المفتي يدخل دمشق من البوابة الأموية
دخل المفتي دمشق في العاشر من محرم حسب التقويم الهجري المتبع سنيًا، وهو يوم استشهاد حفيد النبي، الإمام الحسين بن علي في «كربلاء»، وصلّى في المسجد الأموي الذي بات قِبلة سياسية بعد أن صلّى فيه وزير خارجية السعودية إمامًا، واسترجع بعضًا من عبق التاريخ، فمنه خرج شعاع الدولة الأموية ليعمّ جغرافيا الشام، وتمدّد ليصل بلاد فارس والصين، ومن رحمها دولة «الأندلس».
في هذه الاستعادة بقية من هوية سياسية تستحضر بشكل مكثف في كل «عاشوراء»، صارت محلّ استقطاب حاد بعدما أقحمها المرشد علي خامنئي كمرتكز أساسي في التوازن الصراعي بين جبهتين: «حسينية» و«يزيدية».
عقب «طوفان الأقصى»، سعى نظام الملالي إلى إدخال تعديل على خطابه العقائدي عبر «عاشوراء» نفسها، بهدف إنتاج سياق سياسي تعبوي يقتطع الحقبة الأموية، ويحمّلها وحدها كل إرث الكراهية للقنص على السعودية، من خلال إعادة ربط التيارات الفكرية السلفية بها، وخصوصاً تلك الجهادية الناشطة في سوريا، مقابل إخراج جماعة «الإخوان المسلمين» المتحالفة معها، والمتأثرين بها ومعهم السنة المطواعين من دائرة الكراهية.
وفي لحظة تُوظّف فيها «عاشوراء» كأداة تتجاوز إطار التعبئة إلى التحضير لنسخة حداثية منها، من خلال ترويج صيرورة الشيعة وحدهم في مواجهة تحالف إسرائيل و«الأمويين الجدد» في سوريا، أتت زيارة مفتي الجمهورية مع كل ما يمثله إرث دار الفتوى من اعتدال معروف، لتمنح هذا الخطاب مصداقية غير مقصودة. إذ ذاك تصبح المعادلة «العاشورائية»: الصهاينة أمامكم، وسوريا «الأموية» بامتداداتها السنية في لبنان خلفكم، فلا مناص من قتال كربلائي في السياسة والميدان.
ورغم أن أهداف الزيارة ليست كذلك بالطبع، إلا أن تأثيرها على المعادلة المستجدة يحرف النقاش عن مستجد آخر يشكل جوهر الإشكالية التي يعاني منها «حزب الله»، وأكثر منه نظام الملالي نفسه. منذ انتخاب ترامب لولاية ثانية، تعاني طهران من إرباك واضح في مقاربة التحولات، حيث تغيب براغماتية «تاجر السجاد» الشهيرة وما يتّسم هذا النهج من مرونة، لحساب إنكار الواقع بإصرار غريب يعكس مدى التحجّر داخل عقل نظام الملالي، والذي ينسحب تأثيره على أذرعه.
كان بإمكان إيران إبرام صفقة مع أميركا تحد فيها من الخسائر، وتحفظ صورتها الشديدة الحرص عليها من الإذلال الكلامي اليومي الذي يمارسه ترامب بحقها، والذي يفوق تأثيره بالنسبة للملالي كل الخسائر الاستراتيجية. إلا أنها لا زالت تصر على رفض كل الفرص، ومثلها «حزب الله»، وكأنهما يغذّان السير على طريق الحسين وفق الموروث الشيعي، حتى النهاية.
في الواقع، إن الجبهة «الحسينية» و«اليزيدية» هي تعبير عن خيال سياسي تعبوي مأزوم، حيث لا وجود لتحالفات ذات طبيعة دينية أو مذهبية، بل إعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة وفق متغيرات أشمل وأوسع. ومحادثات سوريا مع إسرائيل لا تمهد لتحالف متخيّل، إنما تدخل ضمن إطار تفكيك التهديدات، والانصراف لإعادة مأسسة الدولة. حتى إيران نفسها تتقرب من مصر بعد قطيعة طويلة، رغم أن اتفاقية السلام بين الأخيرة وإسرائيل لا تزال سارية المفاعيل.
وزيارة المفتي دريان تندرج ضمن هذه المتغيرات، فهي تفتح طريقاً لسنة لبنان للتنفيس عن تهميشهم، ولا سيما في ظل الإعجاب الهائل بالنموذج الذي يشكله الرئيس أحمد الشرع. ولذلك قال له دريان: «لن نغيب عنكم بعد الآن، وسنقصدكم في كل ملمّة وفرحة»، وقلده وسام دار الفتوى المُذهّب، الذي سبق أن منح مثله لرئيس الجمهورية جوزاف عون.
إذ ذاك تصبح عاصمة الأمويين بمثابة قبلة السنة السياسية وبوابة عبورهم نحو العرب، بما يعزّز دور سوريا كدولة إقليمية. مقابل تعزيز موقع «المارونية السياسية» في ضبط إيقاع الجمهورية، والدفع نحو الانتقال من «مثالثة» الترويكا وأحلاف الأقليات، إلى سلطة تشاركية متوازنة برأس واحد بعصب مسيحي.
