logo
د. حمد الكساسبة : التوظيف الرقمي: مسار داعم لسوق العمل الأردني

د. حمد الكساسبة : التوظيف الرقمي: مسار داعم لسوق العمل الأردني

أخبارنامنذ 19 ساعات
أخبارنا :
في ظل ما يشهده سوق العمل الأردني من تحديات متزايدة، يصبح من الضروري طرح تساؤلات جدّية حول كفاية النموذج التقليدي في التوظيف، وقدرته على استيعاب طموحات الشباب وتخفيف معدلات البطالة. فالنمو الديمغرافي المتسارع، إلى جانب التباطؤ النسبي في التوسع القطاعي، يضع الدولة أمام خيار استراتيجي: إما التمسك بالأنماط التشغيلية التقليدية، أو الانخراط بوعي في اقتصاد رقمي يفتح آفاقًا جديدة للتشغيل والابتكار.
الاقتصاد الرقمي لا يُقدَّم بوصفه بديلاً عن القطاعات الإنتاجية والخدمية القائمة، بل باعتباره مسارًا موازيًا ومكملًا، يُعيد تشكيل العلاقة بين الكفاءة والفرصة. فالتوظيف الرقمي، الذي يشمل العمل عبر الإنترنت في مجالات مثل البرمجة، التسويق، التصميم، والخدمات اللوجستية الرقمية، أصبح أحد الحلول المرنة التي تتبناها الحكومات في العالم لتوسيع المشاركة الاقتصادية دون الحاجة لتوسعات تقليدية في الجهاز الحكومي أو استثمارات ضخمة في البنية المادية.
التجارب الدولية تؤكد فاعلية هذا التوجه. ففي الفلبين، يشكّل اقتصاد التعهيد الرقمي مصدر دخل يفوق 30 مليار دولار سنويًا، ويشغّل أكثر من 1.5 مليون فرد. الهند طوّرت إطارًا مؤسسيًا وتشريعيًا خاصًا لدمج هذا النوع من العمل ضمن الاقتصاد الوطني. أما مصر، فقد أطلقت برنامج "مستقبلنا رقمي" بالتعاون مع البنك الدولي، لتدريب الشباب على المهارات الرقمية وربطهم بمنصات العمل الحر العالمية، وهو ما مكّن الآلاف من تحسين دخلهم وفرصهم دون مغادرة محافظاتهم. المغرب أيضًا شهد نموًا ملحوظًا في صادرات تكنولوجيا المعلومات بفضل دعم الشركات الرقمية الناشئة.
الأردن ليس بعيدًا عن هذا السياق. فقد أطلقت الحكومة، بدعم من شركاء دوليين، مبادرات مثل مشروع "الشباب والتكنولوجيا والوظائف"، التي تهدف إلى تدريب الشباب في المحافظات على مهارات الاقتصاد الرقمي. كما بدأت منصات مثل "B.O.T" في خلق فرص حقيقية لدخل رقمي للفئات التي يصعب دمجها في سوق العمل التقليدي.
ومن النماذج العملية التي تُجسد التوظيف الرقمي المرن تطبيقات النقل والتوصيل مثل "أوبر" و"كريم"، والتي أصبحت منصات وسيطة بين مقدم الخدمة والمستهلك دون الحاجة إلى تدخل مباشر من أصحاب العمل التقليديين. هذا النمط من الاقتصاد، المعروف باقتصاد العمل المرن أو المؤقت (Gig Economy)، أتاح لفئات واسعة من الشباب، وخصوصًا من لا يمتلكون مهارات تقنية عالية، الدخول السريع إلى سوق العمل وتوليد دخل مستقل باستخدام مواردهم الخاصة كالمركبة والهاتف الذكي. وقد أظهرت تجارب دولية، مثل الولايات المتحدة والمكسيك ومصر، أن هذا النمط من التوظيف يساهم في امتصاص جزء من البطالة المؤقتة، ويوفّر مرونة تشغيلية مطلوبة في ظل تقلبات السوق، رغم الحاجة المستمرة إلى تنظيم العلاقة القانونية وضمانات الحماية الاجتماعية للعاملين ضمن هذه المنصات.
ورغم هذه المبادرات، لا تزال مساهمة الاقتصاد الرقمي التوظيفي في هيكل سوق العمل الأردني محدودة. ويعود ذلك إلى غياب مظلة تنظيمية موحدة، ونقص الوعي لدى شرائح واسعة من الشباب بأهمية هذا النوع من العمل، فضلًا عن محدودية الربط المؤسسي بين المهارات الرقمية المطلوبة في السوق والمنصات التعليمية والتوظيفية المتاحة.
من الناحية الاقتصادية، يوفر التوظيف الرقمي مزايا متعددة. فهو يقلل من تكاليف الدخول إلى سوق العمل، ويزيد من كفاءة استخدام الوقت والموارد، كما يرفع من مرونة القوى العاملة وقدرتها على التكيّف مع متغيرات السوق. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن تحسين البنية المؤسسية لهذا النوع من التوظيف قد يساهم في خفض معدل البطالة بين الشباب بنسبة تتراوح بين 3% و5% خلال فترة قصيرة نسبيًا، إذا ما تم دمجه في السياسات الوطنية للتشغيل.
التوظيف الرقمي لا يشكّل بديلًا عن القطاعات التقليدية، لكنه يُعد مسارًا داعمًا ومكملًا لها. ويمكن أن يلعب دورًا محوريًا في توسيع قاعدة المشاركة الاقتصادية، خصوصًا للنساء والشباب في المناطق الطرفية، والذين يواجهون صعوبات في الالتحاق بالأنشطة الاقتصادية المتركزة في المدن الكبرى. ولضمان فعالية هذا المسار، يوصى بوضع إطار تنظيمي واضح، يتضمن منصة وطنية موثوقة للعمل الرقمي، وحوافز لتشجيع الشباب على اكتساب المهارات الرقمية، وربط هذا النمط من التوظيف بسياسات التعليم المهني وسوق العمل.
في المحصلة، فإلى جانب النمو الاقتصادي الحالي الذي سيكون قادراً، على توليد فرص عمل داخل النشاطات التقليدية لتقليل البطالة، يبرز التوظيف الرقمي كمسار مكمل يضمن إدماجًا أوسع، وخاصة للنساء والشباب في المحافظات، ويربط بين الكفاءة والفرصة في بيئة أكثر عدالة ومرونة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ارتفاع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في الربع الأول 2025 بنسبة 14.3% ليسجل 339.3 مليون دولار
ارتفاع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في الربع الأول 2025 بنسبة 14.3% ليسجل 339.3 مليون دولار

