
أربعون عاماً من النزيف: 39 دولة تتوقف عن النمو… والعرب في صدارة المعاناة
منذ العام 2010، تشهد مجموعة من الدول انهيارًا صامتًا في مسارها الاقتصادي والتنموي، إذ خرجت 39 دولة عن مسار النمو العالمي، لتصبح رهينة الصراعات المسلحة، والاضطرابات السياسية، والانهيار الاقتصادي. وبينما استطاعت دول نامية أخرى أن تواكب تحوّلات العصر، وتحصد ثمار الاستقرار النسبي، ظلت هذه الدول عالقة في دائرة الفقر، تتراجع عامًا بعد عام على مختلف المستويات.
ثماني دول عربية كانت من بين هذه الدول المتعثرة، وهي العراق، لبنان، ليبيا، الصومال، سوريا، السودان، فلسطين، واليمن. هذه الدول شهدت حروبًا أهلية، وانقسامات سياسية، وانهيارات اقتصادية وأمنية متلاحقة، أنهكت مؤسسات الدولة وأفقرت شعوبها، ودفعت أجيالًا كاملة إلى الهجرة أو الانزلاق نحو البطالة والتهميش.
بحسب البنك الدولي، فإن نتائج هذا الجمود التنموي كانت قاسية بكل المقاييس. إذ يعاني نحو 18% من سكان هذه الدول من انعدام الأمن الغذائي، وهو رقم صادم يعادل 18 ضعف متوسط النسبة في باقي الاقتصادات النامية. هذا يعني أن ما يقارب خُمس السكان لا يجدون ما يكفيهم من الغذاء، في وقت بات فيه الجوع الحاد سمة ملازمة لهذه المجتمعات المنهكة.
أما على صعيد الدخل، فلا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان 1,500 دولار سنويًا، مقارنة بـ6,900 دولار في الدول النامية الأخرى. هذا الفارق الكبير في مستوى المعيشة يعكس مدى التراجع الاقتصادي الذي تشهده هذه الدول، ومدى عجزها عن توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة لمواطنيها.
الفقر المدقع، وهو المؤشر الأشد قسوة، انخفض في معظم دول العالم النامي إلى نحو 6%، إلا أنه بلغ قرابة 40% في الدول المتعثرة، أي أن أربعة من كل عشرة أشخاص يعيشون على أقل من 2.15 دولار يوميًا، وفق تعريف البنك الدولي. والأخطر من ذلك أن نصف من هم في سن العمل يعانون من البطالة، ما يعني غياب الأمل وفرص الإنتاج والمشاركة الاقتصادية لشريحة واسعة من السكان.
هذه الأرقام لا تعكس أزمة طارئة أو عابرة، بل ترسم ملامح انهيار ممتد، قد يتحول إلى كارثة إنسانية عالمية في حال استمر الإهمال الدولي والتقاعس المحلي. إذ يتوقّع البنك الدولي، في حال بقاء الأمور على حالها، أن تصبح هذه الدول موطنًا لنحو 60% من فقراء العالم بحلول عام 2030، ما يعني أن غالبية الفقر العالمي ستتركّز في بؤر الأزمات والصراعات، بعيدًا عن عجلة التنمية العالمية.
الأسباب التي قادت إلى هذا الانهيار متعددة ومترابطة، يقول الخبير الاقتصادي مدحت نافع، في حديثه لـ'النهار'، ويضيف 'في مقدّمتها، تأتي الحروب والنزاعات الطويلة الأمد، والتي دمّرت البنية التحتية، وأطاحت بالمؤسسات، وشتّتت السكان. كما لعبت الأزمات الاقتصادية والفساد وسوء الإدارة دورًا محوريًا في تعميق التدهور. إلى جانب ذلك، ساهم غياب السياسات الاجتماعية والإنمائية المستدامة في إطالة أمد الأزمة، وحرمان المجتمعات من فرص الخروج منها.'
هذه الأوضاع لم تبقَ حبيسة الداخل فقط، بحسب نافع |بل بدأت آثارها في التمدد نحو الخارج، من خلال تصاعد موجات الهجرة والنزوح، وتفاقم التوترات الإقليمية، وازدياد مخاطر التطرف والانفجار الاجتماعي. ما يجعل من هذه الأزمة مسؤولية مشتركة، تتطلب تضافر الجهود الدولية والإقليمية، والتفكير في حلول تتجاوز الإغاثة المؤقتة نحو إعادة بناء اقتصادات أكثر صمودًا وعدالة'.
الحلول ليست مستحيلة، لكنها تتطلب إرادة حقيقية وتدخلاً ممنهجًا يبدأ بإعادة الاستقرار الأمني والسياسي، ويمر بإصلاح المؤسسات، وتوجيه الاستثمارات نحو التنمية البشرية، والتعليم، والبنية التحتية، ويشمل دعم الحوكمة ومكافحة الفساد. فإعادة عجلة النمو لا يمكن أن تتم من دون بناء أسس اقتصادية قوية وبيئة سياسية سليمة.
إن استمرار تجاهل هذه الدول واعتبارها هامشية على خارطة التنمية العالمية ليس فقط ظلمًا لشعوبها، بل تهديدًا للاستقرار العالمي بأسره. لأن الجوع والفقر والبطالة لا يعرفون حدودًا، بل ينتقلون كأزمات عابرة للحدود، تهدد الأمن العالمي والسلم الاجتماعي.
