
معاهدة صلح الامام الحسن (ع).. النصر الأعظم للشرعية
ذكرنا في مقالنا السابق، ما هي القيم التي تقوم عليها السلطة الإلهية والنبوية والعلوية والحسنية الصالحة، فالسلطة ليست هدفا بل هي وسيلة، لتحقيق كرامة الإنسان وفتح الطريق امامه لممارسة حريته والارتقاء بعزته ليتم بناء ذلك المجتمع الصالح، وذلك من خلال تحقيق أطر:
1- الكرامة، 2- الأمانة للعدالة والإنصاف، 3- الرحمة واللين، 4- السلم، 5- الوفاء بالعقود والعهود، كأركان يقوم عليها بنيان السلطة الشرعية.(1)
لا يمكن لأية سلطة أن تكون ناجحة أو لها غايات سامية ما لم تكن فيها قيادة صالحة، لذلك نقرأ في الزيارة الجامعة:
((اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ وَمُخْتَلَفَ الْمَلائِكَةِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ وَخُزّانَ الْعِلْمِ وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ وَاُصُولَ الْكَرَمِ وَقادَةَ الاْمَمِ وَاَوْلِياءَ النِّعَمِ وَعَناصِرَ الاْبْرارِ وَدَعائِمَ الاْخْيارِ وَساسَةَ الْعِبادِ وَاَرْكانَ الْبِلادِ وَاَبْوابَ الاْيمانِ وَاُمَناءَ الرَّحْمنِ)(2)، فالقيادة الصالحة تعمل على تشكيل البناء المعنوي للإنسان والمجتمع بتحصين وجوده في تقواه وفضائله الاخلاقية.
أما السلطة الفاسدة فإنها قد تشتغل على بناء الوجود الخارجي المادي فقط، من دون تحقيق قيمة الإنسان الداخلية، وان كانت في حالات كثيرة تؤدي الى التدمير الشامل، لذلك نلاحظ الفرق بين القيادة الصالحة وهم أئمة اهل البيت عليهم السلام، والقيادة الفاسدة وهم الأمويون، حيث قاد معاوية الأمة إلى الانحراف الشديد والانهيار الشامل عقائديا واخلاقيا والعيش بذلة وانكسار وتخلف وفقر.
الإمام علي يخاطب معاوية في كتابه فيقول: (وَمَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ وَوُلَاةَ أَمْرِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ سَابِقٍ وَلَا شَرَفٍ بَاسِقٍ)(3)، فهؤلاء يقودون نحو البؤس، لذلك نرى الفرق الشاسع بين معاوية الميكافيلي الانتهازي الذي قاد الأمة نحو الشقاء والرذيلة والخيانة والتسافل، وبين الإمام علي (عليه السلام) الذي ارتقى بالإنسان عبر المبادئ الإلهية والفضائل السامية الى القمم الباسقة.
لذلك فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خاطب الإمام علي (عليه السلام) حول معنى السلطة، بقوله: (يا علي أنت بمنزلة الكعبة تؤتى، ولا تأتي فان أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك -يعني الخلافة- فاقبل منهم، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك)(4)، فلا معنى للسلطة ان لم تكن مشروطة بالإصلاح ووعي الناس بالقيادة الصالحة وطاعتهم لها واجتماعهم حولها.
فالإمام علي وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) لهم العصمة والتقوى والقيادة الصالحة، لكن لابد للأمة أن تكون لها معرفة بهذه القيادة الصالحة المعصومة من خلال الطاعة والالتزام والاتباع، والوعي بغاياتها من الخير والحق والصدق والعدالة، فالمعرفة والوعي والتقوى شروط أساسية في طاعة المعصومين (عليهم السلام).
وعندما لاتتحقق هذه الشروط تصبح السلطة بيد الفاسدين والطغاة، الذين يسعون ورائها بأي ثمن وبأي وسيلة كانت من وسائل الشر والخداع والتضليل والتلاعب بعقول الناس وتصبح السلطة هي الغاية والوسيلة، كما فعل معاوية حيث يقول الإمام علي عليه السلام:
(وَاللَّهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي وَلَكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ وَلَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ وَلَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وَكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهِ مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَكِيدَةِ وَلَا أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِيدَةِ)(5).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن)(6).
