المدنية الحل الأخير للقضية الفلسطينية
لقد تجاوز الصراع حدوده الجغرافية وتحول إلى منظومة فكرية مغلقة يتغذى فيها الطرفان على نفي الآخر، وتستمد فيه الشرعية من الضحية لا من العدالة، ومن الألم لا من العقل.
الإسرائيلية الدينية في نسختها الحاكمة اليوم لا تقوم فقط على احتلال الأرض، بل على احتكار الحقيقة، وتجريد الفلسطيني من كل صفة قانونية وأخلاقية، عبر تحويله إلى طيف دائم التهديد، ومادة دائمة للاستثمار السياسي الداخلي.
وفي المقابل، لم ينجُ المشروع الوطني الفلسطيني من الانغلاق، فقد تم اختزاله في خطابات خلاصية، دينية أو شعبوية، غابت عنها فكرة الدولة بوصفها عقدًا اجتماعيًا، وحلّت مكانها بنى شبه عسكرية ترى في المجتمع مادة تعبئة، لا مادة بناء.
وبين الاسرائيلي الذي يقدّس التفوق القومي، والفلسطيني الذي يقدّس رمزية المقاومة دون مشروع مدني جامع، تلاشت الفكرة الجوهرية: أن الإنسان هو المركز، وأن الحقوق لا تُمنح على أساس الأصل أو التاريخ أو الدين، بل على أساس المواطنة المتساوية. لقد أثبتت العقود السبعة الماضية أن كل الحلول التي استندت إلى منطق الفصل أو القوة أو الهويات الصلبة لم تنتج سوى أنظمة موت.
حل الدولتين مات منذ سنوات طويلة، بعدما تحول إلى وهم تفاوضي مفرغ من كل محتوى حقيقي، ودولة واحدة إثنية يهودية ليست سوى نظام فصل عنصري مهما تغلفت بالشكل القانوني. والحل الوسط الوحيد المتبقي، والذي لا يزال مستبعدًا من دوائر التأثير، هو بناء دولة مدنية اتحادية تقوم على أساس المواطنة الكاملة المتساوية، لا تُعرِّف نفسها لا قوميًا ولا دينيًا، بل سياسيًا وحقوقيًا، وتعيد الاعتبار للحياد القانوني للدولة تجاه معتقدات وهويات أفرادها، دون تمييز إيجابي أو سلبي.
الدولة المدنية هنا لا تعني إزالة الهويات، بل تحريرها من سلطة الدولة، ومنحها مجالًا للتعبير الفردي والجماعي في إطار من الحماية القانونية لا الامتياز المؤسسي. والاتحادية ليست تقسيما أو تقسيمًا، بل طريقة لضمان التمثيل المتكافئ لمجتمعات متعددة داخل دولة واحدة، دون اختزالها في أغلبية عددية أو سطوة تاريخية.
إن إعادة تشكيل فلسطين التاريخية بوصفها دولة مدنية اتحادية ليست نزوة طوباوية، بل ضرورة وجودية في ظل الانسداد القاتل الذي تفرضه النماذج الحالية. هي المشروع الوحيد الذي يمكنه أن يحتوي اليهودي والعربي، المتدين والعلماني، اللاجئ والمستوطن، في فضاء واحد لا تذوب فيه الفروق، ولا تتسلط فيه الهويات.
المشروع المدني لا يحتاج إلى انتصار طرف على طرف، بل إلى هزيمة مشتركة للأنظمة القديمة، وإعادة تأسيس لكل المفاهيم: من الوطن إلى السيادة، ومن الحقوق إلى السلطة. الدولة المدنية الاتحادية لا تبدأ بمرسوم ولا تتأسس بانتخابات فقط، بل بولادة وعي جديد لدى الجانبين، يقتنع فيه الفلسطيني أن نضاله لا يكتمل إلا بتحرير اليهودي من أُسطورة التفوق، ويقتنع فيه اليهودي أن أمنه لا يتحقق إلا حين يكون الفلسطيني مساويًا له أمام القانون.
في هذا الأفق فقط يمكن الحديث عن عودة اللاجئين لا بوصفها تهديدًا ديموغرافيًا، بل كحق طبيعي في دولة لا تُعرّف نفسها إثنيًا. ويمكن عندها الحديث عن نزع السلاح بوصفه تحررًا من الهوس الأمني، لا خيانة. كل ما عدا ذلك هو إعادة إنتاج للمأساة نفسها بأقنعة مختلفة، وإطالة لأمد النزاع الذي لم يعد مجرد قضية فلسطينية، بل عار أخلاقي معولم.
