
عودة "دفتر الوفاة" على شكل كرتون!!
"بعد خمسة عقود من الزمن، وفي عصرنا الحالي الحديث، ومنذ انطلاقة نهضتنا المباركة، ترك المجتمع في محافظة ظفار عادة دفتر مناسبات الوفاة، والذي كان يُتبع فيه نفس نمط دفتر مناسبات الزواج."
غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك أو ترنم شاد
فشبيه صوت النعي بصوت البشير.. إذا قيس في كل ناد {المعري}
"
الذي لا يزال عادةً حميدةً وعرفًا متبعًا يحافظ عليه هذا المجتمع الأصيل (مجتمع الهبات) إلى اليوم، ويُمسِكون عليه بالنواجذ والأقدام لما فيه من صلاح وسداد
."
بدأ يظهر مؤخرًا شبيهٌ لفكرة هذه العادة المتروكة، والمسمّاة بدفتر أو معونة الوفاة، ولكن بشكلٍ آخر مختلف، ولغرض نبيل آخر مختلف أيضًا. فلم يعد الغرض منها إعانة صاحب حالة الوفاة لمقابلة تكاليف الذبح والولائم التي كانت تُقام في أيام العزاء، عادةً لمدة ثلاثة أيام بعد يوم الدفن. وكان لها في ذلك الزمن مبرّراتها الحقيقية، المتمثّلة في عدم وجود وسائل مواصلات غير الدواب، وأن المعزّين يفدون إلى صاحب العزاء من أماكن بعيدة لتعزيته، ولا يوجد نظام المطاعم حينها، حيث كانت الناس في ذلك الوقت تستضيف بعيد الديار والغريب من المساجد التي يأتون إليها لأداء فرائض الصلاة الخمس، وبالتالي يستضيف جيران المسجد أي غريب إلى بيوتهم (غريبًا أو بعيدًا) ولو لم يعرفوه. فوجب بالتالي على صاحب العزاء استضافة معزّيه انطلاقًا من العادة العربية الأصيلة في الكرم، فيُطعم كل الوافدين إليه للتعزية خلال أيام العزاء الثلاثة، وما كان يتبعها من ولائم إضافية، وما كان يُسمى منها (سراج القبر) أو (ليلة الأربعين) قديمًا بعد أربعين يومًا من الوفاة. ويتكلف بذلك الكثير من المال، فابتدع هذا المجتمع الأصيل عادة دفتر الوفاة لإعانة من لديه حالة وفاة على ذلك. وقد ذهبت كل هذه الأمور والأسباب جميعها إلى غير رجعة، ولم يعد هناك داعٍ بالتالي لمثل هذه العادة التي كانت محمودة في حينها، ولا لهذا الدفتر، والحمد لله
.
بدأ يظهر في الآونة الأخيرة وجود كرتون على مدخل خيمة العزاء، يضع فيه من شاء ما تيسر من مبلغ. وكانت حالة الوفاة التي ظهر فيها هذا الكرتون ابتداءً، هي وفاة شخصٍ مسرّح من العمل ويُعيل أطفالًا قُصّرًا، وعليه التزامات لم يستطع الإيفاء بها قبل وفاته نظرًا لظروفه، وتُوفي على هذه الحالة. في الحقيقة، لا يُعرف من هو هذا الشهم الذي ابتدَع هذا المسلك، وأحضر كرتونًا إلى خيمة العزاء حينها ووضع فيه مبلغًا من المال، وتبعه آخرون. ولكن لأن معظم المعزّين يعلمون حالة المتوفى، بادروا بالمساهمة، وحتى من لم يكن لديه في جيبه مبلغٌ من المال حينها، ذهب إلى أقرب صراف آلي ليسحب
.
