
«النستعليق الجلي»..الحروف تكتب قصيدة للروح
الشارقة: رضا السميحيين
ينتمي الخطاط أمير فلسفي إلى مدرسة إيرانية معاصرة، تعيد تقديم الخط العربي بمنظور تأملي، يزاوج بين الإتقان الكلاسيكي واللمسة الحداثية الهادئة، ويعرف عنه شغفه بإحياء «خط النستعليق» بصيغته الجلية، التي تتطلب تحكماً بصرياً عالي الدقة وقدرة على تنظيم التكوين ضمن مساحة محدودة دون أن يفقد النص تدفقه.
في اللوحة التي بين أيدينا، وبأحرف نسجت بلغة النستعليق الجلي، يرسم الخطاط فلسفي جملة قرآنية تختصر جوهر الرجاء الإلهي في أبهى تجلياته، (لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)، الزمر:53، تنساب فيها حروف الكلمات من اليمين إلى اليسار، كمد روحي حي، حيث تقود العين إلى عمق المعنى دون جهد وتكلف، مستعينة بانحناءات الخط المتناغمة ومساحات البياض التي تحسن الصمت كما تجيد النطق.
يأتي اختيار قلم النستعليق الجلي تحديداً محملاً بدلالات جمالية وثقافية، فهذا الخط الذي يعتبره العديد من الخطاطين والنقاد من أكثر الخطوط الإسلامية «شاعرية»، لما يحمله من رقّة وتناسق بصريين يجعلان منه الوسيط المثالي لعبارات تستدعي التأمل العميق والإيمان الراسخ.
وهو خط تميز بقدرته على حمل المعنى بجمال لا يخلو من المهابة، في هذه اللوحة، يضرب أمير فلسفي مثالاً على تمكنه من أدواته، إذ جاءت الحروف مرتبة بتوازن بصري لا يخل بالمعنى، ولا يثقل العين رغم ضخامة بعض الحروف وتداخلها المقصود، بل يأسرها ويقودها بهدوء عبر طبقات من المعنى والرمز.
*تجليات
كلمة «رحمة» تتوسط العمل بوضوح لافت، وهي جوهر اللوحة، وقد رسمها الخطاط بحجم كبير وخط سميك يلفت الانتباه، تاركاً للعين فرصة التأمل في رونق الكلمة والمعنى، وجاءت «لاتقنطوا» مكتوبة بإنسيابة آسرة بصرياً متخذة من تمايل الحرف امتداداً مدهشاً لحركة أوراق الزخرفة المحيطة بها، لتتمازج بحسب رؤيته الفنية للكتابة مع الزينة البصرية.
جاء نص الآية وسط فسحة محاطة بزخارف نباتية غنية، تدل على وعي جمالي ناضج، واحتفاء بتاريخ طويل من التزاوج بين الحرف والزخرفة في بلاد فارس، بتذهيب يذكر بزخارف المصاحف العثمانية والفارسية على السواء، ويضفي على اللوحة بعداً متحفياً، اتخذت فيه أوراق النبات والزهور التي تخللت الإطار الداخلي جانباً رمزياً للحياة والخصب والرجاء، في انسجام كامل مع مضمون الآية.
الإطار الداخلي والخارجي لا يقل إبداعاً عن الخط في هذه اللوحة، وجاء مزيناً بزخارف أندلسية الطابع، يحيط بالآية كما يحيط القلب بالدعاء، وهو ما يكشف عن ثقافة بصرية عميقة لدى الفنان، تعرف كيف تستدعي تأثيرات العمارة الإسلامية وتجلياتها التزيينية داخل مربع اللوحة الورقية.
يلعب اللون دوراً خفيّاً وفعّالاً في هذه اللوحة، حيث تُبرز الخلفية الهادئة دفء الحروف الداكنة وتفاصيل التذهيب، من دون أن تطغى على التكوين وكل فراغ جاء متعمداً، يتيح لنص اللوحة أن يتنفس، وللعين أن تستقر، وللقلب أن يتلقّى.
