
أين يقف جنبلاط وأرسلان ووهاب من أحداث السويداء؟
وقد تكون هذه هي المرة الوحيدة منذ عقود في لبنان التي تشهد تأجيجاً للمشاعر وخطابات تحريضية بين دروز وسنّة. فأبناء الطائفتين وقفوا معاً خلف القضية الفلسطينية وإلى جانب ثورة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وحملوا معاً نعش الرئيس رفيق الحريري، وتظاهروا معاً ضد نظام بشار الأسد في 14 آذار/مارس. والدروز الذين قاطعوا التجنيد الإجباري في السويداء وغيرها لجأ قسم كبير منهم إلى لبنان رفضاً للانخراط في القتال ضد إخوانهم السنّة السوريين.
وقد كان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أول من زار الرئيس السوري أحمد الشرع على رأس وفد كبير ضم أيضاً شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى للتهنئة بسقوط نظام الأسد وتوليه مقاليد السلطة. وعلى الرغم من وقوع أحداث جرمانا ثم أحداث السويداء بقي وليد جنبلاط يغلّب العقل والحكمة على الغريزة على الرغم من كثرة التساؤلات في البيئة الدرزية ومشاعر الاحتقان مما يجري ضد إخوانهم الدروز في السويداء.
ويدرك وليد جنبلاط أن المواقف التي يتبناها والاتصالات التي أجراها مع الشرع لا تحظى بشعبية لدى القاعدة الدرزية التي يشكك بعض أبنائها بنجاح هذه الاتصالات ويدعون لملاقاة ودعم أقربائهم في السويداء. لكنه فضّل عدم الاستثمار السياسي والشعبي في هذه الأحداث، هو الذي كانت له تجربة في حرب الجبل ويعرف كما البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير الذي عقد معه مصالحة حقيقية وراسخة بين المسيحيين والدروز أن تكلفة تحقيق السلام، مهما بدت باهظة، تبقى أقل بكثير من التكاليف الهائلة التي تتكبدها المجتمعات جراء الحروب، إضافة إلى قول مأثور لجنبلاط يعتبر فيه أن «بدء الحرب أمر سهل، ولكن إنهاؤها أمر لا يمكن التنبؤ به تقريباً».
من هذا المنطلق، يرسم الزعيم الدرزي رؤيته لمستقبل الطائفة الدرزية التي يريدها أن تحافظ على أفضل العلاقات مع كل المكونات اللبنانية على اختلاف انتماءاتها الطائفية والمذهبية وأن تبقى على نهجها العروبي وتواصلها مع الدول العربية وخصوصاً الخليجية، إدراكاً منه للتكلفة العالية لأي موقف شعبوي يتخذه شخصياً وتأثيره على البيئة الدرزية خلافاً لتأثير المواقف التي يتخذها رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب وإن كانت تدغدع مشاعر درزية في مكان ما، وإنما تعود في اعتقاد البعض بالسوء على سُمعة الدروز. إذ بدا وهّاب وكأنه بتوجيه التحية للشيخ موفق طريف يستنجد بإسرائيل لحماية الدروز، وهو ما رفضه وليد جنبلاط الذي لم يرَ في قصف مبنى هيئة الأركان ووزارة الدفاع السورية حماية للدروز، بل يرى استخداماً من قبل إسرائيل للدروز لتحقيق مشروعها التفتيتي لمنطقة الشرق الأوسط ورسم خرائط جديدة وإقامة دويلات طائفية.
وفي هذا الإطار، يندرج الكلام التهويلي للموفد الأمريكي توم برّاك الذي كان حذّر من إعادة لبنان إلى بلاد الشام، مثيراً بهذا التصريح جدلاً تاريخياً حول وجود الأقضية الأربعة التي ضُمت إلى جبل لبنان عام 1920 ليُعلَن بعدها «لبنان الكبير» في الأول من ايلول/سبتمبر 1920، في وقت صدر أكثر من صوت طرابلسي يتمسك بلبنان وطناً نهائياً في مقابل فئة قليلة لا تمانع الآن انضمام «طرابلس الشام» إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد الذي حاصر وقصف طرابلس ومجيء نظام جديد بقيادة أحمد الشرع.
