
مساءلة حكومة مغيّبة عن ورقة برّاك وعن الردّ اللبنانيّ!
بالتأكيد، سيركّز النوّاب في مداخلاتهم على ملف حصرية السلاح بيد الدولة وما حمله المبعوث الأميركي توم برّاك إلى بيروت والردّ اللبنانيّ الذي استغيب مجلس الوزراء. وسيكون نواب حزب "القوات اللبنانية" رأس الحربة لا سيّما وأن الردّ على ورقة برّاك أُعِدَّ عبر لجنة ثلاثية ضمّت الرؤساء الثلاثة خارج إطار الحكومة، ما أثار تساؤلات حول دستوريّة هذه الخطوة.
وسأل النائب غسان حاصباني: "على أيّ أساس تتمّ صياغة الرّد من قبل الرؤساء الثلاثة من دون علم مجلس الوزراء وقراره، وهو الجهة التي أعطاها الدستور هذه الصلاحية؟". فإذا كانت قضايا السياسة الخارجية وحصرية السلاح لا تُبحث داخل الحكومة، فماذا سيناقش مجلس النواب المدعوّ لمناقشة السياسة العامة؟
دور المؤسسات بين البيان الوزاري والدستور
ينصّ اتفاق الطائف والدستور على دور محوريّ لمجلس الوزراء في رسم السياسة العامة للدولة. فقد أناط الدستور السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء الذي يضع السياسة العامة للدولة. وأكّدت الحكومة الحالية في بيانها الوزاري التزام حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وبسط سلطة الدولة على أراضيها، باعتباره أمرًا توافق عليه اللبنانيون منذ الطائف. لكن رغم هذا الالتزام، لم يتّخذ مجلس الوزراء خطوات عملية أو يُقرّ خطة لتحقيق ذلك، ما يثير تساؤلات حول جدية تنفيذ البيان الوزاري.
سلاح "حزب اللّه": فقدان الردع ومخاطر داخلية
كانت حجّة المقاومة والتصدي للعدوان الإسرائيلي هي المبرّر الأساسي لبقاء سلاح "حزب اللّه"، لكنّ هذه الغاية باتت موضع تشكيك مع تفكّك عناصر الردع التقليدية. فمعادلة الردع التي طالما اعتُمدت لتبرير احتفاظ "الحزب" بترسانته بدأت تتفكّك تدريجيًا. خاصةً بعد اتفاق وقف إطلاق النار الأخير وما تخلله من خروقات إسرائيلية، لم يعد السلاح يُستخدم حصريًا ضد إسرائيل، بل دخل في التوظيف الداخلي عبر تخوين الخصوم. بهذا المعنى، تنهار إحدى ركائز ما كان يسمّى بشرعية سلاح "الحزب"، إذ يفقد الردع الخارجي فعاليّته بينما تُستنزف وظيفته الدفاعية في صراعات سياسية داخلية.
على صعيد الأمن الداخلي، يشكّل استمرار امتلاك "حزب اللّه" السلاح المتوسط وحتى الخفيف تهديدًا لاستقرار الدولة. إذ إنّ وجود جماعة مسلّحة تمتلك ترسانة خارج سلطة المؤسسات يعني أنّ أيّ خلاف سياسيّ قد يتطوّر إلى مواجهة مسلّحة. ولعلّ أحداث 7 أيار 2008 – عندما اجتاح مسلّحو "الحزب" العاصمة بيروت في نزاع داخلي – أبرز مثال على خطورة هذا الواقع. وفي واقعة أحدث، في آب 2023، انقلبت شاحنة ذخيرة تابعة لـ "الحزب" في بلدة الكحالة، ما أشعل اشتباكات مسلّحة مع الأهالي. يذكّر هذا الحادث بتراجع شرعية سلاح "حزب اللّه" خارج بيئته الحاضنة، وينذر بالتبعات الخطيرة لإبقاء أسلحة وذخائر تتحرّك بين المناطق المأهولة.