*أثر روحي
ما يميز اللوحة أكثر من أي شيء هو ذلك التماسك بين الشكل والمضمون، بين ما يحكى وما يرى، فالكلمات التي تدعو إلى الرجاء والعودة واليقين، تأتي في لوحة لا تشكو من ازدحام أو اضطراب كقصيدة روحانية تتلى على البصر قبل السمع، كل انحناءة في الخط، وانثناءة في ورقة زخرفة، تصب في فكرة أن الجمال طريق إلى الرحمة، وأن الفن قد يكون باباً للفهم والتأمل والإيمان.
تتجاوز هذه اللوحة بعدها الجمالي إلى أثر روحي مباشر، وتسكن الكلمات في أعماق المتلقي، فهي دعوة صامتة إلى الأمل، مرسومة بالذهب، ومحروسة بهالة من البصيرة، يفتح أمير فلسفي نافذة على تقاليد الخط الفارسي العريق، ولكن بروح معاصرة تنتمي إلى العالم، وتخاطب الإنسان في لحظات انكساره، وتدعوه إلى أن يعاود النهوض، مسترشداً بكلمة من نور.
*إضاءة
حصل أمير فلسفي على درجة الماجستير من جمعية الخطوط الإيرانية والشهادة الفنية من الدرجة الأولى المعادلة لدرجة الدكتوراه، ويعمل في مجال الخطوط الفنية المنشورة، وبلغت عدد أعماله أكثر من 50 كتاباً وألبوماً، شارك في أكثر من 350 معرضاً داخل إيران والعشرات من المعارض الخارجية المجمعة، وقام بتنظيم 17 معرضاً فردياً على المستويين المحلي والدولي، شارك أيضاً كمحكم في المهرجان الدولي لفن الخط بالجزائر، وأصدر 4 كتب تعليمية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 18 دقائق
- صحيفة الخليج
«عطلتنا غير» في نادي مليحة
الشارقة: «الخليج» أطلقت اللجنة المنظمة للنشاط الصيفي بنادي مليحة الثقافي الرياضي، أمس، فعاليات برنامج «صيف الشارقة الرياضي – عطلتنا غير» ضمن موسمه الصيفي 2025، الذي يستمر حتى 31 يوليو الجاري، مستهدفاً فئة النشء والشباب لتمكين الأجيال وتنمية مهاراتهم وصقل مواهبهم في بيئة آمنة وتربوية متكاملة. جرت مراسم افتتاح الفعاليات بحضور راشد عبدالله المحيان رئيس مجلس أولياء أمور الطلبة بالمنطقة الوسطى، وسلطان سيف عوض رئيس المجلس البلدي لمنطقة مليحة، ومحمد سلطان خصوني الكتبي رئيس مجلس إدارة نادي مليحة، وسعيد بالليث الطنيجي رئيس جمعية حماية اللغة العربية، وعوض سعيد حارب مدير إدارة الخدمات المساندة في بلدية مليحة، وعبدالرحمن مهير الكتبي عضو مجلس إدارة النادي ورئيس لجنة الاتصال المؤسسي، إلى جانب عدد من الحضور من أولياء الأمور والشركاء التربويين والمؤسسين. استهل الحضور جولتهم في أركان النشاط الصيفي بالتوقف عند الخيمة التراثية المقامة تحت مسمى «يلستنا»، التي تهدف لتعزيز القيم والموروث المحلي، ثم توجهوا إلى معرض الابتكار الذي يضم 17 مشروعاً إبداعياً نفذها المشاركون. كما تضمن المعرض الفني لوحات مبتكرة مرسومة باستخدام البن، جسّدت صوراً للقيادة الإماراتية، والحياة البرية، والنباتات، والرموز التراثية، وشارك الشاعر حمدان السماحي بقصيدة شعرية وطنية لاقت استحسان الحضور، عززت من أجواء الاعتزاز والانتماء. وتحت مظلة الأنشطة الدينية، دشّن النادي برنامجه الصيفي بباقة قرآنية متميزة بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للقرآن الكريم والسنة النبوية، كما أطلق النادي مسابقة «مبدعون»، استعرض فيها المنتسبون مواهبهم، بين 17 ابتكاراً تقنياً و13 لوحة فنية، وفي الجانب البيئي، نُظّمت ورشة عمل بالتعاون مع مؤسسة «بيئة» حول إعادة التدوير الإبداعي، كما خُصّصت أنشطة رياضية يومية. وأكد محمد سلطان الكتبي، رئيس مجلس إدارة نادي مليحة أن البرنامج يأتي ليترجم توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في استثمار أوقات فراغ النشء والشباب خلال العطلة الصيفية بما يعود بالنفع على صحتهم الجسدية، ووعيهم الثقافي، ونموهم الشخصي والمعرفي.


