
الجنيه بين فكي كماشة: الحرب تلتهمه والفساد ينهشه
في مشهد يبدو وكأنه فصل جديد من رواية عبثية طويلة، سجّلت العملات الاجنبية قفزة قياسية مقابل الجنيه السوداني، وبالاخص الدولار الذي يسميه السماسرة (ابو صلعة)، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد حاجز الـ3 آلاف جنيه لأول مرة في التاريخ. أما الجنيه، فقد اهلكته الانيميا فأُصيب بهبوط حاد، وخرج من المنافسة الاقتصادية محمولًا على نقالة، في انتظار ما تبقى من أنفاسه اللاهثة.. نهاية الأسبوع الماضي، كان سعر الدولار عند 2800 جنيه، وترددت حينها همسات السوق يا ترى حيعدي التلاتة ألف؟، لكن الدولار لم يسمع الهمسات فقط، بل لبّى النداء وقفز فوق الحاجز، تاركاً الجنيه يتدحرج ويتردى إلى قاع سحيق لا تُعرف له نهاية بعد..
أما وزارة المالية، فقد قررت رفع الدولار الجمركي إلى 2400 جنيه، وكأن لسان حالها يقول إذا لم (نبل ونمتك ونجغم الناس مع هوجة البل والجغم والمتك السائدة الآن ونرفع أسعار الاستيراد فمتى يتسنى لنا ذلك؟!(، في خطوة تعني ببساطة زيادة أسعار كل شيء، من حليب وحفاضات الأطفال إلى قطع الغيار، مروراً بالدواء والغذاء ولم يبق شئ لن تتضاعف اسعاره إلا الهواء الذي إن وجد له جبريل طريقة لما توانى بنهجه هذا من تعبئته في عبوات مستوردة وطرحه للبيع. ومع هذا الانهيار المأساوي، دخلت السلطات على الخط ولكن ليس بالحلول الاقتصادية، بل بمنهجية شعار المرحلة (بل بس والمجد للبندقية) بتنظيم حملة اعتقالات واسعة شملت المتعاملين في سوق النقد الأجنبي، في خطوة يمكن وصفها بأنها محاولة لإطفاء حريق اقتصادي باستخدام قنابل صوتية. لكن المفارقة الكبرى جاءت من بوابة الكهرباء. فبينما انشغل المواطن بعدّ أوراقه النقدية عديمة القيمة قبل أن يشتري كوم طماطم، اذا به يتفاجأ باسعار لا قبل له بها في التعرفة، شملت الجميع، من المواطن العادي الذي لم يعد قادراً على تشغيل مروحة، إلى المدارس والمستشفيات والجامعات التي بالكاد تتنفس كهربائيا. والمفارقة الغريبة والعجيبة ان ذلك يحدث في ظل انقطاع شبه تام للكهرباء، فيما يشبه حكاية من يبيع الناس السمك وهو داخل الماء والطير وهو يحلّق في الهواء. وفي مشهد أقرب للكوميديا السوداء، تسربت أنباء عن نية وزير المالية، جبريل إبراهيم، زيادة مرتبات العاملين بنسبة 100%. وللوهلة الأولى ظن الناس أنها بشرى سارة. لكن خبراء الاقتصاد حذروا من ان هذه الزيادة ستُبتلع فوراً بواسطة التضخم المتوحش، ولن يجد المواطن منها سوى بقايا أرقام على ورقة الراتب. ما يحدث الآن هو انفجار اقتصادي مكتوم الصوت، لكنه عميق الأثر. فالدولة تتعامل مع السوق وكأنه خصم سياسي، والمواطن يدفع الثمن في صمت… أو بالأحرى في عتمة، بعد أن عجز عن مجاراة مارثون الاسعار. حيث ان إرتفاع الأسعار ضرب كل السلع وبات قاب قوسين