من ضمن هذا السياق، يمكن الاستنتاج أن الطرح السوريالي المتداول بضمّ طرابلس وبعض البقاع إلى سوريا، يختزن نوعاً من العزف على وتر العروبة الممزوج بالموروث الإسلامي الذي يبرز في الخصوصية الهوياتية الطرابلسية، من أجل استقطاب العصب السني بمظلوميته المتنامية نحو دمشق، بما يمهد لتشكيل ديناميات سياسية جديدة انطلاقًا من هذا المرتكز.
وإن كانت زيارة المفتي دريان إلى البقاع في «اليوم التالي» بددت قدرًا من نتائج زيارته «الدمشقية»، حيث بدا وكأنه يعيد تلميع بعض الأدوات السنية لنظام الوصاية، إلا أنها أظهرت مدى التأثير السوري في المعادلة السنية بشكل أشمل، ما بين رموز ينتمون إلى حقبة آفلة، ومزاج واسع يتماهى مع سوريا الجديدة لمّا يفرز رموزه بعد. ما بين الزيارتين هامش يحاول الأوّلون استغلاله لتعويم أنفسهم من جديد وهنا تكمن المصيبة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القناة الثالثة والعشرون
منذ 5 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
كلمات عالية السقف... وبرّي لسلام: "أفضل ما ينفجر اللغم فيك"
وفق معلومات "نداء الوطن" أنه سبق لرئيس مجلس النواب نبيه برّي أن اتفق على عقد جلسة مناقشة عامة للحكومة خلال استقباله قبل أيّام رئيس الحكومة نواف سلام في عين التينة، متوجّهًا إليه بالقول "هيك أفضل حتى ما ينفجر اللغم فيك". وبحسب المعلومات، فالكلمات التي ستنقل مباشرة على الهواء، ستكون عالية السقف. وقد وصل عددها حتى مساء أمس إلى أكثر من 50، والعدد مرشّح للارتفاع، وستركّز على ضرورة الالتزام بجدول زمني واضح لأن المماطلة قد تعرّض لبنان لخطر تجدد الاعتداءات الإسرائيلية من جهة، وستبقي الدولة اللبنانية أسيرة الأبواب العربية والدولية المقفلة بوجه التعافي الاقتصادي والشروع بإعادة الإعمار. وفي تقييم لأوساط دبلوماسية عبر "نداء الوطن" أن جوهر الموضوع اللبناني هو لماذا لم تقدم حكومة لبنان حتى اليوم على أي شيء في موضوع اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذه انطلاقًا مما وقعت عليه الحكومة السابقة بموافقة "حزب الله"؟ ولماذا لم تتبنَ الحكومة خطة الموفد الرئاسي الأميركي براك وتضعها على طاولة مجلس الوزراء ومن ثم الذهاب إلى تنفيذها؟ أضافت الأوساط الدبلوماسية أن تنفيذ خطة براك يعني احتكار الدولة للسلاح بما يشكل المقدمة أمام انسحاب إسرائيل ويفتح الباب أمام عودة علاقات لبنان مع المجتمعين الدولي والعربي من خلال حل التنظيمات المسلحة سواء أكان "حزب الله" أم غيره. وإذا كان تنفيذ هذه الخطة لم يحصل بعد، فذلك يعني أنه لن يمشي الحال في أي أمر آخر فيبقى لبنان في دائرة الحصار والفوضى وحرمانه من المساعدات الاقتصادية". ولفتت الأوساط نفسها، إلى "أن هذا ما أبلغه براك للمسؤولين كما أبلغه الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان لكل من التقاه في آخر زيارة للبنان، علمًا أن السعودية كانت رأس حربة في الانتخابات الرئاسية في بداية العام الجاري، لكن دعمها كان مشروطًا باحتكار الدولة السلاح". وانتقدت الأوساط "حجج الحرب الأهلية التي ترد على لسان المسؤولين"، وقالت: "إن المطلوب هو أن تتخذ الحكومة القرار السياسي قبل الذهاب إلى التنفيذ" ودعت إلى ملاحقة "حزب الله" قضائيًا بشخص أمينه العام الشيخ نعيم قاسم على "مواقف يطلقها لجهة قرار "الحزب" بالعودة إلى الحرب والمقاومة والسلاح علمًا أن هذا قرار يختص بالحكومة اللبنانية وحدها". وخلصت إلى القول: "إن المدخل الأساس لإنقاذ لبنان هو إزالة دولة "حزب الله" المستمرة منذ 30 عامًا والتي أخذت لبنان إلى الحرب والخراب". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

القناة الثالثة والعشرون
منذ 5 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
بعد توقيف مجموعات عدّة... ما حقيقة انتمائها إلى "داعش"؟
