
"بريكس" تسعى لملء الفراغ الذي خلفته أمريكا في عهد ترمب
يُتوقع أن يتفق قادة "بريكس"، المجتمعون في مدينة ريو دي جانيرو هذا الأسبوع خلال قمة يستضيفها الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، على بيان مشترك يدين "تصاعد الإجراءات الحمائية الأحادية غير المبررة" و"الرفع غير المبرر" للرسوم الجمركية. وهذه صياغة مماثلة للتي أقرها وزراء خارجية الدول المؤسسة، المتمثلة في البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، خلال أبريل، وأكد عدد من المسؤولين أن هذا النص سيظل ضمن البيان الختامي.
ورغم أن البيان لن يذكر على الأرجح الولايات المتحدة بالاسم، إلا أن المجموعة تُرسل رسالة واضحة إلى إدارة ترمب عشية الموعد النهائي المحدد في 9 يوليو لبدء تطبيق رسومه الجمركية.
وأكد السفير زوليسا مابهونغو، كبير مفاوضي جنوب أفريقيا (المعروف أيضاً بـ"شيربا")، في مقابلة أن جميع أعضاء المجموعة متفقون على أن "هذه الرسوم الجمركية غير مجدية"، مضيفاً: "إنها لا تخدم الاقتصاد العالمي، ولا تدعم التنمية".
صعود "بريكس" وسط غياب واشنطن
في الوقت الذي يُنفر فيه ترمب حلفائه التقليديين ويتبع أجندته "أمريكا أولاً"، تسعى مجموعة "بريكس" إلى شغل الفراغ الذي تركه الرئيس الأمريكي. والنتيجة أن المجموعة، التي لطالما افتُرض أنها بديلٌ للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، بدأت الآن تُقدم نفسها كمدافع عن نفس القيم الجوهرية، بما في ذلك التجارة الحرة والتعددية.
وخلال اجتماع بنك التنمية الجديد، الذراع التمويلية لـ"بريكس"، صرح الرئيس البرازيلي لولا قائلاً إن "التعددية تمر بأسوأ مراحلها منذ الحرب العالمية الثانية".
في السياق ذاته، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، خلال إفادة صحفية عقدتها في بكين يوم الأربعاء، أن الصين ستعمل مع الدول الأعضاء على "تعزيز الشراكة الاستراتيجية لمجموعة بريكس، والدفاع عن التعددية".
ورغم أن سياسة ترمب أسهمت في تقريب مواقف دول المجموعة، إلا أن "بريكس" لا تزال على الأرجح بعيدة تماماً عن بلوغ التأثير العالمي الذي لطالما سعى إليه أعضاؤها.
في هذا السياق، يغيب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن اجتماع "بريكس"، رغم زيارته الرسمية للعاصمة برازيليا في نوفمبر الماضي وتأكيد حضوره المرتقب لقمة المناخ "كوب 30" (COP30) التي تستضيفها البرازيل لاحقاً هذا العام. كما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدم الحضور لتجنيب الحكومة البرازيلية الحرج الناجم عن اضطرارها اعتقال رئيس مطلوب بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.
اتساع "بريكس" دون أجندة موحدة
منذ تأسيسها في عام 2009، عانت مجموعة "بريكس" الأصلية طويلاً من غياب القيم المشتركة بين أعضائها، الذين لا يجمعهم سوى قواسم مشتركة محدودة، أبرزها كونهم اقتصادات ناشئة كبرى تسعى إلى نيل دور أكثر تأثيراً في الشؤون العالمية التي تهيمن عليها واشنطن والغرب.
ومع انضمام دول جديدة مثل مصر وإثيوبيا وإيران وإندونيسيا والإمارات العربية المتحدة، تعزز التمثيل العالمي للمجموعة، إذ باتت "بريكس" الجديدة تمثل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وما يقارب نصف سكان العالم. لكن هذا التوسع السريع يهدد أيضاً بتقويض درجة التماسك بين الأعضاء.
من اللافت أن تكتل "بريكس" يشهد انقساماً حول مسألة الإشارات إلى الحرب، حيث تعارض كل من روسيا والصين إدراج أي إشارات بارزة بهذا الشأن، وفقاً لما أفادت به عدة وفود مشاركة. في المقابل، تضغط مصر باتجاه تضمين فقرة تتعلق بالسلام والأمن في الشرق الأوسط، في إشارة واضحة إلى رغبتها في التوصل إلى حل للحرب الدائرة على حدودها في غزة، بحسب شخص مطلع على الأمر.
ضغوط ترمب تدفع نحو بدائل مالية
تطرح سياسات ترمب العدوانية معضلة أمام المجموعة. على الرغم من أن الرسوم الجمركية التي فرضها أسهمت في توليد نوع من التوافق المشترك داخل التكتل، إلا أن بعض الأعضاء يحرصون على الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من الولايات المتحدة والصين.
