
لبنان بين الإنقاذ الصعب والانفكاك الأصعب
صحيح أنّ تغيير الخرائط والحدود أمر صعب جدًا، لكنه غير مستحيل، علمًا أنّ الأسهل هو إحداث تغييرات بنيوية في بعض الدول لا تصل إلى حدّ تغيير الخرائط، بل تعيد تركيب الأنظمة بشكل يعزّز واقع التنوّع، ويرسم حدودًا داخلية معيّنة ومدروسة تكون أقرب إلى ضمانات وتساهم في الحفاظ على الاستقرار وتجنّب النزاعات الدورية.
وهذا الواقع ينطبق بنسبة معيّنة على الشرق الأوسط الجديد، بحيث يخضع أي تطوير أو تعديل لسقف دولي تقوده الولايات المتحدة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، كونها اللاعب الأساسي في المنطقة. ومعلوم أن الأميركيين لا يحبّذون التورّط في الصراعات الداخلية سواء كانت سياسية أو طائفية أو إتنية إلّا بالحدّ الأدنى، ولو أنهم يسعون أحيانًا إلى دعم مكافحة التطرّف وتجلياته أمنيًا وإنسانيًا.
ولا يبدي دبلوماسيون أميركيون عندما يفاتحهم سياسيون لبنانيون بكلام حول النظام الفدرالي على سبيل المثال، أي تحفظ أو انزعاج، باعتبار أن الفدرالية تعتمدها نظامًا أبرز الدول الغربية وغير الغربية بنسبة أو بأخرى، على غرار الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والبرازيل وألمانيا وبريطانيا وسويسرا وبلجيكا وروسيا والهند وأستراليا… ويعتبرون أنّ المسألة تعود إلى خيار اللبنانيين في ما يرونه مناسبًا، علمًا أن الأميركيين يشجعون التعدّدية وكل ما يساهم في حمايتها ومنح الحقوق للأقليات. ويلفت هؤلاء إلى أن الأهم هو توافق اللبنانيين على الصيغة المرجوّة أو على تطوير النظام، علمًا أنهم كانوا يوحون بأن العقدة الكبرى تتمثل بـ 'حزب اللّه' الذي كان يهيمن على الدولة والقرار، بينما اليوم بات طرح بعض الأفكار التغييرية والتطويرية أسهل وأكثر قبولًا.
ولا بدّ في هذا السياق من التوقّف عند كلام معبّر للموفد الأميركي توم برّاك الذي لم يتردد في القول 'إن الغرب فرض منذ قرن من الزمان خرائط وانتدابات وحدودًا مرسومة بالحبر، وإن اتفاقية 'سايكس – بيكو' قسّمت سوريا والمنطقة لأهداف استعمارية لا من أجل السلام'. واعتبر 'أن ذاك التقسيم كان خطأ ذا كلفة على أجيال بأكملها ولن يتكرر مرة أخرى، وأن زمن التدخل الغربي انتهى والحلول تنبع من داخل المنطقة وعبر الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل'.
ويقول دبلوماسي غربي مخضرم، إن كلام برّاك يحمل مزيجًا من الجرأة والضبابية في آن، فهو يدين الاتفاقية الشهيرة وتداعياتها، لكنه لا يدعو مباشرة إلى تغيير ما فرضته من حدود وخرائط، وهذا يعني أنه يعبّر عن رغبة في تصحيح بعض الجوانب السلبية، وترميم معادلات صدامية أدّت إلى حروب وصراعات مؤلمة بخلفيات متنوّعة، الأمر الذي يسمح بإعادة ترسيم داخلية في أكثر من بلد بما يحافظ على الاستقرار والعدالة والمساواة، وعلى الأقليات وخصوصياتها وحقوقها.
ومن الواضح أن الحكم الذاتي لكردستان في شمال العراق يحظى برعاية أميركية وغربية، في وقت لفت ارتياح أميركي لإنهاء النزاع التاريخي بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، الأمر الذي يسهل على واشنطن رعاية صيغة معقولة في سوريا تريح الأكراد فيها نسبيًا مع الحفاظ على الوحدة الوطنية، علمًا أنّ المكوّنات الأخرى التي تندرج في إطار الأقليات تطمح إلى الحصول على ضمانات معينة على صعيد الشراكة والحقوق.
ماذا عن لبنان؟
ثمة إشكالية كبيرة تبرز أكثر فأكثر على خلفية تجربة 'حزب اللّه' وما يمثله من هيمنة إيرانية، معطوفة على هيمنة سورية للنظام السابق، ما أرخى بتداعيات خطرة على النسيج اللبناني المتنوّع وضرب الشراكة في صميمها، وساهم في إحياء تطلّعات مشروعة نحو تركيبة جديدة تؤكد مركزية الدولة، إلّا أنها تلحظ لا مركزية موسّعة لا تقتصر على الشأن الإداري البحت بل تشمل جوانب مالية وأمنية وقانونية، قد لا تصل إلى سقف الفدرالية، لكنها توفر ضمانات بعدم انفجار الصراعات والنزاعات الدورية كل خمسة عشر عامًا تقريبًا بحسب الوتيرة المعهودة في لبنان.