زاوية
منذ 3 ساعات
- زاوية
مهرجان خورفكان للمانجو 2025 يختتم نسخته الرابعة بنجاح استثنائي مستقطباً أكثر من 20 ألف زائر ومحققاً مبيعات تجاوزت المليون درهم
مشاركة دولية من السعودية وعُمان وباكستان وأوغندا اختتمت يوم أمس (الأحد) في مركز إكسبو خورفكان فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان خورفكان للمانجو 2025، الذي نظمته غرفة تجارة وصناعة الشارقة والمجلس البلدي لمدينة خورفكان وبلدية مدينة خورفكان، تحت شعار "المانجو ثمرتنا ثروتنا" على مدى ثلاثة أيام في الفترة من 27 حتى 29 يونيو، في نسخة حققت نجاحاً استثنائياً باستقطابها لأكثر من 20 ألف زائر من داخل الدولة وخارجها، بنسبة زيادة بلغت 100% مقارنة بدورة العام الماضي، وبإجمالي مبيعات وصلت إلى أكثر من مليون درهم، بمشاركة ما يزيد عن 40 مزارعاً وعدد من الشركات المتخصصة في الزراعة والتسميد، إلى جانب وفود من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وباكستان وأوغندا. وشهد المهرجان عرض أكثر من 150 صنفاً من أنواع المانجو المحلية الفاخرة وأتاح للزوار التعرف على أبرز المنتجات الزراعية التي تشتهر بها خورفكان والمنطقة الشرقية، والتي عكست التطور الذي يشهده قطاع زراعة المانجو والمحاصيل الأخرى، والاهتمام المتنامي به كرافد اقتصادي مهم في إمارة الشارقة، وسط حضور مميز للأسر المنتجة التي عرضت منتجاتها المتنوعة من المانجو إلى جانب العارضين المحليين والإقليميين والدوليين الذين نجح الحدث في استقطابهم لتوفير فرصة لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات في زراعة المانجو. منصة عرض مثالية لتبادل الخبرات وأشار خليل المنصوري، مدير مركز إكسبو خورفكان رئيس اللجنة التنظيمية لمهرجان خورفكان للمانجو، إلى أن المهرجان أكد مكانته كواحد من أبرز المهرجانات الزراعية والتراثية في الإمارات، والذي أصبح له دوره في تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية القطاع الزراعي في تحقيق التنمية المستدامة والأمن الغذائي والحفاظ على التراث الثقافي الإماراتي ونقله للأجيال القادمة، مضيفاً أن الحدث حقق نجاحاً استثنائياً تجاوز كل التوقعات، وجذب الزوار والمهتمين من داخل وخارج الدولة مما يرسخ مكانة إمارة الشارقة وخورفكان والمنطقة الشرقية كوجهة سياحية زراعية فريدة على مستوى المنطقة، ويسهم في تحفيز المزيد من العارضين على المشاركة في النسخ القادمة من الحدث، لافتاً إلى أهمية الورش الإرشادية والتعليمية التي نظمها المهرجان وأشرف عليها خبراء مختصون بهدف نقل أفضل الممارسات الزراعية وتحقيق إنتاج عالي الجودة يعود بالنفع الاقتصادي على المزارع المحلي وتطوير قطاع زراعة المانجو في دولة الإمارات والمنطقة العربية بشكل عام. منصة رائدة من جهته، أشار محمد الدرمكي، رئيس لجنة التنسيق والمتابعة في المهرجان إلى أن النجاح الذي حققه الحدث يأتي بفضل روح الفريق الواحد بين