
د. عامر سبايلة : إيران: فشل المفاوضات وتفعيل ما تبقى من الجبهات
تشير تطورات المشهد الإقليمي إلى احتمالية دخول المنطقة في مرحلة تصعيدية جديدة، عنوانها الأبرز تعثّر عودة إيران إلى المفاوضات وفقاً للشروط الأميركية، والتهديد الأميركي المتزايد بتقديم الدعم النوعي لإسرائيل في إطار جولة المواجهة القادمة مع طهران.
تعثّرت المفاوضات المتعلقة بالهدنة في غزة، وتبنّى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف لهجة تلويم حادّة تطال حماس بسبب إفشالها المستمر للصفقة، وهو ما يمكن تفسيره إسرائيلياً على الأرض بعمليات نوعية وتعزيز لفكرة تفريغ غزة ديموغرافيا، وهي الفكرة التي ستعمل عليها حكومة نتنياهو بشكل أكبر في المرحلة القادمة. ويتوافق هذا التصعيد أيضاً مع الخطوات التي تعمل إسرائيل عليها في الضفة الغربية في إطار سعيها لضم أراضٍ واسعة وخلق واقع جديد.
من هنا، يمكن رصد أيضاً ردّة فعل وزير المالية سموتريتش على تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، حيث كان ردّه بالإعلان ضمنيا عن أراضٍ في الضفة الغربية، وهو ما قد يدفع هذه الحكومة الإسرائيلية إلى تسريع هذه الخطوة، مستفيدين أيضاً من موقف الرئيس ترامب، الذي أشار إلى كلام ماكرون بوصفه عديم القيمة والأثر، حيث صرح ترامب قائلاً عن ماكرون قائلاً: "ما يقوله لا يهم."
على الصعيد اللبناني، لا توحي الرسائل القادمة من حزب الله بامتثال الحزب للشروط الأميركية، كما أن تسليم سلاح الحزب لا يبدو أمرًا ممكنًا بسهولة، وهو ما يفتح المشهد اللبناني على سيناريو التصعيد، خصوصاً مع استمرار إسرائيل في تنفيذ عمليات متكرّرة تستهدف ترسانة حزب الله وعناصره. ويواكب هذا التصعيد الإسرائيلي، الذي يجعل المشهد اللبناني مفتوحا على احتمالية التدهور الأمني، سعي أميركي دبلوماسي مباشر لتعديل مهام قوات اليونيفيل وتحويلها إلى قوات فرض سلام، مما يعني دورًا أكبر على الأرض واحتمالية مواجهة ميدانية مع حزب الله.
أما الجبهة السورية، التي كان عنوانها الأبرز في الأسابيع الماضية "مواجهات السويداء"، فإن الدخول الإسرائيلي على خط المواجهة المباشرة ناتج أيضاً عن قلق حقيقي من تحويل المناطق المحاذية للجولان إلى مناطق فوضى يمكن استغلالها لخلق حالة من الانفلات الأمني تستثمر في استهداف الداخل الإسرائيلي. وتخشى إسرائيل من أن يشكّل هذا الوضع المناخ الأمثل لعودة إيران ووكلائها إلى النشاط الفعلي ضدها.
أما جبهة اليمن، فهي الجبهة التي لم تهدأ، والتي أبقت على حالة استهداف إسرائيل بالصواريخ، حتى وإن لم تؤدِّ هذه الاستهدافات إلى أضرار كبيرة، فإنها ما تزال تشكّل تهديداً حقيقياً بالنسبة لإسرائيل، خصوصاً وأن هذه الجبهة هي الأكثر صعوبة حتى الآن، والأقل اختراقاً على المستوى الاستخباري، مما يعكس استعصاءً استخبارياً واضحاً – على الأقل في المرحلة الحالية، مما يجعلها الجبهة الأمثل بالنسبة لإيران للإبقاء على مناخ التهديد قائماً، ويمنح إيران القدرة على الحفاظ على جزء من توازن الردع، لا سيما بعد انتقال إسرائيل للعمل المباشر داخل إيران أثناء حرب الأيام الـ12 أو بعدها.