واللافت أنّ قوى ورموزًا معروفة بتوجّهاتها العلمانية والتغييرية باتت تتقبّل الذهاب بعيدًا وصولًا إلى طرح الانفكاك السلمي والطوعي بين من يريد لبنان الميثاق والشراكة والتوازن وبين من يرفضه، وبالتالي فإن خيارها الأول هو تعويم الميثاق الوطني بمعزل عن الأعداد والأرقام والأحجام كخيار أول، وإلّا الانتقال إلى واقع مختلف.
وترى أوساط سياسية مسيحية أن تعديل التركيبة أمر لا مفرّ منه، ويفترض أن يتمّ الانكباب عليه جديًا بعد الانتخابات النيابية المقبلة، سواء نجحت الدولة في استعادة سيادتها الكاملة أو تعثرت أو تأخرت. فالتركيبة الحالية للنظام أنهكت اللبنانيين ودفعت بلبنان إلى تقهقر مريع بعدما كان الرائد في الشرق الأوسط على صعد عدة، يوم كانت المارونية السياسية لها الكلمة العليا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


IM Lebanon
منذ ساعة واحدة
- IM Lebanon
حرب كلامية بين ترامب وحاكم كاليفورنيا على خلفية 'مداهمة'
اندلع سجال حاد على وسائل التواصل الاجتماعي، بين حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم وإدارة الرئيس دونالد ترامب، عقب مداهمة نفذتها قوات الجمارك وحماية الحدود الأميركية (CBP) على مزرعة قنب قانونية في مدينة كاماريو بولاية كاليفورنيا. المداهمة التي جرت يوم الخميس شهدت توتراً ملحوظاً بين المحتجّين والقوات الفيدرالية، إذ استخدمت الأخيرة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين المتجمعين أمام موقع المزرعة. وانتشرت على منصات التواصل مقاطع فيديو تُظهر عمّال المزرعة ونشطاء وهم يركضون وسط سحب كثيفة من الدخان الأبيض. وفي رد فعل غاضب، كتب نيوسوم عبر منصة 'إكس': 'أطفال يركضون من الغاز المسيل للدموع، يبكون على الهاتف لأن أمهاتهم أُخذن من الحقول'. وزارة الأمن الداخلي سارعت إلى الرد عبر حسابها الرسمي، وكتبت موجهة كلامها لحاكم الولاية: 'لماذا يعمل الأطفال في منشأة لزراعة الماريغوانا يا غافين؟'، في تعليق أثار مزيداً من الجدل حول قانونية المداهمة وأوضاع العاملين في الحقول.

القناة الثالثة والعشرون
منذ 2 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
حرب كلامية بين ترامب وحاكم كاليفورنيا على خلفية 'مداهمة'
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... اندلع سجال حاد على وسائل التواصل الاجتماعي، بين حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم وإدارة الرئيس دونالد ترامب، عقب مداهمة نفذتها قوات الجمارك وحماية الحدود الأميركية (CBP) على مزرعة قنب قانونية في مدينة كاماريو بولاية كاليفورنيا. المداهمة التي جرت يوم الخميس شهدت توتراً ملحوظاً بين المحتجّين والقوات الفيدرالية، إذ استخدمت الأخيرة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين المتجمعين أمام موقع المزرعة. وانتشرت على منصات التواصل مقاطع فيديو تُظهر عمّال المزرعة ونشطاء وهم يركضون وسط سحب كثيفة من الدخان الأبيض. وفي رد فعل غاضب، كتب نيوسوم عبر منصة 'إكس': 'أطفال يركضون من الغاز المسيل للدموع، يبكون على الهاتف لأن أمهاتهم أُخذن من الحقول'. وزارة الأمن الداخلي سارعت إلى الرد عبر حسابها الرسمي، وكتبت موجهة كلامها لحاكم الولاية: 'لماذا يعمل الأطفال في منشأة لزراعة الماريغوانا يا غافين؟'، في تعليق أثار مزيداً من الجدل حول قانونية المداهمة وأوضاع العاملين في الحقول. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


صوت لبنان
منذ 2 ساعات
- صوت لبنان
قاضية تأمر إدارة ترامب بوقف اعتقالات عشوائية للمهاجرين في كاليفورنيا
