logo
واشنطن غاضبة من «مسيَّرات» تهاجم مواقع حيوية في العراق

واشنطن غاضبة من «مسيَّرات» تهاجم مواقع حيوية في العراق

الشرق الأوسطمنذ 5 ساعات
في وقت أعربت فيه سفارة واشنطن في بغداد عن إدانتها وغضبها من هجمات الطائرات المسيَّرة على بنى تحتية ومواقع حيوية في معظم أرجاء البلاد، رحب رئيس الوزراء محمد السوداني بعمل الشركات الأميركية في العراق خصوصاً في قطاع النفط، بعد استقباله، الثلاثاء، نائب رئيس شركة «إتش كيه إن إينرجي» النفطية الأميركية ماثيو زايس، التي وقعت «اتفاق مبادئ» لاستثمار حقول النفط في حمرين شرق البلاد.
وترسم هذه الصورة المركبة بين إدانة الهجمات وتوقيع العقود النفطية حدود الاختلاف والاتفاق في العلاقة بين واشنطن وبغداد على قضايا عديدة، وضمنها تحركات الفصائل المسلحة والموقف من إعادة هيكلة «الحشد الشعبي» وعلاقة بغداد بطهران.
وجاء توقيع الاتفاق واللقاء مع الشركة الأميركية بالتزامن مع بيان غاضب أصدرته السفارة الأميركية في بغداد بشأن الاستهدافات التي طالت مواقع نفطية في إقليم كردستان، وقبلها مواقع عسكرية في بغداد والناصرية بطائرات مسيَّرة يُعتقد أنها من تدبير فصائل مسلحة موالية لإيران.
رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني خلال استقباله نائب رئيس شركة «إينرجي» النفطية الأميركية في بغداد 15 يوليو 2025 (إعلام حكومي)
وقالت السفارة في بيان: «تدين الولايات المتحدة الهجمات الأخيرة بالطائرات المُسيّرة في جميع أنحاء العراق، بما في ذلك هجمات 14 و15 يوليو (تموز) على البنى التحتية الحيوية في حقلي خورمالا وسرسنك النفطيين في إقليم كردستان العراق».
وأضاف البيان أنه «يجب على الحكومة العراقية أن تمارس سلطتها لمنع الجهات المسلحة من شن هذه الهجمات على مواقع داخل أراضيها، بما في ذلك المواقع التي استثمرت فيها شركات عراقية ودولية لدعم مستقبل العراق».
ورأت السفارة أن «هذه الهجمات غير مقبولة؛ حيث إنها تُقوّض سيادة العراق، وتضرّ بجهوده في جذب الاستثمارات الأجنبية. نُطالب الحكومة العراقية بالتحقيق في هذه الهجمات ومحاسبة من يقف خلفها».
تدين الولايات المتحدة الهجمات الأخيرة بالطائرات المُسيّرة في جميع أنحاء العراق، بما في ذلك هجمات 14 و 15 تموز/يوليو على البُنى التحتية الحيوية في حقلي خورمالا وسرسنك النفطيين في إقليم كوردستان العراق. يجب على الحكومة العراقية أن تمارس سلطتها لمنع الجهات المسلحة من شن هذه الهجمات... pic.twitter.com/ndEH8mEdQr
— U.S. Embassy Baghdad (@USEmbBaghdad) July 15, 2025
وفي بيان مماثل، أدانت القنصلية الأميركية في أربيل عاصمة إقليم كردستان الهجمات، ودعت «الحكومة العراقية إلى استخدام نفوذها لمنع الفصائل المسلحة حتى لا تعود قادرة على مهاجمة مواقع داخل أراضيها، ومن بينها المواقع التي تستثمر فيها الشركات العراقية والدولية في مستقبل العراق».
ورغم إدانة الجهات الرسمية وتأكيدات على التحقيق في الهجمات ومحاسبة المتورطين فيها، فإن بغداد تظهر بحسب مراقبين «عجزاً» في الوصول إلى الجماعات التي تقف وراء الهجمات التي استهدفت قبل أسابيع مواقع عسكرية في معسكر التاجي ببغداد، وفي مدينة الناصرية الجنوبية.
