
التكنولوجيا ودورها في ساحة المعركة بين إيران وإسرائيل
إن عدوان الكيان الصهيوني المحتل وهجومه العلني على البنية التحتية الرئيسية والمناطق المدنية في جمهورية إيران الإسلامية في الأيام الأخيرة لم يُبرز مرة أخرى خطر اندلاع مواجهة إقليمية شاملة فحسب، بل أثار أيضا تساؤلات جوهرية حول كيفية تغير طبيعة الحروب في عصر التكنولوجيا.
إن طبيعة هذا العمل العسكري العدواني، الذي يعتمد على الاستخدام المتزامن ل للطائرات الهجومية المسيرة، الأسلحة الموجهة، الحرب السيبرانية وأنظمة الاستطلاع والاستهداف المتقدمة، تُمثل مثالا واضحا على التحول من الحروب التقليدية إلى الحروب الهجينة والتكنولوجية. وقد تناولت بعض وسائل الإعلام الغربية البارزة، بما في ذلك يورونيوز وريجستر، هذه القضية في تقاريرها.
ففي مثل هذه المعركة، يمكن أن تكون المزايا التكنولوجية حاسمة بقدر أهمية المعدات والقوى العاملة. ولا شك أن جمهورية إيران الإسلامية، كدولة ذات تاريخ دفاعي عريق وبنية عسكرية متعددة المستويات، تمتلك الآن القدرة الاستراتيجية ليس فقط على تعزيز فعالية أنظمتها الدفاعية وقدرتها على الردع باستخدام التقنيات الجديدة، بل أيضا على كشف مدى توافق هذه القدرة مع أنماط الحرب الجديدة، بما في ذلك حرب الطائرات المسيرة، الحرب السيبرانية، وحرب المعلومات.
يهدف هذا المقال الموجز إلى توفير أساس تحليلي لفهم طبيعة وعواقب واتجاهات المواجهة الأخيرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني المحتل للقدس؛ وهو صراع معقد قد يُمثل نقطة تحول في تاريخ الحروب التكنولوجية الإقليمية والعالمية.
وفقًا لمجموعة واسعة من الخبراء العسكريين الغربيين، لطالما لعبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية دورًا رادعًا في مواجهة التهديدات الإقليمية والعابرة للحدود، معتمدةً على قوتها البشرية الواسعة، وترسانتها الصاروخية المتنوعة، وأنظمة الدفاع الجوي المحلية، وخبراتها القيّمة في الحروب التقليدية وغير المتكافئة.
ويتفق معظم الخبراء العسكريين على أن البنية الدفاعية الإيرانية متعددة الطبقات والمرنة جاهزة للتعامل مع مجموعة واسعة من التهديدات، من الهجمات الإلكترونية إلى العمليات الجوية واسعة النطاق.
من ناحية أخرى، لا يمكن إنكار القوة العسكرية للعدو. والحقيقة هي أن الكيان الصهيوني قد بنى استراتيجيته العسكرية على التقنيات المتقدمة والتفوق المعلوماتي. وبفضل الدعم التقني والتسليحي من الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية، أصبح هذا الكيان من أكثر الجيوش تقدمًا في المنطقة. وقد رفعت أنظمة الدفاع الصاروخي مثل القبة الحديدية، مقلاع داوود وبيكان، طائرات الجيل الخامس "إف-35"، أنظمة الحرب الإلكترونية، والطائرات المسيرة المجهزة بالذكاء الاصطناعي، القدرة العملياتية لهذا الكيان إلى مستوى عالٍ.
ومع ذلك، تشير التقارير التي نشرتها العديد من وسائل الإعلام الغربية إلى أن إيران، التي تمتلك أحد أكبر أساطيل الصواريخ في منطقة غرب آسيا، بما في ذلك الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، صواريخ كروز، والصواريخ الأسرع من الصوت، قد أثبتت في عملية "الوعد الصادق 3" أنها قادرة على استهداف العمق الاستراتيجي لكيان الاحتلال الصهيوني وحلفائه في أي لحظة. وهذه القدرة الصاروخية، ومعظمها محلي الصنع وطُوّر في ظل العقوبات، مُصممة لاختراق أنظمة الدفاع بدقة اختراق عالية، ولتكون بمثابة رادع.
