ملف النقل .. رؤية أم كابوس ثلاثي؟
لست خبيراً في النقل، ولا أملك أكثر من مركبة واحدة، لكنني راكبٌ دائم، أعيش يومياً تفاصيل واقع النقل في بلدي. أتابعه، وأعي تحدياته، وأتألم من اختلالاته. ولهذا، ما أكتبه ليس تنظيراً ولا ترفاً فكرياً، بل وجعٌ حقيقيٌ يوميّ، يتجاوز الإستراتيجيات والورش والتحديثات المعلنة، التي – رغم كثافتها – لم تُترجم بعد إلى نتائج ملموسة على الأرض.
على الأرض: كابوس مستمر، الواقع اليومي للنقل في الأردن كابوس نعيشه جميعاً، بدءا من دولة الرئيس إلى صديقي زيدون، الذي يقطع يومياً 6 كيلومترات فقط باتجاه مكتبه، لكنها تستغرق منه بين 30 إلى 40 دقيقة، رغم أنه يسلك ما يُفترض أنه أعلى الطرق كفاءة في الأردن، وهو «طريق المطار». فالمعاناة واحدة: تأخير في الوصول، غياب نقل عام متطور، سوء في تنظيم البنية التحتية، قصور في الرؤية التخطيطية، وغياب تكامل وتوزيع عمراني وشرياني يربط بين المناطق بكفاءة.
في السماء: ضرائب مرتفعة وتشغيل مكلف، ولست متشائماً، لكن حتى في الجوّ، نعاني كابوساً آخر: ضرائب مرتفعة على تذاكر السفر، تذبذب في توزيع مواعيد الوصول والمغادرة، وغياب الرحلات المتكررة والمنتظمة بين المطارات المحلية. واختيار المسافر لطيران أجنبي للرحلات الدولية، أما «المطار المدني» في ماركا، فلا يزال خارج الخدمة، رغم الوعود والذرائع التي قد تكون صائبة من وجهة نظرٍ ما، لكننا لا نعلم على وجه الدقة: لمن تصبُّ هذه «الصوابية»، ولمن تعود أضرارها؟!
في البحر: تاجرٌ وميناء… وكلفة مرهقة، ففيه أيضاً، كابوسٌ يعيشه كل تاجر ومستثمر، يُترجم إلى كُلف شحن مرتفعة، ومصاريف تخزين ومناولة مرهقة، وتأخر في الإجراءات عند الأحداث والأزمات، وارتفاع أجور التخليص والتأمين، فضلاً عن محدودية الأنشطة والواجهات البحرية، وعمق الغاطس أحياناً. ولذا، نخاف في القادم إن لم نهتم ألا تعد العقبة خياراً أولًا، فمتى تفعلت موانئ بديلة قريبة باتت كثير من المصالح تختار ما يناسبها بديلاً.
الخطاب الرسمي: تناقض بين التصريح والواقع، «براً وبحراً وجواً» يبدأ كل مسؤول– كما كنت يوماً– حديثه بتكرار أن الأردن يحتل موقعاً إستراتيجياً مهماً، ويملك ميزة تنافسية على خريطة العالم. لكننا، نحن المتحدثين، نعلم في قرارة أنفسنا أن ما يُعدّ «إستراتيجياً جغرافياً» هو ذاته «تحد بنيوي» في ملف النقل ويتجاوزه لملفات أخرى، لا ينفصل عن الوضع الجيوسياسي المضطرب في الإقليم، ولن يتوقف تأثيره.