مسلك جميل بالفعل، تكرر بعد ذلك في عدة حالات وفاة تشابه أوضاعها مثل هذه الحالة. لا شك أن مثل هذه الحالات تستحق فعلًا العون والمساعدة، وعودة دفتر الوفاة على شكل كرتون مع إدخال تعديلات عليه، مثل استبدال الكرتون بصندوق في مكان بارز ومحدد في مقر خيمة العزاء، ويمكن تطبيقه أيضًا اليوم في مساجد العزاء، مع الاتجاه حاليًا لاتخاذها للعزاء. وطبعًا أن يتم ذلك بموافقة أقارب المتوفى. ونحسب أن فيها منتهى النخوة والجود، والأجر والثواب الكبير بإذن الله
.
من الطرائف التي سمعتها في بدايات هذا المسلك الجديد أن أحد الأشخاص، وهو خارج من بوابة خيمة العزاء، رمى مخلفات منديل (كلينكس) في ذلك الكرتون الموضوع هناك، ظنًّا منه أنه مخصّص لرمي المخلفات، لكنه فوجئ بأن فيه أنواط ريالات، فسحب مناديله بسرعة ووضع مبلغًا في الصندوق. ما أحوجنا لمثل هذا المسلك الجميل في هذا الوقت العصيب، للتعاون وتشتيت المخاطر بيننا
.
ديننا الإسلامي فيه شيوع في بعض الأمور، وضواغي صيد الساردين (العولمة) قديمًا وحتى اليوم فيها شيوع، ومشاديد زراعة الدُّجر (1) برِّيّة من رذاذ الخريف أيضًا فيها شيوع، وأمور أخرى كثيرة. فالشيوع ليس حكرًا على أحد كما يظن البعض
.
1- المشديدة أو المشاديد كانت عبارة عن حيز من الأرض المستوية في الجبال يشترك أهل منطقة معينة في استصلاحها وزراعتها بالدجر (نوع من الفاصوليا) ويقتسمون جميعا المنتج بالتساوي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ يوم واحد
- جريدة الرؤية
رحيل زياد الرحباني.. حين يصمت اللحن وتتوقف النوتة الموسيقية
الرؤية- مدرين المكتومية عندما تموت الموسيقى واللحن يموت معهما الجمال وتموت معه المشاعر، وتتحول الأراضي الماطرة والخصبة إلى أراض جافة، كما تتحول الحياة من الألوان الجميلة والرائعة إلى لوحة قاتمة، لوحة لا ترى خلالها سوى الحزن والفقد والألم. وعندما نتحدث عن اللحن والموسيقى فإننا نتحدث عن جزء من جماليات الحياة التي سرقها الموت في لحظة، وعندما يسرق الموت فناناً وملحناً موسيقياً هذا يعني أن نوتة موسيقية أخرى قد سقطت ولم يعد لها مكان في السلك الموسيقي، وعندما يخسر الفن أحد فنانيه تجد الرثاء عليه مختلفاً، رثاء الكلمات الصادقة الشاعرية التي لا يفهمها سوى متذوقوه، هو من قال "اكتبوا على الأوراق، على أوراق الدفاتر، على أوراق الأشجار الصفر، اكتبوا على شبابيك الزواريب الطويلة، على أصغر الأحجار، احفروا في جذوع الأشجار، على أبواب البيوت المتهدمة، اكتبوا كل ما يخطر ببالكم، فإننا راحلوا ! اكتبوا". وها نحن نكتب كلمات الوداع كما قال وذكرنا، إننا ودعنا بالكتابة كما أوصانا بالأمس الفنان والملحن والكاتب والمسرحي الفنان اللبناني زياد الرحباني الذي توفي عن عمر يناهز 69 عاما، هذا الشخص الذي استطاع أن يحول المسرح ساحة للتعبير عن نفسه وعن ما يعيشه العالم بأسلوبه