ويمكن القول إن وليد جنبلاط لو أراد السير بمشروع تغيير الخرائط والعودة إلى جبل لبنان كما كان في زمن المتصرفية لوجد مَن يلاقيه في الشارع المسيحي، حيث بدأت الهواجس تظهر بعد 100 عام من الممارسات الشائنة والولاءات للخارج ومن التهديد بسيطرة العدد على التعددية وعدم احترام الميثاق والتنوع وخصوصية لبنان، ومن محاولة فرض قوانين انتخابية على مستوى لبنان دائرة واحدة، إضافة إلى رفض «حزب الله» تسليم السلاح. وهذه الهواجس يشعر بها أيضاً الدروز كأقلية، وهذا ما لفت إليه صراحة شيخ العقل الذي قال «إن قلق الأقلية يحتاج إلى عدالة الأكثرية».
لكن جنبلاط أبى حالياً دغدغة مشاعر الدروز واللعب على الوتر الطائفي وادخال المنطقة في مشروع التفتيت، بل ذهب في الاتجاه المعاكس وتعزيز هوية الأوطان العربية على تنوعها. ومن هنا، جاءت دعواته لوأد الفتنة بدون تأخير، وعدم توسع الأحداث وتجنيب لبنان أي تأجيج للفتنة والاقتتال، مبدياً خشيته من الفرز الطائفي، وداعياً إلى وقف النار وانطلاق حوار بين الدولة السورية وفاعليات السويداء.
وقد لقيت مواقف جنبلاط ترحيباً في الشارع السني وتفهماً لرؤيته السياسية على اعتبار أن أي انتصار بالآلة الإسرائيلية اليوم سيعمّق الافتراق ولن يحمي الدروز مستقبلاً من الاحتقان السياسي والشعبي المتصاعد.
أما في الشارع الشيعي، فثمة من ينتقد جنبلاط الذي اعتقد في رأيهم أنه بعد سقوط بشار الأسد سيقف على ضفاف النهر متفرجاً على «حزب الله» وبيئته، ليتبيّن له بعد وقت غير طويل أن سقوط النظام يتهدد الجميع، وأن الخطر بات على أبواب الجبل.
وعلى خط الزعامة الأرسلانية، لا يخفي رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» الأمير طلال أرسلان عتبه وألمه من صمت العديد من القادة العرب واللبنانيين تجاه ما تتعرّض له طائفة الموحدين الدروز التي كما يقول «يعرف القاصي والداني عمقها العروبي والإسلامي والقومي والوطني، ويتغنّى الجميع بتاريخها ومواقفها وبطولة أبنائها». ويضيف أرسلان الذي لم يزر الرئيس أحمد الشرع كما فعل جنبلاط «نحن أصحاب الأرض والتاريخ، وكما وُلدنا وتربينا، سنبقى. إما أن نعيش بكرامة فوق الأرض، أو نموت بكرامة تحتها… ومن تخلّى عنا اليوم، سيتخلى عنه التاريخ… وفي المستقبل القريب!»، رافضاً «تصوير الإشكال وكأنه بين الدروز والسنّة، فمن قام بهذه الأعمال في السويداء، ومن يقبل بالتعرّض لرجال دينٍ ونساءٍ وأطفالٍ، هو إرهابي، بريء من كل دين، ومن كل خلق».