الدستور

timeمنذ ساعة واحدة

  • الدستور

ارتفاع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في الربع الأول 2025 بنسبة 14.3% ليسجل 339.3 مليون دولار

عمان- بترا حقّق صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى المملكة، خلال الربع الأول من هذا العام، نموًّا بنسبة 14.3 بالمئة، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. وبحسب البيانات الأولية لميزان المدفوعات، بلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي خلال الربع الأول من العام الحالي نحو 339.3 مليون دولار، مقارنةً بـ296.8 مليون للفترة نفسها من العام الماضي. وشكّل صافي التدفقات الأجنبية خلال الربع الأول من العام الحالي ما نسبته 2.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 2.4 بالمئة في عام 2024. واستحوذت الدول العربية على ما نسبته 54.5 بالمئة من إجمالي هذه التدفقات، وفي مقدمتها العراق التي ساهمت بما نسبته 22.7 بالمئة من إجمالي هذه الاستثمارات، ثم دول مجلس التعاون الخليجي بحوالي 12.6 بالمئة، إذ جاءت الإمارات في المرتبة الأولى بما نسبته 5.8 بالمئة، ثم السعودية بنسبة 4.9 بالمئة، تلتها البحرين بنسبة 1.1 بالمئة من إجمالي هذه التدفقات. وشكّلت الدول الأوروبية 7.0 بالمئة من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، إذ جاءت المملكة المتحدة في المقدمة بنسبة 3.5 بالمئة، تلتها دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 3.1 بالمئة، فتصدّرت هولندا القائمة بنسبة 1.3 بالمئة. في حين شكّلت الولايات المتحدة الأميركية ما نسبته 3.9 بالمئة من التدفقات، ودول آسيا غير العربية ما نسبته 3.2 بالمئة، مع تصدّر الهند بنسبة 1.6 بالمئة، والصين بنسبة 1.1 بالمئة، بينما شكّلت "الدول الأخرى" مجتمعةً 31.4 بالمئة من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الربع الأول من هذا العام. وقطاعيًا، استحوذ نشاط المالية والتأمين على ما نسبته 19.0 بالمئة من إجمالي التدفقات خلال الربع الأول من هذا العام، تلاه قطاع الإنشاءات وتشييد المباني بنسبة 12.5 بالمئة، ثم الصناعات التحويلية بنسبة 8.5 بالمئة، فالتعدين واستغلال المحاجر بنسبة 7.9 بالمئة، والنقل والتخزين بنسبة 7.2 بالمئة، وأخيرًا أنشطة الإقامة والطعام بنسبة 2.5 بالمئة من إجمالي التدفقات. وشكّلت استثمارات الأفراد غير الأردنيين في الأراضي والعقارات ما نسبته 20.3 بالمئة من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي خلال الربع الأول من العام الحالي.