الشيق الفكاهي، فهو عميق جدا إلى حد أنك تستمع لسخريته وتنصت بكل اهتمام فلديه أسلوبه السحري في معالجة القضايا والمواضيع. كان الرحباني شخصية مثيرة للجدل نتيجة لما يقدمه من موسيقى ومسرح وشعر، فهو ابن المغنية الشهيرة فيروز، وأبوه عاصي الرحباني، فشهرت أبويه وموهبتهما حولته لشخصية ذات طباع وسمات مختلفة. تشارك الرحباني الفن والمقطوعات الموسيقية مع والده منذ سن صغير، فقد كان يتساءل عن المقطوعات والألحان التي كان يشاركه والده في ذلك، حيث إن أول عمل قدمه زياد كان شعرا بعنوان "صديقي الله" كان هو الباب الأول لولادة شاعر جديد على الساحة الشعرية آنذاك، ولكن زياد كان مهتما بالموسيقى، حيث لحن أوَّل عمل له في 1971 وكان لأغنية "حبيني يا لوزية" ثم تلا ذلك الأغنية الشهيرة التي غنتها فيروز وتعد من أهم أغانيها التي لايزال إلى اليوم يرددها الناس وهي "سألوني الناس". أما المسرح فهو البوابة التي يعبر الناس من خلالها للحياة، لم يكن المسرح مجرد قاعة عرض وإنما في تلك المساحة البسيطة منه كانت تقام عليه الكثير من الأحداث والنشاطات الكبيرة، الرسالة العميقة للعالم نحو حياة يتمنونها، فلم يكن المسرح مجرد سيناريو وشخصيات وإنما كان بمثابة مكان للإصلاح والتظاهر والاعتراض والتعبير عن الحرية وغيرها من المواقف الاجتماعية الأخرى التي كان حاضرا فيها زياد الرحباني، حيث سجل حضوره الأول كشرطي في مسرحية "المحطة" وبنفس الدور أيضًا شارك في مسرحية "ميس الريم" التي صاغ فيها ألحان ذلك العرض. وفي المسرح لم يقف زياد عند التمثيل والتلحين، وإنما مضى نحو كتابة أولى مسرحياته والتي حملت عنوان "سهرية" والتي أخذت المقطوعات الموسيقية خلالها الاهتمام الأكبر، ومن المعروف عنه بعد فترة من الزمن هو أن مسرحياته لم تكن تمثل فقط الأسلوب التي قام به الأخوان الرحباني والمليئة بالحياة المثالية والخيالية بعيدا عن الواقعية، في حين ذهب هو نحو الواقعية والسياسة التي يعيشها المجتمع آنذاك. ومن يعرف زياد عن قرب ويتابعه من المهتمين والعاملين في المجال الفني يعرف جيدا أن أعماله لم تقتصر فقط على كتابة الشعر والمسرح والموسيقى، بل كان هناك جانبا سياسيا في حياته، فهو جريء جدا وكتب الكثير من المقالات الجريئة في عدد من الجرائد اللبنانية. رحل زياد تاركا خلفه الكثير من الأعمال الفنية بين أفلام وشخصيات تقمصها، وبين موسيقى تصويرية بالإضافة إلى أعماله التي كانت لوالدته الفنانه فيروز والتي يمكن القول إنها كثيرة جدا، وكما قال "طرق السفر يقف عليها أناس كثيرون، لا يبكون، لا يضحكون، إنهم مسافرون" فنحن في هذه الحياة نأتي كمسافرين نقف في كل مرة عند محطة نظن أنها الأخيرة وأننا سنبقى فيها طويلا، ولكن الموت أيضا له كلمته المباغتة، فيسرق منا ما كنا نخافه ويهرب بنا نحو عالم آخر، ذلك العالم الذي لا بد وأن نقبل به، لأنه ليس خيارا أبدا.


