانتقال من خطاب الشفقة إلى خطاب الحق، ومن صور الجثث إلى صورة الفاعلين السياسيين الذين يقاومون استعمارا عنصريا، لا كارثة طبيعية. كما أن معاداة الصهيونية، كي تكون مجدية، يجب أن تنتزع من داخل البنية العنصرية الغربية لا أن تتوسل لها. التطبيع الرسمي العربي: حين يتحول النظام إلى أداة لحماية الصهيونية رغم تصاعد التضامن الشعبي مع فلسطين، شكل التحول الرسمي العربي نحو التطبيع مع إسرائيل أحد أخطر العوائق البنيوية أمام تعاظم مناهضة الصهيونية. فبدلا من دعم النضال التحرري، انخرطت بعض الأنظمة العربية في شراكات أمنية واقتصادية مع إسرائيل، ووفرت غطاء سياسيا لها في المحافل الدولية. • لم تكتف هذه الأنظمة بعدم دعم المقاومة، بل باتت تشارك في قمع الأصوات الفلسطينية والعربية المناهضة للصهيونية داخل بلدانها. • كما سعت إلى تأطير القضية الفلسطينية ضمن مقاربات تجارية أو دينية جديدة، مثل خطاب 'السلام الإبراهيمي'، الذي يحول النضال من صراع تحرري إلى حوار ثقافي مزيف يتجاهل الاستعمار الجاري. • إن هذا التحالف بين الأنظمة العربية المحافظة والمشروع الصهيوني يشكل امتدادا للبنية العنصرية العالمية التي تحاصر المقاومة من داخلها وخارجها تاسعا: احتمالات التحرر اليهودي: نقد الصهيونية كمدخل لإعادة تعريف الهوية اليهودية لا تنحصر مناهضة الصهيونية في بعدها السياسي كرفض لمشروع استعماري، بل تمتد – لدى بعض التيارات اليهودية – إلى مساءلة شاملة لهوية اليهودية الحديثة التي اختطفت، في نظرهم، من قبل المشروع الصهيوني. فمع تصاعد الاستعمار الصهيوني وتورط إسرائيل في جرائم إبادة جماعية، برزت داخل بعض الأوساط اليهودية دعوات لتحرير الذات اليهودية من أسر الدولة القومية، ومن وهم الخلاص السياسي بالقوة. 1. من اليهودية – الدولة إلى اليهودية – الضمير • يشكل هذا التحول محاولة لإعادة وصل اليهودية بالقيم الأخلاقية والروحية التي فصلت عنها نتيجة تسييسها الصهيوني. • حاخامات يرفضون الدولة، ومفكرون يساريون، وشباب يهودي عالمي، بدأوا يميزون بين إيمانهم اليهودي ومشروع إسرائيل السياسي. • يتأسس هذا الاتجاه على أن الصهيونية ليست امتدادا لليهودية، بل انحراف عنها، بل إن مشروعها القومي العنيف يتناقض مع قيم العدل، والتواضع، والعيش مع الآخر. • هنا، لا يكون نقد الصهيونية فقط موقفا سياسيا، بل تحررا داخليا من اختطاف الهوية ذاتها. 2. الهوية ما بعد الصهيونية: بين القلق والتجريب • ما بعد الصهيونية لا تعني فقط تجاوز المشروع، بل تفكيك سرده التأسيسي: من 'حق العودة' اليهودي إلى سؤال التهجير الفلسطيني، ومن 'الوطن الآمن' إلى أدوات العنف التي بني بها. • في هذا الفضاء النقدي، تظهر مدارس فكرية كمدرسة إيلان بابيه، وشلومو ساند، وغيرهما ممن أعادوا كتابة التاريخ من خارج الرواية الصهيونية. • لكن هذه التيارات ما تزال أقلية مهمشة في الطيف اليهودي العام، وتواجه هجوما مؤسساتيا شرسا من لوبيات تدعي تمثيل 'الهوية اليهودية الجامعة'، رغم تعدديتها. 