ويعزو مراقبون العجز إلى «عدم رغبة الحكومة في فتح معركة حاسمة مع الفصائل»، على حد قول مصدر مقرب من قوى «الإطار التنسيقي».
وأكد رئيس الوزراء في معرض رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول الهجمات التي شُنت على مواقع الرادارات في بغداد والناصرية أن التحقيق متواصل من قبل لجنة فنية مختصة، وأنه يتابع هذا التحقيق باستمرار.
وأضاف السوداني أن «هذا اعتداء واضح استُخدمت فيه طائرات مسيّرة. وتعلم أنه ليس من السهولة كشف هذه الطائرات. اليوم هي تقنية تُستخدم في الاعتداءات وفي إثارة الوضع الأمني، لكن بالتأكيد لن يمر هذا الأمر مرور الكرام».
وأضاف السوداني أن «التحقيق لا يزال جارياً، حتى إننا استعنَّا بالتحالف الدولي؛ لأن هذه قضايا فنية دقيقة جداً لتحديد منطقة الانطلاق والمسافة التي انطلقت منها. هذه كلها تفاصيل حتى تصل إلى تحديد المتورط في هذا الاعتداء».
وأدى هجوم بطائرة مسيّرة على حقل نفطي في إقليم كردستان العراق، الثلاثاء، إلى تعليق العمليات فيه، حسبما أعلنت السلطات المحلية والشركة الأميركية المشغّلة له. وقالت وزارة الموارد الطبيعية بإقليم كردستان في بيان، إن الهجوم استهدف «حقل سرسنك النفطي في قضاء شمانكي بمحافظة دهوك».
ودعا القيادي في حزب «الاتحاد الوطني» الكردستاني غياث السورجي، إلى «انتظار نتائج التحقيقات»، لكنه أشار إلى «أن الجهات المتورطة في الهجمات لا ترغب في استقرار المنطقة، وفي حالة معرفتها سنقوم بمقاضاتها في بغداد وفي المحافل الدولية».
ونفى سورجي صلة الهجمات بـ«حالة الوفاق القائمة اليوم بين الحزبين الرئيسيين، (الاتحاد) و(الديمقراطي) حول الموقف من بغداد، وصلة ذلك بالخلاف حول مرتبات موظفي الإقليم المتأخرة منذ نحو 3 أشهر».
لكن الباحث في الشؤون الإيرانية في جامعة الموصل، فراس إلياس، أكد أن «هناك طابعاً سياسياً تحمله هجمات الطائرات المسيَّرة على مواقع حيوية ونفطية في إقليم كردستان في ظل تصاعد الأزمة بين بغداد وأربيل حول كثير من القضايا وفي مقدمتها رواتب الموظفين في الإقليم.
ويميل إلياس إلى اعتقاد أن «الرسائل المسيرة» تتزامن مع «تلويح أربيل بإمكانية الانسحاب من العملية السياسية وهذا يعني تراكم المشكلات مع بغداد وتراجع إمكانية حلها، خصوصاً فيما يتعلق بملف النفط بشكل عام وقضية رواتب الموظفين في الإقليم».
وأضاف أنه «كلما حاولت أربيل زيادة ضغوطها باتجاه بغداد، تصاعدت مثل هذه الهجمات. يبدو أن هناك توجهات في بغداد تسعى لاحتواء أي تحركات سياسية من الإقليم من شأنها أن تصب في مصلحته، خصوصاً مع الدعم الأميركي المباشر لأربيل، ونحن نلاحظ الدور الفعال الذي يلعبه القائم بأعمال السفارة الأميركية ستيفن فاغن في هذا الاتجاه».
وأشار إلياس إلى أن «رد فعل القيادة الكردية خصوصاً في أربيل قد يحدد مستوى الهجمات المسيرة من عدمه، ومن الواضح أن الهجمات تقف خلفها فصائل مسلحة تستخدم الطائرات المسيرة المصنعة إيرانياً».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ميليشيات إثيوبية تهاجم ثلاث قرى حدودية"الدعم السريع" ترتكب مجازر في قرى سودانية
ميليشيات إثيوبية تهاجم ثلاث قرى حدودية"الدعم السريع" ترتكب مجازر في قرى سودانية