أو أدنى من أن يرقى إلى مستوى (البلاء) المسمى الشرعي للزيادة المفرطة التي لا يطيقها الفقراء، وما البلاء إن لم يكن هو زيادة أسعار الغذاء التي تفضي إلى نقص الثمرات حسبما جاء في الآية الكريمة، وما البلاء إن لم يكن هو زيادة سعر الدواء الذي ينتج عنه بلاء المرض وعلى ذلك قس حجم البلاءات التي يكابدها من لا يستطيعون مجاراة الركض اليومي للأسعار وهم غالب أهل هذا البلد.. الدولار اليوم يطير بلا مظلة، والجنيه ينهار بلا وسادة، والحكومة تتحدث عن إصلاحات قادمة لا يُعرف متى ستصل. وفي المنتصف يقف المواطن السوداني، كعادته، ممسكاً بفاتورته، وبقايا كرامته. . وبين أزيز الرصاص وخرير الفساد، يقبع الجنيه السوداني في غرفة إنعاش الاقتصاد، يصارع سكرات انهيار مستمر، لا تنفع فيه المسكنات ولا تُجدي وعود حكومة الامل. فمنذ اندلاع الحرب العبثية التي عصفت بمفاصل الدولة السودانية، وتفشي الفساد بشكل سرطاني، بات الجنيه بلا غطاء ولا سند، كمن يُلقى به في البحر مكبل اليدين ويُطلب منه أن يسبح.. فالحرب التي دخلت عامها الثالث دون أفق للحل، لم تكتفِ بحصد الأرواح وتدمير المدن، بل أجهزت على آخر ما تبقى من الثقة في العملة الوطنية. فمع خروج معظم الموارد الحيوية عن السيطرة، وانهيار المؤسسات المالية، وغياب البنك المركزي عن القيام بدوره الفعلي، بات السوق الموازي هو المرجعية الوحيدة لسعر الصرف.. الدولار تجاوز حاجز 3000 جنيه سوداني في السوق السوداء، في وقتٍ ما تزال فيه الحكومة تتحدث عن تعويم تدريجي وإجراءات تقشفية، بينما يغرق المواطن في كومة فواتير وأسعار تتضاعف كل صباح.. أما الفساد، فليس مجرد حالة طارئة، بل صار نمط حكم. فالموارد تُنهب باسم الترتيبات الأمنية والصرف على الحرب، والإعفاءات الجمركية تُمنح بالمحسوبية، وتُدار ثروات البلاد خارج المنظومة الرسمية. لا توجد شفافية في الصرف، ولا حسابات منشورة، وكل ما يُقال عن الإصلاح الاقتصادي ليس إلا شعارات فضفاضة تثير السخرية أكثر مما تبعث على الطمأنينة. من يملك السلاح اليوم، يملك الدولار. ومن يملك النفوذ، يملك العقار والذهب والمركبات الفاخرة، في وقتٍ يتضور فيه المواطن جوعاً ويقف في طوابير التكايا إن وُجدت. فالسودان اليوم وبما يحدث فيه لا يعيش اقتصاد حرب، بل حرباً على الاقتصاد نفسه. فالمؤسسات غائبة، والرقابة مفقودة، والدولة منقسمة على نفسها، تتنازعها سلطتان عاجزتان، ولا تملك حكومة بورتسودان سوى رفع الأسعار وفرض الجبايات على من لا يملك شيئاً.. الجنيه السوداني اليوم لا يحتاج إلى خطط اقتصادية، بقدر ما يحتاج إلى وقف الحرب، واستئصال الفساد من جذوره، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن. فكل إصلاح اقتصادي في ظل الرصاص ما هو إلا حرث في البحر، وكل حديث عن استقرار مالي في ظل لصوص المال العام، محض هراء..

