
فورين أفيرز: شرق أوسط جديد… بعد إيران
يعتقد رئيس الاستخبارات الدفاعية الإسرائيلية السابق عاموس يادلين أنّ عمليّة 'الأسد الصاعد' مهدت الطريق للدبلوماسية في الشرق الأوسط وفتحت نافذة تاريخية للتوصّل إلى تسوية سياسية شاملة من شأنها إعادة تشكيل المنطقة.
يعتبر يادلين، وهو لواء متقاعد في سلاح الجوّ الإسرائيليّ شغل منصب رئيس الاستخبارات الدفاعية الإسرائيلية بين عامَي 2006 و2010، أنّ قرار إسرائيل مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية جاء في وقت مثاليّ ونتيجة تضافر عاملين: التهديد المتزايد الذي تشكّله إيران وضعفها وضعف حلفائها وضعف دفاعاتها الجوّية، بالإضافة إلى توقيت الهجمات مع نهاية فترة الستّين يوماً التي حدّدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمحادثات النووية.
كانت الأهداف الأساسية:
1- إلحاق أضرار جسيمة وطويلة الأمد ببرامج إيران النووية والبالستية.
2- تهيئة الظروف لاتّفاق نووي أفضل.
3- مواصلة إضعاف شبكة وكلاء إيران الإقليميّين.
4- زعزعة استقرار النظام الإيراني، وهو ما قد يُسهّل انهياره.
5- إقناع واشنطن بالتحرّك ومنع تحوّل إيران إلى دولة نووية.
في رأي يادلين، كما يكتب في مجلة 'فورين أفيرز'، أنّه 'يجب على أيّ تقويم جيّد لنجاح العملية الإسرائيلية الأميركية ضدّ المشروع النووي الإيراني أن يتجاوز الأضرار التي لحقت بالمنشآت الفردية، وأن يدرس الآثار التراكميّة والنظاميّة على مشروع نووي شديد التعقيد، ومتعدّد التخصّصات والمراحل. فالأسئلة المحورية التي يجب الإجابة عليها لا تتعلّق بما خسرته إيران، بقدر ما تتعلّق بما لا تزال تمتلكه، وما تختار فعله تالياً، وما هي السبل الباقية لوقف اختراقها النووي إمّا من خلال الدبلوماسية أو الإكراه أو الوقاية'.
خيارات النّظام الإيرانيّ
بحسب يادلين: لدى النظام الإيراني طيف واسع من الخيارات:
– العودة إلى المفاوضات.
– الاندفاع نحو امتلاك قنبلة نوويّة.
– إخفاء موادّ ومكوّنات نووية بينما ينخرط علناً في محادثات عقيمة سيحاول إطالة أمدها، على أمل حدوث تغييرات في القيادة في إسرائيل والولايات المتّحدة، بينما يطوّر برنامجه بهدوء تحت ستار مدنيّ.
– الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي كليّاً، وهو ما سيكون علامة واضحة على التصعيد.
لكن في المدى القريب، يضيف يادلين: 'سيتعيّن على طهران اختيار كيفية توزيع مواردها المحدودة. ستتنافس جهود إعادة بناء برنامجها النووي، وقوّاتها الصاروخية، ودفاعاتها الجوّية، وبنيتها التحتيّة، ووكلائها الإقليميّين، على التمويل المحدود. ومن المرجّح أن تُعطي إيران الأولويّة لإعادة بناء قدراتها الصاروخية والدفاعية الجوّية، وتقليص تعرّضها للاستخبارات الإسرائيلية، والتكيّف مع تقنيّات الحرب المتقدّمة ضدّها. وقد تُعدّ خيارات انتقامية أكثر فعّالية في حال تعرّضها لهجوم جديد'.
صفقة أفضل؟
بغضّ النظر عن مدى نجاح الضربات ضدّ إيران، تظلّ الدبلوماسية، وفقاً ليادلين، هي السبيل الأمثل لإنهاء طموحات إيران النووية بشكل دائم. أمّا الاستراتيجيات الأخرى، مثل المزيد من العمل العسكري، فتأتي بمخاطر وتكاليف أعلى. وواشنطن تدرك ذلك وتسعى مجدّداً إلى إجراء محادثات مع طهران وهدفها التوصّل إلى اتّفاق يُجبر طهران على إنهاء تخصيب اليورانيوم على أراضيها، ويسمح بعمليات تفتيش دقيقة وقابلة للتحقّق.
