logo
الأيام الأولى في الحكم والصراع مع مراكز النفوذ

الأيام الأولى في الحكم والصراع مع مراكز النفوذ

الجزيرةمنذ 13 ساعات
صراع مع مراكز النفوذ
اليوم الأول في الحكم ليس مجرد مرحلة انتقالية إدارية، بل يمثل لحظة فارقة تُحدد العلاقة بين السلطة الجديدة ومراكز النفوذ الراسخة. في هذه اللحظة، تتقاطع الإرادة السياسية الطموحة مع واقع التوازنات الداخلية والخارجية، حيث تبدأ جهود ترسيخ السيطرة وتشكيل معالم المشروع السياسي وسط مقاومة أو تفاعل من القوى التقليدية.
هذا الصراع ليس مجرد مواجهة بين طرفين، بل هو اختبار لقدرة الحُكم على المناورة بين التغيير والاستقرار، وإدارة الانتقال من مرحلة التصورات النظرية إلى التنفيذ العملي في بيئة مليئة بالتحديات.
واجه حزب العدالة والتنمية تحديات جمّة عند وصوله إلى الحكم في تركيا عام 2002. لم يكن هذا الانتقال مجرد فوز سياسي، بل بداية لمعركة طويلة مع مراكز النفوذ التقليدية التي اعتادت فرض سيطرتها على المشهد السياسي.
فمنذ اليوم الأول، وجد الحزب نفسه في مواجهة شبكة معقدة من القوى العسكرية والقضائية والاقتصادية، مثل منظمة "أرغينيكون"، التي قاومت نفوذه وسعت إلى تحجيم سلطته.
وقد كشفت التحقيقات عن مخططات انقلابية (عملية المطرقة) هدفت إلى إضعاف الحكومة المنتخبة، مما أدى إلى مواجهة مباشرة بين الحزب والمؤسسة العسكرية، أجبرته على إعادة تشكيل العلاقة بين المدنيين والعسكريين.
في الوقت نفسه، لم يكن القضاء بعيدًا عن هذه المواجهة؛ إذ حاولت المحكمة الدستورية في عام 2008 حظر الحزب بتهمة انتهاك المبادئ العلمانية، مما شكّل اختبارًا حقيقيًا لاستمراره في السلطة. ورغم أن الحزب نجا من قرار الحظر، فإنه أدرك ضرورة تعديل التوازنات داخل أجهزة الدولة لضمان استقرار حكمه.
ورغم مرور أكثر من عقد على وصوله إلى الحكم، استمرت المواجهة مع مراكز النفوذ في ملفات حساسة مثل السياسة الخارجية والأمن القومي. فقرار التدخل العسكري في سوريا، الذي واجه مقاومة من المؤسسة العسكرية- كما أشار أحمد داود أوغلو- كشف عن استمرار تأثير النخبة العسكرية في رسم السياسات الإستراتيجية، مما دفع الحزب إلى العمل على تعزيز نفوذه داخل المؤسسات الأمنية وتوسيع سلطاته التنفيذية.
لم تتوقف التحديات عند هذا الحد، بل بلغت ذروتها بمحاولة الانقلاب العسكري في 15 يوليو/ تموز 2016، التي كادت أن تطيح بالحكومة. وقد دفعت هذه المحاولة الحزب إلى فرض تغييرات جذرية في بنية الدولة، من خلال حملة تطهير واسعة استهدفت الجيش والقضاء والمؤسسات الإعلامية، في محاولة لضمان عدم تكرار مثل هذا التهديد مستقبلًا.
إلى جانب ذلك، لعبت التنظيمات القومية، مثل "الذئاب الرمادية"، دورًا في التأثير على المشهد السياسي، نظرًا لعلاقاتها التاريخية مع أجهزة الدولة التقليدية، مما فرض تحديات إضافية على الحكومة في إدارة الملفات القومية والأمنية. هذه القوى لم تكن دائمًا في صف الحزب، بل شكلت عقبة أمام بعض سياساته، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الكردية والتوجهات القومية المتشددة آنذاك.
على بعد أكثر من ألف كيلومتر من أنقرة
ومع سقوط النظام في سوريا، لم تُطوَ صفحة الماضي تمامًا، بل بقيت مراكز نفوذ متجذرة في عمق البنية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي صنعها النظام البائد على مدار عقود. هذه المراكز، وإن فقدت الغطاء الرسمي، فإنها لم تفقد قدرتها على التأثير وعرقلة محاولات إعادة بناء الدولة.