لا يقتصر التفوق العددي لإيران على مجال الصواريخ؛ ففي مجال القوات البرية، تستطيع إيران أيضًا تغطية الميدان بقوة كبيرة إذا امتدت المعركة إلى البر. هذا في حين أن إسرائيل، وإن كانت متقدمة نظريًا في جودة أسلحتها، تعتمد بشكل أكبر على الدعم الخارجي من حيث القدرات البشرية واللوجستية.
ونتيجة لذلك، فإن المواجهة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعدو الصهيوني، وليست معركة تكنولوجية أو كلاسيكية بحتة، تُمثل تقاطع نموذجين مختلفين من نماذج الردع العسكري.
وفقًا لتقرير نشره موقع يورونيوز الإخباري في 13 يونيو/حزيران، تزامنًا مع بداية الصراعات، تمكنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من اكتساب مكانة استراتيجية بين القوى الإقليمية، بل وحتى العالمية، في السنوات الأخيرة من خلال الاستثمار المُستهدف والمستمر في مجال تكنولوجيا الطائرات بدون طيار. ولا يقتصر هذا التقدم على تلبية الاحتياجات الدفاعية الناجمة عن ظروف العقوبات والتهديدات المستمرة، بل يعكس أيضًا تخطيطًا طويل الأمد لتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي في المجال العسكري.
يعتقد جيراردو فورتونا، كاتب هذا التقرير في يورونيوز، أن الطائرات الإيرانية المسيرة تغطي الآن نطاقًا واسعًا من القدرات، بدءًا من طائرات الاستطلاع بعيدة المدى وصولًا إلى الطائرات الانتحارية المسيرة مثل (شاهد-136) والطائرات القتالية المسيرة المتطورة مثل (كَمان وفطرس) القادرة على تنفيذ عمليات دقيقة ومحددة الهدف. وقد أثبتت هذه الطائرات المسيرة فعاليتها بالفعل.
كما تمكنت جمهورية إيران الإسلامية من استخدام تقنيات جديدة في مجال الحرب الإلكترونية من خلال الطائرات المسيرة، بما في ذلك تعطيل أنظمة اتصالات العدو واعتراضها.
بالإضافة إلى البعد العسكري، فإن لهذا التفوق في الطائرات المسيرة أيضًا عواقب جيوسياسية مهمة. فمن خلال إنشاء رادع متعدد المستويات، لا تمنع إيران أعداءها الإقليميين من اتخاذ إجراءات مباشرة فحسب، بل إنها أيضًا خلقت نوعًا من التوازن الاستراتيجي في نظام الأمن الإقليمي. وأجبر هذا الوضع العديد من الدول، سواءً في الخليج الفارسي أو في غرب آسيا، على مراعاة الطائرات المسيرة الإيرانية في حساباتها الأمنية.
هاجمت أكثر من 200 طائرة مقاتلة تابعة للكيان الصهيوني مواقع في إيران في الليلة الأولى لغزو الكيان للأراضي الإيرانية، إلا أن رد إيران السريع، بإطلاق عدد كبير من الطائرات المسيرة والصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، أظهر أنه على الرغم من بعض الأضرار، لا تزال البنية الدفاعية للبلاد وقدرتها على الاستجابة فاعلة، وكانت الرسالة الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية واضحة:
" نحافظ على قدرتنا على الرد، وقادرون على الرد المناسب والفعال إذا استمر العدوان".
تفوق معلوماتي أم ثغرة استراتيجية؟
استثمر الكيان الصهيوني بشكل مكثف في الذكاء الاصطناعي، التعلم الآلي، والتحليل التنبؤي لسلوك العدو، والذي إلى جانب شبكة من طائرات الاستطلاع المسيرة، يسعى عمليًا إلى بناء " عين أمنية" قادرة على تحديد الحركات وصدّها قبل أن تتحول إلى عمل.
لكن هذا الاعتماد الواسع على الأدوات التكنولوجية، وخاصة في المعارك ذات الخصائص غير المتكافئة والمعقدة، يمكن أن يصبح أيضًا نقطة ضعف خطيرة. حيث لا تُخاض حروب اليوم في ساحة المعركة المادية فحسب، بل تُخاض أيضًا بطريقة متعددة الطبقات، بما في ذلك نشر المعلومات المضللة، اختراق أنظمة البرمجيات، خداع الرادار، والهجمات النفسية. وفي مثل هذه الظروف، يمكن أن يؤدي التركيز المفرط على البيانات والخوارزميات، دون فهم الميدان الحقيقي والمرونة التشغيلية، إلى اتخاذ قرارات غير صحيحة ومكلفة.