وفي ظل تعثّر إنجاز أي من الملفات العالقة على كافة الجبهات، من غزة إلى لبنان، اليمن وإيران، فإن المنطق الإيراني لا بد أن يتجه نحو تخفيض الضغوط باستخدام آخر ما تبقّى من أوراق، في ظل تعثّر الحلول وتعطّل التسويات الدبلوماسية. فالجبهات التي كانت تسعى إيران من خلالها لتهديد إسرائيل تم احتواؤها إلى حدّ كبير، والسعي الإيراني لفرض المواجهة على إسرائيل من حدودها أو من داخلها، كما جرى في السابع من أكتوبر، لم يعد خياراً قائماً. بل إن إسرائيل قلبت المعادلة بفرض المواجهة على إيران داخل أراضيها، وبالتالي فإن تخفيف الضغوط على إيران اليوم قد يتم عبر سعيها للاستفادة ممّا تبقى من قدرات لوكلائها، وتفعيل عوامل الخطر المحيطة بإسرائيل من الجبهات القريبة، أو حتى عبر التطورات في القدرات الصاروخية القادمة من اليمن. إن تفعيل إيران لما تبقّى من جبهات يأتي في إطار الاستفادة من حالة الضغط الحالي في أي مفاوضات مقبلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ 28 دقائق
- رؤيا نيوز
انتهاء المشاورات الأمنية.. نتنياهو يتوجه نحو احتلال غزة
عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، جلسة مشاورات أمنية تمحورت حول احتلال قطاع غزة، بمشاركة وزير الدفاع يسرائيل كاتس وقادة الأجهزة الأمنية. وجاء في بيان مقتضب لمكتب نتنياهو عقب جلسة المشاورات، أن 'رئيس الحكومة عقد اليوم جلسة أمنية مصغرة استمرت لنحو 3 ساعات، عرض خلالها رئيس أركان الجيش خيارات استمرار المعركة في غزة'. وقال إن 'الجيش مستعد لتنفيذ أي قرار يتخذه الكابينيت السياسي الأمني'. فيما أوردت تقارير إسرائيلية أن من المقرر أن يلتئم الكابينيت يوم الخميس. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية 'كان 11' عن مسؤول مطلع على جلسة المشاورات الأمنية، قوله إن 'توجه نتنياهو هو نحو احتلال قطاع غزة'. وأوردت 'كان 11″، أن 'الجلسة تناولت توسيع القتال إلى مناطق يخشى وجود مختطفين فيها مما يعرض حياتهم للخطر، وهو ما تعارضه الأجهزة الأمنية'. وفي المقابل، اقترح الجيش الإسرائيلي تطويق مدينة غزة وسكانها كبديل لذلك، فيما يدعو عدد من الوزراء من بينهم وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، إلى احتلال المدينة رغم الخشية من وجود أسرى ومحتجزين إسرائيليين فيها. وأشارت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' إلى أن رئيس الوزراء سيعرض قرار احتلال قطاع غزة على مجلس الوزراء للموافقة عليه. ويوم أمس الاثنين، نقلت القناة 12 العبرية عن 'جهات رفيعة في مكتب رئيس الحكومة' أن 'القرار قد اتخذ – إسرائيل تتجه نحو احتلال قطاع غزة'. وأضافت المصادر ذاتها: 'حماس لن تفرج عن مزيد من الرهائن دون استسلام كامل، ونحن لن نستسلم'. وقالت المصادر 'إذا لم نتحرك الآن، سيموت الرهائن من الجوع، وستبقى غزة تحت سيطرة حماس'. وبموجب القرار، فإن الجيش الإسرائيلي سيُقاتل في مناطق امتنع عن دخولها خلال الأشهر الماضية، بما يشمل المخيمات في وسط القطاع، التي يُعتقد بوجود أسرى فيها. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن رئيس الوزراء سيعقد الثلاثاء، جلسة أمنية لبحث توسيع الحرب نحو المناطق التي يُخشى وجود أسرى فيها. وذكرت أن 'المؤسسة الأمنية تعارض التوغل برا في الأماكن التي يُحتجز فيها رهائن، خشية المس بحياتهم'.