فمن شبكات المحسوبية والفساد المتغلغلة في الإدارات، إلى النخب الاقتصادية التي راكمت ثرواتها بارتباط مباشر مع السلطة، مرورًا بالهياكل الاجتماعية والقبلية التي استُخدمت كأدوات للضبط والسيطرة- جميعها ما زالت فاعلة بدرجات متفاوتة، وتشكل تحديًا حقيقيًا أمام أي مشروع تغييري يسعى إلى القطع مع ماضي الاستبداد.
هذه القوى لا تواجه السلطة الجديدة بالمواجهة الصريحة دائمًا، بل غالبًا ما تعمل بأساليب ناعمة: من عرقلة الإصلاحات، إلى تشويه النخب الجديدة، مرورًا بإعادة إنتاج خطاب يروّج للفوضى أو الحنين إلى "الاستقرار" الذي كان يوفره النظام. إنه صراع غير مباشر، لكنه عميق، ويستنزف طاقة التغيير في لحظة تحتاج فيها البلاد إلى بناء جديد، لا إلى مقاومة ما تبقَّى من القديم.
وهنا تكمن حساسية "اليوم الأول في الحكم" بالنسبة للقوى الثورية؛ فهو ليس فقط لحظة احتفاء بالانتصار، بل لحظة وعي بطبيعة المرحلة ومتطلباتها. فنجاح الانتقال لا يتوقف على إسقاط الرأس السياسي للنظام فقط، بل على تفكيك شبكات النفوذ التي شكّلت عموده الفقري، واستبدالها بأطر جديدة تؤمن بالمساءلة، وتُدار بالكفاءة لا بالولاء، وتخدم الناس لا السلطة.
وهذا يتطلب أدوات مناسبة: من تشريعات حاسمة، إلى مؤسسات بديلة ذات مصداقية، وقيادات تدرك أن المعركة لم تنتهِ، بل بدأت بشكلها الأعمق.
إنّ سقوط النظام لم يكن نهاية الصراع، بل بدايته الحقيقية. فبإزاحة الأجهزة الأمنية والمليشيات التي كانت تشكّل جدار الحماية لمراكز النفوذ القديمة، أُزيح الحائل الذي كان يفصل بين الحاضنة الثورية وتلك البُنى المتغلغلة في مفاصل الدولة والمجتمع.
اليوم، وللمرة الأولى، يجد المجتمع الثوري نفسه وجهًا لوجه مع تلك الشبكات التي كانت تعمل خلف ستار الدولة، والتي لا تزال تسعى للحفاظ على امتيازاتها ومواقعها، سواء عبر التسلل إلى المؤسسات الناشئة، أو التأثير على الرأي العام وتوجيهه.
فالصراع الآن لم يعد عسكريًا فقط، بل بات سياسيًا واجتماعيًا وإداريًا بامتياز.
الحاضنة الثورية مدعوة إلى خوض معركة الوعي والتنظيم، لفرز المرحلة الجديدة ومكوناتها، وتمييز العناصر التي يجب إزاحتها عن تلك التي يمكن إعادة تأهيلها ضمن رؤية وطنية جديدة.
وهذا يتطلب أسلوب مواجهة مركبًا، يجمع بين الفرز الصارم والمساءلة القانونية من جهة، والاحتواء الذكي والانفتاح على الطاقات المجتمعية النزيهة من جهة أخرى.
في الأنظمة التي تمتلك تاريخًا من التدخل العسكري أو الأمني، يظل الصراع بين القرار السياسي ومراكز النفوذ مستمرًا، حتى بعد سقوط الأنظمة القديمة
وبالتالي، فإن المواجهة مع مراكز النفوذ ليست مهمة السلطة وحدها، بل هي معركة مجتمعية شاملة، تتطلب وعيًا سياسيًا متقدمًا، وتنظيمًا شعبيًا فاعلًا، وآليات رقابة تمنع تسلل شبكات الفساد والتسلط مجددًا تحت أي غطاء.
هذه المرحلة هي لحظة اختبار حقيقي لمدى نضج الحاضنة الثورية، وقدرتها على حماية مشروعها من داخلها، بقدر ما حَمَتْه من بطش النظام في السابق.
إن السلطة ليست مجرد شرعية انتخابية أو ثورية، بل قدرة فعلية على فرض السياسات وإدارة الدولة. ففي الأنظمة التي تمتلك تاريخًا من التدخل العسكري أو الأمني، يظل الصراع بين القرار السياسي ومراكز النفوذ مستمرًا، حتى بعد سقوط الأنظمة القديمة.
واليوم، باتت المواجهة في سوريا مفتوحة، ولم تعد مقتصرة على إسقاط النظام السياسي، بل امتدت إلى صراع أعمق لتحرير الذهنية المجتمعية وإعادة بناء الإدارات، وهي معركة طويلة ستستمر لسنوات قادمة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحرب على غزة مباشر.. قصف على خيام النازحين بخان يونس وترامب يتوقع اتفاقا لإنهاء الحرب
الحرب على غزة مباشر.. قصف على خيام النازحين بخان يونس وترامب يتوقع اتفاقا لإنهاء الحرب