في المقابل، قدمت إيران، بهيكل قتالي مشترك يتكون من قوات الجيش وحرس الثورة الإيرانية، وأنظمة الدفاع الجوي، ووحدات الحرب السيبرانية، وما إلى ذلك، نموذجًا للردع السريع وغير الخطي. وهذا الهيكل قادر على تصميم عمليات غير متوقعة ومتعددة الأغراض ومشتركة ضد عدم القدرة على التنبؤ بالعدو؛ عمليات يمكن أن توسع نطاق واتجاه الاستجابات من جنوب لبنان إلى بحر عمان، ومن الأراضي العراقية إلى أعماق فلسطين المحتلة.
وفي هذه المواجهة، ما سيكون حاسما ليس فقط حجم المعلومات أو قوة المعالجة، ولكن أيضًا الفهم الحقيقي للميدان، والقدرة على المناورة التكتيكية، والقدرة على الاستجابة بذكاء للتغيرات السريعة في ساحة المعركة؛ المزايا التي اكتسبها الهيكل الدفاعي للجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر عقود من الخبرة القتالية المشتركة والضغط المستمر.
إن المعركة بين مجاهدي جمهورية إيران الإسلامية الدؤوبين والمحتلين الصهاينة ليست مجرد معركة بين قوتين عسكريتين، بل هي ساحة مواجهة بين منطقين أمنيين وتكنولوجيين؛ وفي غضون ذلك، فإن ما سيكون حاسمًا ليس الأدوات التكنولوجية فحسب، بل عوامل مثل الإرادة السياسية، التماسك الداخلي، القدرة على الصمود الاجتماعي، والقدرة على تعبئة الموارد الوطنية للرد على التهديدات المعقدة ومتعددة الأبعاد. وقد أثبتت تجربة إيران في التغلب على العقوبات، ضغوط المعلومات، الاغتيالات، والحروب المشتركة أن هذا البلد لديه القدرة على تحويل التهديدات إلى فرص وتعزيز الاعتماد على الذات.
كما أنه في ساحة المعركة الحديثة، لا يعني الوجود الفعال، الهيمنة في لحظة الصراع فحسب، بل يشمل أيضًا القدرة على إعادة البناء، استعادة القوة، مواصلة الاستجابة، والحفاظ على الشرعية المحلية والإقليمية. ولقد وصلت جمهورية إيران الإسلامية، من خلال استثمارها المتواصل في أنظمة الدفاع المحلية، الصناعات العسكرية القائمة على المعرفة، وبنية قتالية هجينة، إلى مستوى ردع أجبر الخصوم المحتملين على إعادة النظر في استراتيجياتهم الهجومية.
وفي عالم أصبحت فيه التكنولوجيا عاملاً حاسماً في مصير المعارك، يتعين على الجمهورية الإسلامية الإيرانية تطوير قدراتها السيبرانية، أسلحة ذكية، أنظمة دفاعية متعددة الطبقات، وخاصةً الردع الذكي في مجال المعلومات والرأي العام، بالتزامن مع تعزيز قوتها العسكرية التقليدية. وهذا يتطلب تعزيز التواصل بين المؤسسات الأمنية والجامعات والصناعات المحلية المتقدمة.