المشروع المدني ليس بديلا عن الحقوق، بل هو تمكينها. وليس بديلا عن التاريخ، بل تخطيًا لعقده. وهو ليس تسوية وسطى، بل تأسيس لعدالة جديدة لا تستند إلى توازن القوى، بل إلى توازن القيم.
بهذا المعنى، لا يمكن أن تُحلّ القضية الفلسطينية دون تفكيك البنية الذهنية التي تحكم طرفي الصراع، ودون نزع القداسة عن الدولة، وعن الأرض، وعن السلاح، لصالح قداسة الإنسان، وكرامته، وحريته في أن يكون مواطنًا كامل الحقوق، لا حاملًا لعبء هوية قاتلة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ ساعة واحدة
- عمون
ملك لا ينكسر وراية لا تنكس
في زمن تتكاثر فيه السهام وتتشابك فيه الخطوب يحاول البعض عبثا أن يكسروا شوكة قائد لم ينحن وأن يطمسوا مواقف ملك ما تراجع يوما عن مسؤولياته ولم يتخاذل لحظة عن قول كلمة الحق في زمن التردد والانكسار. يريدون تحميل الملك ما لا طاقة لنا به ويتناسون أن هذا الوطن الصغير بحجمه الكبير بقائده يحمل على كاهله من الأعباء ما تعجز عنه دول غنية بثرواتها مترامية الأطراف بجغرافيتها ويتناسون شح الموارد وقلة الإمكانيات ويغفلون عن حقيقة جوهرية أن في الأردن ملكا هو صاحب الموقف وراعي المبادرات والمدافع الأول عن فلسطين وعن القدس وعن كرامة الأمة. إنه الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الملك العربي الهاشمي الأصيل الذي لم تلوثه الحسابات الضيقة ولا أغرته الصفقات ولا أرهبته التهديدات رجل في زمن عز فيه الرجال صوته مسموع في المحافل الدولية ومواقفه واضحة لا تحتاج إلى تأويل حين صمت الجميع تكلم وحين تردد الآخرون تقدم. ولنا في موقفه الأخير من غزة شاهد لا يغيب وقف وحده في وجه المجازر وقالها صريحة في وجه العالم لن يقف الأردن صامتا أمام الجرائم المرتكبة في غزة لن نقبل أن تكون كرامة الإنسان الفلسطيني سلعة تفاوض ولن نسمح بأن تفرغ القضية من محتواها الأخلاقي والإنساني وأمر بإرسال مستشفى ميداني عسكري كامل إلى قطاع غزة رغم الحصار وحرك طائرات سلاح الجو لنقل الجرحى والدواء وأشرف بنفسه على جهود الإغاثة لأن فلسطين ليست قضية سياسية لديه بل قضية شرف وهو ابن الحسين الذي روت دماءه ثرى القدس الطاهر. ألا يكفي الأردن فخرا أنه ظل صامدا رغم كل التحديات، ألا يكفيه شرفا أنه لم يبع مواقفه ولم يتخل عن قضاياه ولم يسمح أن تباع فلسطين في بازار الصفقات. إن الأردن بكل ما فيه هو صمام أمان لهذه الأمة وملكه هو نفس الأمة وضميرها الحي وقلبها النابض وإن من يهاجمون الأردن اليوم لا يعرفون قدره ولا يدركون حجم ما تحمل من أجلهم وأجل قضاياهم. فدعوا عنكم كسر شوكة هذا الملك فلن تكسر ما دامت إرادته من إرادة شعبه وعزيمته من تاريخ أجداده ورايته خفاقة بسواعد الأحرار. هذا هو الأردن وهذا هو ملكه مواقف لا تهادن وقيادة لا تشترى وكرامة لا تساوم.