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

الحرب على غزة مباشر.. قصف على خيام النازحين بخان يونس وترامب يتوقع اتفاقا لإنهاء الحرب

في اليوم الـ107 من استئناف حرب الإبادة على غزة ، استهدف القصف الإسرائيلي خياما للنازحين في منطقة المواصي غربي خان يونس، وذلك بعد يوم دام استشهد خلاله 109 فلسطينيين منذ فجر الثلاثاء.

رئيس وزراء قطر يتسلّم جائزة "تيبيراري للسلام" في أيرلندا
رئيس وزراء قطر يتسلّم جائزة "تيبيراري للسلام" في أيرلندا

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

رئيس وزراء قطر يتسلّم جائزة "تيبيراري للسلام" في أيرلندا

تسلّم رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ، اليوم، في جمهورية أيرلندا جائزة "تيبيراري الدولية للسلام". وفي كلمة له أمام حفل التكريم، عبّر الشيخ محمد بن عبد الرحمن عن قبوله الجائزة "بكل تواضع وامتنان، لا بوصفها تكريما شخصيا، بل باسم دولة قطر، وشعبها، ومبادئها، وقيادتها. هذه الجائزة تمثل اعترافا بما أصبحت عليه قطر اليوم: صوتا ثابتا للسلام، ومدافعا عن الحوار، وأمة لا تلين أمام التحديات". وأضاف في كلمته أن أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني"نموذج نادر للقيادة في عالم اليوم، فهو لا يكتفي بالحكم، بل يشعر، ويكرّس كل جهده وروحه لكل واجب، من تلبية احتياجات مواطنيه، إلى دعم السلام الإقليمي والدولي". ولفت إلى أنه نال شرف خدمة بلاده تحت قيادة الشيخ تميم لأكثر من 10 سنوات "وسأظل أتشرف بذلك ما دمت قادرا. فحكمته، وشغفه، وعزيمته هي مصدر إلهام شخصي لي، وهي ما يدفعني للاستمرار". لحظة بالغة الأهمية وقال رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري إن "هذه الجائزة تأتي في لحظة بالغة الأهمية، فقبل أسبوع واحد فقط، تعرّضت بلادنا لهجوم صاروخي مباشر، جاء كرد واضح على التهوّر الذي يهدد السلام والاستقرار في منطقتنا. وبينما كانت دفاعاتنا الجوية تقوم بواجبها، كان دبلوماسيونا يعملون بلا كلل لتأمين وقف لإطلاق النار مع بزوغ الفجر". وأضاف الشيخ محمد بن عبد الرحمن أن "تلك اللحظة لم تكن لحظة انتقام، بل كانت لحظة تضبطها الحكمة وضبط النفس. ويجب أن أكون واضحا: قطر اختارت ضبط النفس من موقع قوة، لا من موقع ضعف، لأننا وضعنا استقرار منطقتنا ورفاهية شعوبها فوق الخطابات النارية واستعراضات القوة". وأكد أن قطر حذرت "مرارا من مخاطر امتداد الصراع الإقليمي، ومن أن سلوك إسرائيل المتهور قد يؤدي إلى تفاقم النزاع إلى مستويات لا تُحتمل. وثمن تجاهل هذه التحذيرات لا يُدفع في غزة وحدها، بل في جميع أنحاء المنطقة". ومساء الـ23 من الشهر الماضي، قصفت إيران قاعدة العديد في قطر في عملية سمتها "بشائر الفتح" ردا على الهجوم الأميركي الذي استهدف المنشآت النووية الإيرانية، في حين أعلنت الدوحة أن الدفاعات الجوية اعترضت الصواريخ الإيرانية بنجاح. يذكر أن "جائزة مركز تيبيراري للسلام" يقدمها المركز سنويا للشخصيات البارزة التي ساهمت في صنع السلام حول العالم. ويهدف المركز -الذي تأسس عام 1984- إلى تعزيز السلام ونشر قيمه. وإضافة إلى رئيس الوزراء القطري، حاز على الجائزة شخصيات من بينها الأمينان العامان السابقان للأمم المتحدة بان كي مون، وكوفي عنان، والرئيسة الأيرلندية السابقة ماري روبنسون، والرئيس الجنوب أفريقي الأسبق نيلسون مانديلا.

ترامب يعلن موافقة إسرائيل على هدنة بغزة لمدة 60 يوما
ترامب يعلن موافقة إسرائيل على هدنة بغزة لمدة 60 يوما

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

ترامب يعلن موافقة إسرائيل على هدنة بغزة لمدة 60 يوما

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء، إن إسرائيل وافقت على "الشروط اللازمة لإتمام" وقف إطلاق نار لمدة 60 يوما في غزة، تُبذل خلاله جهود لإنهاء الحرب. وكشف ترامب أن ممثلين عنه عقدوا اجتماعا طويلا وبناء مع الإسرائيليين يوم الثلاثاء بشأن غزة. وأضاف ترامب في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي أن القطريين والمصريين، الذين عملوا بجد لإحلال السلام، سيقدمون هذا الاقتراح النهائي. وأشار إلى أنه يأمل أن تقبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بهذا الاتفاق، "لأن الوضع لن يتحسن، بل سيزداد سوءا"، على حد تعبيره. من جانبها، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤولين في الإدارة الأميركية أنه لا يزال يتعين على حماس الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار بغزة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store