في نهاية المطاف، إن ما يهم في ساحة المعركة اليوم وغداً ليس مجرد إطلاق النار، بل أيضاً القدرة على البقاء، مرونة الاستجابة، والتأثير الاستراتيجي على المديين المتوسط والطويل؛ وهي عناصر، إذا ما اقترنت ب الحوكمة التكنولوجية في مجال الدفاع والدبلوماسية الإقليمية، فإنها ستعزز مكانة الجمهورية الإسلامية الإيرانية كلاعب لا غنى عنه في معادلات المستقبل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة الصحافة المستقلة
منذ 5 أيام
- وكالة الصحافة المستقلة
مع بدء استهدافها بالصواريخ الامريكية. .اين تنتشر القواعد الامريكية في الشرق الأوسط؟
المستقلة/-تحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري واسع في الشرق الأوسط يشمل قواعد استراتيجية ضمن إشراف القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم). في أعقاب الضربة الأميركية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية، وجهت طهران تهديداً مباشراً إلى القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط. وتأتي هذه التهديدات في وقتٍ تحتفظ فيه الولايات المتحدة بآلاف الجنود المنتشرين ضمن قواعد عسكرية متعددة في الإقليم، تحت إشراف القيادة العسكرية الأميركية الوسطى (سنتكوم). وفيما يلي أبرز الدول التي تحتضن وجوداً عسكرياً أميركياً فاعلاً: البحرين تُعد البحرين مقراً للأسطول الخامس الأميركي، وتستضيف القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية. ويوفر ميناء البحرين العميق القدرة على استقبال حاملات الطائرات والسفن العسكرية الكبرى. وقد بدأت البحرية الأميركية استخدام هذه القاعدة منذ عام 1948 عندما كانت تحت إدارة البحرية الملكية البريطانية. وتستقبل البحرين حالياً عدة سفن أميركية، من بينها أربع كاسحات ألغام وسفينتا دعم لوجستي، بالإضافة إلى زوارق تابعة لخفر السواحل الأميركي. العراق تنتشر القوات الأميركية في مواقع متعددة داخل العراق، أبرزها قاعدة عين الأسد في الغرب وأربيل في الشمال. ويبلغ عدد القوات الأميركية في العراق نحو 2500 جندي، ضمن إطار التحالف الدولي ضد تنظيم 'داعش'. وقد تعرضت هذه القوات لهجمات متكررة من فصائل موالية لطهران منذ اندلاع الحرب في غزة عام 2023، قبل أن تنخفض وتيرتها بشكل ملحوظ بعد سلسلة ضربات أميركية مضادة. الكويت تُعد الكويت واحدة من أهم الدول المستضيفة للقواعد الأميركية، وتشمل معسكر عريفجان الذي يضم مركز قيادة تابع لسنتكوم. كما تحتفظ الولايات المتحدة بمخازن ضخمة للمعدات العسكرية في البلاد. وتحتضن قاعدة علي السالم الجوية قوة المشاة الجوية 386، التي تُعد 'بوابة نقل القوة القتالية' في المنطقة، فضلاً عن نشر طائرات مسيّرة من طراز 'MQ-9 ريبر'. قطر تضم قاعدة العديد الجوية، وهي الأكبر في الشرق الأوسط، مركز قيادة القوات الجوية الأميركية والعمليات الخاصة التابعة لسنتكوم. وتتمركز في القاعدة طائرات مقاتلة، بالإضافة إلى قوة المشاة الجوية 379، التي تُعنى بمهام النقل والتزود بالوقود جواً، وجمع المعلومات الاستخبارية، والإخلاء الطبي. سوريا تنتشر القوات الأميركية في عدة قواعد شمال وشرق سوريا منذ سنوات، في إطار الحرب على تنظيم 'داعش'. وعلى الرغم من هشاشة الوضع الأمني في البلاد، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية في نيسان/أبريل الماضي نيتها تقليص عدد قواتها إلى أقل من ألف جندي. الإمارات تستضيف قاعدة الظفرة الجوية قوة المشاة الجوية 380، والتي تتألف من عشرة أسراب طائرات، بما في ذلك طائرات مسيّرة من طراز 'MQ-9 ريبر'. كما تضم القاعدة مركزاً تدريبياً متخصصاً في الدفاع الجوي والصاروخي. في الخلاصة، يشكّل الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط شبكة استراتيجية معقدة تعزز من نفوذ واشنطن في المنطقة، وتتيح لها الاستجابة السريعة للتحديات الأمنية. إلا أن التصعيد الأخير مع إيران يُعيد وضع هذه المواقع في مرمى صواريخ طهران. المصدر: يورونيوز