المنظمين والشركاء الاستراتيجيين من القطاعين العام والخاص، مؤكداً أن اللجنة حرصت على ترجمة رؤى المهرجان إلى خطط عمل متكاملة على أرض الواقع، مع التركيز على تسهيل مشاركة المزارعين والأسر المنتجة وتوفير تجربة ثرية للزوار، إلى جانب مواصلة العمل على متابعة الأصداء لضمان مواصلة تميز المهرجان في الدورات القادمة بما يكفل استمراره كمنصة رائدة لتطوير زراعة المانجو والمحاصيل الأخرى ويعزز من مكانة خورفكان الزراعية والسياحية. إشادة دولية وفرص واعدة وأشاد المشاركون وممثلو وفود المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وباكستان وأوغندا، بمستوى التنظيم المتميز للمهرجان وما وفره من فرص استثنائية لتبادل الخبرات بين مزارعي المانجو وأكدوا أن الحدث جسد منصة مثالية للاطلاع على تجارب مختلفة في رعاية أشجار المانجو في البيئات المتنوعة، وكيفية تحسين الإنتاج والاستفادة من ثمرة المانجو في الصناعات الغذائية المتنوعة. وفي هذا السياق أشاد سيد محمد طاهر، رئيس مجلس الأعمال الباكستاني، بمشاركة باكستان في المهرجان بقوله: "نشعر بفخر كبير لمشاركة باكستان في هذا الحدث المتميز الذي يعكس اهتمام دولة الإمارات بالتنمية الزراعية والغذائية، وكانت فرصة للمهتمين بزراعة المانجو في باكستان لتبادل الخبرات مع المزارعين والشركات من المنطقة والعالم، والاطلاع على أحدث التقنيات في زراعة المانجو، فضلاً عن فتح آفاق للشراكات والاستثمار الزراعي بين مجتمعي الأعمال في باكستان والشارقة، ونحن حريصون على تعزيز التعاون وتبادل المعرفة في كافة القطاعات ومنها القطاع الزراعي الذي يحظى باهتمام كبير في كلا البلدين، حيث وفر المهرجان منصة فريدة لبناء جسور التعاون في هذا القطاع الحيوي، ونحن نتطلع إلى مشاركات أوسع في الدورات القادمة." فعاليات متنوعة ومسابقات شيقة وتضمن المهرجان، الذي جاء بشراكة استراتيجية مع قناة الشرقية من كلباء، وهيئة الإنماء السياحي والتجاري، ومعهد الشارقة للتراث، وشركة بيئة، ودائرة الخدمات الاجتماعية، باقة غنية من الفعاليات والمسابقات والعروض التراثية الحية، وقدم خلاله خبراء زراعيون مجموعة من ورش العمل التثقيفية التي تناولت أساليب الزراعة الحديثة، وكيفية العناية بشجرة المانجو، والطرق العلمية الحديثة في الري والتسميد والتقليم ومكافحة الآفات، مما أسهم في رفع وعي الزوار والمزارعين على حد سواء، وحفزهم على تبني أساليب الزراعة الذكية لزيادة كفاءة الإنتاج وجودته. وشهد المهرجان أجواء تنافسية مميزة بين المزارعين الذين عرضوا أجود أصناف المانجو الفاخرة، حيث انطلقت مجموعة من المسابقات شملت "مسابقة أفضل ركن للمزارعين" التي استمرت طوال أيام الحدث واعتمدت على تقييم الجمهور، ومسابقتي "مزاينة المانجو" و"أكبر ثمرة مانجو"، ومسابقة "أجمل سلة من المانجو" للعائلات، وفعاليات للأطفال بينها "مسابقة أجمل مقطع فيديو زراعي"، وجهت للفئة العمرية من 7 إلى 12 