تُثار كذلك تساؤلات حول ترسانة "الحزب" غير المستخدمة وما تحمله من أخطار كامنة. فرغم امتلاك "حزب اللّه" إحدى أضخم الترسانات غير النظامية قبل حرب 2024، فإنّ جزءًا من قدراته بقي خارج ساحات المعارك المباشرة. على سبيل المثال، تشير تقارير إلى حصوله سابقًا على صواريخ بحرية روسية متطوّرة من طراز "ياخونت" (يصل مداها إلى 300 كلم)، إلّا أنه لم يظهر أي دليل عملي على استخدامها حتى الآن. كذلك يمتلك "الحزب" منظومات دفاع جوي وصواريخ أرض-جو (قدّر بعضها بنحو 2500 صاروخ مضاد للطائرات)، لكن ثبت أنّ قسمًا كبيرًا منها إمّا دُمّر أو خرج من الخدمة. وهكذا، يتحوّل ثقل الترسانة غير المستخدمة من عنصر قوة إلى عبء استراتيجي؛ فإما أنها قدرات جامدة غير قابلة للتفعيل، أو أنّ استخدامها المحتمل سيجلب دمارًا أشدّ على لبنان في أي مواجهة مقبلة.
على المستويين الإقليمي والدولي، يتفاقم الشعور بأنّ سلاح "حزب اللّه" أصبح مشكلة تتجاوز حدود لبنان. تعتبر واشنطن مثلًا أنّ استمرار وجود هذه الترسانة يبقي لبنان رهينة للوضع الأمني المتوتر، إذ يؤدي إلى استمرار الضربات الإسرائيلية ويقوّض ثقة المجتمع الدولي بأي خطة إنقاذ أو إعادة إعمار للبنان. ومن هنا، بات لبنان يواجه ضغوطًا غير مسبوقة لوضع حدّ لفوضى السلاح وإخضاع أيّ قدرة عسكرية على أراضيه لسلطة الدولة الشرعية.
أمام كل ذلك، لا بدّ من الإسراع في بدء الخطوات العملية لحصر السلاح بيد الدولة، ولا مفرّ من تحرّك الحكومة بشكل فوري على هذا الخط، لذلك كان لا بدّ من أن تكون في صورة ما يحصل من اتفاقات وأوراق وردود عابرة للمحيطات.
كما أنه وفي ظلّ تنامي المخاوف من جرّ البلاد إلى حروب بالوكالة، وتعاظم الدعوات المحلية والدولية لحصر السلاح بيد المؤسسات الدستورية، يغدو احترام اتفاق الطائف والدستور – نصًّا وروحًا – مرهونًا بالمعالجة الجذرية لهذه الإشكالية. فحصر قرار السلم والحرب بيد الدولة ووضع حدّ لازدواجية السلاح هما شرطان لا بدّ منهما لحماية الأمن الوطني واستعادة ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي. واستعادة الدولة تبدأ من استعادة القرار، والقرار يبدأ من مجلس الوزراء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 32 دقائق
- الديار
جلسة متفجّرة مرتقبة لمساءلة الحكومة... إنطلاق موسم المزايدات الانتخابيّة
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب ينطلق موسم المزايدات الانتخابية رسميا اليوم الثلاثاء من القاعة العامة لمجلس النواب، المرتقب ان تشهد مواقف عالية النبرة، تؤدي تلقائيا الى سجالات عنيفة ستُنقل مباشرة على الهواء. فبعدما تردد ان الجلسة المخصصة لمساءلة الحكومة قد لا تبث على وسائل الاعلام، بمحاولة لتفادي نقل التوتر، الذي من المرجح ان تشهده، الى الشارع، أكدت مصادر كتلة "التنمية والتحرير" لـ "الديار" انها ستكون منقولة مباشرة على الشاشات كما جرت العادة مع جلسات مماثلة. وبحسب المعلومات، يحاول النواب الذين يُعرّفون عن أنفسهم بـ"السياديين" ويبلغ عددهم نحو 61 