رؤيا
منذ ساعة واحدة
- رؤيا
بعد حملات استهداف.. محللون سياسيون يؤكدون: الأردن قدّم لفلسطين ما لم يقدمه غيره ويجب على الأردنيين الالتفاف حول دولتهم
وزير أسبق: الأردن قدّم لأمته ما لم يقدمه أحد منذ نشوء الدولة ولن يثنينا أي هجوم عن الوقوف مع فلسطين وزير أسبق: يجب على الدولة مخاطبة الأردنيين بخطاب الدولة وعدم تركهم لخطاب الخارج محلل سياسي: الأردن موجود في غزة منذ 2007 وليس منذ 7 أكتوبر 2023 محلل سياسي: لا ينكر دور الأردن تجاه القضية الفلسطينية إلا جاحد أو متصيد شدد كل من الوزير الأسبق، مبارك أبو يامين، والمحلل السياسي ماهر أبو طير، خلال استضافتهما في برنامج نبض البلد، على ضرورة الدفاع عن الموقف الأردني الرسمي في مواجهة حملات الاستهداف السياسي، مؤكدَين أن الأردن يؤدي دورًا محوريًا في دعم فلسطين وغزة، رغم الظروف والتحديات. وأكد أبو يامين أن الأردن قدّم لأمته، منذ نشوء الدولة، ما لم يقدمه غيره، مشيرًا إلى أن المملكة كانت ملجأ لكل من لجأ إليها من الأشقاء العرب الذين واجهوا أزمات في العراق واليمن وسوريا وفلسطين. وأضاف: "كل ما يُقال عن الأردن لن يثنينا عن الوقوف إلى جانب فلسطين، التي لطالما كانت مصلحة أردنية عليا." وطالب أبو يامين بضرورة مخاطبة الأردنيين في الداخل بوضوح، مشددًا على أهمية استعادة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، خاصة في ظل الأزمة الراهنة، ودعا إلى شراكة بين الدولة والقطاع الخاص لإبراز دور الأردن التاريخي في دعم القضية الفلسطينية. من جانبه، أكد المحلل السياسي ماهر أبو طير أن ما يُطلب من الأردن تجاه غزة وفلسطين يختلف عن أي دولة عربية أو إسلامية بحكم الجغرافيا والوصاية الهاشمية على المقدسات. وقال: "من الظلم ربط دور الأردن بما جرى بعد 7 أكتوبر، فالأردن موجود ميدانيًا وسياسيًا في غزة منذ عام 2007، عبر مستشفياته الميدانية وجهوده الإغاثية." وانتقد أبو طير غياب دول عربية وإسلامية عن مشهد غزة، مقابل سعي الأردن، رغم أزماته الاقتصادية، لتقديم كل ما يستطيع. كما لفت إلى أن بعض الحملات التي تستهدف الأردن سياسية الطابع، وتحاول تحميله ما لا يحتمل، في ظل رفضه لمخططات مثل ترحيل أهالي الضفة الغربية إليه. ودعا أبو طير الحكومة إلى مخاطبة الشارع بأسلوب جديد، يقلل الفجوة مع المواطنين، وإلى عدم تعليق أزمات قطاعات حيوية مثل السياحة والاقتصاد على شماعة الإقليم وحده، مؤكدًا الحاجة إلى معادلة واقعية تُوازن بين الظروف الإقليمية واحتياجات الداخل.

عمون
منذ ساعة واحدة
- عمون
الفراية: ضرورة تطوير الأداء الإداري ومتابعة شكاوى المواطنين
عمون - أكد وزير الداخلية مازن الفراية ضرورة تطوير الأداء الإداري وتعزيز مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين من قبل مختلف الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة في اللواء، إضافة إلى تكثيف جولات لجان الصحة والسلامة العامة. وأشار الفراية خلال زيارته اليوم الاثنين متصرفية لواء بني كنانة في محافظة إربد، واجتماعه بمتصرف اللواء ومساعده وموظفي المتصرفية، إلى ضرورة قيام لجان الصحة والسلامة العامة بواجباتها الرقابية والتفتيشية على مختلف المنشآت والمواقع، للتحقق من توافر الشروط الصحية ومتطلبات السلامة العامة، بما يضمن المحافظة على صحة الإنسان وروحه. وشدد الفراية على أهمية متابعة شكاوى المواطنين ومتطلباتهم المختلفة، وإيجاد الحلول المناسبة لها، خاصة المتعلقة بالمياه والعمل مع الجهات المعنية على تأمين احتياجاتهم الأساسية منها. وفي سياق متصل، وجّه الفراية الحاكمية الإدارية إلى وضع الخطط اللازمة لتعزيز العمل التطوعي في اللواء، بالتشاركية مع المجلس التنفيذي ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات الشبابية، وبمختلف المجالات، خاصة المتعلقة بتنفيذ حملات النظافة في المواقع السياحية.