سعد الياس ـ القدس العربي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صوت لبنان
منذ 20 دقائق
- صوت لبنان
استحقاقات لبنان سلاحاً واقتصاداً: التشاؤم يغمر التفاؤل
جاء في 'المدن': لم يخرج لبنان من 'دوامة' توم باراك. انشغل اللبنانيون في فك طلاسم المواقف التي أطلقها. ففي مكان ما أكد أنه لن يكون هناك حرب إسرائيلية على لبنان. وفي مكان آخر استخدم عبارة التركيز على الديبلوماسية قبل اللجوء إلى التصعيد. أشار إلى أن الوقت أصبح داهماً، وأنه لا أحد يمتلك ضمانات، ولا أميركا قادرة على إجبار إسرائيل على فعل أي شيء. لكنه في الوقت عينه تحدث عن لقاءاته الإيجابية مع المسؤولين، وخصوصاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. الإشارات المتناقضة هذه كلها كانت مواقف علنية عملت إشارات متناقضة، لم يعرف اللبنانيون في أي خانة يضعونها. هل هي خانة تفاوضية تتضمن تحذيرات لتحسين شروط التفاوض أم أنها انعكاس لجو فعلي؟ في الكواليس لم يختلف الجو عن ما هو علني. ففي لقاء عقده مع عدد من الوزراء في السفارة الأميركية كان متشدداً حول ضرورة إقرار الجدول الزمني ومراحل تطبيق مسار حصر السلاح بيد الدولة، وفي لقاءات أخرى كرر هذا الموقف، فخرج وزراء ونواب ومسؤولون من اللقاء معه بانطباعات سلبية لا تحاكي الإيجابية التي تم ضخها. على الرغم من كل هذا التناقض، بقيت الأجواء الإيجابية هي المسيطرة أو الطاغية، وسط كلام في الكواليس عن وجود تقاطع مشترك مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأن اللقاء كان بناء. وبحسب المعلومات، فإن رئيس مجلس النواب طرح كل الهواجس اللبنانية على باراك الذي بدا متفهماً لها، كما أكد بري التزام لبنان بتطبيق اتفاق 'ترتيبات وقف الأعمال العدائية' الذي أقر في شهر تشرين الفائت. من غير المعروف بعد إذا كانت إسرائيل ستوافق على اقتراح وقف اعتداءاتها وخروقاتها وعملياتها العسكرية في لبنان، كي يتم التحرك جدياً باتجاه حزب الله، لإقناعه بالموافقة على وضع مسار لحصر السلاح بيد الدولة. واشنطن تصر على اتخاذ قرار من قبل الحكومة اللبنانية، بينما بري وحزب الله يفضلان الشروع في حوار داخلي حول الاستراتيجية الدفاعية. وهذا أمر يتسبب بانقسام لبناني، بين من يريد حصر مثل هذا القرار في الحكومة ويرفض الدخول في حوار، كالقوات اللبنانية وحزب الكتائب وعدد من الكتل والقوى الأخرى، وبين الجهات التي تتمسك بالحوار كمخرج فعلي لتجاوز الأزمة. باراك وسوريا مواقف باراك تجاه سوريا كانت أكثر وضوحاً. فهو أشار إلى الدعم الأميركي الكبير للرئيس السوري أحمد الشرع، وحاول تبرئة الحكومة السورية من أي مجازر في السويداء، واعتبر أنه لا خطة بديلة عن أحمد الشرع، والخيار البديل هو نموذج ليبيا وأفغانستان. وللمفارقة أنه في ظل كل هذا الدعم الأميركي لسوريا، تبرز أدوار داخل الولايات المتحدة الأميركية مضادة لهذا المسار، وترفض دعم الشرع وتحاول ممارسة ضغوط عليه. وسط هذا التباين الأميركي، برز تطور جديد على مستوى السعودية، التي دخلت بقوة على خط دعم دمشق وأحمد الشرع، سياسياً، ديبلوماسياً، واقتصادياً أيضاً، من خلال المنتدى الاقتصادي، والذي ستصل اتفاقيات الاستثمار فيه إلى ما يقارب 4 مليارات دولار. هذا المبلغ يساوي حجم الميزانية السنوية السورية حالياً. مع ما يعنيه ذلك من توفير دعم واحتضان للشرع، وهو ما لا يزال لبنان يفتقده حتى الآن، لأن الشروط العربية والدولية واضحة، بأن لا استثمارات ولا مساعدات قبل معالجة ملف السلاح والشروع في تطبيق الإصلاحات. المسار الإسرائيلي عملياً، يواجه لبنان استحقاقات كثيرة، أهمها تداعيات ما