جريدة الرؤية
منذ يوم واحد
- جريدة الرؤية
رسالة كونية في حمامة
أنيسة الهوتية فجأة شعرت بأنني لا أشعر بشيء!!! لا خوف، لا قلق، لا توتر!!! حتى لا جوع ولا عطش ولا نعاس!! ولا رغبة في الخروج من البيت، أو المكوث فيه!!! ماذا أصابني؟! هل تبلدت مشاعري؟! أم أنها جلطة عاطفية، وربما سكتة مشاعرية؟! كنت أسقي عروقي العطشى حين تصرخ مستنجدة مخافة الموت بالقهوة المرة السادة، فقد كانت النكهة الوحيدة التي تقبلتها وحدتي الممتلئة بالضجيج. بصمت وهدوء أجلس ليلًا أمام مدخل البيت، وحيدة على كرسيي الهزاز الخشبي، الذي أنينه يخدش هدوء الليل بينما يهودني… وأنا أغرق في ضجيج الأصوات والمشاهد الذهنية، وما ربط على قلبي سوى الأذكار والدعاء والعبادات. وبين كل لحظة ولحظة أدعو الله أن يدمر الظالمين، ويشفي صدور المظلومين ويعوضهم.. لم يتجرأ أحد على مداهمة وحدتي، مخافة ردة فعلٍ مجنونة من شخصٍ لطيف. أو لعدم علمهم بحالتي… باستثناء تلك الحمامة البرية "الحقمة" التي قررت في ليلة وضحاها بناء عشها فوق مصباح مدخل البيت، حيث أجلس وأحتسي القهوة، وتمامًا على رأسي. انزعجت من ذلك، ولكنني لم أستطع أن أُنفرها، فإن الملك لله وحده. فتركتها، وشغلتني بالتنظيف وراءها. وليلًا كانت تهدل بصوت خافت حين احتسائي لقهوتي، وكلما غرقت في أفكاري أخرجتني إلى الواقع. فقررت إطفاءَ المصباح الذي بنت عشها عليه، واكتفينا بالمصابيح الجانبية التي تعمل بالمجسات والطاقة الشمسية. وهكذا عقدنا اتفاقًا أنني سأحتسي أكواب قهوتي في الظلام، وأطفأ لها المصابيح حتى تنام… وألا يزعج أحدٌ منا الآخر. وبالأمس، قبيل وقتنا، كانت تنوح نوحًا ولا "تهجع"... تطير إلى المصابيح المجسية بتكرار واحدة تلو الأخرى وتجعلها تضيء، كانت مجنونة. فخرجت لأرى ما بها! وما إن فتحت الباب وإذا بجيوش من النمل الأسود في خط مستقيم وكأنه شعر ساحرة شرقية طوله عشرة أمتار!! وبيضة واحدة من بيوضها متكسرة على الأرضية، يبدو أنها سقطت من العش، والنمل يحتفل بوليمة دسمة. فنظرت إليها بينما هدأت من جنونها! وبدأت تنظر إليَّ مباشرة، فبدأت أبكي… بكيت بكاءً… بُكاءً لم أبكهِ حتى في عزاء أبي لأنني كنت أفكر حينها بأمي، ولم أرد أن أثقل حمل حزنها وألمها أكثر. بكاء لم أبكهِ حتى في عزاء أمي لأنني كنت أفكر بإخوتي وأخواتي الصغار، فإن كنت أنا من انهار ماذا يكون بشأنهم!؟ وتخيلت أن مجرد حمامة "انجنت" على بيضة من بيوضها "كذا؟" فماذا عن الأمهات في غزة؟ جلست دون شعورٍ على النمل الذي لربما قال لجيشه: انتبهوا لتحطمنكم أنيسة! وبدأت أشعر بمرارة وحرارة دموعي في بلعومي وحلقي وأنفاسي. حتى نزلت الحمامة وجلست على رأسي وكأنها تواسيني في خسارتها. أخبرتها وصوتي يشهق أنفاسه: أنا آسفة جدًا بأنني لم أستطع مساعدتك، وبأن البيضة لو لم تكن مكسورة لكنت سأعيدها لكِ إلى عشك! لم أستطع التوقف عن البكاء الذي كان يزهق قلبي طوفانًا مقهورًا وغاضبًا من قلة الحيلة، حتى نزلت الحمامة من قمة رأسي إلى كتفي ثم إلى كفي. وعندما بدأت أهدأ، رفرفت بجناحيها راجعة لعشها… اعتذرت منها كثيرًا، لأنني أعلم شعور ألم الخيبة، خاصة حين لا ينقذك من ترى فيه السند والظهر… ولأن قلبي ممتلأ بحزن الأمهات في غزة، وبعضًا مما أكبته، انفجرت بكاءً… ولم تكن الحمامة سوى تمثيل حي في صورة تشبيهية كونية كمثل الغراب الذي علم قابيل كيف يدفن جسد هابيل. وعلمتني تلك الحمامة أن الحياة لا تتوقف، وبأننا يجب أن نؤمن إيمانا ويقينا بأن الله تعالى هو مسبب الأسباب وحده، وهو القاضي العدل والمحامي الذي سيعيد لكل مظلوم حقه، ولو بعد حين.


