
رسائل البحر الأحمر.. صنعاء ترسم معادلة الردع العسكري
رسخت صنعاء خلال الأسبوع الجاري معادلة ردع عسكرية غير مسبوقة في المنطقة، بعدما أثبتت قدرتها على فرض حصار بحري شامل، على الاحتلال الإسرائيلي، في تطورٍ يُعتبر الأهم منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في أكتوبر 2023.
من البحر الأحمر إلى سماء اليمن، بدت صنعاء أكثر جرأة وإصرارًا على توسيع دائرة المواجهة، ورفع كلفة العدوان الإسرائيلي على غزة، مع تزايد فاعلية العمليات المشتركة بين البحرية والجوية والدفاعات الصاروخية لقواتها.
في تصعيد استراتيجي بالغ الأهمية، أعلنت صنعاء تنفيذ عمليات بحرية دقيقة أدت إلى إغراق سفينتين تجاريتين كانتا في طريقهما إلى ميناء أم الرشراش 'إيلات' المحتل، في ظرف أقل من 24 ساعة، ردًا على محاولات كسر الحظر المفروض على الملاحة 'الإسرائيلية'.
هذه الضربة المزدوجة لم تكن مجرد رد فعل، بل حملت رسائل صارمة:
أولاً: أن قرار الحظر البحري لم يُرفع، ولن يُرفع طالما استمر العدوان والحصار على غزة.
ثانيًا: أن صنعاء تملك القدرة الفعلية على مراقبة تحركات السفن في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، ورصد أي خرق في لحظته.
ثالثًا: أن الرد على خرق الحظر لم يعد مجرد هجمات تحذيرية أو اعتراض طريق العبور لتلك السفن، بل انتقل إلى مرحلة الإغراق المباشر بعد سلوك الطرق القانونية في التحذير والتواصل المباشر مع طواقم السفن.
العمليات البحرية هذه المرة لم تكن منفصلة، بل ناتجة عن تنسيق دقيق بين سلاح البحرية، والقوة الصاروخية، والطيران المسير، ما يعكس تطور القدرات العملياتية وتكاملها.
وفي موازاة الحصار البحري، حققت الدفاعات الجوية لقوات سلطة صنعاء إنجازًا عسكريًا نوعيًا، بإفشال محاولات الطيران الإسرائيلي شن غارات داخل الأجواء اليمنية.
وبحسب تصريحات قائد أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي، فإن طائرات الاحتلال لم تتمكن من تنفيذ هجماتها من داخل المجال الجوي اليمني، واضطرت إلى تنفيذ ضرباتها من خارج الأجواء، ما يكشف فعالية المنظومات الدفاعية، وقدرتها على تحييد طائرات معادية في سماء بلد يعيش تحت الحصار منذ أكثر من 10 سنوات.
هذا النجاح يعزز القناعة بأن الدفاعات الجوية لصنعاء أصبحت اليوم جزءً مهمًا من معادلة الردع الإقليمية، خصوصًا مع قدرتها على طرد طائرات معادية تمتلك تقنيات متطورة، وهو تحول استراتيجي لافت.
لم تقتصر عمليات صنعاء على الحصار البحري والجوي، بل تواصلت الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة باتجاه العمق الإسرائيلي.
ففي الأسبوع الأخير نفذت صنعاء عمليات نوعية بـ 45 صاروخ وطائرة مسيرة، استهدفت مدنًا فلسطينية حساسة تسح سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، بينها: يافا، عسقلان، أسدود، أم الرشراش (إيلات).
إلى ذلك نفذت عمليات بحرية استهدفت مرافئ ومصالح إسرائيلية، وكذا هجمات طالت مطار 'بن غوريون'، ما أدى إلى تعليق مؤقت للرحلات الجوية، وإجبار ملايين المستوطنين على التوجه إلى الملاجئ في مشهد مذلّ للاحتلال.