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التغيير
منذ 16 ساعات
- التغيير
زيادات رسمية على أسعار الخبز والغاز في ثلاث ولايات سودانية
مثّل ارتفاع هذه السلع عبئًا كبيرًا على الأسر، وتساءل الكثيرون عن جدوى تشكيل حكومة جديدة إذا كانت أولى قراراتها هي زيادة الأعباء المالية على كاهل المواطنين. الخرطوم: التغيير شهدت ثلاث ولايات سودانية قرارات صادرة من السلطات الرسمية بزيادة أسعار بعض السلع الأساسية، على رأسها الخبز وغاز الطهي. ففي الولاية الشمالية، أعلن المسؤولون عن زيادة في سعر أسطوانة غاز الطهي، ليصل إلى 71 ألف جنيهًا، بالإضافة إلى قرار ببيع خمسة أرغفة خبز بألف جنيه. أما في الجزيرة وسط السودان، ارتفع سعر أسطوانة الغاز (12.5 كجم) إلى 65000 جنيهًا، بعد أن كان السعر القديم خمسون ألفا، مما أثار موجة من السخط، خاصةً وأنها تأتي في وقت كان فيه الناس يتوقعون تحسنًا اقتصاديًا مع تشكيلالحكومة الجديدة. ولم تكن ولاية كسلا شرقي البلاد بمنأى عن هذه الزيادات، حيث وصل سعر الأسطوانة إلى 61,500 جنيهًا. تأتي هذه الزيادات في ظل ظروف اقتصادية صعبة بسبب الحرب والنزوح، ومع تزايد الآمال بتشكيل حكومة جديدة، مما أثار استياء الشارع السوداني الذي يرى أن هذه القرارات تزيد من معاناته اليومية. عبء جديد ومثل ارتفاع هذه السلع عبئًا كبيرًا على الأسر، يقول أحد الموظفين، وهو من الدرجة الرابعة ويتقاضى راتبًا قدره 116 ألف جنيه، إن راتبه لا يكفي لشراء أسطوانتي غاز، مشيرًا إلى أن من يعملون في الدرجة الثامنة، وهي درجة أقل، لا يستطيعون توفير أبسط متطلبات الحياة. وأضاف: هذه الزيادات تجعل من السلع الأساسية ترفًا لا يمكن للمواطن العادي تحمله، مما يهدد استقرار الأسر ويزيد من الضغوط المعيشية. لم يقتصر الأمر على الغاز، بل امتدت الزيادات لتشمل الخبز، السلعة الأساسية التي كانت سببًا في اندلاع شرارة الثورة السودانية. في الولاية الشمالية، صدر قرار بزيادة سعر الخبز، حيث تقرر بيع خمس رغيفات بمبلغ ألف جنيه. ويرى ناشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي أن هذه الزيادات المتزامنة في أسعار السلع الأساسية هي دليل على فشل السياسات الاقتصادية وعدم قدرة السلطات المحلية على توفير حلول مستدامة لأزمات المواطنين. وتساءل الكثيرون عن جدوى تشكيل حكومة جديدة إذا كانت أولى قراراتها هي زيادة الأعباء المالية على كاهل المواطنين. ضحايا مرتين وفي سياق متصل، أثار قرار وزارة المالية في الولاية الشمالية بفرض رسوم دخول على أطفال سوء التغذية في المستشفيات، غضبًا واسعًا. هؤلاء الأطفال، الذين يتلقون ألبانًا ومكملات علاجية مقدمة من المنظمات الإنسانية، ينتمي معظمهم إلى أسر فقيرة لا تستطيع تحمل هذه الرسوم. وتخوف كثيرون من أن يؤثر القرار اللاإنساني بشكل مباشر على صحة الأطفال، وقد يؤدي إلى تفاقم حالاتهم الصحية بسبب عدم قدرتهن على دفع الرسوم المطلوبة لمتابعة علاجهم. ورأى المواطنون أن القرار يعكس انفصالًا تامًا عن الواقع الإنساني الذي يعيشه الشعب السوداني، ويطرح تساؤلات جدية حول أولويات السلطات المحلية. يقول عبدالعزيز أحمد صالح لـ (التغيير): هذه الزيادات تأتي في وقت حرج وتُظهر أن التحديات الاقتصادية في السودان أعمق بكثير مما تبدو، وأن الحلول التي تُقدمها السلطات المحلية غالبًا ما تكون على حساب المواطن البسيط. واضاف: تظل آمال المواطنين معلقة على إيجاد حلول جذرية تضمن استقرارًا اقتصاديًا حقيقيًا، وتُخفف من أعباء الحياة اليومية التي تزداد يومًا بعد يوم.