جريدة الرؤية
١٩-٠٧-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
غير نظرتك.. تتغير حياتك
د. قاسم بن محمد الصالحي أريد أن أغير طباعي، أريد أن تتغير حياتي، أتمنى أن يتغير مسؤولي في العمل.. كل منا يريد ويتمنى أن يصبح كل شخص وكل شيء في الدنيا موافقًا لهواه ورغباته، إذا أردت أن تغير من شخص ستصاب في الغالب بخيبة أمل، لأنه لا أحد يتغير إلا بإرادته هو، والأهم من ذلك أنه لا شيء يحتاج التغيير سوى نظرتنا نحن للأشياء والأحداث من حولنا، يقول غاندي: إن الشيء الوحيد الذي يميز بين شخص وآخر هو النظرة السليمة تجاه الاشياء.. قل لي كيف تفكر في المستقبل؟، هل تفكر فيه على أنه استمرار وتفاقم للمشاكل، أم أنه يحمل الفرص التي يجب أن تستعد لها لتستغلها وتحقق لنفسك حياة أفضل، هل تفكر في نفسك فقط؟ أم تفكر في الطريقة التي ستترك بها بصماتك التي سيشكرك عليها الناس ويتذكرونك بالخير بعد أن تفارق هذه الحياة، التي وإن طالت بك فهي قصيرة جدًا في عمر الزمن. أعطني لحظات من وقتك أيها القارئ الكريم، وتأمل معي هذه المقارنات، لكي أثبت لك أن ما يحدد مشاعرنا وسعادتنا ليس الواقع الذي نعيشه، بل طريقتنا في النظر إلى هذا الواقع.. هل هناك فرق بين من ينظر إلى المستقبل على أنه "الفرصة القادمة"، التي لا بد أن نستعد لاستغلالها، وبين من ينظر إليه على أنه تراكم للمزيد من المشكلات التي لن يكون لها حل!!، هل هناك فرق بين من ينظر إلى أطفاله على أنهم نتيجة طبيعية للزواج، وواجب يفرضه المجتمع و"المباهاة"، وبين من ينظر إليهم على أنهم "المفاجأة التي يخبئها للعالم!".. أكرر "المفاجأة التي يخبئها للعالم بأسره!!، هل تعتقد أن كلا الأبوين سيشعران وسيتصرفان بشكل متشابه. جميل! فلنبدأ بحديث بسيط يحفزنا على تغيير نظرتنا للأشياء، بأسلوب مشجع وقريب للقلب.. في زحمة الأيام وتقلّبات الحياة، قد نجد أنفسنا محاطين بمواقف محبطة، وأحيانًا نشعر أن كل شيء ضدنا، وهذا الشعور طبيعي، لكن الخطير هو الاستسلام له.. فالتشاؤم لا يغيّر الواقع، بل يزيده ثقلًا، ويغلق أمامنا أبواب الأمل، إذا ما رأينا فقط العقبات أمامنا، دون أن نرى الفرص.. نحن وسط تلك العقبات سيكون الفرق ليس في الظروف، بل في النظرة، فكم من شخص خرج من ضيقٍ إلى فرج لأنه آمن بأن بعد العسر يسرًا، وكم من شخص بقي حبيس مشاعره السلبية