فالغدر من سلوكيات الخائنين، أما المؤمن فلا يغدر، لأنه واضح وصريح، ولن يسلك طريق النصر بالوسائل السيئة والغادرة، مثلا بشراء الذمم والانقلابات والاغتيالات والتسقيط والقمع والتضليل، فهذه من الصفات المتلازمة للسلطة الغاشمة والفاسدة التي ترتع بالخيانة.
وعن الامام علي (عليه السلام): (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ وَلَا أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْهُ وَمَا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ، وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لَا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ)(7).
الفرق بين الخليفة والملك
لذلك في الواقع الخليفة ليس بخليفة إلا الإمام المعصوم (عليه السلام) فهو خليفة رسول الله، أما غيرهم فهو يسمى ملك، ولذلك خاطب الإمام الحسن معاوية بقوله أنت ملك ولست بخليفة، فقد ورد في التواريخ (أن معاوية أمر الحسن أن يخطب لما سلم الأمر إليه وظن أن سيحصر، فقال في خطبته: إنما الخليفة، من سار بكتاب الله وسنة ونبيه (صلى الله عليه وآله). وليس الخليفة من سار بالجور. ذلك ملك، ملك ملكاً يمتع به قليلاً، ثم تنقطع لذته وتبقى تبعته، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين)(8). وهنا بين الامام الحسن (عليه السلام) ماهي القيادة الصالحة ومن هي، وبين القيادة الفاسدة ومن هي..
وكذلك ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام): (ويلك يا معاوية إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعمل بطاعة الله ولعمري إنا لأعلام الهدى ومنار التقى ولكنك يا معاوية ممن أبار السنن وأحيا البدع واتخذ عباد الله خولا ودين الله لعبا فكان قد أخمل ما أنت فيه فعشت يسيرا وبقيت عليك تبعاته...)(9)،
فهذا الملك الفاسد ليس له هم الا استعباد الناس، واتخاذهم عبيدا يتلاعبون بهم ويجعلونهم وقودا يحترق في الفتن. لذلك فإن معاوية ليس عنده أية شرعية، وليس لديه أي دافع غير السلطة التي قد يتمتع قليلا في هذه الدنيا، ومواقفه في التاريخ تكشف نواياه السيئة، فعندما رجع الإمام الحسن (عيه السلام) بعد المعاهدة إلى الكوفة وسار معاوية إلى النخيلة وهو موقع قرب الكوفة، وخطب خطبة كشفت للتاريخ من هو معاوية قال:
(إنّي والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، إنّكم لتفعلوا ذلك، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، ألا وإنّي كنت منّيت الحسن وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدميّ لا أفي بشيءٍ منها له)(10)،
فلم يبق شيئا للقرآن والعقل، والكرامة والانسانية، وانتهك المواثيق وخان الأمانة، ولم يُبق شيئا لقيم الوفاء والالتزام والاحترام والمسؤولية التي ترتبط بالهوية الانسانية. لذلك فإن أهم هدف في قضية الصلح كان إثبات اهداف معاوية الخبيثة.
ما هي بنود المعاهدة؟
صلح الإمام الحسن (عليه السلام) هو معاهدة وليس تنازل أو انسحاب، لأن الشروط كانت واضحة جدا، وهذه المعاهدة انتصر فيها الإمام الحسن (عليه السلام)، وان كان معاوية هو الذي نال السلطة مؤقتا، لكن الظروف هي التي أدت الى ذلك، منها ما قاله الرسول صلى الله عليه وآله للإمام علي (عليه السلام): (يا علي أنت بمنزلة الكعبة تؤتى، ولا تأتي..)، وهذه قاعدة ثابتة لكل الائمة (عليهم السلام)، فالإمام الحسن (عليه السلام) في ذلك الوضع كان لا يؤتى، فالناس تخلوا عنه، ولو أراد أن يحارب كان لابد عليه أن يستخدم نفس الأساليب التي استخدمها معاوية في الغدر والفتك وشراء الذمم والامام الحسن (عليه السلام) لن يفعل ذلك.
وعندما تخلى الناس عنه، أصبح في حل من بيعته، وبالتالي أراد أن يحقن الدماء، وأن يؤسس لصلح يكشف به الزيف ويمنع منح الشرعية لمعاوية، ولو أن في تلك الظروف لم يكن هناك صلح واستمرت الحرب وانتصر معاوية فيها، لأصبح في التاريخ هو الحاكم الشرعي، لكن التاريخ الآن يتحدث عن كونه مجرد طاغية يحارب لأجل السلطة، لذلك حتى ابن تيمية قال عن معاوية أنه مجرد ملك.