3. من نقد المشروع إلى استعادة المعنى • الجانب الأكثر وعدا في هذا التحول لا يقتصر على النقد، بل يسعى إلى استعادة المعنى الأخلاقي لليهودية – كقوة مقاومة للاستبداد، لا امتداده. • من هنا، ينفتح أفق لبناء خطاب يهودي جديد يتجاوز الصهيونية، لا فقط سياسيا بل وجوديا: حيث يعاد تعريف الانتماء، والتاريخ، والذاكرة، خارج مركزية الدولة أو الهولوكوست كعنصر توحيدي قسري. • هذا الخطاب لا يعفي من المسؤولية، بل يعترف بأن تحرر اليهود لا يكتمل في انفصالهم عن معاداة السامية، بل في انخراطهم في مقاومة كل منظومات الهيمنة، بما فيها تلك التي أقاموها هم أنفسهم في فلسطين. نقد الصهيونية لدى بعض اليهود لا يجب أن يفهم فقط كإحراج أخلاقي لها، بل كمحاولة تحرر وجودية من دولة قامت على نفي الآخر، ونفي الذات الروحية معا. لكن خطر هذا المسار يكمن في تحوله إلى 'بديل رمزي' عن المقاومة الفلسطينية، أو في تحويل الصراع إلى أزمة هوية داخلية يهودية تمارس على حساب من هم تحت الاحتلال. التحرر اليهودي مهم، لكنه لا يحل محل المشروع التحرري الفلسطيني. وبينما يعاد تعريف اليهودية خارج الصهيونية، لا بد من تذكير دائم بأن التحرر لا يكتمل دون الاعتراف الكامل بحق الفلسطينيين في الأرض والعودة والسيادة. عاشرا: حدود تأثير معاداة الصهيونية على التحرر الفلسطيني: بين التضامن النقدي والنهوض الذاتي رغم أهمية تصاعد التيارات المناهضة للصهيونية في الغرب وفي أوساط يهودية متعددة، إلا أن الرهان على هذا المسار كقاطرة للتحرر الفلسطيني ما يزال محاطا بمخاطر تحليلية وسياسية. فالمناهضة، حتى في أشد صورها نقدا، تبقى غالبا فعلا رمزيا وأخلاقيا داخل بنية الخطاب الغربي، لا مشروعا تحرريا جذريا يعيد تشكيل موازين القوة، أو يعيد الأرض لأصحابها. إن تحرر فلسطين يتطلب ما يتجاوز التضامن، إلى بناء مشروع مقاومة مستقلة، سيادية، ومعرفية. 1. مناهضة الصهيونية ليست نقيضا مكافئا • تفترض أحيانا علاقة تلقائية بين مناهضة الصهيونية والتحرر الفلسطيني، لكن هذا افتراض مضلل. • الكثير من التيارات المناهضة للصهيونية تنطلق من أخلاقيات ليبرالية، أو مراجعات دينية، لا من التزام سياسي كامل بحقوق الفلسطينيين. • في أفضل الأحوال، تدعو هذه التيارات إلى 'إنهاء الاحتلال' أو 'حل الدولتين' دون المساس بجوهر المشروع الصهيوني بوصفه استعمارا إحلاليا. • كما أن تيارات ما بعد الصهيونية قد تسعى إلى 'إصلاح إسرائيل' لا تفكيك بنيتها، ما يخلق تناقضا جوهريا مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل العودة والحرية. 2. خطر التواكل والاستلحاق الرمزي • أحد أخطر الانزلاقات هو تحول التيارات المناهضة للصهيونية إلى مركز الخطاب الفلسطيني في الفضاء الدولي، بحيث يستدعى اليهودي 'النقدي' كشاهد إثبات، بينما يقصى الفلسطيني من روايته وموقعه. • هذا النمط يعيد إنتاج الهيمنة الغربية، ولكن بأدوات التضامن، ويحول الفلسطيني إلى موضوع تعاطف، لا فاعل تحرري. • كما قد يؤدي هذا إلى نوع من التواكل السياسي: انتظار التغيير من الغرب أو من يهود متضامنين بدلا من بناء أدوات الفعل الذاتي والمقاومة المنظمة. • ويترتب على هذا أيضا خطر أخلاقي: أن يتم تأطير فلسطين كمجرد مأساة إنسانية، لا كقضية تحرر وطني في مواجهة نظام استعماري. 