عاماً. وقدم المهرجان، جوائز قيمة للفائزين في مسابقاته، ووفر لزواره فرصة الفوز من خلال سحوبات يومية على جوائز متنوعة، كما حفل المهرجان بباقة من الفعاليات التفاعلية والعروض التراثية الحية، حيث شاركت فرق شعبية إماراتية في تقديم فقرات فنية تراثية عكست الموروث الثقافي المحلي، إلى جانب تنظيم سحوبات يومية على جوائز متنوعة، ما زاد من أجواء الحماس والتفاعل خلال أيام المهرجان الثلاثة، كما خصص المهرجان مساحة واسعة للأنشطة العائلية والتفاعلية، حيث تمكن الزوار من جميع الفئات العمرية من المشاركة في أركان تعليمية وتجريبية خاصة بالأطفال، مما أثرى تجربتهم وعمق اهتمامهم بالزراعة. وأتاح الحدث لزواره اقتناء ثمار المانجو وأفضل شتلات المانجو والشتلات الزراعية، والتعرف على استخدامات هذه الثمرة في الصناعات الغذائية والحلويات التقليدية، مما أبرز دوره الهام في تحقيق الأمن الغذائي، فضلاً عن إسهامه في صون التراث الثقافي للدولة وتشجيع الاهتمام بشجرة المانجو، وتعزيز مكانة المنطقة الشرقية كوجهة سياحية وزراعية رائدة، وتحفيز الشباب على الانخراط في القطاع الزراعي الواعد. -انتهى-


صحيفة الخليج
منذ 5 ساعات
- صحيفة الخليج
يوم المسرح الإماراتي... ميلاد متجدد لـ «أبو الفنون»
الشارقة: علاء الدين محمود مسيرة طويلة للمسرح في الإمارات، حافلة بالتجارب والأعمال الخالدة والممارسات التي ظلت على تماسّ بالواقع الاجتماعي وبالأحلام والطموحات الثقافية والفكرية، وصارت الإمارات تحتضن الفعاليات والمنتديات الفكرية المتعلقة ب«أبو الفنون»، في منطقة الخليج والعالم العربي، فكان لابد أن تتوج تلك المسيرة بيوم خاص بالمسرح والمسرحيين الإماراتيين، وكانت تلك لحظة ميلاد فكرة «اليوم الإماراتي للمسرح»، التي أعلن عنها في الثاني من يوليو العام الماضي والذي شهد أول احتفالات تلك المناسبة الثقافية الكبيرة. اللافت في «اليوم الإماراتي للمسرح»، انه يوافق يوم مولد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهو ضرب من الوفاء من قبل المسرحيين لصاحب العطاء الأكبر والأبرز، فسموّه هو الداعم الأول للمسرح الإماراتي، حيث تنوعت أشكال دعمه وإسهامه له في الدولة والعالم العربي ككل، إذ لم يقتصر ذلك التوجه نحو المسرح من قبل صاحب السمو حاكم الشارقة على الدعم المادي، رغم أهميته الكبيرة، وضم كذلك بذل الرؤى والأفكار والتوجيهات، وشارك في البناء والنهضة الثقافية عبر عملية الكتابة في أنماط إبداعية مختلفة على رأسها كتابة النصوص المسرحية التي تذهب نحو التاريخ وتطل على الحاضر في وقت عزت فيه مثل هذه الكتابات العربية التي تهتم بالواقع وبالإنسان وبالتاريخ والحضارة والهوية. ولا تزال نصوص سموه وحتى اللحظة الراهنة تقدم للمسرح الإماراتي الكثير من الأفكار والأطروحات، فمن من المسرحيين والناس كافة لا يذكر عناوين مثل: «عودة هولاكو»، و«النمرود»، وغير ذلك من الروائع، إضافة إلى البذل الفكري في مجال البحوث والدراسات، كما كان لصاحب السمو حاكم الشارقة إسهاماً وافراً في مجال المقولات والمفاهيم المسرحية التي مثلت حجر زاوية في بناء أركان المسرح الإماراتي، ولا تزال تلك المقولات تردد من قبل كل المسرحيين والمثقفين في الدولة والمنطقة العربية ككل، بل وعم صداها العالم أجمع ومنها مقولته الخالدة: «نحن كبشر زائلون ويبقى المسرح ما بقيت الحياة»، تلك التي باتت تردد في كل المناسبات المسرحية المحلية والعربية، والتي تشير إلى الوعي بأهمية المسرح في الحياة العامة وترقية الذوق وسيادة رسالة الحب والخير والجمال، فضلاً عن الدعم المادي الذي أنتج الكثير من المؤسسات وعلى رأسها الهيئة العربية للمسرح، التي صارت هي الراعي الرسمي ل«أبو الفنون» في كل العالم العربي، حيث أسست بنى تحتية في بعض البلدان التي لم تشهد نشاطاً مسرحياً، فضلا عن دعم المسرحيين العرب أنفسهم من أجل أن تستمر مسيرة المسرح في كل العالم العربي، وذلك ما قابله أهل المسرح بالوفاء في اقتران يومهم بيوم ميلاد صاحب السمو حاكم الشارقة الذي من فرط حبه ودعمه ورعايته للنشاط المسرحي في الإمارات، صار يلقب ب«رجل المسرح الأول». بدايات كانت فترة السبعينيات من القرن الماضي من اللحظات الحاسمة في تاريخ المسرح الإماراتي، حيث بدأت تتشكل الفرق والجماعات، وولدت في تلك الحقبة أول فرقة مسرحية وهي «المسرح الوطني»، ثم كانت النقلة الكُبرى مع قيام دائرة الثقافة في الشارقة عام 1984م، وانطلاقة مهرجان أيام الشارقة المسرحية الذي شكّل فضاءً للعمل المسرحي المنهجي القائم على معايير وأسس مسرحية أصيلة، ثم انتظمت بعدها مسيرة المهرجانات الكبرى في الدولة مثل: «الشارقة للمسرح الخليجي»، و«المسرح الصحراوي» وغير ذلك من فعاليات انتظمت كافة أرجاء الدولة لتصب في تلك المسيرة الطويلة التي أعلنت أسماء وشخصيات من أجيال الرواد صنعوا طريقاً وأسلوباً خاصاً للمسرح الإماراتي الذي ولد ملتحماً بالقضايا الاجتماعية، حيث كانت البدايات الباكرة في الأندية الرياضية والمدارس والمكتبات، وكانت الأعمال تعرض في المناسبات الوطنية والأعياد المختلفة مما خلق التفافاً حول هذا الفن الذي كان يناقش قضايا الناس في بيئتهم المحلية وتعبر عنهم، وكانت تلك العروض تحتفي بالقيم والتراث والهوية. توهج وجاءت بدايات تشكل «أبو الفنون»، في الشارقة شديد الارتباط بالواقع المحلي حيث برزت عروض تدعو للتضامن العربي ومقاومة الاحتلال منذ خمسينيات القرن الماضي، وتحديداً في العام 1950، حيث المدرسة القاسمية في الشارقة، التي احتضنت أول الأنشطة المسرحية، وكان تضم عدداً من الأساتذة المهتمين بالمسرح، فشهدت تلك المدرسة بدايات فعل مسرحي هو ابن تلك اللحظة التاريخية المهمة بقيادة علي أبو رحيمة الذي ألف أول نص مسرحي بعنوان «الحطاب وبنت السلطان»، والتي كانت بمثابة محطة مهمة وأولى في انطلاق الفعل المسرحي في الإمارات، وكانت بمثابة تأسيس كان له ما بعده، غير أن المهم في