كانت معاهدة الصلح مع معاوية تتضمن عدة شروط مهمة، يمكن من خلالها معرفة الحكمة في موقف الإمام الحسن (عليه السلام):
شرعية الحاكم
الشرط الأول: يلزم على معاوية أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله).
فالحاكم الذي لا يعمل بكتاب الله وسنة رسوله ليس شرعيا، ولكن معاوية قال بعد الصلح: (ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا...)، وبقوله هذا انتهك الشرط الأول وسلب الشرعية عن نفسه بنفسه.
سلطة انتقالية مؤقتة
الشرط الثاني: أن يكون الأمر للحسن عليه السّلام من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد.
وهذا استشراف للمستقبل، ويعني ان سلطة معاوية سلطة مؤقتة، ومجرد حاكم انتقالي، أو سلطة انتقالية وليس بخليفة، وهذا الحاكم المؤقت والسلطة المؤقتة يعني إن أحكامه ليست نافذة، وإنما تمشية أمور، أو (حكومة تصريف أعمال)، وأية حكومة مؤقتة في العالم تكون سلطتها انتقالية، وليس لها أي دور قانوني، وقراراتها ليس لها قيمة دستورية(11).
لذلك الحكومة التي تليها تُلغي كل قراراتها، لأنها تعد مجرد سلطة مؤقتة ظرفية، فالإمام الحسن عليه السلام، بهذا الشرط يؤكد عدم شرعية حكم معاوية، وعدم شرعية يزيد بل ان ما فعله معاوية بتولية يزيد يعد انقلابا عسكريا، وقد كان الامام الحسين (عليه السلام) بحكم الوثيقة هو الحاكم الشرعي بعد استشهاد الامام الحسن (عليه السلام).
سلطة فارغة من الشرعية
الشرط الثالث: عدم تسمية الحسن (عليه السلام) معاوية بأمير المؤمنين، ولا يقيم عنده شهادة.
وهذا الشرط تأكيد على أنها سلطة انتقالية لاقيمة لها على الاطلاق، حيث لا بيعة ولا قرار ولا حكم ولا قانون يصدر منه ولا قضاء للحقوق يكون مقبولا منه، وهذا من اقوى الشروط التي تكرس عدم الشرعية لمعاوية حيث أصبح بذلك مجرد هيكل صوري للحكم.
فالسلطة الانتقالية ليست بيعة دستورية، وكمثال على ذلك حكومة السلطة المؤقتة اليوم في الأنظمة البرلمانية والأنظمة السياسية والديمقراطية تكون محدودة جدا، لانه لم يحصل عبر انتخاب الشعب له، فإذا لم ينتخبه الشعب فليس له بيعة تعبر عن شرعية الحكم، وقراراته ليس لها قيمة نافذة، بل حتى التحاكم اليه في القضاء ليس شرعيا ولاتقبل الشهادة عنده.
إيقاف التضليل الاعلامي
الشرط الرابع: أن يترك سب أمير المؤمنين (عليه السلام)، والقنوت عليه بالصلاة، وأن لا يذكر علياً (عليه السلام) إلا بخير.
وهذا الشرط بمثابة إيقاف للتضليل الإعلامي، الذي كان يمارسه معاوية. وهو شرط سيؤدي الى كشف وزيف الحاكم الفاشل والفاسد، وحينئذ يعرف الفرق بين الصالح والطالح، فالصالح توجد عنده حدود، لا يغتاب الآخرين، ولا يتهم أحدا باطلا، ولا يسقّط الآخرين، لا يستخدم ولا يستعين بالرذائل لتدمير سمعة الآخرين.
بينما الذي عنده سلوك ساقط فاسد ليس عنده أي رادع، وليس لديه حدود، يسب الآخرين، ويشتم، ويسقّط ويتهم ويعمل كل شيء، واذا انتشر الفساد فبسبب الأساليب التضليلية لأولئك الفاسدين، وهذه المعاهدة أثبتت شيئا مهما هو ماذا كان معاوية.