صراحة نيوز
منذ 43 دقائق
- صراحة نيوز
اتفاق بين الولايات المتحدة ورواندا لاستقبال مهاجرين مرحّلين ضمن سياسة ترحيل إلى دول ثالثة
صراحة نيوز – وقّعت الولايات المتحدة ورواندا اتفاقًا يقضي باستقبال الأخيرة ما يصل إلى 250 مهاجرًا مرحّلين من الأراضي الأميركية، في خطوة تعكس تشديد إدارة الرئيس دونالد ترامب لسياسات الهجرة، بحسب ما نقلته وكالة 'رويترز' عن مسؤول رواندي ومتحدثة باسم الحكومة. وقال المسؤول، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، إن الاتفاق تم توقيعه في العاصمة كيغالي خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، مشيرًا إلى أن واشنطن أرسلت بالفعل قائمة أولية تضم 10 أسماء للنظر في إمكانية إعادة توطينهم. ولم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأميركية، في حين أحالت وزارة الأمن الداخلي الاستفسارات إلى الخارجية. من جانبها، قالت يولاند ماكولو، المتحدثة باسم الحكومة الرواندية، إن الاتفاق يعكس القيم المجتمعية للبلاد، مضيفةً: 'عانت تقريبًا كل أسرة رواندية من مشاق النزوح، وقيمنا تقوم على إعادة الدمج والتأهيل'. وأوضحت ماكولو أن من تتم الموافقة على توطينهم سيحصلون على تدريب مهني ورعاية صحية ودعم سكني، مما يتيح لهم بدء حياة جديدة في رواندا والمساهمة في اقتصادها الذي يُعد من الأسرع نموًا في أفريقيا خلال العقد الأخير. ووفقًا للمسؤول الرواندي ذاته، ستقدّم الولايات المتحدة دعمًا ماليًا لرواندا على شكل منحة، دون الكشف عن قيمتها. كما أشار إلى إمكانية توسيع الاتفاق بالتراضي ليشمل أكثر من 250 شخصًا، مؤكدًا أن المرحّلين لن يكونوا ملزمين بالبقاء في رواندا ويمكنهم مغادرتها في أي وقت. وشدد على أن كيغالي لن تستقبل سوى من أنهوا مدة عقوبتهم أو لا يواجهون قضايا جنائية، مع استثناء مرتكبي الجرائم الجنسية ضد الأطفال، حيث ينص الاتفاق على عدم تنفيذ العقوبات الصادرة في الولايات المتحدة داخل رواندا. وتأتي هذه الخطوة ضمن سياسة أوسع تنتهجها إدارة ترامب لترحيل مهاجرين إلى دول ثالثة، حيث سبق أن تم ترحيل أكثر من 200 فنزويلي إلى السلفادور في مارس/آذار الماضي، بعد اتهامهم بالانتماء إلى عصابات، قبل أن يُفرج عنهم لاحقًا في عملية تبادل سجناء خلال الشهر الماضي. وكانت المحكمة العليا الأميركية قد سمحت في يونيو/حزيران بترحيل مهاجرين إلى دول ثالثة دون منحهم فرصة لإثبات تعرضهم للخطر، وهو قرار يواجه طعونًا قانونية أمام محكمة اتحادية في مدينة بوسطن. يُذكر أن رواندا كانت قد وقّعت اتفاقًا مماثلًا مع بريطانيا عام 2022 لاستقبال آلاف طالبي اللجوء، إلا أن الخطة لم تُنفذ بسبب طعون قانونية، وتم إلغاؤها العام الماضي من قبل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.

الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
هكذا تفكر إسرائيل؛ أمّا «نحن»..