3. مجالات التقاطع لا الذوبان • رغم هذه الفروقات، ثمة نقاط تقاطع مهمة يجب الاستفادة منها، دون الذوبان فيها: • النقد البنيوي للاستعمار الصهيوني • فضح التواطؤ الغربي والعربي • الدفاع عن الحقوق الفلسطينية الأساسية • لكن هذه النقاط لا تؤسس لتحالف على قاعدة الإنابة أو التمثيل، بل على قاعدة الشراكة النقدية المشروطة بندية كاملة. • المطلوب ليس توحيد المسارات، بل بناء تحالفات استراتيجية تلتقي على مقاومة منظومات الهيمنة، دون أن يذوب مشروع التحرر الفلسطيني في أي سردية خارجية، مهما كانت متعاطفة. معاداة الصهيونية ضرورية، ولكنها ليست كافية. ولا يجب الخلط بينها وبين التحرر الفلسطيني. · فالأولى غالبا ما تخاض داخل حدود الخطاب، · بينما الثانية تخاض في الميدان، وفي بنية العالم نفسه. المطلوب ليس إنكار أهمية التيارات النقدية اليهودية أو الغربية، بل عدم تضخيم أثرها خارج سياقها. فالتحرر لا يمنح، بل ينتزع. ولن يبنى المشروع التحرري الفلسطيني إلا على أساس استقلال الذات، وتفكيك أدوات التبعية، وإعادة تعريف المقاومة كفعل جمعي جذري يعيد كتابة التاريخ من موقع الفعل لا الضحية. النقد الذاتي شرط الاستقلال: مراجعة المشروع الوطني الفلسطيني لا يمكن الحديث عن تحرر فلسطيني حقيقي دون مساءلة المشروع الوطني نفسه. فقد شكل اتفاق أوسلو لحظة انكسار سياسي ومعرفي، أعاد إنتاج التبعية للغرب، وفرض على النضال الفلسطيني معادلة 'السلطة تحت الاحتلال'. • أدى هذا الاتفاق إلى تقويض مفهوم المقاومة، وربط الشرعية السياسية بالتمويل الخارجي. • كما عزز الانقسام الجغرافي والسياسي، وأسهم في احتكار التمثيل وغياب البنية الديمقراطية الداخلية. • إن استعادة المبادرة لا تمر فقط عبر نقد الخارج، بل تتطلب مراجعة شجاعة لأدوات العمل الوطني الفلسطيني، وبناء مشروع تحرري جامع يقطع مع منطق التعايش مع الاستعمار، ويستعيد روح الكفاح الشعبي والسيادة المعرفية. حادي عشر: ضرورة فصل المسارين: التحرر الفلسطيني والتحرر اليهودي بين الاستقلال والتقاطع في ظل التصاعد النسبي لنقد الصهيونية داخل أوساط يهودية وغربية، تطرح مجددا إشكالية العلاقة بين مساري التحرر الفلسطيني والتحرر اليهودي ما بعد الصهيوني. هل يمكن بناء تحالف عضوي بين المسارين؟ أم أن الدمج بينهما يعيد إنتاج تبعية رمزية، ويمنع الفلسطيني من استعادة صوته الكامل؟ هنا، تبرز ضرورة فصل المسارين: لا من باب القطيعة، بل لضمان الندية، والاستقلال السياسي والمعرفي، وتفادي إعادة تدوير المركزية الغربية باسم 'التضامن'. 1. اختلاف الموقع التاريخي والسياسي: • التحرر الفلسطيني هو نضال شعب تحت استعمار استيطاني إحلالي، يسعى لاستعادة أرضه وهويته وحقوقه الجماعية، ويخوض معركة ميدانية، سياسية وثقافية، في مواجهة قوة استعمارية محمية من منظومة عالمية. • التحرر اليهودي المناهض للصهيونية هو نقد داخلي لهوية مختطفة، يحاول تحرير اليهودية من اختزالها في دولة قومية عسكرية، وتفكيك الارتباط بين اليهودية والصهيونية ضمن خطاب ليبرالي أو ديني بديل. • هذا التفاوت الجذري في الموقعين يجعل الدمج بين المسارين محفوفا بالمخاطر: • فليس من العدل أن يربط تحرر الفلسطيني بـ ' تحرر اليهودي' من الصهيونية. • وليس من المنطقي أن يقدم اليهودي المناهض للصهيونية كشرط 'أخلاقي' للاعتراف بعدالة القضية الفلسطينية. 