الرياض

timeمنذ 2 ساعات

  • الرياض

ميليشيات إثيوبية تهاجم ثلاث قرى حدودية"الدعم السريع" ترتكب مجازر في قرى سودانية

أعلنت مجموعة محامو الطوارئ الاثنين أن قوات الدعم السريع قتلت 48 مدنيا في هجوم على قرية في وسط السودان الذي يشهد حربا عنيفة. وقالت المجموعة التي توثق فظائع النزاع المستمر منذ عامين بين الجيش وقوات الدعم السريع، إن مدنيين قتلوا بشكل جماعي عندما اقتحم عناصر من الدعم السريع قرية أم قرفة في ولاية شمال كردفان، حيث قاموا أيضا بتدمير منازل ونهب ممتلكات. حدث الهجوم على بعد نحو 90 كيلومترا شمال مدينة بارا الخاضعة حاليا لسيطرة قوات الدعم السريع، حيث اندلعت مؤخرا اشتباكات عنيفة بين الأخيرة والجيش. وتقع قرية أم قرفة أيضا على طريق سريع رئيس إلى الخرطوم وتبعد عن العاصمة نحو 250 كيلومترا من اتجاه الجنوب الغربي. وقد استعاد الجيش الخرطوم في مارس، ما دفع قوات الدعم السريع إلى محاولة بسط سيطرتها على أجزاء أخرى من البلاد. وترد في قائمة أرسلها محامو الطوارئ إلى وكالة فرانس برس أسماء نساء وأطفال من بين قتلى الهجوم. وأشارت تقارير أيضا عن سقوط عشرات الضحايا المدنيين في قرى مجاورة. كما قال نشطاء سودانيون الاثنين إن قوات الدعم السريع شبه العسكرية قتلت ما يقرب من 300 شخص في هجمات بولاية شمال كردفان منذ يوم السبت الماضي. وتتواصل المعارك بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في تلك المنطقة، وهي إحدى الجبهات المحورية في الحرب الأهلية الدائرة منذ أبريل 2023. وبينما يحكم الجيش قبضته على المناطق الواقعة في وسط البلاد وشرقها، تسعى قوات الدعم السريع إلى تعزيز قبضتها على المناطق الغربية، ومنها شمال كردفان. وقالت جماعة «محامو الطوارئ» الحقوقية في بيان الاثنين إن قوات الدعم هاجمت يوم السبت عددا من القرى في محيط مدينة بارا التي تسيطر عليها القوات شبه العسكرية. وفي قرية شق النوم وحدها، قُتل أكثر من 200 شخص «معظمهم حرقا داخل منازلهم أو رميا بالرصاص». وجاء في البيان «أسفرت المجازر المتزامنة في القرى المجاورة عن مقتل ما لا يقل عن 38 مدنيا إلى جانب عشرات المختفين قسريا والمعتقلين الذين لا يزال مصيرهم مجهولا». وأضافت الجماعة أن قوات الدعم شنت هجوما الأحد على قرية حلة حامد، ما أدى إلى مقتل 46 شخصا بينهم نساء وأطفال. وذكرت الأمم المتحدة أن أكثر من 3400 شخص اضطروا للفرار من المنطقة. هذا وأعلن مزارعون ولجان المقاومة في ولاية القضارف السودانية الحدودية مع إثيوبيا الاثنين أن ميليشيات اثيوبية تعرف باسم الشفتة عبرت الحدود بين البلدين واعتدت على قرى بركة نورين وود عاروض وود كولي ونهبت مواشي وممتلكات السكان. ومثلث الفشقة الحدودي هو منطقة شاسعة من الأراضي الخصبة تبلغ مساحتها نحو 1,2 مليون هكتار، وموضع نزاع منذ عقود بين السودان وإثيوبيا، مع عودة التوتر بين حين وآخر. وقال أحد سكان قرية ود كولي على بعد 11 كلم من الحدود الإثيوبية، يبلغ 29 عاما ويعمل مزارعا، في اتصال مع وكالة فرانس برس «أمس عندما كنا في زراعتنا وصلت الشفتة الإثيوبية وأحاطت بالقرية وأطلقت النار ونهبت أبقارا وتراكتورات تحت تهديد السلاح». وقال أحد مواطني قرية ود عاروض الحدودية ويبلغ 32 عاما «كنا في زراعتنا وسمعنا إطلاق النار وعدنا سريعا خوفا على أسرنا وعندما وصلنا وجدنا أفراد الشفتة نهبوا أبقارا وأغناما من القرية ودخلوا إلى إثيوبيا». وبحسب لجنة المقاومة المحلية، فإن الهجمات استهدفت عدة قرى أخرى في ولاية القضارف. ولم ترد أنباء فورية عن سقوط ضحايا جراء الهجمات على ود كولي وود عاروض وبركة نورين.