انتشرت في الأيّام الأخيرة إشاعاتٌ كثيرة في ما يخصّ الوضع الأمنيّ في لبنان. فمع توقيف مجموعات مع أسلحتها، في عدد من المناطق، تداول اللّبنانيّون على مواقع التّواصل الاجتماعيّ أخباراً مفادها بأنّ هذه المجموعات مرتبطة بتنظيم "داعش" الإرهابيّ، ممّا نشر حالة من الخوف، من عودة التّفجيرات. وفي آخر المُعطيات، فقد أعلن الجيش اللّبنانيّ توقيف عشرة أشخاص في بلدة بتبيات - المتن الأعلى وفي حيازتهم أسلحة. يُشير العميد المتقاعد جورج نادر إلى أنّ "تنظيم "داعش" عبارة عن خلايا نائمة تنتظر التّعليمات، موجودة في عدد من دول العالم، حتّى في أميركا وأوروبا"، لافتاً إلى أنّه "لا يمكن التّكهن بالموعد أو المكان الذي ستستهدفه خليّة معيّنة". ما حقيقة انتشار خلايا داعشيّة إرهابيّة على الحدود اللّبنانيّة – السّوريّة؟ ينفي نادر، في حديث لموقع mtv، نفياً قاطعاً وجود "داعش" على الحدود، مُؤكّداً أنّ "الجيش اللّبنانيّ مُنتشر في المنطقة الحدوديّة، رغم وجود بعض حالات التّهريب، إلا انّ هذا الموضوع لا يهدّد السّلم الأهليّ في لبنان". ويوضح نادر، أنّ "التّوقيفات التي نشهدها في لبنان في الفترة الأخيرة، روتينيّة"، شارحاً أنّ "المجموعة التي أوقِفَت في بتبيات في المتن الأعلى، غير مرتبطة بـ"داعش"، كما سبق وأكّد الجيش، بل هي عصابة ثبُتَ عدم ارتباطها بأي منظّمة إرهابيّة". لماذا برز احتمال ظهور "داعش" مُجدّداً في هذا التّوقيت؟ يعتبر نادر، أنّه "كلّما شهد لبنان ضغطاً لنزع سلاح "حزب الله"، تظهر شمّاعة "داعش" لحرف النّظر عن المشكلة الحقيقيّة الأساسيّة، أي مشكلة السّلاح، والتي يرفض "حزب الله" حلّها، والتي، الدّولة بدورها، تتقاعس عن إيحاد الحلّ المُناسب لها". ويُضيف: "الحديث عن "داعش" الآن، هو لتأجيل حلّ المشكلة، إذا كانت هناك نيّة من قبل الدّولة اللّبنانيّة لذلك"، ويُتابع: "إذا منكفّي هيك، رايحين على المهوار". إذاً، الأصحّ، عدم تصديق كلّ الأخبار المُتداولة على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، التي يُمكن أن تنشر حالةً من الذّعر، والأهمّ، توخّي الدقّة في المعلومات، وعدم نشر أخبار خاطئة تُعرّض السّلم الأهليّ اللّبنانيّ للخطر، لا سيّما أنّ البلد في مرحلة حسّاسة جدّاً. رينه أبي نادر خاص موقع Mtv انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


التحري
منذ 32 دقائق
- التحري
كالاس : مدة الـ50 يوماً للتسوية في أوكرانيا طويلة جداً
وصفت رئيسة الخدمة الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، المهلة التي حددها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والبالغة 50 يوما لحل الصراع الأوكراني، بأنها طويلة للغاية. وقالت كالاس للصحافيين في بروكسل: 'من ناحية، يعتبر موقف ترامب المتشدد تجاه روسيا أمرا إيجابيا. ولكن من ناحية أخرى، تبقى فترة الـ 50 يوما، مدة طويلة جدا'. و أعلن الرئيس الأميركي أمس الاثنين، أن الولايات المتحدة تنوي فرض رسوم جمركية على روسيا وشركائها التجاريين في حال فشلت موسكو في التوصل لاتفاق بشأن التسوية في أوكرانيا خلال 50 يوما. وقال ترامب خلال اجتماع مع الأمين العام لحلف 'الناتو' مارك روته في البيت الأبيض: 'نحن مستاؤون للغاية من الجانب الروسي، وسنفرض رسوما جمركية صارمة للغاية في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال 50 يوما. سنفرض رسوما جمركية بنسبة 100% تقريبا. يمكن وصفها بأنها ثانوية'. وأضاف ترامب أن واشنطن قررت مواصلة ضخ الأسلحة والمعدات العسكرية إلى نظام كييف إذا دفعت أوروبا ثمنها. وأوضح الرئيس الأميركي أن حلف الناتو سيشرف على تنسيق هذه العملية. وسبق أن أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن سياسة احتواء روسيا وإضعافها هي استراتيجية طويلة الأمد للغرب، لكنها غير ناجعة، لافتا إلى أن العقوبات وجهت ضربة خطيرة للاقتصاد العالمي بأسره، وأن الغرب يتطلع إلى تدمير حياة الملايين من الناس.