لتحقيق النجاح يتعيّن، في رأي يادلين، على المسؤولين الأميركيين تحديد موعد نهائي للمفاوضات، والتهديد بشنّ هجوم جديد إذا لم تتوصّل إيران إلى اتّفاق في الوقت المحدّد، وفقاً للشروط الأميركية. ويجب على الولايات المتّحدة وإسرائيل التنسيق مع فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة، الدول الموقِّعة على خطّة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، التي يمكن أن تُفعّل إعادة فرض العقوبات من أجل التأثير على قرارات إيران، ومنع التصعيد النووي أو العسكري، وتهيئة الظروف اللازمة للتوصّل إلى اتّفاق مرضٍ ومستدام.
بالنسبة ليادلين، يوفّر ضعف إيران الحالي وضعف شبكتها من الوكلاء فرصة نادرة لإنشاء نظام إقليمي جديد تماماً. فلقد فتحت الحملة العسكرية الإسرائيلية ضدّ إيران الباب أمام توسيع نطاق السلام والأمن في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك حلّ محتمل في غزّة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليّين هناك، وسلام أوسع مع جيران إسرائيل، وكلّ ذلك في إطار ترتيبات أمنيّة دائمة تحيّد التهديدات الإيرانية العديدة.
شروط نجاح الصّفقة
في رأيه، لكي تنجح هذه الصفقة الكبرى:
– يتعيّن على إيران التخلّي إلى الأبد عن تخصيب اليورانيوم وإنتاج البلوتونيوم والسماح بعمليّات تفتيش تدخّليّة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرّية. وستحتاج طهران إلى كبح برنامجها الصاروخي وبرنامج إطلاق الأقمار الصناعية، الذي يعمل غطاءً لتطوير الصواريخ البالستية العابرة للقارّات.
– يتعيّن على الولايات المتّحدة أن تقود تنسيق أيّ اتّفاق نووي أو هيكل إقليمي جديد.
– ستحتاج إسرائيل إلى إنهاء الحرب في غزّة، ونفي قادة 'حماس'، والبدء بإعادة إعمار القطاع ونزع سلاحه.
– يتعيّن على 'حماس' إطلاق سراح الرهائن الباقين، والتخلّي عن أسلحتها، والموافقة على استبدالها بإدارة فلسطينية تكنوقراطية.
– يجب أن تشمل الصفقة الاتّفاق على ترتيبات أمنيّة إسرائيلية مع سوريا ولبنان، تلتزم بموجبها دمشق وبيروت تحييد الجماعات المسلّحة على أراضيهما، ومن بينها 'الحزب' ووكلاء إيران الآخرون والفصائل الفلسطينية المسلّحة وفروع تنظيم 'الدولة الإسلامية'.
– يجب أن تحافظ هذه الاتّفاقات على سيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان وحرّية إسرائيل في التصرّف ضدّ التهديدات الناشئة. الهدف هو أن يتطوّر وقف إطلاق النار هذا إلى اتّفاقات هدنة ومعاهدات عدم اعتداء، وفي النهاية إلى اتّفاقات سلام شاملة.
– يجب دعم أيّ صفقة كبرى بأطر عمل مرنة تقوم من خلالها القوى ذات التوجّهات المتشابهة، بقيادة الولايات المتّحدة، بمراقبة الامتثال للالتزامات. يمكن استلهام هذه المهمّة من معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية والأردنية – الإسرائيلية، فهما أفضل من الأطر الأمنيّة المتعدّدة الأطراف الرئيسية التي تدعمها الأمم المتّحدة، مثل قوّة الأمم المتّحدة المؤقّتة في لبنان، التي فشلت في مهمّتها.
– يجب على إسرائيل والولايات المتّحدة مواءمة استراتيجياتهما: أن تسمح واشنطنُ لإسرائيل بمواجهة التهديدات الناشئة وتعزيز البنية الأمنيّة في المنطقة، وأن تساعد إسرائيلُ الولايات المتّحدة على تحويل تركيزها ومواردها نحو مسارات ذات أولويّة أعلى، مثل منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
الصّيغة الصّحيحة
يعتبر يادلين أنّه إذا توصّلت طهران وواشنطن إلى اتّفاق، حتّى لو كان يشمل القضايا النووية فقط، فستكون الحملة العسكرية مثالاً ناجحاً لمبدأ ترامب 'السلام بالقوّة'. ولكن في رأيه، أثبتت ضربات حزيران أنّ العملية العسكرية المنسّقة يمكن أن تعطّل الانتشار النووي على المدى القصير.