حماية الشيعة من الابادة
الشرط الخامس: أن لا يأخذ أحداً من أهل العراق بإحنة، وأن يؤمن الأسود والأحمر ويحتمل ما يكون من هفواتهم، ولا يتعرض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق حقه.
وهذا الشرط هو حماية الناس من الإبادة، وخصوصا الشيعة، لأن معاوية كان عنده مشروع لإبادة الشيعة ولو كانت إبادة الشيعة مستمرة لما بقيَ أحد من الشيعة، لذلك هذا بند ذكي لتحقيق الأمن الاجتماعي وحقن الدماء وحماية الناس من الملاحقة.
ولو أن معاوية بالنتيجة لم يعمل بالمعاهدة كثيرا لكنها مع ذلك كانت رادعا له، ومن نتائجها حماية الشيعة من الإبادة كليا. كما انها تعتبر وثيقة تاريخية صادق عليها معاوية تكشف عن جرائمه في القتل والذبح والاستباحة.
تحقيق الامن والامان
الشرط السادس: الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم.
وهذا الشرط هو تحقيق الأمن العام الذي يحتاجه المجتمع حتى يتنفس، والسلم الاجتماعي العام حتى يتحقق الاستقرار، فالمجتمع الذي لا أمن فيه وينتشر فيه الإرهاب والجريمة والعنف، فهو مجتمع بالنتيجة لا يستطيع أن يحقق الفضيلة والاستقامة، لذلك كان هذا مهما لتحقيق مرحلة انتقالية لتنفس العيش والسلام في الدولة.
وكذلك أراد الإمام الحسن عليه السلام من هذا البند، أن يقول لمعاوية إن الناس ليس في مأمن منك، حيث نشر معاوية الفوضى والاضطراب والاختلال الأمني حتى يصل الى السلطة بأي ثمن كان، والحال ان الناس تحتاج إلى حاكم أمين عليهم يوفر لهم الطمأنينة، ومعاوية ليس بأمين عليهم.
أهمية الفترات الانتقالية في الرسالات
على طول التاريخ كانت الغلبة للظالمين والطغاة، وافعال الظالمين تصب دائما في تدمير القيم والفضائل التي جاءت بها الرسالات، وبالتالي تحطيم كرامة الإنسان وآماله في حياة صالحة ومستقرة، ولكن كانت هناك فرص معينة تحصل في فترات انتقالية أو فجوات زمنية معينة، يتحقق فيها بعض الأمان والاستقرار، كان الانبياء والأئمة عليهم السلام يستثمروها في نشر العلم والفضيلة والأخلاق والخير والأمل.
وقد كانت هذه مرحلة انتقالية مهمة، ولو لم تكن هذه الشروط لما حدثت هذه المرحلة الانتقالية، ولسار معاوية في تدمير كل شيء، ولكن هذه كانت فرصة كالفرصة التي حصل عليها الإمام الصادق (عليه السلام) في الفترة الفاصلة بين الدولة العباسية والدولة الأموية، فانتشر العلم في كل مكان.
هذه الفرص الانتقالية تحتاجها المجتمعات، كما في العراق الآن، حيث رزح الشعب تحت نير الدكتاتورية، وحصلت إبادة للشيعة، وقمع للدين والمذهب ومنعت الشعائر الحسينية، ولكن الآن يعيش في فترة انتقالية يشعر فيها الناس بالحرية، والناس يتلمسون الحرية صوت أهل البيت (عليهم السلام) ينتشر في العالم كله، كما تنتشر الشعائر الحسينية في العالم كله، وأصبحت زيارة الاربعين معلما عالميا.
الاحاديث والمذاهب الموضوعة
وكذلك كانت هذه الفترة من معاهدة الإمام الحسن عليه السلام أدت الى سلب شرعية معاوية، فاكتشف الناس بأن معاوية مجرد ملك، لا يمثل الدين، وانكشف تضليله للناس، فأهل الشام كان يعتقدون بأن الامام علي عليه السلام (لا يصلي). وانكشفت تلك الفترة التاريخية بشكل أكبر وأعمق، حيث تبين من هو معاوية، ومن هو يزيد، ومن هم الأمويون، وهذه المعاهدة كانت بداية سقوط الدولة الأموية، فاندثرت الشرعية لأن الناس أصبحت تعلم ان هناك قرآن هو دستور، وهناك أحاديث شريفة وسيرة نبوية وعلوية.