وتؤكد صنعاء أن بنك الأهداف قابل للتوسيع، وأن العمليات البحرية ستُكرر ضد أي سفينة تنقل بضائع إلى الاحتلال الإسرائيلي، في تهديد واضح لشركات الملاحة الدولية.
تبدو رسالة صنعاء واضحة وصارمة: لا تراجع عن الحصار البحري والجوي، ولا مجال لأي هدنة جزئية طالما العدوان الإسرائيلي مستمر ضد غزة.
وتعتبر صنعاء موقفها قرارًا سياديًا أخلاقيًا دينيًا غير خاضع للمساومة أو الضغوط الدولية، كما أن اليمن بات اليوم في موقع الرقابة الكاملة على مسارات الملاحة والتجارة المرتبطة بالاحتلال في البحر الأحمر.
ومع تنامي قدرات صنعاء البحرية والجوية، تشير المعطيات إلى أن، البحر الأحمر قد يتحول إلى ساحة اشتباك مفتوحة في أي لحظة، وأن معادلة 'إما وقف العدوان على غزة أو استمرار الحصار' أصبحت راسخة ومُلزمة لكل الأطراف، بما في ذلك شركات الشحن العالمية.
ولعل نجاح صنعاء في إغراق سفينتين بعمليتين متزامنتين يعكس تطورًا نوعيًا يُعيد رسم موازين القوى في المنطقة.
في ظل هذا التصعيد المنظم، يبدو أن اليمن لم يعد مجرد طرف داعم لغزة، بل بات فاعلاً مؤثرًاً في معركة 'طوفان الأقصى'، عبر أدوات عسكرية واقتصادية ناجعة.
فكل شركة شحن ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الالتزام بالحظر البحري المفروض من صنعاء، أو مواجهة مصير السفينتين اللتين أصبحتا في قاع البحر الأحمر.
أما الاحتلال الإسرائيلي، فيجد نفسه أمام جبهة ردع جديدة، جبهة 'اليمن البحرية والجوية'، والتي باتت تصنع المعادلات وتفرض خطوط الاشتباك وحدود العمليات.
وعليه يمكننا القول إن صنعاء تثبت اليوم، عبر العمليات النوعية البحرية والجوية، أن الحرب لم تعد تقتصر على حدود فلسطين المحتلة، بل باتت معركة مفتوحة، فيها للبحر والجو دورٌ أساسي في كسر الحصار وكبح العدوان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 44 دقائق
- اليمن الآن
وزير سابق: اليمن قادرة على إيجاد قيادات تقوم بهذا الامر
كريتر سكاي/خاص أكد الدكتور عبد الرقيب سيف فتح، وزير سابق، أن اليمن قادرة على إيجاد قيادات ميدانية تمثل القدوة وتعمل على كسر كافة مخططات الميليشيات الحوثية. جاء ذلك في تغريدة دعا فيه إلى التماسك ونشر ثقافة الأمل والعمل لمواجهة التحديات الراهنة. وأشار الدكتور فتح إلى أن اليمن، التي حكمتها الإمامة من عام 1918 حتى عام 1962، تمكنت من إحداث التغيير بفضل مجموعة من الضباط الأحرار الذين نذروا أنفسهم للوطن، مما أثمر عن ثورة 26 سبتمبر وتجاوب رجال صنعوا ثورة 14 أكتوبر. ولفت إلى أن التاريخ يعيد نفسه، فـ"اليوم هناك نماذج تقاوم وتخلق القدوة"، مستشهدًا بقائد محور المهرة ومدير منفذ صرفيت كنموذجين بارزين. وشدد على أنه "لا يأس ولا تأييس"، فاليمن "ولادة ولن تخذل أبناءها". واعتبر أن دعوات "النكف" (الاستنفار القبلي) بدأت تظهر مؤشرات فشلها، وأن مخططات الميليشيات الحوثية الهادفة لإحداث هزائم أو تمحورات في صفوف الشرعية ستفشل بوحدة الصف وتقوية روح المبادرة بين أبناء اليمن. واختتم فتح بالتأكيد على أن ذلك يمثل "سنة الله في إدارة الصراعات بين الحق والباطل".