الأمر أن تلك المدرسة لعبت دوراً غير اعتيادي في الفعل الدرامي المسرحي وأنتجت نصوصاً وأعمالاً عبر عن الواقع الاجتماعي وخصوصيته في حقبة الاستعمار. ومع بداية حقبة السبعينيات والثمانينيات لعبت الشارقة دوراً كبيراً في ترسيخ أهمية «أبو الفنون» والوعي به والارتقاء بالذائقة الفنية، فكان أن اختطت منهجاً خاصاً بها في النشاط المسرحي، وبرز ذلك من خلال المهرجانات والمناسبات المتعددة المرتبطة ببعضها بعضاً، حيث ظهرت المهرجانات التي تؤسس الكادر المسرحي مثل «المسرح المدرسي»، و«مسرح الطفل» و«المسرح الكشفي»، ثم كانت النقلة الكبيرة مع مهرجان «كلباء للمسرحيات القصيرة»، والتي هي بمثابة مدرسة لصقل المواهب وصناعة النجوم، والتي تغذي المهرجانات الاحترافية والنخبوية الكبيرة مثل: «المسرح الثنائي»، ومهرجان الفجيرة للمونودراما و«الأيام»، وغير ذلك، بل كان للشارقة الإسهام الأوفر في مجال الأنشطة المسرحية التي تبحث عن أفق وخصوصية ل«أبو الفنون» في الدولة، مثل «مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي»، فضلاً عن الاهتمام الكبير بالبنى التحتية مثل بناء المسارح والأكاديميات. إنجازات وإذا اهتمت الدولة بالمسرح المحلي وعملت على قيام المهرجانات والأنشطة المسرحية المتعددة والتوسع في البنيات التحتية، فقد آتت تلك العملية أُكُلَها من خلال المشاركات الخارجية للفرق الإماراتية المختلفة في المناسبات والمهرجانات العربية والدولية المختلفة، ولم تكن مجرد مشاركة فقط، بل فوز بالعديد من الجوائز واحتلال مراكز متقدمة، وبروز أكثر من نجم إماراتي في مختلف مفردات وعناصر العرض المسرحي في سماء الخليج والعالم العربي. في عام 1983، مثلت فرقة مسرح الشارقة الوطني الدولة في الدورة الأولى من «أيام قرطاج المسرحية»، والتي تعد اليوم من أهم المهرجانات، التي يشارك فيها المسرحيون العرب، وهو الأمر الذي يعكس الدور الفعال والريادي لتلك الفرقة صاحبة النشاط الكبير في الدولة وكانت المشاركة بمسرحية «هالشكل يا زعفران»، التي تعد أول عرض إماراتي يمثل الدولة في المهرجانات العربية الكبيرة، كما قامت هذه الفرقة بتجسيد الأعمال المسرحية لصاحب السمو حاكم الشارقة في المنابر المسرحية المختلفة، لتتوالى عقب ذلك المشاركات للفرق الإماراتية المختلفة. ولعل من أهم تلك الإنجازات الخارجية للفرق الإماراتية المختلفة فوز عرض «رحل النهار» للمخرج محمد العامري والكاتب إسماعيل عبد الله بجائزة «الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي»، وذلك في الدورة الثالثة عشرة من مهرجان المسرح العربي في الدار البيضاء بالمغرب، وفي عام 2009، فازت مسرحية «اللوال»، الإماراتية بخمس جوائز في مهرجان الخليج المسرحي في دورته العاشرة في دولة الكويت، وفي مهرجان المغرب للمسرح في عام 2019، حصدت مسرحية «السلوقي» 3 جوائز، وظلت المشاركات الإماراتية المتوّجة بالجوائز حاضرة في مهرجانات كبرى مثل «القاهرة