«العمّال الكردستاني» إذ يستفزّ ثقافة المنطقة
«العمّال الكردستاني» إذ يستفزّ ثقافة المنطقة

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

«العمّال الكردستاني» إذ يستفزّ ثقافة المنطقة

حين يعلن «حزب العمّال الكردستانيّ» حلّ نفسه ويلقي سلاحه ويتخلّى عن الكفاح المسلّح، يكون يعلن أشياء كثيرة يشكّل مجموعها انعطافاً عن الثقافة السياسيّة السائدة في المنطقة. أمّا قول البعض، ممّن يخفّفون من أهميّة تحوّله، إنّ توازنات القوى الجديدة أملت عليه خياره، فشهادةٌ أخرى لصالحه. ذاك أنَّ براغماتيّة الأخذ بتوازنات القوى هي أيضاً من علامات ذاك الانعطاف ومن سمات الوعي العقلانيّ. والحال أنّها لم تكن محاولة «العمّال الكردستانيّ» الأولى في مغادرة الحرب، وإن كانت المحاولة الأكثر جدّيّة والأرفع حظّاً، وفي الآن عينه الأشدّ استفزازاً للسائد الثقافيّ. فتحت أنوفنا اليوم تقيم حالات لا تعبأ بتوازنات القوى، مؤثرةً المضيّ في خوض معارك انتهت عمليّاً، وفي «تقديم شهداء» كان بقاؤهم على قيد الحياة أجدى لهم ولنا. ذاك أنّ الحرب على الموت، كائنة ما كانت ظروفها، تبقى أنبل الحروب التي تبهت أمامها فولكلوريّات «المجاهد» و«المناضل» و«الشهيد» والحضّ على تقديم القرابين. وعلى اختلاف التجارب، عرف العالم العربيّ نماذج في التباين بين خطّين في التحرّر الوطنيّ، واحدٍ «معتدل» يقرّ بتوازن القوى ويقول بالتدرّج في بلوغ الأهداف، وآخر «متطرّف» ينفي ذلك. فسوريّو الثلاثينات مثلاً واجههم خطّا جميل مردم بك وعبد الرحمن الشهبندر، وتوانسة الخمسينات طُرح عليهم الاختيار بين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف، ومنذ السبعينات الفلسطينيّة حتّى اليوم يقف خطّ «فتح» في مقابل خطّ التنظيمات الراديكاليّة داخل منظّمة التحرير وخارجها. لكنّ مساجلات تلك النماذج وسواها بقيت محصورة بالأهداف السياسيّة المباشرة، لا تتعدّاها إلى مواقف ثقافيّة وفكريّة وحياتيّة أعرض. وغالباً ما كان «المعتدل» يساجل «المتطرّف» مُسلّماً بمقدّماته وباستخلاصاته «المتطرّفة»، و«متفهّماً» أسبابه، فيما هو يطالبه باعتماد نهج «معتدل». واليوم يختار «حزب العمّال الكردستانيّ»، وقد اصطدم بحائط مسدود، القنوات السياسيّة المتاحة لمشروعه، والرهان على توسيعها من خلال السياسة فحسب. وهو لم يشترط إقدام الطرف الآخر، أي الدولة التركيّة، على تقديم تنازلات كبرى مسبقة، معوّلاً على التغيير الذي تُحدثه العمليّة السياسيّة بذاتها. وقد لوحظ، في هذا السياق، أنّ البدايات شهدت تغيّراً إلى الأحسن في مواقف الزعيم القوميّ الشوفينيّ دولت بهشتلي، وأنّ «حزب المساواة وديمقراطيّة الشعوب» فرصة يمكن اقتناصها خدمةً لهذا المشروع. فسياسات حركات