إنها دعوة عاجلة لإعادة التفكير في أولويات العالم، وفي مسؤولياته تجاه الدول المنكوبة، التي تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى فرصة للنجاة… قبل أن يصبح الفقر هو القاعدة، والنمو هو الاستثناء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القناة الثالثة والعشرون
منذ 33 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
في الصين.. مكافأة مالية لكل من ينجب طفلا
تعتزم الصين دفع إعانات نقدية للعائلات لتشجيع الأزواج على الإنجاب، بعد سنوات من تراجع تعداد السكان في ثاني اكبر اقتصاد في العالم. وقالت مصادر مطلعة لوكالة بلومبرغ للأنباء أن الحكومة تعتزم دفع 503 دولار سنوياً عن كل طفل يتم إنجابه بعد الأول من كانون الثاني هذا العام حتى يبلغ سن ثلاث سنوات، في إطار مبادرة يتم تنفيذها على مستوى الدولة. وتخلت عن سياسة طفل واحد قبل قرابة عشر سنوات، واستمر تعداد السكان في التراجع للعام الثالث على التوالي في 2024 وبلغ عدد المواليد العام الماضي 9.54 مليون مولود بما يمثل نحو نصف العدد الذي تم تسجيله عام 2016 وبلغ 18.8 مليون مولود، وهو العام الذي أوقفت فيه بكين العمل بالسياسة التي تسمح لكل أسرة بإنجاب طفل واحد. ويشكل تراجع معدل المواليد تحدياً بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث إن انكماش حجم القوى العاملة يمثل تهديداً لسوق العمل والانتاجية في البلاد. (24) انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


لبنان اليوم
منذ 38 دقائق
- لبنان اليوم
سعر صرف الدولار في سوريا اليوم… واستثمار قطري بـ250 مليون دولار
تنويه مهم: الأسعار المعروضة لسعر صرف الدولار في الجدول يتم تحديثها بشكل لحظي بناءً على أحدث البيانات المتوفرة. أسعار العملات في سوريا آخر تحديث 04/07/2025 10:00 AM الدولار شراء مبيع 9950 10025 اليورو الليرة التركية 11698 11792 248 252 نشرة الصرف / المركزي السوري الدولار السعر الوسطي 11000 11110 11055 اليورو الليرة التركية 12966.80 13096.47 275.60 287.36 مشاهدة جميع العملات » جميع العملات لمعرفة أحدث أسعار صرف العملات الأجنبية والعربية مقابل الليرة السورية إضغط هنا شركة 'بلدنا' القطرية تستثمر 250 مليون دولار في صناعة الحليب بسوريا وتوسّع نشاطها إلى مصر أعلنت شركة 'بلدنا' القطرية، اليوم الخميس، أن مجلس إدارتها وافق بالإجماع على إطلاق مشروع صناعي متكامل في سوريا لإنتاج الحليب ومشتقاته والعصائر، باستثمار يُقدّر بـ250 مليون دولار. وأوضحت الشركة في بيان نُشر على موقع بورصة قطر أن القرار اتُّخذ خلال اجتماع عقده المجلس يوم الأربعاء، حيث تم كذلك التصويت بالإجماع على تأسيس شركة تابعة في مصر تُعنى بتقديم خدمات الدعم والمساندة للشركة الأم، بحسب ما نقلته وكالة 'رويترز'. وتأتي هذه الخطوة في ظل مؤشرات على تحرّك استثماري متزايد في السوق السورية، لا سيّما بعد اختتام فعاليات الدورة العشرين من المعرض العربي الدولي للصناعات الغذائية والتعبئة والتغليف 'فود إكسبو 2025' في دمشق نهاية الشهر الماضي، بمشاركة أكثر من 200 شركة تمثل نحو 800 علامة تجارية من دول عربية ودولية. وشهد المعرض، الذي استمر خمسة أيام، توقيع مئات الاتفاقيات والعقود بين العارضين والزوار من رجال الأعمال، إلى جانب تفاهمات تمهّد لإطلاق شراكات في مجالات التصنيع الغذائي والتصدير. وقال غياث الشماع، الرئيس التنفيذي لمجموعة 'دلتا للمعارض' الجهة المنظمة للحدث، إن 'فود إكسبو 2025' استقطب قرابة 300 رجل أعمال من دول عربية وأجنبية، إضافة إلى أكثر من 20 ألف زائر من مختلف المحافظات السورية، بينهم صناعيون وتجار وموزعون ومستثمرون. ويُتوقع أن تسهم هذه التحركات في تعزيز النشاط الاقتصادي السوري وفتح أبواب استثمار جديدة، خاصة في قطاعات الغذاء والتصنيع الزراعي، في وقت يسعى فيه القطاع الخاص الإقليمي إلى توسيع حضوره في الأسواق الناشئة.


ليبانون ديبايت
منذ 40 دقائق
- ليبانون ديبايت
12 ألف دولار تكلفة 'هيصة' نجل السياسي
بلغت تكلفة سهرة صاخبة أقامها نجل أحد الزعماء البارزين، المتحدرين من 'الطبقة الوسطى'، نحو 12 ألف دولار أميركي، ذهب جزء كبير منها على فتح زجاجات شامبانيا في أحد المنتجعات الفاخرة.