نائبا، ان ينسقوا مواقفهم "لتصب كلها في اطار الضغط لتنفيذ الحكومة تعهداتها، وبخاصة تلك التي وردت في البيان الوزاري لجهة حصرية السلاح". وتشير مصادر مطلعة على الاستعدادات الحاصلة الى ان "التركيز سيكون على الدعوة لعقد جلسة حكومية، تعلن صراحة توجهات الحكومة في هذا المجال، كما يتم خلالها وضع أطر زمنية للتسليم". وتضيف المصادر: "كما ان عددا من النواب يصر على فتح ملفات ذات بُعد مناطقي، كالسؤال عن الاجراءات التنفيذية لتشغيل مطار القليعات مجددا، من منطلق انها تندرج في سياق اجتذاب الناخبين قبل 10 أشهر فقط على موعد الانتخابات النيابية". بالمقابل، لن يقف نواب حزب الله وحركة "أمل" متفرجين على "حفلة الزجل" المتوقعة اليوم، وهم أيضا أعدوا العدة للرد والمواجهة. وبحسب المعلومات ستتركز مداخلاتهم على ربط اي بحث في مصير السلاح، بانسحاب "اسرائيل" اولا من الاراضي اللبنانية المحتلة، ووقف الخروقات واعادة الاسرى. وتشير مصادر مطلعة الى ان هؤلاء، وبخاصة نواب الحزب، لن يتوانوا عن "التصويب على المواقف الاخيرة التي صدرت عن المبعوث الاميركي توم باراك، للتنبيه الى مخاطر جمة محيطة في البلد، في حال التخلي عن اوراق قوته وعلى رأسها سلاح المقاومة، من منطلق ان المشاريع والمخططات الدولية للبنان والمنطقة لم تعد خفية، بل معلنة وبالفم الملآن ومنها ضم لبنان الى بلاد الشام، وبالتالي تهديد وجودي للبلد". وتأتي هذه الجلسة، فيما لبنان الرسمي ينتظر رد واشنطن على الاجوبة التي تقدم بها على الورقة الاميركية. وبحسب المعلومات وبعكس كل ما اشيع في الفترة الماضية، فان الاجواء تبدو ايجابية، بحيث ان تراجع وطأة التصعيد والخروقات "الاسرائيلية" في اليومين الماضيين، يأتي خلافا لكل من توقع ضغطا "اسرائيليا" ميدانيا، اعتراضا على الرد اللبناني على ورقة برّاك. وحتى الساعة، لا يزال غير واضح ما تعهدت به الرئاستان الاولى والثانية بهذه الورقة. اذ يؤكد اكثر من وزير انه ليس على علم على الاطلاق بهذه الورقة. حتى ان رئيس حزب "القوات" نفسه اعلن صراحة انه لم يطلع على فحوى الرد، وليس متأكدا اذا كان هناك ورقة او اثنتان. وتشير مصادر وزارية الى ان "الرئيسين جوزيف عون ونواف سلام توصلا الى قناعة بأن عليهما قضاء حاجاتهما بالكتمان، وبخاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة ولبنان" لافتة الى انهما "يدركان حاجة كل القوى الى المزايدات الشعبية مع اقتراب موعد الاستحقاق النيابي، لذلك سيعمدان الى مزيد من التكتم والسرية في بت الملفات وانجازها".


ليبانون 24
منذ ساعة واحدة
- ليبانون 24
برّاك: سوريا تحتاج إلى الموارد لإعادة البناء بسرعة وهي بحاجة إلى دعم العالم
برّاك: سوريا تحتاج إلى الموارد لإعادة البناء بسرعة وهي بحاجة إلى دعم العالم Lebanon 24


ليبانون 24
منذ ساعة واحدة
- ليبانون 24
برّاك: الخوف من نزع سلاح حزب الله ومنع الحكومة لهذا الأمر قد يؤدي إلى حرب أهلية
برّاك: الخوف من نزع سلاح حزب الله ومنع الحكومة لهذا الأمر قد يؤدي إلى حرب أهلية Lebanon 24