التغيير
منذ 17 ساعات
- التغيير
الجيش السوداني يتراجع في كردفان والدعم السريع تقترب من معركة «فاصلة» في «الأبيض»
ربما تكون معركة أبو قعود الأخيرة (53 كلم غرب مدينة الأبيض) بداية لمعارك طويلة على تخوم مدينة الأبيض. بينما تحكم قوات الدعم السريع قبضتها على منطقة أم دبوس شرقي بارا، وتفرض مبلغ (5) آلاف جنيه على كل منزل كرسوم حماية. تقرير: التغيير تحول مفاجئ وسريع في مسار الحرب بكردفان بعد التراجع الكبير للجيش السوداني، الذي فقد السيطرة على عدد من المدن والمناطق في غضون ثلاثة أشهر، مثل النهود والخوي وأم صميمة، بجانب منطقة أم سيالة. خسائر مادية وبشرية كبيرة مُني بها الجيش والمليشيات المتحالفة معه، تُقدّر بالمئات، خاصة وسط قوات درع السودان في معركة أم سيالة، مما دفع الجيش للانسحاب إلى الأبيض. واقع مختلف ربما تكون معركة أبو قعود الأخيرة (53 كلم غرب مدينة الأبيض) بداية لمعارك طويلة على تخوم مدينة الأبيض. كما أحكمت قوات الدعم السريع قبضتها على منطقة أم دبوس شرقي بارا، وفرضت مبلغ (5) آلاف جنيه على كل منزل كرسوم حماية. وبحسب شهود تحدثوا لـ (التغيير)، شنت قوات الدعم السريع هجومًا استهدف عددًا من قرى شرق بارا، شملت: أم دبوس المرخا، وأم دبوس كرار، وأم دبوس الجعلين، وود الزاكي. ونفّذت خلاله عمليات نهب واسعة للممتلكات وترويعًا للسكان، ترافق مع اعتداءات جسدية وانتهاكات أوقعت عددًا من الجرحى، إضافة إلى مقتل أحد المواطنين أمام أفراد أسرته. كما هاجمت قوة من الدعم السريع قرية الكركر الواقعة شرق منطقة أم صميمة الغربية بولاية شمال كردفان، ما أسفر عن موجة نزوح واسعة للسكان باتجاه مدينة الأبيض. وبحسب مصادر محلية، اقتحمت المجموعة المهاجمة المتاجر والدكاكين في القرية ونفذت عمليات نهب منظم طالت ممتلكات الأهالي. وتشكل منطقة أم صميمة (68 كلم) غرب المدينة، والتي سيطرت عليها قوات الدعم السريع مؤخرًا، أهمية استراتيجية لكونها ملتقى طرق يربط كردفان ودارفور. هدوء حذر الوضع في الأبيض هادئ، فيما حذرت قيادة الفرقة الخامسة الهجانة المواطنين من الانسياق وراء شائعات الدعم السريع. وقال مصدر عسكري لـ (التغيير) إن لديهم معلومات عن اعتزام قوات الدعم السريع مهاجمة مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، بعد أن حشدت قواتها من بارا، والحمادي، والدبيبات، وكازقيل، وغربًا في النهود والخوي، وأم صميمة وأم كريدم. وتوقع المصدر أن تكون معركة الأبيض المتوقعة فاصلة وحاسمة، لافتًا إلى أنه، وبالرغم من تقدم الدعم السريع، إلا أن الجيش في الأبيض هذه المرة لديه ميزة الإمداد المفتوح من الاتجاه الجنوبي حتى جبل كردفان، مرورًا بالرهد وأم روابة وحتى تندلتي. لكن غرب وشمال الأبيض، والشمالي الشرقي للمدينة، يسيطر عليها الدعم السريع، الذي يسعى لقطع طريق أم روابة أو جبل كردفان، ولذلك توقع المصدر أن يكون الهجوم انتحاريًا من ثلاثة جهات. ولم يستبعد المصدر أن تستمر معارك الأبيض لفترة من الزمن، ربما تكون الفاشر (2)، وقد يحدث العكس بانكسار أحد الطرفين، قائلًا: ميزان القوى متكافئ نسبيًا، مع أفضلية للجيش إذا استخدم 'الكروت الرابحة' في المعركة. التوجه نحو الأبيض من جانبها، قالت قوات الدعم السريع إنها تواصل زحفها الحاسم نحو أهدافها الاستراتيجية، نحو مدينة الأبيض، محققةً انتصارات ميدانية كاسحة على