2. تفادي استبدال الهيمنة بالتضامن الناعم • حين يدمج المساران دون وضوح، يتحول اليهودي المناهض للصهيونية إلى المتحدث 'المقبول' عن القضية الفلسطينية في المحافل الغربية. • وتصبح شرعية الفلسطيني مشتقة من شهادة الآخر، لا من سرده الذاتي وعدالة نضاله. • هذا يخلق علاقة غير متكافئة، يعاد فيها إنتاج نفس الهرمية الغربية ولكن بلغة التعاطف والتضامن. • كما يفتح الباب أمام تأطير النضال الفلسطيني ضمن سرديات لا تعبر عنه، بل تفرض عليه خطاب 'إصلاح' لا مقاومة، و' تسوية' لا تحرر. 3. من الفصل الواعي إلى التحالف الندي • المطلوب هو فصل واع وتحليلي، لا انعزال أو رفض. • الفصل هنا هو شرط لبناء تحالف سياسي ندي، لا علاقة تبعية أو رعاية أخلاقية. • الفلسطيني ليس تابعا لرواية الآخر، ولا اليهودي المناهض للصهيونية هو ضامن شرعيته. • العلاقة لا تبنى على الامتياز أو الندم، بل على الاعتراف المتبادل، واحترام الاختلاف في الموقع والتجربة والرؤية. نحو رؤية استراتيجية: • تحرر الفلسطينيين يتطلب خطابا ومشروعا مستقلين، لا يختزلان في دوائر التضامن، بل يبنيان على أساس الفعل الذاتي والسيادة المعرفية والسياسية. • أما المسار اليهودي المناهض للصهيونية، فهو مهم في تفكيك الرواية الغربية السائدة، لكنه لا يختزل في الدفاع عن فلسطين، بل عليه مساءلة موقعه في منظومة الهيمنة الكولونيالية الغربية. • وحده هذا التمايز في المسارات يتيح قيام تحالف أممي حقيقي، لا تحالف قائم على تمثيل غير متوازن. الفصل بين المسارين ليس إجراء تنظيميا، بل شرط سياسي واستراتيجي لبناء علاقة نضالية ناضجة. فكما لا يمكن تحرير فلسطين من خلال أدوات المستعمر، لا يمكن إعادة تعريف النضال الفلسطيني من خلال خطاب مناهضة الصهيونية وحده. إنه: · فصل من أجل اللقاء على أرضية صلبة، لا انصهار ينتج تبعية جديدة. · فصل من أجل نضال مشترك، لا من أجل صوت واحد. · وفصل يفتح أفق التحرر الحقيقي، لا 'التفاهم الأخلاقي' داخل منظومات الهيمنة. ثاني عشر: نحو تحالف ندي: شروط العلاقة المستقبلية بين الفلسطينيين واليهود المناهضين للصهيونية بعد عقود من الغياب أو الارتباك في العلاقة، تفتح المرحلة الراهنة – التي تتسم بتصاعد غير مسبوق في نقد الصهيونية داخل قطاعات يهودية وغربية، وبتزايد التضامن العالمي مع فلسطين بعد طوفان الأقصى – نافذة جديدة لإعادة تعريف العلاقة الفلسطينية-اليهودية المناهضة للصهيونية. لكن إعادة البناء هذه لن تكون ممكنة دون تجاوز منطق الاستلحاق الأخلاقي، والانتقال إلى أرضية التحالف السياسي الندي. 1. من الرمزية الأخلاقية إلى الفعل السياسي الملموس • لطالما حمل التضامن اليهودي المناهض للصهيونية رمزية عالية، لكنه بقي في الغالب هامشيا من حيث التأثير السياسي: • إما بفعل القمع المؤسساتي والشيطنة الإعلامية. • أو بسبب افتقاره إلى استراتيجية متماسكة تتجاوز التعبير الأخلاقي إلى الانخراط في مشاريع نضالية ملموسة. • التحالف الندي لا يمكن أن يبنى على التقدير الرمزي وحده، بل على دعم حقيقي لمشروع سياسي تحرري فلسطيني مستقل، دون وصاية أو مقايضة. في جوهر هذا التحول: • أن ينظر إلى الفلسطيني بوصفه فاعلا سياسيا يمتلك مشروعه، لا مجرد موضوع للشفقة أو رمزا لظلم عالمي. • وأن تعاد صياغة العلاقة على أساس الاحترامالمتبادل،لاالتمثيلبالنيابة. 