التحرّر القديمة، التي تعتدّ بالعنف وتقود إمّا إلى الموت أو إلى بناء دول مستبدّة في حالة الانتصار، شيء انتهى، لا في الشرق الأوسط فحسب، بل في العالم بأسره. والشجاعة في إعلان ذلك تُحسب لصاحبها الشجاع حين لا يردعه الألم والقسوة والمعاناة، فضلاً عن التحجّر والتثبّت في الماضي. وكما هو معروف جيّداً، فإنّ عدوّ «العمّال الكردستانيّ» لم يكن مقتصداً في البطش. وفي قائمة العناوين التي فقدت صلاحيّتها، فتجرّأ عليها «العمّال الكردستانيّ» من غير مواربة، يندرج إثقال السياسة بالآيديولوجيا النضاليّة، وفكرة الدولة المركزيّة ذات الهويّة والممارسة الأحاديّتين في مجتمع تعدّديّ، وإخضاع الرابطة الوطنيّة للروابط الإثنيّة أو الدينيّة العابرة للحدود، ومن ثمّ توهّم إنشاء دولة ماركسيّة – لينينيّة في كردستان التاريخيّة التي تمتدّ على أربع دول معاصرة. وأهمّ من ذلك كلّه وداع السلاح، ومن ورائه وداع القوّة كمذهب في السياسة وفي تحصيل الحقّ. هكذا تؤسِّس المراجعة، التي تنطلق من أنّ الماضي مضى، لـ «البدايات» – ذاك التعبير الأثير على «العمّال الكردستانيّ» وأدبيّاته الجديدة. فهزيمة الخطّ النضاليّ السابق لا تعود آخر المطاف ونهاية العالم حين يُتَعَامَل مع الخطّ المذكور بوصفه عبئاً على أصحابه، وبوصف هزيمته فرصة لـ «بداية» أساسها السياسة والتجارب. صحيح أنّ «العمّال الكردستانيّ» مارس من المثالب ما مارسته الميليشيات المسلّحة قاطبة، وتلقّى دعم المحور السوريّ – الإيرانيّ لسنوات مديدة، ما ألحقه طويلاً بمشروع مَيْلَشة المنطقة وضعضعة دولها ومجتمعاتها. مع هذا فقد اختلف مساره في أمر أساسيّ يُرجّح أنّه أكسبه تميّزه ومناعته الداخليّة. فهو لم ينتقل من ماركسيّته القديمة، المصاحبة له منذ تأسيسه في 1978، إلى شعبويّة دينيّة متزمّتة. فهو، على عكس سائر ميليشيات المنطقة، لم يقارب الإسلام السياسيّ في أيّ لون من ألوانه. وبهذا وذاك افتقرت ممانعته إلى العقيدة الممانِعة التي تدجّجه فبقيت أقرب إلى محض حاجة أمنيّة. فوق هذا، بقي تركيزه على دور المرأة أساسيّاً، وقد قرنه باهتمام ملحوظ بالشؤون المجتمعيّة التي تتعدّى الحيّز السياسويّ الضيّق. وهي توجّهات لا بدّ أنّها راكمت بصمت ما أسّس للتحوّل الأخير. ويبقى أنّ ما فعله «العمّال الكردستانيّ»، ولم تفعله ميليشيات المنطقة الأخرى، يجد أحد أبرز أصوله في الوعي الإمبراطوريّ، أو توهّم هذا الوعي. فالكرد لا يملكون ترف توهّم كهذا يساور أكثريّات عربيّة وتركيّة وفارسيّة، لأنّهم بالضبط ضحايا ذاك الوعي وضحايا توهّمه. لهذا قد يجوز الافتراض إنّ انتهاء حرب الحزب على الدولة التركيّة، ربّما مهّد لابتداء حربه على الثقافة السياسيّة في منطقة تدمّرها ثقافتها تلك.