وعندما اكتشف معاوية تآكل شرعيته استخدم الوضاعين لاختلاق الأحاديث الزائفة، التي تسلب الفضل من أهل البيت (عليهم السلام) وتنسب الفضل اليه، لتضليل الرأي العام، كما قام اختلاق المذاهب الجبرية، مثل (وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون)، الجبرية تعني بأن الإنسان غير مختار وغير مسؤول عن افعاله وغير محاسب عليها.
وهناك بعض الحكام والطغاة ومن يزعم انه من العلماء، اقتبسوا سيرته ومذهبه وأخذوا يعتبرون بأن الحاكم الفاسق والظالم والمستبد هو خليفة شرعي، وهذا خطأ، فلا شرعية لحاكم فاسق ظالم، وهذا ما أوضحته معاهدة صلح الإمام الحسن (عليه السلام).
سلم لمن سالمنا
هنا يجب ان نقف عند نقطة مهمة وهي: لابد أن يكون لدينا تسليم لمنهج أهل البيت عليهم السلام، نفعل ماذا يقولون لنا بلا تردد، لا يجوز أن نحارب كما نقرر أو متى نريد، نسالم عندما يقولوا لنا ونحارب عندما يقولوا لنا، لذلك لا يجوز لنا أن نحارب خارج إطار أهل البيت (عليهم السلام)، فإذا امرنا أهل البيت بالحرب نفعل ذلك، فطاعتهم نظام للامة وامان من الفرقة وتحصين ضد الفتنة.
ومن هنا فإن الإمام الحسن (عليه السلام) أجاب أولئك الذين أشكلوا عليه في قضية إبرام المعاهدة مع معاوية، وقد نقلت التواريخ انه لما تم صلحهما صعد الإمام الحسن (عليه السلام) المنبر ثم قال: (أيها الناس، إن الله هدى أولكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وكانت لي في رقابكم بيعة، تحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت، وقد سالمت معاوية)(12)، فطاعة المعصوم (عليه السلام) هي لتحقيق السلام وحقن دماء الناس، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)البقرة 208.
قيمة السلطة بالحق
وعودا على بدء، وعودة الى اركان الحكم الصالح لابد أن نستفيد من موقف الإمام الحسن (عليه السلام) من معاوية بأن نعرف ماهية السلطة ومن هو الحاكم؟، فلا قيمة للسلطة ان لم يكن احقاق للعدل والانصاف والأمانة والوفاء، ونقل عن انه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ فَقُلْتُ لَا قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ (عليه السلام) وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا)(13).
وهذا الأمر فعله الإمام الحسن (عليه السلام)، حين كشف بأن النعل أفضل من سلطة معاوية، السلطة الفاسدة التي لا تحكم بالحق، ولا تدفع الباطل وليس فيها خير، بل تجسيد للشر والانحلال.
وأي حاكم كان إذا يعمل بالحق، فهو أسوأ من النعل، لان سيكون مكيافيلي متلبس بانتهازية معاوية ولهاثه الاعمى نحو السلطة، وهذا هو المعيار الذي يقيس به شيعة أهل البيت (عليهم السلام) مفهوم الحكم ومصداق الحاكم، حيث لا يقبلون بشيء غير حق علي (عليه السلام).
أهل البيت تجسيد للحق
إن أئمة أهل البيت، عليهم السلام، هم الحق، وهم تجسيد للحق، فالإمامة أمر تكويني، فهي حق ونظام للأمة، فهي بحد ذاتها حق، وكذلك هي طريق للحق، فالإنسان الذي يريد أن يصل إلى طريق الحق والحقيقة لابد أن ينظر إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام، فبهم فتح الله وبهم يختم، وبهم يتم الوصول إلى الحق، وفي الآية القرآنية: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) هود 85. فالميزان مصداق ورمز يعبّر عن كل التوازنات التي ترتبط بالحق ومع اختلال الميزان يهمن الباطل، لأن الوفاء بالمكيال هو تجسيد لميزان العدالة، والتزام بالنظام الكوني وعمل بالنظام التشريعي، وطاعة للقيادة الصالحة التي يجسدها المعصوم، وهذا هو ميزان السلطة الشرعية التي تحقق التوازن وتصون العدالة.