بعد تجدد الخلاف.. ترمب يعلق على إمكانية ترحيل ماسك من أميركا
بعد تجدد الخلاف.. ترمب يعلق على إمكانية ترحيل ماسك من أميركا

خبرني

timeمنذ 2 ساعات

  • خبرني

بعد تجدد الخلاف.. ترمب يعلق على إمكانية ترحيل ماسك من أميركا

خبرني - عاد التوتر مجددًا بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والملياردير إيلون ماسك، الذي ترأس سابقًا وكالة الكفاءة الحكومية. الخلاف نشب بسبب قانون "ترمب الكبير الجميل"، الذي توسّع في الإنفاق الفيدرالي ورفع الدين العام بمقدار خمسة تريليونات دولار، وهو ما انتقده ماسك بشدة. ورغم أن ماسك مواطن أميركي متجنس منذ أكثر من عشرين عامًا، لم يستبعد ترمب إمكانية ترحيله، قائلًا: "لا أعرف، علينا النظر في الأمر". كما ألمح ترمب إلى إمكانية فرض "ضريبة ماسك"، بسبب الدعم الحكومي الذي تحصل عليه شركاته، وكتب على منصة "تروث سوشيال": "لولا الدعم الحكومي، لربما أغلق ماسك مصنعه وعاد إلى جنوب أفريقيا". في المقابل، هاجم ماسك مشروع القانون الجديد، منتقدًا إلغاء دعم السيارات الكهربائية مقابل استمرار دعم الوقود الأحفوري، ودعا إلى تأسيس حزب سياسي جديد يهتم فعليًا بالشعب.

خلال 3 أشهر .. 339 مليون دولار صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي الواردة للأردن
خلال 3 أشهر .. 339 مليون دولار صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي الواردة للأردن

عمون

timeمنذ 2 ساعات

  • عمون

خلال 3 أشهر .. 339 مليون دولار صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي الواردة للأردن

عمون - أظهرت البيانات الأولية لميزان المدفوعات أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى المملكة خلال الربع الأول من عام 2025 بلغت نحو 339.3 مليون دولار، محققاً نمواً بنسبة 14.3% مقارنة بذات الربع من عام 2024، والذي سجل 296.8 مليون دولار، لتشكل ما نسبته 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 2.4% في عام 2024. واستحوذت الدول العربية على ما نسبته 54.5% من إجمالي هذه التدفقات، وفي مقدمتها العراق التي ساهمت بما نسبته 22.7% من إجمالي هذه الاستثمارات، ثم دول مجلس التعاون الخليجي بحوالي 12.6% من إجمالي هذه الاستثمارات، حيث تصدرت الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى بما نسبته 5.8% من إجمالي التدفقات، تلتها المملكة العربية السعودية (4.9%)، ثم البحرين (1.1%). أما الدول الأوروبية، فقد شكّلت 7.0% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى المملكة خلال الربع الأول من عام 2025، حيث جاءت المملكة المتحدة في المقدمة بما نسبته 3.5%، تلتها دول "الاتحاد الأوروبي" (3.1%)، حيث تصدّرت هولندا القائمة بنسبة 1.3%. وفي المقابل، شكّلت "الولايات المتحدة الأمريكية" ما نسبته (3.9%)، في حين شكّلت دول "آسيا غير العربية" ما نسبته 3.2% من إجمالي التدفقات، مع تصدّر الهند بنسبة 1.6% والصين بنسبة 1.1%. كما شكّلت "الدول الأخرى" مجتمعة 31.4% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الربع الأول من عام 2025. وعلى صعيد توزيع الاستثمار الأجنبي المباشر حسب النشاط الاقتصادي، استحوذ نشاط "المالية والتأمين" على ما نسبته 19.0% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى المملكة خلال الربع الأول من عام 2025، تلاه نشاط "الانشاءات وتشييد المباني" (12.5%)، متبوعًا بنشاط "الصناعات التحويلية" (8.5%(، ثم نشاط "التعدين واستغلال المحاجر" (7.9%)، يليه نشاط "النقل والتخزين"(7.2%)، وأخيرًا أنشطة "الإقامة والطعام " الذي شكّل 2.5% من إجمالي التدفقات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store