جيش الحركة الإسلامية ومليشيات الارتزاق المسلح. وبحسب بيان صادر باسم الناطق الرسمي، أكد تمكنهم من تحرير عدد من المناطق في معارك، ولا يزال الزحف مستمرًا. وناشد البيان مواطني مدينة الأبيض التزام منازلهم وعدم مغادرتها لأي سبب من الأسباب، مؤكدًا أن قواتهم ستعمل على تأمين المدينة وتوفير الحماية الكاملة لسكانها، كما دعاهم إلى الابتعاد عن مقرات جيش الحركة الإسلامية ومليشياته، وعن أماكن تمركز حركات الارتزاق المسلح، حفاظًا على سلامتهم. وأكدت قوات الدعم السريع أنها تتقدم من عدة اتجاهات لتحرير الأبيض، وتتحلى بأقصى درجات الانضباط والمسؤولية، التزامًا بالقانون الدولي الإنساني، وعملاً بتوجيهات قيادتها المستديمة في حماية المدنيين وصون حقوقهم. وكانت قوات الدعم السريع تحاصر الفاشر في منطقة العيارة العيارة (15 كيلومترًا غرب الأبيض)، بل كانت داخل الأبيض، في حي الوحدة بمحطة (13) ومحطة (10)، وأيضًا في أبو حراز (32 كلم من الأبيض) وأم رماد، لمدة سنتين قبل أن يتمكن متحرك الصياد من فك حصار المدينة. تحشيد مضاد فيما كشف بيان صادر عن مجموعة من قبائل كردفان عن تكوين قوات 'حلف الكرامة (درع كردفان)'، حيث تم توقيع ميثاق يضم عددًا من القبائل تواثقت على الوقوف مع القوات المسلحة في حربها ضد الدعم السريع. وأكد البيان أن الحلف جاء بمبادرة وطنية من أبناء الكبابيش لتوحيد جميع قبائل كردفان للتصدي لانتهاكات قوات الدعم السريع بالمنطقة، وحث البيان المواطنين على الانضمام لمعسكرات حلف الكرامة بإدارية محلية الدبة وإدارية منطقة أم درابة لدحر التمرد. وأكد البيان أن تكوين القوات جاء أسوة بقوات درع السودان، وأوضح أن قوات درع كردفان تتحرك الآن فعليًا برفقة وتخطيط القوات المسلحة في عدة محاور، خاصة طريق الصادرات جبرة–بارا، وساعدت بالفعل في تحرير مناطق أم اندرابة، الشعطوط، ورهد النوبة، وعد السدر. حصار يقول العميد المتقاعد يحيى محمد مرسال: كل شيء جائز في الحرب، تقدم، تراجع، انسحاب تكتيكي، وغيره، ولكن الواقع على الأرض حاليًا يشير بوضوح إلى أن قوات الدعم السريع تعمل حاليًا على حصار الأبيض فعليًا، بالتقدم في عدة محاور، وأصبحت على بُعد (60) كيلومترًا. وطالب مرسال الجيش بتغيير التكتيك بعدم السماح للدعم السريع بالوصول إلى المدينة ثم الدفاع عنها، قائلًا: يجب أن تكون المعركة خارج المدينة، حيث يمتلك الجيش ميزة الأسلحة الثقيلة والمدافع الموجهة، بينما يعتمد الدعم السريع على الحركة السريعة، لافتًا إلى أهمية إيجاد حلول لمسيرات الدعم السريع الاستراتيجية. وأضاف: نعم، تراجع الجيش، لكنه ربما يجهز مفاجأة ميدانية لإيقاف الدعم السريع، لكنها قد تفشل، وبالتالي فإن المجازفة بالمدن الكبيرة أمر خطير جدًا. وأكد مرسال أن القوة التي يمتلكها الجيش، والمدد الكبير الذي وصل إلى الهجانة الأبيض، يكفي لصد أي هجوم على المدينة التي صمدت في أحلك الظروف في وجه هجمات الدعم السريع المتكررة طوال أكثر من عام. يقول مرسال: في اعتقادي الشخصي، إن معركة الأبيض ستكون كبيرة وفاصلة، لجهة أن الدعم السريع حشد (70%) من قواته، كما أن قيادة الجيش تعلم أن سقوط المدينة يعني التوجه نحو أم درمان مرة أخرى. أيضًا، هزيمة الدعم السريع في الأبيض تعني أن الطريق سيصبح سالكًا لتحرير كردفان والتوجه إلى دارفور، إذ هي معركة مفصلية في الحرب السودانية.