بعد زيارة باراك، وحصيلة ما سيحققه في إسرائيل خصوصاً أنه حتى الآن لم يعرض مقترحه على المسؤولين الإسرائيليين. واللافت أن زيارته تتزامن مع زيارة تجريها الممثلة الشخصية للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان جانين بلاسخارت إلى تل أبيب. وعليه فإن الأيام القليلة المقبلة من شأنها أن توضح وجهة المسار الإسرائيلي الفعلية. في الموازاة، يتحضر باراك أيضاً لترتيب لقاء سوري إسرائيلي، في محاولة للمضي قدماً نحو الوصول إلى اتفاق حول الترتيبات الأمنية بين الجانبين، وسلوك ما يسميه الموفد الأميركي بمسار السلام، والذي أراد للبنان أن يسلكه أيضاً. استحقاق آخر يواجهه لبنان، هو بالنسبة إلى القوى الدولية يوازي أهمية ملف السلاح، أي ملف الإصلاحات المالية والاقتصادية، والتي ستكون حاضرة في زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى باريس، حيث سيكون له لقاءات عدة، أبرزها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، انطلاقاً من المواقف الفرنسية المساندة للبنان والداعمة لمسار الإصلاحات وحصر السلاح بيد الدولة، مع الإشارة إلى التفهم الفرنسي للموقف اللبناني وعدم التطابق في وجهات النظر مع واشنطن، لجهة ممارسة أقصى أنواع الضغوط. علماً أن بعض المؤشرات تفيد بأن باراك يريد منح الفرنسيين دوراً أكبر من السابق في لبنان، خصوصاً لجهة عملهم كجهة ضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار. الزيارة إلى باريس لا تنفصل عن المؤتمر الذي تسعى فرنسا إلى عقده في الخريف المقبل لمساعدة لبنان، وإطلاق مسار إعادة الإعمار. وهو لا يزال يتعثر بفعل الضغوط الدولية إلى حين معالجة ملف السلاح. كما أن أحد أبرز الملفات هو التجديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب، في ظل الحديث عن استعداد أميركي لتخفيض المساهمة المالية التي تدفعها واشنطن لقوات اليونيفيل. علماً أن باريس تبدو أكثر المتحمسين للتجديد لهذه القوات ولتوفير المبالغ المالية اللازمة لها.


صوت لبنان
منذ 20 دقائق
- صوت لبنان
براك محبط… والوقت بيد جيران لبنان
كتبت كريستل شقير في 'نداء الوطن': الطريق من بكركي إلى مطار رفيق الحريري الدولي لم يكن سهلًا على الموفد الأميركي توم براك. رحلة طويلة من الازدحام المروري، بدت وكأنها تحتاج إلى شفة قهوة محلية، فطلب 'إسبريسو' قبل أن يبدأ لقاء مغلقًا مع مجموعة من الصحافيين. بعيدًا من عدسات الكاميرا، roundtable على طاولة شبه مستديرة ضمّت خمسة صحافيين فقط من وسائل إعلام محلية وعربية ودولية بينهم 'نداء الوطن'، جلس الموفد الأميركي مترئسًا الجلسة الحوارية وعن يساره السفيرة الأميركية ليزا جونسون، التي حرصت على الحفاظ على ابتسامة دبلوماسية طيلة الجلسة، كانت تعكسها كلما أرادت التعبير عن تقديرها لمواقف براك. حوالى 50 دقيقة، استمرت الجلسة في أجواء هادئة، لكن مشحونة بالمضمون، انطلق النقاش من عمق الأزمة السورية وأحداث السويداء، حيث وصف براك الوضع بـ 'غير المفهوم' ويصل حد الفوضى، محملًا الحكومة السورية المسؤولية وداعيًا إلى تحرك لاحتواء التوتر، في ظل مفاوضات مستمرة تهدف إلى تهدئة الأوضاع. وفي حديثه لم يتردد في تقديمه دعماً واضحاً للقيادة السورية الجديدة. وفي ما يتعلق بإسرائيل، أكد براك أن تل أبيب تسعى لحماية حدودها، معترفًا بأن هذا لا يتوافق والقانون الدولي، لكنه أشار إلى وجود تفاهم مرحلي على هذا الأمر. كما شدد على ضرورة أن تكون المنطقة جنوب دمشق منزوعة السلاح بالنسبة لإسرائيل. وعندما يأتي النقاش إلى لبنان وراء ابتسامة ترتسم على وجهه بين الحين والآخر، إحباط لم يتردد براك في البوح به قائلا: 'هل أنا محبط؟ نعم، لكن المبادرة اليوم في يد الحكومة اللبنانية وهناك فرصة لا يجب على لبنان تفويتها'، لافتًا إلى أن هناك اهتمامًا خليجيًا ودوليًا لدعم لبنان ماليًا لكن ذلك لن يتحقق بوجود سلاح 'الحزب'. وعن البنود الأساسية للورقة الاميركية فالبند الأول، يتعلق بسحب سلاح 'حزب الله'. البند الثاني، يتعلق بالإصلاحات المالية والاقتصادية. والبند الثالث، يتعلق بالعلاقة مع سوريا وتطويرها، وأوضح رداً على سؤال أن المقصود بالعلاقة مع سوريا في الورقة الأميركية هو ترسيم الحدود وتحديداً في مزارع شبعا. وتابع: «بالمناسبة، ذهبت إلى مزارع شبعا ظننت أنها مزرعة خيول أصيلة وأنها أجمل قطعة أرض رآها أحد على الإطلاق، على ماذا يتقاتلون؟ لم أفهم الأمر. وفي سياق حديثه، يقول براك: 'أتيحت لي فرصة الجلوس مع وزرائكم… أنا معجب جداً وكذلك كبار المسؤولين لذلك أعتقد أن الجميع في داخلهم يقولون: نحتاج للوصول إلى حلٍّ للصراع في منطقتنا'. وكرر براك ما سبق وشدد عليه في خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين أن سلاح 'حزب الله' أولوية والمسار مسؤولية الحكومة اللبنانية الواجب عليها تنفيذ ما اتفق عليه وعدم قيامها بخطوات ملموسة يعني استمرار الوضع على ما هو عليه قائلاً: 'الشجاعة تكمن في تطبيق القانون إذا لم تطبقوا القوانين، فمن المرجح أن الذي ترونه على الحدود والطائرات المسيَّرة التي تحلق لن يتوقف.' وردًّا على سؤال عما إذا كان هنالك من جدول زمني لهذا المسار؟ أجاب براك: 'لا توجد مهلة مفتوحة لذلك وجيرانكم هم من يحددون الجدول الزمني وليست الولايات المتحدة'. قال هذه العبارة براك ومشى.


IM Lebanon
منذ 3 ساعات
- IM Lebanon
استحقاقات لبنان سلاحاً واقتصاداً: التشاؤم يغمر التفاؤل
جاء في 'المدن': لم يخرج لبنان من 'دوامة' توم باراك. انشغل اللبنانيون في فك طلاسم المواقف التي أطلقها. ففي مكان ما أكد أنه لن يكون هناك حرب إسرائيلية على لبنان. وفي مكان آخر استخدم عبارة التركيز على الديبلوماسية قبل اللجوء إلى التصعيد. أشار إلى أن الوقت أصبح داهماً، وأنه لا أحد يمتلك ضمانات، ولا أميركا قادرة على إجبار إسرائيل على فعل أي شيء. لكنه في الوقت عينه تحدث عن لقاءاته الإيجابية مع المسؤولين، وخصوصاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. الإشارات المتناقضة هذه كلها كانت مواقف علنية عملت إشارات متناقضة، لم يعرف اللبنانيون في أي خانة يضعونها. هل هي خانة تفاوضية تتضمن تحذيرات لتحسين شروط التفاوض أم أنها انعكاس لجو فعلي؟ في الكواليس لم يختلف الجو عن ما هو علني. ففي لقاء عقده مع عدد من الوزراء في السفارة الأميركية كان متشدداً حول ضرورة إقرار الجدول الزمني ومراحل تطبيق مسار حصر السلاح بيد الدولة، وفي لقاءات أخرى كرر هذا الموقف، فخرج وزراء ونواب ومسؤولون من اللقاء معه بانطباعات سلبية لا تحاكي الإيجابية التي تم ضخها. على الرغم من كل هذا التناقض، بقيت الأجواء الإيجابية هي المسيطرة أو الطاغية، وسط كلام في الكواليس عن وجود تقاطع مشترك مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأن اللقاء كان بناء. وبحسب المعلومات، فإن رئيس مجلس النواب طرح كل الهواجس اللبنانية على باراك الذي بدا متفهماً لها، كما أكد بري التزام لبنان بتطبيق اتفاق 'ترتيبات وقف الأعمال العدائية' الذي أقر في شهر تشرين الفائت. من غير المعروف بعد إذا كانت إسرائيل ستوافق على اقتراح وقف اعتداءاتها وخروقاتها وعملياتها العسكرية في لبنان، كي يتم التحرك جدياً باتجاه حزب الله، لإقناعه بالموافقة على وضع مسار