عن العلمانية والنقاشات المحتدمة
عن العلمانية والنقاشات المحتدمة

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

عن العلمانية والنقاشات المحتدمة

مرّ زمنٌ طويل على اجتراح مفهوم العلمانية، ولكن لم يتمّ درسه وتطويره. فقد نُحت هذا المفهوم وطُبّق بعد العديد من الحروب الأهلية والدينية الأوروبية. لقد كانت العلمانية مفيدة لبعض الدول وفاشلة في دولٍ أخرى. ومع تصاعد الأحداث في الإقليم والتغيّرات الكبيرة طرح بعض المفكرين، ومنهم الأستاذ أدونيس، تحليلاتٍ عن العلمانية يعتبرها من شروط تأسيس الدولة. ومفهومٌ قول أدونيس هذا ضمن سياق التجربة الغربية، لكن ماذا عن تجربة الدولة العربية؟! أدونيس أعاد النقاش حول المعنى والتطبيق للعلمانية، نعم لقد بقي مفهوم العلمانية بكل التباسات تبيئته وترجمته إلى العربية مثار نقاشٍ طويل ليس على المستوى الآيديولوجي العقائدي المتعلق بضرورة ربط أي إجراء سياسي بـ«الحكم الإسلامي»، وإنَّما حتى بين التيارات الفكرية العربية المعاصرة، كان النقاش كبيراً بين عدد من المفكرين حول علاقات العلمانية بمفهوم الديمقراطية. في حوارٍ بين الأستاذين حسن حنفي ومحمد عابد الجابري طبع في كتاب «حوار المشرق والمغرب»: يرفض حنفي العلمانية لأننا «لا نحتاج إليها وهي واردة من الغرب». بينما الجابري يرفضها لأن «الإسلام ليس فيه كنيسة حتى ندعو لفصل الدين عن الدولة». بل طرح الجابري الديمقراطية كبديلٍ للعلمانية، وذلك من قبل بسلسلة مقالاتٍ أعاد إصدارها في كتابه «الدين والدولة وتطبيق الشريعة». وفي فصلٍ بعنوان: «بدلاً من العلمانية، الديمقراطية والعقلانية»، يكتب: «برأيي أنه من الواجب استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر القومي العربي، وتعويضه بشعاري الديمقراطية والعقلانية... فمسألة العلمانية في العالم العربي مسألة مزيفة، بمعنى أنَّها تعبر عن حاجاتٍ بمضامين غير متطابقة مع تلك الحاجات». ويحيل الجابري العلمانية بوصفها دعاية من «مسيحيي الشام» الخاضعين للهيمنة العثمانية، ويدلل بأنَّ العلمانية لم تطرح في بلدان المغرب ولا في بلدان الجزيرة، وبالتالي لا تحتاج الديمقراطية إلى الصيغة العلمانية. هذه الأسطر ستستفز طرابيشي. في الجزء الأول من كتابه «هرطقات - عن الديمقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية»، يعمد طرابيشي إلى نقد طرح الجابري العشوائي حول مفهوم «العلمانية»، وهو نقد طويل جداً، ولكن يمكن الوقوف على صلب النقد وعصب الاعتراض، يقول: «الحال أنَّ الجابري، عندما يعوزه المزيد من الأسلحة المنطقية لتدعيم مقولته عن عدم لزوم العلمانية، يستعين بمنطق الأصوليين، ولكنَّه لا يأخذ من استدلالهم سوى مقدمته الصغرى، أي تحديداً الضعيفة. هكذا يقول بالحرف الواحد: (أنا مقتنع تماماً بأنَّ الإسلام هو دين ودولة في آن واحد). إن ما يسكت عنه الجابري - علماً بأنه من المختصين الرواد في الساحة الفكرية العربية بعلم المسكوت عنه - هو أن صاحب هذه المقولة هو مؤسس حركة (الإخوان المسلمين) حسن البنا». الخلاصة أنَّ النقاش حول مفهوم العلمانية بين المفكرين يجب أن يكون مصحوباً بالنقد بغية التطوير والتجديد. إنَّ ما أسميها «الدول الحيوية التنموية الصاعدة» تطوّرت من دون هذا المفهوم، وهذا له نقاش يطول.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store