العدالة تنبع من الشعب نفسه، بإيمان الشعب بنفسه وقيمه وعدم الخيانة، وعدم الحلف بالكذب، بعضهم يريد أن يبيع بضاعته فيحلف كذبا بأنها جيدة لكنها ليست كذلك، فما الداعي إلى ذلك، والحال ان هذا السلوك الى (بخس الناس أشياءها)، وانتشار الفساد بعنوان الشطارة والمكر والتلاعب بالباطل كما فعل معاوية، وهنا تتحول الى تدميرية ذاتية (وَلَا تَعْثَوْا) فيفعل الآخرون معه نفس الأسلوب، وتتفاعل عمليات الافساد التدميري حتى الى اسفل مراحل الانحطاط.
إذا قام أحدهم بقيادة سيارته خارج النظام المتعارف، وبدأ يؤذي الناس في الشارع، فهو بقدر ما فعل هذا الأمر، سيواجه نفس الموقف عشر مرات اكثر فهو من صنع الموقف، وسوف يدفع الثمن عندما لم يعمل بالنظام ولم يحترم العدالة، فالفوضى والفساد المتوالي يؤدي الى الفساد الكبير المستمر والمتضخم بشكل متوسع كما فعل معاوية.
لذلك فإن القاعدة الأساسية التي نحتاجها اليوم، هو أن نحمي أطر الحكم الصالح، وأن نرسخها كما أرادها الإمام الحسن (عليه السلام) من خلال معاهدة الصلح التي حوتها وهي الكرامة، الرحمة، السلم، الوفاء، الحق والخير، والامان والقيادة الصالحة، والسلطة في غايتها الأساسية.
لو تم التحليل الاعمق لعبارات هذه المعاهدة، فإنها وجهت رسالة للتاريخ الممتد الى اقصى المستقبل أن سلطة معاوية تفتقر إلى كل معاني السلطة العادلة، بل هي متمحضة في الخيانة، والإمام الحسن (عليه السلام) أكد عليها حتى يري الناس بأن معاوية وامثاله لم يكونوا ليتأمّروا عليهم ليرفعوهم من الحضيض وإنما لكي يتسلطوا عليهم، ويجعلوهم عبيدا.
فالحاكم الفاسد ينشر بين الناس الاستغلال والاحتكار، والتلاعب والغش والاحتيال، والخيانة (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، وينشر السرقة والربا والقمار وكل ما يرتبط بالرذائل التي تؤدي الى تفكيك المجتمع وتكريس الانحراف وسلب الأمن الاجتماعي، فاذا سلبت الثقة واندثر الوفاء، انتهت الحياة بالنسبة للدنيا حيث يعيش المجتمع القلق والخوف والتعاسة، وكذلك يحاسب الإنسان على عدم الوفاء في الآخرة، وخصوصا الوفاء بعهد الله سبحانه وتعالى.
والإنسان الذي ليس عنده وفاء مع الله ليس عنده وفاء مع نفسه، والوفاء الأصيل يكمن في العدالة والإنصاف، لذلك أراد الإمام الحسن (عليه السلام) أن يبين قضية اجتماعية كبيرة، ليس قضية السلطة فقط، بل العلاقة بين الحاكم والشعب، فالحاكم عليه مسؤوليات العمل بالعدالة والإنصاف، والشعب أيضا عليه واجب الإيفاء بالعهد من خلال الوفاء بالمكيال والميزان بالقسط وعدم نشر الفساد.
احتواء مخاطر السلطة الجائرة
الإمام الحسن (عليه السلام) أراد أولا أراد أن يكشف معنى السلطة، وأراد ثانيا أن يحتوي الأخطار التي تداهم المجتمع، حقن الدماء، تحقيق الأمن الاجتماعي، عدم انتشار الفساد، أراد أن يحمي المجتمع من المخاطر الكبيرة التي تأتي من استمرار الحروب والنزاعات والصراعات.
وهذا واجب مهم اليوم على كل حكومة ونخبة ومجتمع، أن يتداركوا الأخطار وأن يفكروا، بالمستقبل، أن يحموا المجتمع ويتنازلوا عن أنفسهم، ولو كان هذا الأمر على حسابهم، ولا يذهبوا في عملية الاستمرار بالسلطة والتمسك بها إلى أبعد حد، وقد أدت هذه الأخطار فعلا بالنسبة إلى بني أمية إلى سقوطهم بشكل كامل، ولم تبق لهم باقية.