العربية أمرت قاضية اتحادية إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بوقف عمليات التوقيف والاعتقالات العشوائية للمهاجرين في 7 مقاطعات بولاية كاليفورنيا، ومن بينها لوس أنجلوس. وقامت جماعات الدفاع عن المهاجرين بتقديم الدعوى الأسبوع الماضي، متهمة إدارة الرئيس ترامب باستهداف الأشخاص ذوي البشرة البنية بشكل منهجي في جنوب كاليفورنيا خلال حملة القمع المستمرة للمهاجرين. ومن بين المدعين ثلاثة مهاجرين محتجزين واثنان من المواطنين الأميركيين، أحدهم تعرض للاحتجاز على الرغم من إظهار هويته لعملاء إدارة الهجرة. وطلب المدعون في الدعوى من القاضية أن تمنع الإدارة من استخدام ما يسمونه أساليب غير دستورية في حملات المداهمة التي تقوم بها إدارة الهجرة. ويتهم المدافعون عن المهاجرين مسؤولي الهجرة باحتجاز شخص ما بناء على العرق، وإجراء اعتقالات بدون مذكرات وحرمان المحتجزين من الحصول على محامٍ في منشأة احتجاز في وسط لوس أنجلوس. وقالت تريشيا ماكلولين، مساعد وزيرة الأمن الداخلي الأميركية، في رسالة بالبريد الإلكتروني إن "أية مزاعم بأن أجهزة إنفاذ القانون /استهدفت/ أفرادا بسبب لون بشرتهم هي مثيرة للاشمئزاز وكاذبة تماما". وقالت ماكلولين إن "عمليات إنفاذ القوانين موجهة للغاية، ويقوم الضباط بعملهم بالعناية الواجبة" قبل إجراء الاعتقالات. كما أصدرت القاضية مامي إي فريمبونج أمرا منفصلا يمنع الحكومة الاتحادية من تقييد وصول المحامين إلى مركز احتجاز المهاجرين في لوس أنجلوس. وأصدرت فريمبونج الأمرين الطارئين المؤقتين بينما تستمر الدعوى القضائية، بعد يوم من جلسة استماع أكدت خلالها جماعات الدفاع عن المهاجرين أن الحكومة تنتهك التعديلين الرابع والخامس للدستور. وكتبت في الأمر أن هناك "جبلا من الأدلة" تم تقديمه في القضية على أن الحكومة الاتحادية كانت ترتكب الانتهاكات التي تم اتهامها بارتكابها. يأتي ذلك فيما توفي عامل مزرعة، أمس الجمعة، متأثرا بجروح أصيب بها خلال مداهمة عناصر من وكالة الهجرة الأميركية لمزرعة قنب قانونية في كاليفورنيا نتج عنها اعتقال 200 مهاجر غير شرعي ومواجهات مع متظاهرين. وندد الرئيس ترامب بهجمات المتظاهرين من الناشطين في مجال حقوق المهاجرين على عناصر إدارة الهجرة والجمارك "آيس"، متوعدا بالقبض على "هؤلاء الأوغاد"، بحسب تعبيره. وجاء تعليق ترامب على منصتي "تروث سوشيال" و"إكس" بعد يوم من مداهمة المزرعة في مقاطعة فينتورا، على بعد نحو 90 كيلومترا من لوس أنجلوس، حيث أصيب أحد العمال بجروح خطيرة. وقال اتحاد عمال المزارع على منصة "إكس"، الجمعة، إن العامل "توفي متأثرا بإصابات تعرض لها نتيجة لإجراءات وكالة الهجرة أمس". ولم يحدد الاتحاد هوية العامل الذي قيل إنه سقط عن ارتفاع 10 أمتار خلال مداهمة الخميس. وأعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية أن 200 مهاجر غير شرعي ألقي القبض عليهم خلال مداهمات لمواقع لزراعة الماريغوانا في كاربينتيريا وكاماريلو الخميس، إضافة إلى إنقاذ 10 أطفال "من الاستغلال المحتمل والعمل القسري والاتجار بالبشر". وردت شركة "غلاس هاوس براندز" المالكة للمزارع في بيان بأنها "لم تنتهك عن علم ممارسات التوظيف المعمول بها ولم تقم بتوظيف قاصرين على الإطلاق". وأكدت الشركة أنها ستؤمن محامين للعمال المحتجزين. وأضافت وزارة الأمن الداخلي أن أكثر من 500 "مثير شغب" حاولوا تعطيل المداهمة. ويواجه أربعة مواطنين أميركيين اتهامات بالاعتداء على عناصر أمن أو مقاومتهم. وتم استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين ظهر بعضهم في لقطات فيديو وهم يلقون مقذوفات على سيارات إدارة الهجرة. وقال ترامب في منشوره إنه شاهد لقطات لـ"بلطجية" يرشقون سيارات "آيس" بالحجارة، ما تسبب في "أضرار هائلة". وأضاف: "أنا أعطي تفويضا كاملا لآيس لحماية نفسها، تماما كما تحمي الجمهور". وأرسل الرئيس الجمهوري آلافا من قوات الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس الشهر الماضي لقمع الاحتجاجات ضد حملات المداهمة بحثا عن مهاجرين غير شرعيين.