ما جرى في السابع من أكتوبر لم يكن بالنسبة لإسرائيل مجرد هجوم دموي مفاجئ، بل لحظة مفصلية أعادت تعريف عقيدتها الأمنية وحدود مشروعها الإقليمي، لحظة شبيهة إلى حد بعيد بما شكّلته أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة للولايات المتحدة. فور وقوع هجوم طوفان الأقصى، لم يتردد بنيامين نتنياهو في مقارنته بما حدث لأميركا في 11 سبتمبر. لم تكن هذه المقارنة مجرد خطاب تعبوي، بل تعكس رؤية استراتيجية أعمق، إذ يوظف نتنياهو الصدمة لإطلاق مشروع إسرائيلي قديم متجدد، يقوم على إعادة صياغة البيئة الأمنية والسياسية في المنطقة، بما يضمن لإسرائيل أمناً شبه مطلق في محيط منزوع السلاح وخالٍ من أي مصادر تهديد. بعد أحداث 11 سبتمبر استغل المحافظون الجدد (في البيت الأبيض) الصدمة لتنفيذ مشروع «القرن الأميركي الجديد» الذي كانت قد أعدته مجموعة من مراكز الأبحاث بقيادة شخصيات مثل بول وولفيتز وويليام كريستول وروبرت كاجان. تأسس المشروع عام 1997 تحت اسم «مشروع القرن الأميركي الجديد» بهدف إعادة صياغة النظام الدولي وضمان الهيمنة الأميركية، وكانت العراق وسورية وإيران في قلب التصور، وقد تحوّل الحادي عشر من سبتمبر إلى الذريعة المثالية لتسريع تنفيذه عبر غزو العراق وإعادة رسم خرائط المنطقة. نتنياهو اليوم يفعل شيئاً مشابهاً، إذ يرى في طوفان الأقصى فرصة تاريخية لتسريع مشروعه الذي لم يعد مرتبطاً بحدود غزة وحدها، بل يطال الجنوب السوري ولبنان وإيران وغزة وحتى التوازنات السياسية في تركيا والدول العربية. من يتابع خطاب نتنياهو ووزرائه يدرك أن إسرائيل لم تعد تكتفي بردع خصومها، بل تسعى إلى إعادة هندسة الجغرافيا السياسية للمنطقة. في الجنوب السوري، قال نتنياهو بوضوح: «لن نسمح بوجود أي قوات عسكرية تهدد حدودنا في الجنوب السوري، ولن نعود إلى المعادلة القديمة»، وأكّد وزير الدفاع يوآف غالانت أنّ إسرائيل ستعيد رسم الواقع هناك بما يضمن أمنها الاستراتيجي، وهو ما يعني عملياً منع الجيش السوري من العودة إلى مناطقه السابقة وفرض ممر آمن يربط السويداء بالجولان وفق الرؤية الإسرائيلية. في لبنان، لم تعد القضية مقتصرة على تحجيم حزب الله أو إضعافه، بل الحديث بات صريحاً عن نزع سلاحه بالكامل وإنهاء قدرته الصاروخية التي تشكّل تهديداً مباشراً لإسرائيل. أما في غزة فلا يدور النقاش حول إعادة الإعمار أو تحسين الأوضاع الإنسانية، بل حول «اليوم التالي» الذي يتضمن إخراج حماس كلياً ونزع سلاح المقاومة وتحويل القطاع إلى كيان منزوع القوة والسيادة، وتحت الهيمنة الأمنية الإسرائيلية. حتى فكرة الدولة الفلسطينية المقترحة في إعلان نيويورك الأخير فهي منزوعة السلاح، لإرضاء نتنياهو، ولن يرضى ولن يقبل بذلك، وقد تخطت إسرائيل أي فكرة لإقامة دولة فلسطينية، ما هو مسموح به فقط كانتونات وتهجير طوعي وقسري للفلسطينيين! أما إيران، فالمعركة معها مفتوحة حتى تحجيم قوتها الصاروخية وإزالة خطرها عن إسرائيل، فيما لا يمكن استبعاد أن تمتد الاستراتيجية الإسرائيلية إلى التأثير في المشهد السياسي التركي وضبطه بما يضمن وجود حكومة أكثر انسجاماً مع المصالح الإسرائيلية، وربما الضغط بطرق مختلفة على بعض الدول العربية مهما كانت صفتها «الصديقة» لتل أبيب. هذا المشروع لم يعد شخصياً مرتبطاً ببقاء نتنياهو، بل أصبح أقرب إلى حالة شبه إجماع داخل المؤسسة الإسرائيلية والنخب السياسية، ولن يأتي يائير لبيد أو نفتالي بينيت أو غيرهما ليعيد إسرائيل إلى ما قبل 8 اكتوبر 2023.. ما يجري اليوم ليس سلسلة تكتيكات أمنية مؤقتة، بل مخطط استراتيجي طويل الأمد يهدف إلى إعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة وتكريس إسرائيل قوة إقليمية مطلقة. وفي ضوء ذلك، لا يعود السؤال المطروح: ماذا تريد إسرائيل؟ بل: كيف نفكر «نحن» (من نحن؟! هو سؤال آخر لا توجد لدينا إجابة عنه) في مواجهة هذا المشروع الذي يُعاد تنفيذه خطوة خطوة في وضح النهار؟