التغيير
منذ 3 أيام
- التغيير
السودانيون في مناطق سيطرة الجيش .. معاناة مزدوجة بين ارتفاع الأسعار وتردي الخدمات
بعد مرور عامين وثلاثة أشهر على الحرب المندلعة بين الجيش وقوات الدعم السريع، يتساءل الناس كيف يعيش السودانيون في ظل هذه الظروف. تقرير _ التغيير ما بين أكل أوراق الأشجار وعلف الحيوانات 'الأمباز' في مناطق الحرب في كردفان ودارفور، أصبح المواطن السوداني يعاني دون حلول. حتى الذين يعيشون في مناطق الوسط والشمال والشرق، بعيدًا عن القتال، أصبحت حياتهم معاناة مستمرة في ظل ارتفاع الأسعار، لدرجة أن مقدار يسير 'كَمْشَة' الفول في بعض المناطق وصلت إلى 1500 جنيه. معظم المشاريع الزراعية الكبيرة والمصانع توقفت؛ لا كهرباء ولا مياه. اعتماد على التكايا يقول الناشط عثمان صلاح من منطقة الصحافة بالخرطوم إن معظم المواطنين الموجودين يعتمدون في دخلهم على المعونات المالية والعينية من الخارج، بما في ذلك التكايا. ويضيف: 'معظم الموجودين شباب، وهنالك أسر بسيطة جاءت واستقرت بشكل نهائي'. و قال: 'توقعنا عودة أعداد كبيرة من المواطنين، لكن إلى الآن العدد ليس كبيرًا، رغم أن المياه عادت للمنازل بمعدل 4 ساعات يوميًا، وأحيانًا يومًا بعد يوم'. منطقة وسط وشمال وشرق الخرطوم الحياة فيها تسير بإيقاع بطيء، كما أن الوضع الأمني غير مستقر، وصوت الأعيرة النارية لا يتوقف ليلًا. وبحسب ما علمنا، فإن الصوت يأتي من الارتكازات. بيوت مسكونة بالجن الوضع في مناطق جنوب الخرطوم مختلف تمامًا، فقد عادت مظاهر الحياة فيها بصورة كبيرة. الأسواق تعمل، مثل سوق 6 مايو وسوق اللفة ودلالة الإنقاذ، والوضع شبه مستقر، ما عدا بعض الشكاوى من وجود أصوات موسيقى عالية وغناء ليلًا، حيث يقول المواطنون إن البيوت أصبحت مسكونة بالجن. ويقول صلاح: 'عمومًا، الوضع في أم درمان وبحري أفضل من الخرطوم، ولكن الملاحظ أن مجموعات كبيرة من المواطنين تحولت إلى تجار يبيعون سلعًا بسيطة (درداقات وفريشة)، بما يساعد في توفير دخل مالي ولو بسيط'. وضع سيئ ووصف عدد من المواطنين بقرى منطقة القطينة وما جاورها بولاية النيل الأبيض الوضع بالسيئ، خاصة فيما يتعلق بالخدمات الصحية، مشيرين إلى انتشار الوبائيات والحميات. وأكدوا أن الشيء الإيجابي الوحيد هو توقف السرقات والقتل بعد خروج قوات الدعم السريع من المنطقة التي تشهد ترديًا كبيرًا في الخدمات، وارتفاعًا في الأسعار، وانعدام الأدوية المنقذة للحياة. وأكد مصدر لـ'التغيير' أن المخاوف من الوضع الأمني المتردي، خاصة في أطراف أم درمان والخرطوم، دفعت العديد من التجار وأصحاب المحلات للإحجام عن إعادة فتح محالهم. كما أن القوى الشرائية ضعيفة في مناطق الخرطوم