2. شروط الندّية في التحالف لكي يكون هذا التحالف عادلا، فعالا، ومستداما، لا بد من توافر ثلاثة شروط رئيسية: أ. الاعتراف بالاستقلال السياسي والمعرفي الفلسطيني • لا يجوز تفسير القضية الفلسطينية أو تمثيلها عبر عدسة يهودية – غربية، مهما كانت نقدية. • ولا يجوز أن يتحدث المتضامن باسم الفلسطيني، أو يختصر الرواية الفلسطينية في منظور 'ضد إسرائيل' فقط، دون فهم أعمق لسياقها التحرري الجذري. ب. تفكيك الامتياز اليهودي–الغربي داخل التحالف ذاته. • حتى داخل دوائر مناهضة الصهيونية، هناك ميل خفي لاحتكار السردية أو الفضاء الأخلاقي. • المطلوب هنا تفكيك هذه الهرمية، ورفض أي دور 'وسيط' يمنح نفسه شرعية الحديث باسم الآخر. ج. احترام المسافة بين المسارين التحرريين • لا ينبغي توحيد السرديتين قسرا. • فلكل طرف أفقه، لغته، وأدواته. • المطلوب هو التقاء عند نقاط نضالية واضحة، لا الذوبان في رواية واحدة. 3. نحو جبهة تحرر أممية جديدة • إذا تحققت شروط الندية، فإن التحالف الفلسطيني – اليهودي المناهض للصهيونية يمكن أن يشكل نواة لتحالف أوسع: • يتجاوز المركزية الغربية. • يعيد تعريف النضال ضد الاستعمار والعنصرية والنيوليبرالية. • يوحّد قوى من الجنوب العالمي، وأطراف الهامش الغربي، في رؤية تحررية شاملة. • هنا لا تكون فلسطين مجرد 'استثناء أخلاقي'، بل مختبرا تاريخيا لنقد الهيمنة وبناء أفق جديد: • فلسطين ليست فقط مكانا للمأساة، بل منصة للمقاومة، ومجالا لإعادة تعريف العلاقة بين العدالة والهوية. تحالف المستقبل لا يبنى على العاطفة، ولا على الندم الغربي، ولا على ما يسمى 'تضامن الضمير'. بل على وضوح سياسي، واستقلال معرفي، وشراكة نضالية، واعية. فالفلسطيني لا يحتاج من يمثله، بل من يتحالف معه. واليهودي المناهض للصهيونية لا يختبر بمدى دفاعه عن الآخر، بل بقدر ما يجرؤ على مساءلة امتيازه وموقعه داخل بنية الهيمنة. وهكذا فقط، يمكن أن تولد جبهة أممية جديدة، لا تحارب الصهيونية وحدها، بل كل ما تمثله من استعمار، عنصرية، واحتكار أخلاقي باسم 'الحداثة'. نحو جبهة تحرر أممية تتجاوز الثنائية من أجل تجاوز المآزق البنيوية الحالية، لا بد من إعادة توسيع أفق النضال الفلسطيني ضمن تحالف تحرري أممي جديد. فالثنائية الفلسطينية – اليهودية، رغم أهميتها، لا تكفي لفهم وتعطيل منظومات الهيمنة المتشابكة. • المطلوب هو تحالف عالمي من شعوب الجنوب، والمضطهدين في الهامش الغربي، وحركات الشعوب الأصلية، وكل القوى الرافضة للعولمة الاستعمارية. • في هذا السياق، تصبح فلسطين رمزا ومختبرا لإعادة تعريف العلاقة بين العدالة والهوية والسيادة، لا مجرد قضية استثناء. • هذا الأفق الأممي لا يحل محل المشروع الوطني، بل يحرره من التمركز في انتظار الموقف الغربي، ويفتح