نعم؛ فالنقل كابوس… حين يدار بالعقلية القديمة، فما زال ملف النقل يُدار بمنطق «أيام وبتعدّي»، أو بعقلية «مصالح وتلزيم»، أو صراع الصلاحيات وأيهما نؤسس «مجالس مفوضين» أو «مجالس إدارة»، النقل كابوس ما دام الطريق الصحراوي هو الطريق الوحيد بين عمان والعقبة، وما دام امتداد وادي عربة بلا رؤية شاملة، وما دام «الباص السريع» لا يزال مركبة بعجلات بدل أن يكون منظومة قطار فعّالة وما دام التفكير بتطوير وترقية أشخاص لا منظومة نقل. وما دام التنقل بين المحافظات يُمنح عبر عطاءات تلزيم لا عبر دراسة حقيقية للحاجة والخبرة الفنية للمشغل، وما دام ركوب الطائرة حلماً لكثير من الأردنيين، وما دام البحر يضيق علينا ولا يتسع، ونظام التتبع أهم من توفر وسيلة النقل أو جودة الحافلة نفسها، والحديث عن الذكاء الاصطناعي في النقل بينما تمتد الحفر على طول الطرق، والتنبه بالمعابر البرية بدأ حديثا، وسماسرة الخطوط ومنظومة النقل يرسمون ملامح المستقبل.
فهذا يعني أن النقل في الأردن ما زال كابوساً ثلاثي الأبعاد، نعيشه براً وبحراً وجواً، بينما ننتظر أن نصحو منه على «رؤية» لا تبقى شعاراً… بل تصبح طريقاً.
الغد
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 42 دقائق
- عمون
الأردن يعزي روسيا بضحايا تحطم طائرة ركاب
عمون - أعربت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين عن أصدق التعازي والمواساة لحكومة وشعب جمهورية روسيا الاتحادية بضحايا تحطّم طائرة ركّاب في منطقة تيندا بمقاطعة أمور في الشرق الأقصى الروسي، ما أدّى إلى مصرع جميع ركابها. وأكّد الناطق الرسمي باسم الوزارة السفير د.سفيان القضاة تعاطف المملكة وتضامنها الكامل مع حكومة وشعب جمهورية روسيا الاتحادية في هذا المصاب الأليم، مُعرِبًا عن أصدق مشاعر التعزية والمواساة لأُسَر الضحايا.

عمون
منذ 42 دقائق
- عمون
محكمة تقضي بعدم دستورية قرار لترامب يتعلق بمنح الجنسية الامريكية
عمون - قضت محكمة استئناف اتحادية أمس الأربعاء بأن الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالحد من منح الجنسية تلقائيا عند الولادة غير دستوري ومنعت تطبيقه على مستوى البلاد. وهذه هي المرة الأولى التي تقيم فيها محكمة استئناف مدى شرعية أمر ترامب منذ أن حدت المحكمة العليا الأميركية في يونيو (حزيران) من سلطة قضاة المحاكم الأدنى درجة في البت في هذا الأمر وغيره من السياسات الاتحادية على مستوى الولايات المتحدة

السوسنة
منذ 42 دقائق
- السوسنة
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تثمن موقف الملك من كسر الحصار على غزة
عمان - السوسنة ثمنت لجان خدمات المخيمات والهيئات الاستشارية ومؤسسات المجتمع المدني والفعاليات الشعبية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في المملكة، موقف جلالة الملك عبدالله الثاني، من كسر الحصار على قطاع غزة وإيصال المساعدات، محركا بذلك الضمير الإنساني العالمي لكي يلتفت إلى مسؤولياته بحماية المدنيين من أطفال ونساء في وقت تتفاقم فيه الكارثة الإنسانية بشكل غير مسبوق في قطاع غزة المنكوب.وأشادت اللجان في بيان اليوم الخميس، بالجهود السياسية والدبلوماسية الحثيثة التي بذلها الأردن بقيادة جلالة الملك، لإنجاح إيصال المساعدات إلى غزة، رغم كل الصعوبات والمخاطر التي يواجهها خلال عملية إرسال قوافل المساعدات من التأخير في عمليات التفتيش على المعابر من قبل قوات الاحتلال، والاعتداءات المتكررة من المستوطنين الإسرائيليين على الشاحنات.وأكدت الموقف الأردني الثابت تجاه قطاع غزة، ورفض التهجير، وأن الأولوية القصوى للأردن اليوم هي إيصال المساعدات الإنسانية، وإنقاذ المدنيين، ودعم صمود الأشقاء الفلسطينيين على أرضهم في وجه الكارثة الإنسانية المتفاقمة .