تحديدًا. ارتفاع الأسعار وفي جولة لـ'التغيير' على عدد من الأسواق بالعاصمة والولايات، كشفت عن ارتفاع كيلو السكر إلى 3500 جنيه بدلًا من 3000، مع اختلاف الأسعار في معظم الولايات بمتوسط 4000 جنيه للكيلو. بينما وصل سعر كيلو العدس إلى (4000 – 5000) جنيه، وكيلو اللحمة ما بين (18 – 20) ألف جنيه، ورطل الشاي بـ6000 جنيه، وبلغ متوسط سعر طلب الفول 2500 جنيه، و'كمشة' الفول في بعض الولايات 1500 جنيه. واستقر سعر جوال البصل في عاصمة ولاية الجزيرة ود مدني 'وسط السودان' عند 135 ألفًا، وعطبرة 120 ألفًا، حلفا 145 ألفًا، القضارف 140 ألفًا، الدمازين 130 ألفًا، وغرب كردفان 140 ألف جنيه. كما تُعتبر البطاطس الأغلى بين الخضروات بمتوسط 4000 جنيه. ووصل سعر جركانة زيت الفول في المتوسط إلى 125 ألف جنيه، على سبيل المثال، سعرها في ولاية النيل الأبيض 130 ألف جنيه، وفي كردفان 120 ألفًا، والقضارف 125 ألفًا، وفي الخرطوم 125 ألف جنيه. وتشهد المناطق المحاصرة في الفاشر وبابنوسة والدلنج وكادوقلي انعدامًا تامًا للسلع الأساسية، ووصل جوال الدخن إلى حوالي 6 ملايين جنيه سوداني إن وُجد. جهد شعبي أحمد حسان، الناشط المجتمعي وعضو تجمع المزارعين بولاية الجزيرة، أشار إلى أن الأوضاع في الولاية وولاية سنار أفضل من غيرها من ناحية الحركة التجارية وعودة المواطنين. وأوضح حسان أن المواطنين بدأوا مبكرًا في العودة الطوعية وشراء ألواح الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء في القرى والفرقان، وتوصيل محطات المياه والمراكز الصحية بالجهد الشعبي. كما أن التيار الكهربائي العام وصل إلى عدد من المناطق، لكن الكهرباء غير مستقرة والقطوعات تصل إلى 14 ساعة في اليوم. هواجس الهاجس الأكبر، بجانب مياه الشرب، هو ارتفاع الأسعار وانعدام الدواء والتردي في صحة البيئة. وأشار حسان إلى أن مشروع الجزيرة الزراعي يحتاج لوقفة الجميع، حيث فشل الموسم الصيفي بنسبة كبيرة، وربما يفشل الموسم الشتوي إذا لم تُنظف الترع والقنوات وتعود مياه الري من جديد. أولويات أكدت وزارة الصناعة الاتحادية على ضرورة عودة المصانع للعمل، وخاصة مصانع السكر والأدوية كأولوية. ويُقدر عدد المصانع في ولاية الخرطوم بـ400 مصنع، عاد منها حوالي 10 مصانع فقط، فيما تحمل السجلات التجارية 20 ألف شركة. فيما أكدت الغرفة الصناعية بمدينة ود مدني أن 60 مخبزًا عادت للعمل مؤخرًا، والعدد في ازدياد. فيما ناقش اجتماع مشترك بين الغرفة الصناعية بولاية الجزيرة وبنك النيل بمدني السبل الكفيلة لإعادة تشغيل وتمويل القطاع الصناعي بالولاية. تمويل للإنتاج من جانبه، كشف إيهاب إدريس هبيلا، رئيس شعبة الزيوت بالغرفة الصناعية