ساحة التحرير
منذ 6 أيام
- ساحة التحرير
المضيقان يضيقان هرمز والمندب .. ومجال الرؤية لا يتسع إلا لغزّة!كامل المعمري
المضيقان يضيقان هرمز والمندب .. ومجال الرؤية لا يتسع إلا لغزّة! كامل المعمري * الشرق الأوسط يترنح عند حافة الهاوية، في لحظة تاريخية تُشبه العد التنازلي نحو حرب إقليمية قد تُعيد رسم خريطة الأمن والاقتصاد العالمي. مع استمرار مجازر الابادة والتجويع لسكان غزة وتصاعد المواجهة المباشرة بين طهران والكيان المحتل تندفع المنطقة، حرفيا نحو نقطة اللاعودة خصوصا بعد تلويح واشنطن، الحليف الأقوى لتل أبيب، بسيف التدخل المباشر، ضد ايران طهران تعد بردٍّ ساحق 'لا يُمكن تخيل عواقبه'، محوّلة التهديدات الأمريكية إلى شرارة قد تشعل حريقاً لا يُطفأ. لكن السؤال الكبير، ماذا لو تجاوزت واشنطن خط التهديدات إلى حيز الفعل العسكري المباشر؟ يرى مراقبون بأن تدخل واشنطن الى جانب العدو الصهيوني في توجيه ضربات على ايران سيواجه برد عسكري على مختلف المستويات فإلى جانب ضرب القواعد العسكرية الامريكية في المنطقة سيلجأ محور المقاومة الى خطوات أكثر ايلاما الممرات المائية ستكون ساحة اضافية وأكثر حسماً للردّ الاستراتيجي ستتجه ايران فورا الى اغلاق مضيق هرمز شريان النفط الأكثر حيوية لكن طهران لن تكتفي بهذا الحدّ، بل ستُمدّد قبضتها النارية شرقاً عبر المحيط الهندي، مستهدفةً نقاط الارتكاز الحيوية للقوات الأمريكية، وعلى رأسها القاعدة العسكرية العملاقة في جزيرة دييغو غارسيا قلب المحيط الهندي الاستراتيجي، عبر منظومات صواريخ باليستية وكروز بعيدة المدى، وأسراب من الزوارق المسلحة والغواصات، في محاولة لحرمان واشنطن من قاعدة انطلاق حاسمة وكذلك فرض حظر بحري إغلاق هرمز، بالرغم من جسامته، لن يكون نهاية المطاف في سيناريو الردّ الإيراني المتعدد المستويات. فمن أعماق الخليج العربي وصولاً إلى المياه الدولية الزرقاء في المحيط الهندي، ستُحاول القوات الإيرانية وحلفاؤها فرض سيطرةٍ مُعقدة على محورٍ بحريٍّ شاسع، مستخدمةً مزيجاً فتاكاً من الألغام البحرية المتطورة، الهجمات بالزوارق السريعة المفاجئة، وصواريخ كروز المضادة للسفن المنطلقة من البر والجو. سيدخل الجيش اليمني بقدراته العسكرية المتنامية باعتباره جبهة اسناد لغزة حلبة الصراع بقوة ليطبق على شريان الحياة الثاني للطاقة والتجارة العالمية باب المندب وهكذا، يُصبح العالم أمام كابوس جيوسياسي بامتياز قطع الرئتين الاستراتيجيتين اللتين يتنفس من خلالهما الاقتصاد العالمي – مضيق هرمز وباب المندب. عبر هذين المضيقين الضيقين والحيويين، يمر يومياً تدفقٌ هائل من النفط الخام يُقارب 27 مليون برميل وهو ما يعادل 35% من إجمالي تجارة النفط المنقولة بحراً على مستوى الكوكب. ولا تقل أهمية حركة الغاز الطبيعي المسال (LNG)، حيث يُنقل عبرهما ما يقرب من 5 ملايين طن شهرياً من هذا المصدر الحيوي للطاقة، خاصة إلى أسواق أوروبا وآسيا المشهد يكتمل بمرور اكثر من 7000 آلف سفينة عملاقة شهرياً، حاملةً ليس فقط الطاقة، بل أيضاً حاويات البضائع الاستهلاكية، المواد الخام الصناعية، والسلع الغذائية الأساسية التي تربط مصانع آسيا بأسواق أوروبا وأمريكا. هذه السفن هي شرايين العولمة نفسها. عواقب إغلاق هرمز وباب المندب، حتى لو كان جزئياً أو متقطعاً، ستكون بمثابة صدمة عنيفة وكارثية للنظام الاقتصادي العالمي الهشّ أصلاً. سوق النفط سيشهد زلزالاً غير مسبوق، مع توقعات من كبار المحللين بأن يتجاوز سعر البرميل حاجز 400 دولار في ظل شحّ مفاجئ وذعرٍ في الأسواق. أزمة الغاز ستكون أشدّ قسوة، خاصة على أوروبا التي لا تزال تتعافى من صدمة تقليص الإمدادات الروسية، متسببة في شحّ حاد قد يُعيد مشاهد الشتاء القارس وارتفاع الفواتير إلى الواجهة. سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، التي لم تتعافَ كلياً من جائحة كورونا والاضطرابات اللاحقة، ستنهار تحت الضغط متسببة في اختناق الموانئ الكبرى من شنغهاي إلى روتردام، ونقصٍ حاد في السلع من الإلكترونيات إلى الأدوية. الاقتصاد العالمي سيدخل في عاصفة كاملة لم يشهد لها مثيلاً منذ أزمات النفط في السبعينيات أو الكساد الكبير، مع توقعات بارتفاع معدل التضخم العالمي بنسبة صادمة قد تصل إلى 50%قاضيةً على مكاسب سنوات من النمو ومدفوعةً بارتفاع جنوني في كلفة الطاقة والنقل. 75% من صادرات نفط دول الخليج العرب، العمود الفقري لاقتصاداتها وللإمدادات العالمية، سيكون معلقاً في الميزان، مهدداً بتعطيل عشرات الصناعات الثقيلة والتحويلية حول العالم التي تعتمد على هذه التدفقات النفطية المستمرة. هذا السيناريو الكابوسي لن يبقى حبيس أروقة البورصات ومراكز التحليل فآثاره ستضرب حياة الملايين المباشرة. احتجاجات الغضب والجوع ستشتعل في أكثر من 60 دولة حول العالم، من الدول النامية الأكثر فقراً والتي ستواجه أزمات وقود خانقة توقف وسائل النقل وتعمّق العزلة والفقر، إلى الدول الصناعية حيث سيتحول الغضب الشعبي من ارتفاع تكاليف المعيشة والطاقة إلى تهديد حقيقي للاستقرار الاجتماعي والسياسي الداخلي. الدول الفقيرة المستوردة للطاقة والغذاء ستكون الأكثر عرضة لخطر الاضطرابات المدنية والانهيارات الجزئية. أزمة الطاقة ستجرّ وراءها أزمات غذاء عالمية، حيث ترتفع تكاليف الإنتاج الزراعي والنقل، وتتقلص الإمدادات. وبينما تتسارع التطورات في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، تتجه المنطقة بخطى متسارعة نحو مواجهة شاملة قد تتجاوز حدود الجغرافيا إلى قلب الاقتصاد العالمي ونظامه السياسي. من مضيق هرمز إلى باب المندب، الى مياه المحيط الهندي، تتراكم المؤشرات على تحولٍ كبير قد لا يكون بالإمكان احتواؤه. في طهران، لهجة التهديد لم تعد محض تصريحات ، وانما استراتيجية قائمة على تغيير قواعد الاشتباك. وفي واشنطن، تتأرجح المواقف بين الردع والتدخل، وسط مخاوف من الرد الإيراني واتساع رقعة النزاع بما يهدد أمن الممرات البحرية الدولية ويضع الاقتصاد العالمي أمام اختبارات غير مسبوقة. أما في غزة، فالمشهد مختلف تماما… مدينة محاصرة، شبه مدمرة، لازالت تقدم قوافل الشهداء منذ عامين وهي ترزح تحت الحصار والتجويع ومجازر الابادة غزة المدينة الصغيرة التي اشعلت الطوفان ها هي قاب قوسين او ادنى من ان تتحول – ربما دون أن يدرك كثيرون – إلى مركزٍ لنقطة تحوّل تاريخية… وفي هذا السياق، تستحضر الذاكرة تصريحا لافتا لزعيم حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، قبل طوفان الأقصى قال فيه: سنقوم بمعركة كبرى ضد الكيان ستكون تداعياتها كبيرة وستغيّر شكل الكرة الأرضية. وفيما كان يُنظر إلى تلك الكلمات في وقتها على أنها تعبيرٌ عن موقف سياسي حاد، فإن المشهد الحالي يمنحها بعدا جديدا، وربما واقعيا خصوصا مع تنامي احتمالات الحرب الشاملة، وتشكل معادلات إقليمية جديدة قد تعيد رسم خرائط النفوذ والتحالفات في الشرق الأوسط وما بعده. 2025-06-22 The post المضيقان يضيقان هرمز والمندب .. ومجال الرؤية لا يتسع إلا لغزّة!كامل المعمري first appeared on ساحة التحرير.