لسنوات عدّة، حذّر الخبراء من أنّ أيّ مواجهة مع إيران تهدّد بإشعال حرب إقليمية، وزعزعة استقرار أسواق الطاقة العالمية، وجرّ القوّات الأميركية إلى صراع طويل الأمد. ومع ذلك، لم يتحقّق أيّ من هذه السيناريوهات. ويبدو أنّ توجيه ضربة إسرائيلية دقيقة، مدعومة بردع أميركي موثوق، هو الصيغة الصحيحة.
وفقاً ليادلين، أكّدت العمليّة ضدّ إيران أنّ أنظمة الولايات المتّحدة وإسرائيل تتفوّق على أنظمة إيران، وكثير منها من صنع روسيا. ووجّهت رسالةً عبر العالم مفادها أنّ التحالف الأميركي الإسرائيلي قائم وقويٌّ وقادر على تحقيق نتائج. وأكّدت أنّ الصين وروسيا لا تزالان لاعبتين ثانويّتين في الشرق الأوسط.
لكنّ النتيجة الأكثر أهمّية لهذه العمليّات ربّما لم تأتِ بعد: فتح نافذة تاريخية للتوصّل إلى تسوية سياسية شاملة من شأنها إعادة تشكيل الشرق الأوسط. ومن خلال التفاوض من موقع قوّة، على الولايات المتّحدة وإسرائيل اغتنام هذه الفرصة لإقامة نظام إقليمي مستقرّ وإنهاء طموحات إيران النووية وتعزيز تحالفهما لعقود مقبلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 24 دقائق
- صدى البلد
سكاي نيوز: طهران لن تفاوض واشنطن إذا أصرت على التخلي عن تخصيب اليورانيوم
أفادت "سكاي نيوز عربية" في خبر عاجل بأن طهران لن تفاوض واشنطن إذا أصرت على مسألة التخلي عن تخصيب اليورانيوم، وفقا وسائل إعلام إيرانية. و صرحت إيران في وقت سابق، اليوم الاثنين، بأنها "لا تملك موعدًا محددًا" لاجتماع مع الولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي، وذلك عقب حربها مع إسرائيل التي أعاقت المفاوضات. صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية، إسماعيل بقائي، عن خطط عقد اجتماع بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف: "حتى الآن لم يُحدد موعد أو وقت أو مكان محدد بشأن هذه المسألة".


المركزية
منذ ساعة واحدة
- المركزية
طهران: لن نفاوض واشنطن إذا أصرت على وقف تخصيب اليورانيوم
أكد علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية الاثنين، أن المفاوضات في شأن البرنامج النووي الإيراني "لن تتم" إذا أصرت الولايات المتحدة على مطالبتها بوقف تخصيب اليورانيوم. وقال مستشار علي خامنئي: "إذا كانت المفاوضات مشروطة بوقف التخصيب، فلن تحصل بالتأكيد"، وفق ما نقلت عنه وكالة "إرنا" الرسمية للأنباء. وكان ولايتي يتحدث في طهران خلال اجتماع مع وزير الداخلية الباكستاني محسن نقوي. جاء ذلك بعدما أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الاثنين أنّ بلاده "تؤيّد الدبلوماسية والمشاركة البنّاءة". وفي رسالة نُشرت على موقع الرئاسة، قال "نواصل الاعتقاد بأنّ نافذة الدبلوماسية لا تزال مفتوحة، وسنستمرّ في هذا المسار الدبلوماسي بجدية". وعقد وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي، والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، خمس جولات من المحادثات منذ نيسان/أبريل بوساطة عمانية، قبل أن تشن إسرائيل ضربات على إيراني في 13 حزيران/يونيو، أدت إلى اندلاع حرب استمرت 12 يوما وشاركت فيها الولايات المتحدة بقصف ثلاث منشآت نووية إيرانية. وكان من المفترض أن تعقد جولة جديدة من المفاوضات بين طهران وواشنطن في 15 حزيران/يونيو، لكنها ألغيت بسبب الحرب. وصرّح الناطق باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي: "كنا جادين في الدبلوماسية والمفاوضات، ودخلنا بنوايا حسنة، لكن كما شهد الجميع، قبل الجولة السادسة من المفاوضات، شنّ الكيان الصهيوني عدوانا عسكريا على إيران في إطار تقاسم المهام مع الولايات المتحدة ولن ندخل في عملية التفاوض إلا بعد أن نثق بجدوى الدبلوماسية وهذه العملية" من المحادثات. وتشتبه الدول الغربية وإسرائيل بأن طهران تسعى إلى امتلاك قنبلة ذرية، وهو ما تنفيه مؤكدة حقها في مواصلة برنامجها النووي لأغراض مدنية. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، فالجمهورية الإسلامية هي الدولة الوحيدة غير النووية في العالم التي تخصّب اليورانيوم بنسبة 60%. ويتخطى هذا المستوى السقف المحدّد بـ3,67% في الاتفاق الدولي المبرم سنة 2015 مع القوى الكبرى والذي انسحبت منه الولايات المتحدة بقرار أحادي سنة 2018، خلال ولاية ترامب الأولى. وتفيد الوكالة بأن صنع قنبلة ذرّية يتطلّب تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%. وأشار بقائي الاثنين إلى أن إيران "ما زالت على تواصل" مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي الدول الأوروبية الثلاث المنضوية في اتفاق العام 2015. ولكنه أضاف أنه "لا يستطيع تحديد موعد محدد" للاجتماع المقبل معها. وقال بقائي إن "اللجوء إلى مثل هذه الآلية يفتقر إلى البعد الأخلاقي والقانوني والسياسي بالنظر إلى تطورات الأسابيع الأخيرة"، موضحا أنه "من هذا المنطلق، فإن التهديد باستخدام آلية الزناد ليس سوى عمل سياسي، ويأتي في إطار المواجهة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وسيقابل برد متناسب ومناسب من إيران". أضاف: "ما زالت الجمهورية الإسلامية تعتبر نفسها عضوا في خطة العمل الشاملة المشتركة" وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي لعام 2015.


ليبانون 24
منذ 2 ساعات
- ليبانون 24
أسرار جديدة تُكشف عن سجن صيدنايا.. معلومات خطيرة!
كشف تحقيق استقصائي جديد لصحيفة " وول ستريت جورنال" تفاصيل صادمة عن عمليات الإعدام الجماعية والتعذيب الممنهج الذي مارسه نظام بشار الأسد في سوريا داخل سجن صيدنايا، الذي يُعرف بكونه أحد أكثر مرافق الاحتجاز رعبًا في العالم. وقال التحقيق إنَّ "عمليات الشنق أصبحت أمراً روتينياً داخل أكثر مصانع الموت رعباً في عهد بشار الأسد"، وأضاف: "مرة كل شهر، عند حلول منتصف الليل تقريباً، كان حرّاس سجن صيدنايا ينادون أسماء المحكوم عليهم بالإعدام، وهم بالعشرات دفعة واحدة، ثم يلفّون الحبال حول أعناقهم، ويسحبون الطاولات من تحت أقدامهم، فيصدر صوت احتكاك حاد يتردد صداه في أرجاء المبنى". وأضاف: "أما من في الزنازين المجاورة، فكانوا يسمعون صوت اختناق الضحايا وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، إلا أنه في منتصف آذار من عام 2023، تسارع الإيقاع بشكل دراماتيكي، بحسب شهادة ستة شهود". ووقعت مجزرة 2023 الجماعية، التي لم يُكشف عنها سابقًا، في الوقت الذي كان فيه رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد ، على وشك الخروج من عزلته الدولية. لكن الانهيار المفاجئ لنظام الأسد أواخر العام الماضي كشف مدى فداحة الخطأ في تقديرات المجتمع الدولي. ففي واحدة من أولى خطواتهم عند دخولهم دمشق فجر يوم 8 كانون الأول، اقتحم الثوار السجن، وأطلقوا النار على الأقفال، وحرروا من تبقى من السجناء، كاشفين النقاب عن أحد أسوأ نماذج القتل المنهجي الذي ترعاه الدولة منذ الحرب العالمية الثانية. وداخل السجن، الذي يتكوّن من مبنيَين من الخرسانة تحيط بهما الأسلاك الشائكة على أحد سفوح الجبال قرب دمشق، نفّذ نظام بشار الأسد عمليات تعذيب وقتل على نطاق هائل يُرجّح أنها أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص على مدى أكثر من عقد. وجرت عمليات القتل بأسلوب بيروقراطي نادر في التاريخ الحديث، إذ احتفظ جهاز الأمن التابع للأسد بسجلات دقيقة عن نقل المعتقلين إلى سجن صيدنايا ومرافق أخرى، فضلاً عن وثائق المحاكم