اليمن الآن
منذ 2 ساعات
- اليمن الآن
الحو ثيون يقومون بهذا الامر الصادم في مراكز تحفيظ القران
كريتر سكاي/خاص في تصعيد جديد لما يصفه مراقبون بـ"الحرب الطائفية" المستمرة، أصدرت جماعة الحوثي أوامر بإغلاق شامل لمراكز تحفيظ القرآن الكريم في مناطق سيطرتها. وقد تجلى ذلك اليوم في محافظة إب، حيث أقدمت الجماعة على إغلاق مركز تاج الوقار في قرية اللكمة، عزلة دار الوادي، بمديرية المخادر. المركز المغلق كان يضم العشرات من الطلاب الذين يدرسون ويحفظون كتاب الله، ويعتبر إغلاقه ضربة جديدة للمؤسسات الدينية والتعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وتأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة إجراءات تهدف، بحسب منتقدين، إلى فرض رؤية طائفية معينة والحد من المناهج التعليمية التي لا تتوافق مع أيديولوجيتهم.


اليمن الآن
منذ 2 ساعات
- اليمن الآن
جماعة الحوثي تلوّح بمقاطعة المبعوث الأممي وتتهمه بعدم الحياد
لوحت جماعة الحوثي بمقاطعة المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ متهمة إياه بـ"عدم الحياد والانحياز" في مواقفه بشأن التطورات في البحر الأحمر. وقالت وزارة الخارجية في حكومة الحوثيين (غير معترف بها دولياً)، في بيان نشرته وسائل إعلام تابعة للجماعة إن بيان المبعوث الأممي الذي قدمه في مجلس الأمن "تجاهل بشكل كامل الأسباب الجذرية للتصعيد في البحر الأحمر والمتمثلة في جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة أمام مرأى ومسمع من الأمم المتحدة والعالم الذي لم يحرك ساكنا". وندد الحوثيون بما اعتبروه "انحياز" غروندبرغ في البيان المنسوب إليه بشأن الوضع في البحر الأحمر، معتبرين أن البيان "يعكس عدم حياديته". وقالت خارجية الحوثي إن البيان الأممي "افتقر إلى التوازن والحياد، وكان يُفترض أن يُعرب عن القلق من العدوان الصهيوني المستمر على اليمن والذي يستهدف أعيانا مدنية، كما كان ينبغي أن يتضمن مطالبة الكيان الصهيوني بوقفها". وأفادت أن هذا الانحياز يجعل صنعاء تجد صعوبة في التعاطي مع مبعوث الأمين العام الذي يتطلب منصبه أن يقف على مسافة واحدة من كل أطراف النزاع لا أن ينحاز إلى طرف على حساب آخر. كما اتهم البيان المبعوث الأممي "باستمرار التعاطي السلبي، بل والمنحاز إزاء قضية الشعب اليمني والعدوان الأميركي الصهيوني عليه". ولوح بإمكانية تصعيد حكومة الحوثيين بـ"أكثر من مجرد إيقاف التواصل الرسمي مع المبعوث ومكتبه"، من دون توضيح ماهية هذا التصعيد. والخميس، أعرب غروندبرغ عن بالغ قلقه إزاء التصعيد الأخير من قبل أنصار الله (الحوثيين) في البحر الأحمر، بما في ذلك الهجوم الذي أدى إلى غرق السفينة التجارية إيترنيتي سي في 8 يوليو (تموز)، وأسفر عن وقوع وفيات وإصابات". عقب الهجوم، قالت مهمة "أسبيدس" التابعة للاتحاد الأوروبي إن السفينة كان على متنها وقت الهجوم 22 بحاراً، 21 فيليبينياً ومواطن روسي، إلى جانب فريق أمن من ثلاثة أفراد (لم تحدد جنسياتهم)، فيما أفادت وكالة "أسوشييتد برس" بأنه حتى مساء الأربعاء، جرى إنقاذ ستة من دون توضيح مصير الباقين.