من المفارقات أن تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على دول "بريكس" في حال تخلت عن الدولار الأميركي في تجارتها الثنائية قد دفع العديد من الدول إلى تطوير أنظمة دفع محلية وأدوات مالية بديلة تُسهل التجارة والاستثمار فيما بينها. ومع ذلك، أكد مسؤولون برازيليون أن فكرة التخلي عن الدولار ليست مطروحة للنقاش.
سجلت التجارة بين الدول الخمس المؤسسة لمجموعة "بريكس" نمواً بنسبة 40% بين عامي 2021 و2024، لتصل إلى 740 مليار دولار سنوياً، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
آفاق التعاون بشأن قضايا المناخ
تبدي حكومة لولا تفاؤلاً إزاء إمكانية إحراز تقدم بين القادة بشأن بدائل جماعية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التهديدات التجارية التي يلوح بها ترمب دفعت الدول إلى السعي لبناء أرضية مشتركة وإقامة شراكات جديدة، بحسب ما أفاد به مسؤولان برازيليان مطلعان على مجريات النقاشات.
وأضاف المسؤولان أن "بريكس" تناقش أيضاً، وللمرة الأولى، آليات لتعزيز تمويل المناخ بين الدول الأعضاء، وهي قضية اكتسبت أهمية متزايدة منذ انسحاب ترمب من اتفاق باريس للمناخ.
في هذا السياق، تواصل الصين تعاونها مع بقية دول "بريكس" بشأن قضايا المناخ، في محاولة لإبراز نفسها كحليف أكثر وداً وموثوقية من الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، عقدت بكين، إلى جانب إندونيسيا، محادثات مع البرازيل بشأن جدول أعمال قمة المناخ السنوية للأمم المتحدة.
الهند تراهن على وحدة الموقف
من جهتها، لا ترى الهند أي عقبات كبيرة أمام التوصل إلى إعلان مشترك خلال القمة، وفقاً لمسؤول حكومي مطلع على التحضيرات، والذي طلب عدم الكشف عن هويته نظراً لحديثه عن قضايا دبلوماسية جارية.
ومن المقرر أن يقوم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بزيارة رسمية إلى البرازيل عقب اختتام قمة ريو. كما يتهيأ الرئيس لولا لاستقبال كل من نظيره الإندونيسي برابوو سوبيانتو، والجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، في مناسبات رسمية متتابعة.
مع ذلك، لا تزال الانقسامات قائمة بين أعضاء "بريكس"، وخاصة بين أعضائها القدامى والوافدين الجدد. فقد اعترضت مصر وإثيوبيا على دعم ترشيح جنوب أفريقيا لمقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو أحد المحاور القليلة التي جمعت أطراف التكتل سابقاً.
تبقى هناك توترات كامنة بين أكبر اقتصادين في المجموعة، إذ تتنافس الصين والهند على قيادة "بريكس" والجنوب العالمي بأسره. ويعتزم رئيس الوزراء الهندي مودي استغلال رئاسة بلاده للمجموعة عام 2026 لترسيخ مكانته كزعيم دولي، وذلك بعد ثلاث سنوات فقط من تغيب الرئيس الصيني شي عن قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند.
وفي وقت تسعى فيه "بريكس" لإثبات أنها أكثر من مجرد اختصار دعائي، فإن غياب شي مجدداً عن القمة قد يُعطي انطباعاً سلبياً.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة مال
منذ ساعة واحدة
- صحيفة مال
تيك توك تطور نسخة جديدة من التطبيق تمهيدا لبيعه لمستثمرين في أمريكا
كشفت صحيفة ذا إنفورميشن أن منصة تيك توك تعمل على تطوير نسخة جديدة من تطبيقها خصيصاً للمستخدمين في الولايات المتحدة، وذلك في إطار التحضير لبيع التطبيق لمجموعة من المستثمرين الأميركيين. وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الجمعة الماضي أنه سيبدأ محادثات مع الصين يوم الإثنين أو الثلاثاء بشأن صفقة محتملة تتعلق بتيك توك، مؤكداً أن الولايات المتحدة «تمتلك تقريبًا» اتفاقاً بشأن بيع تطبيق الفيديوهات القصيرة الشهير. وبحسب التقرير، تخطط تيك توك لإطلاق النسخة الجديدة من التطبيق في متاجر التطبيقات الأميركية بتاريخ 5 سبتمبر المقبل، وفق 'رويترز'. اقرأ المزيد وكان ترمب قد مدّد في يونيو الماضي المهلة الممنوحة للشركة الصينية المالكة «بايت دانس» حتى 17 سبتمبر لتتخارج من أصول تيك توك في الولايات المتحدة. وأضاف التقرير أن المستخدمين في الولايات المتحدة سيتعين عليهم تحميل التطبيق الجديد لمواصلة استخدام الخدمة، فيما سيظل التطبيق الحالي يعمل حتى مارس من العام المقبل، مع احتمال تعديل هذا الجدول الزمني لاحقًا.