وشهادات وفاة من تم إعدامهم. ويقول ستيفن راب، السفير الأميركي السابق لشؤون جرائم الحرب: "إنها أسوأ فظاعة في القرن الحادي والعشرين من حيث عدد القتلى وطريقة تورّط الحكومة بشكل مباشر"، وأضاف: "أرى صلة مباشرة بينها وبين ما فعله النازيون وروسيا السوفييتية من حيث التنظيم المنهجي للإرهاب الذي تمارسه الدولة". وقد ربط عدد من السجناء السابقين بين مجزرة آذار وتلك "الإصلاحات" التي أعلنها الأسد لاحقًا في العام نفسه، ضمن جهوده لكسب القبول الدولي، ففي وقت لاحق من عام 2023، ألغى الأسد المحكمة الميدانية العسكرية التي كانت ترسل العديد من المعتقلين إلى صيدنايا، وخفّف بعض أحكام الإعدام، ويعتقد معتقلون سابقون وخبراء في جرائم الحرب أن النظام ربما سعى إلى تنفيذ موجة قتل جماعية أخيرة قبل أن تؤدي تلك الإجراءات إلى إبطاء آلة الموت. وأكد التحقيق أن تمكُّن الناجين اليوم من التحدث علنًا، ونشر أسمائهم ووجوههم، يُظهر كيف غيّر سقوط النظام بنية المجتمع السوري، فقد شملت قائمة من زُجّوا في صيدنايا خلال الحرب منشقين عن الجيش، ومقاتلين معارضين، وناشطين سلميين، كما شمل المعتقلون الذين أجريت معهم مقابلات ضمن هذا التحقيق عالمًا نوويًّا ومهندسًا اعتُقل لمجرد أنه كان صديقًا على فيسبوك لشخص عبّر عن انتقاده للنظام. وتُظهر شهاداتهم حجم التعذيب والقتل الذي وقع داخل السجن، بعد سنوات من التقارير التي وثّقت هذه الانتهاكات، والتي صدرت عن محققين تابعين للأمم المتحدة، ومنظمات حقوقية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، ومؤسسات مجتمع مدني كمركز العدالة والمساءلة السوري وقوة الطوارئ السورية ورابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، بمعنى آخر، كان العالم يعرف عن صيدنايا، لكنه فشل في إيقاف الجرائم التي ارتُكبت بداخله. وبالإضافة إلى آلاف من عمليات الإعدام المنظمة، يقول معتقلون سابقون وخبراء في جرائم الحرب إن عدداً مماثلاً ربما قُتل في صيدنايا تحت التعذيب وظروف الاحتجاز القاسية، والتي شملت الضرب بالعصي والأنابيب المعدنية، إلى جانب الجوع والعطش والأمراض. وكان السجناء يُحتجزون في زنازين ضيقة معدنية الجدران، تعج بالقمل، ولا تحتوي إلا على فتحة صغيرة للتهوية، وكان يُمنع عليهم النظر في أعين الحراس، إذ قد يعرّضهم ذلك لضرب مبرح ينزفون إثره حتى الموت على أرض الزنزانة. ويقول علي أحمد الزوارة، وهو مزارع من ريف دمشق اعتُقل عام 2020 عن عمر 25 عاماً بسبب تهرّبه من الخدمة العسكرية: "كان صيدنايا كابوساً. كان مجزرة مستمرة. معظم من دخلوا لم يخرجوا أحياء". أما المئات الذين خرجوا أحرارًا في كانون الأول، فكانوا يشكلون أقلية ضئيلة مقارنة بعشرات الآلاف من السوريين الذين فُقدوا خلال الحرب. ووفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي جهة رقابية موثوقة، فقد اختفى قسريًّا نحو 160,123 سوريًّا على يد نظام الأسد طوال سنوات النزاع. وما زالت بعض العائلات تأمل في أن يكون أحبّاؤها على قيد الحياة، بينما بدأت عائلات أخرى تعيش نوعًا غريبًا من الحداد، تتقبل فيه فكرة موت أقاربها، من دون أن تعرف متى أو كيف ماتوا، فضلًا عن عدم قدرتها على دفنهم أو وداعهم الأخير. تقول دينا قش، زوجة عمّار درعا ، وهو موزّع جملة اختفى عام 2013 بعد اعتقاله عن عمر 46 عامًا: "رغم أننا نعلم أنه انتهى به المطاف في صيدنايا، فإننا لا نعرف ما الذي جرى له. لم نستلم جثمانه قط". وأكدت العائلة في كانون الأول أن درعا أُرسل إلى صيدنايا بعد العثور على وثائق تثبت ذلك في أحد مقارّ الاستخبارات عقب سقوط النظام، وتضيف: "علينا أن نقول: يرحمه الله، لكننا دائمًا نُتبعها بعبارة: سواء كان حياً أو ميتاً". (عربي21)