موقع كتابات
منذ 6 أيام
- موقع كتابات
الخطة الاميركية بدأت فهل تنجح؟- الجزء الرابع
التطورات تتسارع في الحرب الايرانية الاسرائيلية والتي تشرف على ادارتها اميركا التي حاولت ان تكون بعيدة عن الصورة ولكنها لم تنجح في ذلك والسؤال الذي يشغل العالم كله هل ستتدخل اميركا ام لا..؟؟؟؟ نعم اميركا ستتدخل وتضرب ايران لان الخطة التي خطط لها المخططين الاميركان والاسرائيليين تقتضي ذلك واميركا كانت تستعجل التدخل عندما غرد ترامب بان على سكان طهران مغادرة المدينة وعندما ترك قمة الدول الصناعية السبع وعاد الى واشنطن ولكن ترامب اتته نصيحة عظيمة من الشخص الذي يؤثر عليه كثيرا وهو ستيف بانون الذي نصح ترامب بتمديد المدة اللازمة للدخول في الحرب مستحضرا فكرة عاصفة الصحراء عام 1991..فماذا حصل في عاصفة الصحراء؟؟؟ عندما هاجمت اميركا وحلفائها الجيش العراقي في الكويت لم تستعمل القوة البرية ولكنها استخدمت القوة الجوية وصواريخ كروز في وقتها وبلغ عدد الغارات الجوية على العراق والكويت خلال 42 يوما 54 الف غارة جوية جعلت العراق بلا جسور ولامنشأت ولاكهرباء ولامياه ولاطرق صالحة واصيبت الحياة بالشلل التام وعندما قامت اميركا بالهجوم البري لم تجد من يقاومها لان النظام كان شبه منهار بسبب انقطاع الاتصالات وحصلت مشاكل كثيرة ودخلت قوات بدر الى العراق وسيطرت على المحافظات ولولا المكالمة الهاتفية الشهيرة بين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله وبوش الاب وبانصات ديك تشيني وقتها لما وافقت اميركا على ابقاء النظام السياسي وقتها لان السعودية كانت خائفة من سيطرة الشيعة المتطرفين والتابعين لايران على نظام الحكم في العراق ووقتها تنازلت اميركا للعراق وسمحت له باستخدام الطائرات وتحريك قطعات عسكرية بين المحافظات وتم قمع الثائرين والمنظمات التي اتت من ايران. ترامب استمع لنصيحة ستيف بانون وامهل ايران والجهود الدبلوماسية اسبوعين لكي يظهر امام العالم انه اعطى فرصا كثيرة لايران وهناك فرصة اخيرة امام الايرانيين وهي استسلامهم للاميركان وشروطهم والطبيعة الفارسية للايرانيين لاتقبل هذا الشيء ابدا ابدا……. اعود واكرر ان الخطة هي اسقاط النظام في ايران ولاحظوا كيف ستتغير مواقع القصف حيث بدأت الطائرات الإسرائيلية اليوم بقصف المعسكرات التابعة للجيش والحرس الثوري في خوزستان او عربستان وتتسرب معلومات ان الثورة ضد النظام في ايران ستبدأ من هناك حيث ستقوم تظاهرات تطالب باستقلال عربستان حالها حال بقية الاقاليم والمحافظات الايرانية ومن المؤكد ان لدى الاميركان حصان طروادة عسكري سوف يتحرك في الوقت المناسب وقد تقولون انني ابالغ او اني احلم ولكن اطرح عليكم جميعا سؤال وهو اذا كان هدف اسرائيل واميركا هو انهاء البرنامج النووي الايراني فلماذا لم تقوم اسرائيل بقصفه ولعشرات المرات وترك الاهداف الاخرى والمعسكرات والمصانع والمقرات العسكرية ومخازن الوقود..؟؟؟ اكرر الخطة هي انهاك النظام وجعله مثل الجثة التي تنتظر من يأتي ويجهز عليها وينهي وجودها في الحياة.. ولاحظوا كيف ستزداد عمليات القصف والاغتيالات وتشتد قوتها وانتشارها وطبعا الطابور الخامس ينتظر اللحظة المناسبة والاوامر للاجهاز على النظام في ايران وقد تحصل هذه اللحظة عند قتل المرشد واذاعة بيان من محطات تلفزيونية بان النظام انهار وتخرج تظاهرات تأييد شعبية للنظام الجديد وهذه الالعاب يتقنها الاميركان اتقان ممتاز ولهم تجارب نجحوا فيها في ايران واميركا الجنوبية…