لحصر السلاح بيد الدولة. واشنطن تصر على اتخاذ قرار من قبل الحكومة اللبنانية، بينما بري وحزب الله يفضلان الشروع في حوار داخلي حول الاستراتيجية الدفاعية. وهذا أمر يتسبب بانقسام لبناني، بين من يريد حصر مثل هذا القرار في الحكومة ويرفض الدخول في حوار، كالقوات اللبنانية وحزب الكتائب وعدد من الكتل والقوى الأخرى، وبين الجهات التي تتمسك بالحوار كمخرج فعلي لتجاوز الأزمة. باراك وسوريا مواقف باراك تجاه سوريا كانت أكثر وضوحاً. فهو أشار إلى الدعم الأميركي الكبير للرئيس السوري أحمد الشرع، وحاول تبرئة الحكومة السورية من أي مجازر في السويداء، واعتبر أنه لا خطة بديلة عن أحمد الشرع، والخيار البديل هو نموذج ليبيا وأفغانستان. وللمفارقة أنه في ظل كل هذا الدعم الأميركي لسوريا، تبرز أدوار داخل الولايات المتحدة الأميركية مضادة لهذا المسار، وترفض دعم الشرع وتحاول ممارسة ضغوط عليه. وسط هذا التباين الأميركي، برز تطور جديد على مستوى السعودية، التي دخلت بقوة على خط دعم دمشق وأحمد الشرع، سياسياً، ديبلوماسياً، واقتصادياً أيضاً، من خلال المنتدى الاقتصادي، والذي ستصل اتفاقيات الاستثمار فيه إلى ما يقارب 4 مليارات دولار. هذا المبلغ يساوي حجم الميزانية السنوية السورية حالياً. مع ما يعنيه ذلك من توفير دعم واحتضان للشرع، وهو ما لا يزال لبنان يفتقده حتى الآن، لأن الشروط العربية والدولية واضحة، بأن لا استثمارات ولا مساعدات قبل معالجة ملف السلاح والشروع في تطبيق الإصلاحات. المسار الإسرائيلي عملياً، يواجه لبنان استحقاقات كثيرة، أهمها تداعيات ما بعد زيارة باراك، وحصيلة ما سيحققه في إسرائيل خصوصاً أنه حتى الآن لم يعرض مقترحه على المسؤولين الإسرائيليين. واللافت أن زيارته تتزامن مع زيارة تجريها الممثلة الشخصية للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان جانين بلاسخارت إلى تل أبيب. وعليه فإن الأيام القليلة المقبلة من شأنها أن توضح وجهة المسار الإسرائيلي الفعلية. في الموازاة، يتحضر باراك أيضاً لترتيب لقاء سوري إسرائيلي، في محاولة للمضي قدماً نحو الوصول إلى اتفاق حول الترتيبات الأمنية بين الجانبين، وسلوك ما يسميه الموفد الأميركي بمسار السلام، والذي أراد للبنان أن يسلكه أيضاً. استحقاق آخر يواجهه لبنان، هو بالنسبة إلى القوى الدولية يوازي أهمية ملف السلاح، أي ملف الإصلاحات المالية والاقتصادية، والتي ستكون حاضرة في زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى باريس، حيث سيكون له لقاءات عدة، أبرزها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، انطلاقاً من المواقف الفرنسية المساندة للبنان والداعمة لمسار الإصلاحات وحصر السلاح بيد الدولة، مع الإشارة إلى التفهم الفرنسي للموقف اللبناني وعدم التطابق في وجهات النظر مع واشنطن، لجهة ممارسة أقصى أنواع الضغوط. علماً أن بعض المؤشرات تفيد بأن باراك يريد منح الفرنسيين دوراً أكبر من السابق في لبنان، خصوصاً لجهة عملهم كجهة ضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار. الزيارة إلى باريس لا تنفصل عن المؤتمر الذي تسعى فرنسا إلى عقده في الخريف المقبل لمساعدة لبنان، وإطلاق مسار إعادة الإعمار. وهو لا يزال يتعثر بفعل الضغوط الدولية إلى حين معالجة ملف السلاح. كما أن أحد أبرز الملفات هو التجديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب، في ظل الحديث عن استعداد أميركي لتخفيض المساهمة المالية التي تدفعها واشنطن لقوات اليونيفيل. علماً أن باريس تبدو أكثر المتحمسين للتجديد لهذه القوات ولتوفير المبالغ المالية اللازمة لها.