للمسرح التجريبي» و«شرم الشيخ للمسرح الشبابي»، وغير ذلك من المناسبات على مستوى الفرق والشخصيات مما يدل على المكانة الكبيرة التي وصل إليها المسرح الإماراتي عربياً. مشروع مسيرة المسرح الإماراتي تعبر عن مشروع كبير ينهض برافعة الرؤى والأفكار التي تنحاز لفعل درامي ومسرحي عربي يعبر عن القيم والتراث والهوية، ويتضح ذلك جلياً من خلال المؤلفات الكثيرة التي تنظر للمسرح وتربطه بالواقع العربي في الإمارات وخاصة تلك المجهودات الكبيرة لصاحب السمو حاكم الشارقة، وكذلك المجهودات البحثية الجبارة التي تبذلها الهيئة العربية للمسرح، ودائرة الثقافة في الشارقة، وهو الأمر الذي انتج أعمالاً مسرحية ذات خصوصية عربية مثل العديد من أعمال صاحب السمو حاكم الشارقة، فمسرحية مثل «النمرود»، على سبيل المثال عرضت على أكثر من 30 خشبة مسرح عالمية منها: مسرح «صموئيل بيكيت» في الأكاديمية الوطنية في دبلن، ومسرح «غوركي» في موسكو «وذلك احتفاء بالشارقة كضيف مميز على النسخة ال32 من معرض موسكو الدولي للكتاب 2019، كما عرضت المسرحية على خشبة مسرح «بالاديوم» في مالمو السويدية، وعلى خشبة مسرح «لالاتينا» في العاصمة الإسبانية مدريد، وكذلك عرضت في تورنتو الكندية وغيرها، هذا بالطبع إلى جانب عروضها المميزة على عدد من خشبات المسرح العربي، في كل من: القاهرة والإسكندرية وعمّان ودمشق والرباط وتونس والجزائر، بعدما حقق عرضها الأول في أيام الشارقة المسرحية، نجاحاً كبيراً. ولعل مصدر الاهتمام الكبير في الدولة بتحديد يوم إماراتي للمسرح، يأتي ضمن تلك الجهود الكبيرة التي تبذلها الإمارات في مجال الفنون والثقافة، ويعبّر عن ما بات يعنيه المسرح في الدولة، حيث اكتسب قاعدة جماهيرية كبيرة، كما أنه معبر عن الآمال والتطلعات، وظل للحراك المسرحي الإسهام الوافر في الفعل التنموي الثقافي، فكان لابد من يوم للمسرح والمسرحيين كتعبير عن التطور الكبير في هذا المجال الإبداعي الراقي التي تهتم به كل الشعوب المتقدمة. ولعل من أهم سمات هذا اليوم، والذي هو ليس مجرد مساحة يلتقي فيها المسرحيون الإماراتيون، رغم أهمية ذلك، إلا أنه كذلك بمثابة جرد حساب وحصاد للحراك خلال العام الذي مضى، وتقييم الإنجازات وتجاوز أوجه التقصير، بالتالي هو يشتمل على نظرة نقدية مهمة من أجل استمرار الفعل والإنجاز المسرحي في الدولة، كما أن هذا اليوم سوف يشتمل على العديد من الأنشطة المرتبطة بالواقع المسرحي الإماراتي ومنها تكريم شخصيات لم يسبق أن كُرّمت من قبل، واستعراض مسيرتها وتجاربها وإرثها المسرحي، وذلك من باب الوفاء لتلك الأسماء التي لمعت في سماء المسرح الإماراتي وتاريخه وقدمت الكثير من العطاءات فكانت جزءاً من تلك المسيرة الكبيرة. ذلك اليوم بمثابة عرس للمسرحيين الإماراتيين، وذلك يعني أنه يشكل تاريخاً جديداً في مسيرة المسرح في الدولة، وصفحة عامرة بالإنجازات، وحالة تحفز على الإبداع وتشجع على الاستمرار والمزيد من العطاء.