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
مع إرسال إنذارات الرسوم.. تسابق الدول لإبرام صفقات مع أمريكا
يسارع كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة خلال عطلة نهاية الأسبوع لإبرام صفقات تجارية، أو ممارسة الضغط من أجل الحصول على وقت إضافي، حيث أعلن الرئيس دونالد ترمب أنه سيُخطر نحو 12 دولة غداً بمستوى التعريفات الجمركية الجديد على صادراتها إلى الولايات المتحدة. وصرح ترمب للصحفيين خلال عطلة الرابع من يوليو الجاري: «وقعتُ بعض الخطابات، وستُرسل يوم الاثنين، ربما 12 رسالة»، لافتاً إلى أن الرسائل تتضمن مبالغ مالية مختلفة، ومعدلات رسوم جمركية وبيانات مختلفة، نوعاً ما. وعندما طُلب منه تحديد الدول، قال: «سأُعلن عن ذلك يوم الإثنين». وتشير تصريحات ترمب الأحدث إلى أن المحادثات لا تزال متقلبة، وأن الصفقات بعيدة المنال، قبل 3 أيام من الموعد النهائي الذي أعلنته الإدارة الأمريكية في 9 يوليو الجاري. وكان من المفترض في الأصل أن تُرسل الخطابات في 4 يوليو الجاري، على أن يكون تاريخ فرض الرسوم الجمركية في 1 أغسطس القادم، بناءً على تصريحات ترمب السابقة، لكن المسؤولين الأمريكيين كانوا منشغلين بالمفاوضات خلال عطلة نهاية الأسبوع، بما في ذلك مع اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي والهند وفيتنام. وبعد إعلان ترمب عن اتفاق مع فيتنام الأسبوع الماضي، قالت وزارة الخارجية الفيتنامية إن المفاوضين ما زالوا ينسقون مع نظرائهم الأمريكيين لوضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل. وبينما كان من المتوقع أيضاً التوصل إلى اتفاق مؤقت مع الهند، أشار مسؤولون في نيودلهي إلى موقف أكثر صرامة في الأيام الأخيرة، مهددين بفرض رسوم على بعض السلع الأمريكية رداً على الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضتها واشنطن على السيارات ومكوناتها. وأعربت كوريا الجنوبية عن قلقها بشأن الرسوم الجمركية على السيارات، حيث ناقشت مع المسؤولين الأمريكيين تمديد الموعد النهائي في محاولة أخيرة لتجنب فرض رسوم أعلى. أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
انعقاد قمة «بريكس» 2025 في أوضاع استثنائية
تستعد البرازيل لاستضافة قمة مجموعة «بريكس» لعام 2025، التي تُقام في 6 و7 يوليو الجاري في ريو دي جانيرو، تحت شعار «تعزيز التعاون بين دول الجنوب العالمي لحوكمة أكثر شمولاً واستدامة»، حيث تنعقد قمة هذا العام في ظل أوضاع استثنائية، مع التوترات التجارية الناتجة عن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على معظم دول العالم واقتراب انتهاء مهلة تعليقها، والنزاعات الجيوسياسية، مثل دخول حرب روسيا وأوكرانيا عامها الرابع. ولأول مرة ستشارك 20 دولة عضوة وشريكة في قمة «بريكس» وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين، الدول الأربع المُؤسسة قبل انضمام جنوب أفريقيا في 2010، ومصر والإمارات وإثيوبيا وإيران التي انضمت في يناير 2024، وإندونيسيا بعد انضمامها رسمياً إلى المجموعة في يناير الماضي، إلى جانب 10 دول شريكة: بيلاروسيا، وبوليفيا، وكوبا، وكازاخستان، وماليزيا، ونيجيريا، وتايلند، وأوغندا، وأوزبكستان، وفيتنام، التي أُعلن انضمامها كدولة شريكة الشهر الماضي. ويُتوقع أن يحضر القمة كل من: رئيس البرازيل لولا دا سيلفا، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامفوزا، والرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، ورئيس إندونيسيا برابوو سوبيانتو، فضلاً عن قادة وزعماء الدول الشريكة في المجموعة، ومن تُوجّه إليهم الدعوة لحضور القمة. ما البنود والموضوعات المتوقع طرحها خلال قمة «بريكس 2025»؟ خلال رئاستها المتناوبة لمجموعة «بريكس» هذا العام، تعطي البرازيل الأولوية لموضوعين: التعاون بين دول الجنوب العالمي، والشراكات بين دول المجموعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وتقترح البرازيل تركيز الاهتمام السياسي في إطار هذين الموضوعين على 6 مجالات رئيسية. أخبار ذات صلة