أفقا جديدا لتعريف التضامن لا كعاطفة، بل كاشتباك نضالي ضد بنية الهيمنة ذاتها. خاتمة: بين نقد الصهيونية والتحرر الفلسطيني: حدود الممكن وآفاق الضرورة يكشف هذا المقال البحثي – عبر تتبع مسار معاداة الصهيونية من جذورها الأولى في القرن التاسع عشر، مرورا بمؤتمري فيينا 2004 و2025، وصولا إلى تداعيات طوفان الأقصى – عن مشهد مزدوج في آن واحد معا: · نشوء تيارات نقدية جذرية ترفض اختزال اليهودية في القومية الصهيونية، وتستعيد بعدها الأخلاقي التحرري من جهة. · ومن جهة أخرى، استمرار بنية عالمية استعمارية وعنصرية تعيد إنتاج إسرائيل كمرتكز أخلاقي وقانوني لنظام الهيمنة العالمي، لا كمجرد مشروع استيطاني محلي. هذا التوازي بين تصاعد النقد الصهيوني من الداخل، وتصاعد الوحشية الإسرائيلية من الخارج، يضعنا أمام سؤال مركزي: هل يمكن لمعاداة الصهيونية – في صورتها اليهودية أو الغربية – أن تشكل رافعة حقيقية للتحرر الفلسطيني؟ الجواب المعقد: نعم، ولكن بشروط صارمة: • نعم، حين يكون النقد راديكاليا ومتحررا من منطق الإنقاذ، ويؤسس لتحالفات تقوم على الاعتراف بندية الفلسطيني لا هشاشته. • نعم، حين يرتبط هذا النقد بتفكيك البنية الغربية العنصرية نفسها، لا مجرد إصلاح إسرائيل. • لكن لا، حين يتحول التضامن إلى بديل عن الفعل الفلسطيني الذاتي، أو حين يعاد إنتاج التراتبية الأخلاقية عبر وسطاء 'شرعيين'. من الهامش الأخلاقي إلى مركز الفعل السياسي التحرر الفلسطيني لا يمكن أن يبنى على تغير المزاج الغربي، ولا على اعتراف الخارج بعدالة القضية. بل يبنى على انتقال الفلسطينيين من موقع الضحية إلى موقع الفاعل: • من التوسل إلى التنظيم. • من رد الفعل إلى الفعل التاريخي. • ومن انتظار الدعم إلى إنتاج الأدوات. في هذا السياق، يصبح الفصل بين المسارين – الفلسطيني واليهودي المناهض للصهيونية – ضرورة استراتيجية، لا قطيعة. ففقط عبر هذا الفصل الواعي، يمكن بناء تقاطع نضالي لا يستبدل الهيمنة القديمة بتضامن ناعم، بل يعيد تعريف العلاقة على أسس العدالة المتبادلة. فلسطين من استثناء أخلاقي إلى أفق تحرري أممي لا تعود فلسطين في هذا الأفق مجرد 'قضية إنسانية'، بل مرآة تكشف بنية النظام العالمي: • الاستعمار المستمر، • العنصرية البنيوية، • النيوليبرالية المتوحشة، • التواطؤ الدولي والإقليمي والعربي ومن هنا، يصبح النضال الفلسطيني – ليس بوصفه 'مظلومية'، بل مشروع تحرر شعبي جذري – هو الشرط الضروري لبناء تحالفات أممية جديدة، تعيد طرح أسئلة الذاكرة والعدالة والهوية خارج مركزية الغرب. معاداة الصهيونية، في أرقى أشكالها، تفتح أفقا لفهم أعمق للعالم، لكنها ليست بديلا عن النضال الفلسطيني، ولا مدخلا كافيًا للتحرر. إنها فقط إحدى واجهات الصراع ضد بنية أكبر من إسرائيل، بنية الهيمنة ذاتها. ومع ذلك، يمكن – حين تفصل المسارات، وتبنى الجسور بندية – أن تتشكل جبهة نضالية جديدة، تتجاوز الجغرافيا والدين واللغة، وتعيد كتابة معنى التحرر نفسه. إن فلسطين لا تحتاج أن ينقذها أحد، بل أن يتحالف معها الأحرار. 10/7/2025

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store