بمحلية مدني الكبرى، في تصريح صحفي بحسب ' وكالة السودان للأنباء'، أن كافة البنوك بالولاية أبدت استعدادها لتمويل المصانع، لافتًا لعودة عدد من المصانع لدائرة الإنتاج قريبًا. ولا تزال مصانع السكر في سنار والجزيرة (الجنيد) متوقفة بسبب الدمار، ونقص قطع الغيار (الإسبيرات)، وقطوعات الكهرباء. فيما تراجع إنتاج مصنع سكر كنّانة إلى 25 ألف طن فقط بسبب الحرب، مقارنة بـ200 ألف طن سابقًا. اجتهادات أجاب الباحث الاقتصادي عبد الرحمن إبراهيم على سؤال 'التغيير' حول توقعاته للمدى الزمني لعودة الحياة بصورة طبيعية للمناطق التي يسيطر عليها الجيش وبدء حركة الصناعة والزراعة في الولايات الآمنة، قائلًا: 'لا يمكن تحديد سقف زمني محدد، فالاقتصاد منظومة متكاملة لا يمكن أن نتحدث عنها بصورة جزئية. لذلك، نسمع بمصطلحات على شاكلة اكتمال دائرة الإنتاج، وهذه الدائرة الآن مقطوعة في عدة اتجاهات'. 'وما يتم من عمل هو مجرد اجتهادات فقط، لكنها مطلوبة. مثلًا، عودة بعض المصانع للعمل بالعاصمة الخرطوم التي كانت تضم أكثر من 3 آلاف مصنع ما بين صغير ومتوسط، والآن عادت مصانع تُحسب بأصابع اليد وبخطوط إنتاج تعادل 20% عن السابق'. 'في ظل الوضع الحالي، من الصعب جدًا أن تعود الحركة قريبًا في ظل انعدام الكهرباء، باعتبارها المحرك الرئيسي للتنمية للزراعة والصناعة'. 'أيضًا ضعف وتوقف حركة النقل ما بين مناطق الإنتاج في غرب السودان (سيطرة الدعم السريع)، مثل الماشية، البترول، الحبوب، السمسم، الدخن، والصمغ العربي، إلى مناطق سيطرة الجيش (العاصمة والميناء)، يجعل من الصعوبة بمكان إكمال دائرة الإنتاج والصادر. هذا الوضع يجعل الحكومة مضطرة للاستيراد، وفي ظل انخفاض الجنيه ترتفع السلع، والمواطن هو الذي يدفع الثمن. يمكن أن تحدث وفرة في السلع، لكنها ستكون غالية'. 'وحتى إذا عادت الكهرباء، فإن خسائر الحرب والدمار كبيرة في المصانع والشركات'. ويقول: '80% من المصانع والشركات بالعاصمة الخرطوم والجزيرة وسنار وشمال كردفان توقفت، وبالتالي انعكس ذلك على الأسعار نتيجة لاستيراد السلع وتكلفة الترحيل'. كما أوضح عبد الرحمن أن معظم الموظفين في القطاع الخاص أصبحوا عاطلين، كما أن 60% من موظفي القطاع الحكومي يصرفون فقط المرتب الأساسي، وتحول الكثير من الموظفين إلى التجارة والزراعة لتغطية تكاليف المعيشة، كما هاجر الآلاف للخارج. ويعتمد معظم سكان البلاد على ذويهم المغتربين والخيريين بالدعم المباشر أو دعم التكايا. حلول سياسية واختتم عبد الرحمن حديثه قائلًا: 'الحل للمشكلة الحالية سياسي من الدرجة الأولى، بإيقاف الحرب (بأي طريقة)، ومن ثم الشروع في إعادة الحياة تدريجيًا للقطاعات المنتجة'.