لأنه لم يُصدّق أن الضوء موجود في آخر النفق. نعم.. لنكن صادقين مع أنفسنا، بأن التفكير الإيجابي لا يحل كل المشاكل، لكنه يعطينا القوة لمواجهتها، والصبر لتحمّلها، والعقل للبحث عن حلول لها.. التغيير يبدأ من داخلنا، من فكرة صغيرة تقول لنفسك: "ربما هناك جانب آخر لهذه القصة، لم أرَه بعد". أيها القارئ الكريم، جرب أن تعطي نفسك فرصة، لا تطفئ النور بيدك، ولا تسجن نفسك داخل دائرة السواد، هناك أشياء جميلة حولك، تنتظر فقط أن تفتح لها نافذتك.. الحياة قصيرة، فلا تضيعها في التوقعات السوداوية، عشها ببساطة، بحسن ظن، وبقلب يُجيد رؤية النور حتى في أصعب اللحظات. قد تكون اللحظة مناسبة لتقديم دعوة من القلب إلى كل شاب أثقلته الحياة.. كن إيجابيًا، ولو أظلمت الدنيا، يا من ضاق صدرك من الدنيا، وشعرت أن الأبواب كلها موصده، وأن الحظ لا يعرف طريقك.. تمهّل، لا تظن أن ما تمر به دائم، ولا تحكم على مستقبلك من يومٍ سيئ عشته.. أيها الشاب، أيتها الشابة.. كثيرٌ من العظماء مرّوا بلحظات ضعف وانكسار، لكنهم لم يسمحوا لليأس أن يعشش في قلوبهم، لأنهم آمنوا بأن الله لا يُضيع من أحسن الظن به، وأن النور يأتي بعد الظلمة، والفرج بعد الضيق.. ربك الذي قال: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"، لم يقل ذلك ليروي قصة، بل ليُطمئن قلبك.. فمهما اشتدت عليك الحياة، هناك يسْر قادم، فقط تمسك بالأمل، وابدأ بالنظر إلى نعم الله عليك، ولو كانت بسيطة.. أنت في بداية العشرينيات، تخرّجت بشهادة جامعية، وظننت أن الوظيفة تنتظرك عند الباب، طرقت كل الأبواب، أرسلت عشرات السير الذاتية، وانتظرت، وانتظرت.. حتى بدأت ثقتك بنفسك تضعف، وبدأت الأسئلة تنهشك: "هل فشلت؟ هل أنا أقل من غيري؟ هل تعبي ضاع؟".. لا تستسلم ابدأ من الصفر، اعمل بأي وظيفة حتى وإن كانت بسيطة بأجر زهيد، طوِّر من مهارتك، وواصل التقدم، ولكن بإيمان أن الله يرى ويسمع، مع الأيام ستلهم غيرك بقصة نجاح حققتها، فقط اختار ألا تسمح للتشاؤم أن يسرق مستقبلك.. الشيطان يفرح حين يُقنعك أن لا جدوى، أن كل شيء لا معنى له، لكن المؤمن، القوي، العاقل، يعلم أن مع كل تحدٍ فرصة، ومع كل سقوط درس، ومع كل تأخير حكمة، فلا تيأس، ولا تقارن نفسك بأحد، توكل على الله، واعمل، وارضَ، وابتسم، ولا تنسَ أن الله لا يُخيب من أحسن الظن به.