ولو كان كل طاغية ومستبد وفاسد يفكر بطريقة أخرى واعتبر ممن سبقه، لما أصبح مجرد لعنة تتقاذفها الالسن، وذكر سيء تشمئز منه سطور التاريخ.
* حوارات بثت على قناة المرجعية في مناسبة زيارة الأربعين 1446
......................................
(1) للاطلاع على القسم الأول من المقال الرجوع الى هذا الرابط:
https://annabaa.org/arabic/ahlalbayt/43228
(2) عيون أخبار الرضا (ع)، ج ٢، الشيخ الصدوق، ص ٣٠٥.
(3) نهج البلاغة، كتاب رقم: 10.
(4) مناقب أهل البيت (ع)، ابن المغازلي، ص ١٧٦.
(5) نهج البلاغة، خطبة رقم: 200.
(6) مقتل الحسين (ع)، أبو مخنف الأزدي، ص ٣٣.
(7) نهج البلاغة، الخطبة رقم: 41.
(8) مقاتل الطالبيين، أبي الفرج الأصفهاني، الطبعة١٣٨٥–١٩٦٥، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها-النجف الأشرف، الصفحة 47.
(9) موسوعة الكلمة، ج ٧، السيد حسن الحسيني الشيرازي، ص ١٦٢.
(10) مقاتل الطالبيين، أبي الفرج الأصفهاني، ص ٤٥.
(11) حكومة تصريف الأعمال أو حكومة تسيير الأعمال هي حكومة مؤقتة ناقصة الصلاحية لأغراض تصريف الأمور في بعض الأوقات قد تكون مرحلة انتقالية أو انتخابات أو ظرف طارئ حال عن عدم تأسيس حكومة جديدة أو تأخرها ولا يحق لهذه الحكومة البت بالأمور المهمة والمصيرية. الحكومة المؤقتة والمعروفة أيضًا باسم نظام تصريف الأعمال هي حكومة مؤقتة غير محددة المدة تؤدي بعض الواجبات والوظائف الحكومية في بلد ما حتى يتم انتخاب أو تشكيل حكومة منتظمة. لا تتمتع حكومة تصريف الأعمال بتفويض شرعي. (ويكيبيديا).
(12) الامامة والسياسة، ج ١، ابن قتيبة الدينوري (تحقيق الزيني)، ص ١٤١.
(13) نهج البلاغة، الخطبة رقم: 33.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 16 دقائق
- الميادين
الحرُّ حرٌّ وأنت الصوت كالنهر
(مهداة إلى المناضل جورج إبراهيم عبد الله) ** القيدُ ذُلِّلَ في كفّيكَ بالصّبرِ فالحُرُّ حرٌّ وإنْ في غيهب القهرِ كأنما السّجنُ للأحرار منجمُهم رصيدُكَ اليومَ أطنانٌ من الفخرِ لو شَكّل العدلُ ميزاناً ومحكمةً يُدانُ سجّانُكَ المجبولُ بالعُهرِ العُرب في سجنهم مليار منبطحٍ فلا تنادِ على الأموات في القبرِ آمنت بالسيف في كفٍّ مقاومةٍ فلا تنادِ على الأشباه في مصرِ الغربُ سجنٌ كبيرٌ لا حدودَ لهُ ينجو الصموتُ وأنتَ الصوتُ كالنّهرِ وأنتَ "عبدٌ لربٍّ" ما ركعتَ لهم وأنتَ ضدٌّ لغربٍ ضلَّ بالكفرِ وأنتَ سيفٌ فلم تضعف به ظُبةٌ وأنتَ حرفٌ سقاه المجدُ من حبرِ لما خرجتَ رأتكَ الشمسُ فابتسمتْ لما نطقتَ صدعتَ الحقَّ بالجهرِ


وزارة الإعلام
منذ 2 ساعات
- وزارة الإعلام
اللواء: منطلقان مختلفان بين الدولة والحزب في مقاربة حصرية السلاح.. العشائر «لحزب الله»: لن نقبل بالتعرُّض لرئاسة الحكومة في الشارع
كتبت صحيفة 'اللواء': كل الأنظار تتجه اليوم الى قصر بعبدا، حيث تُعقد هناك جلسة مجلس الوزراء عند الثالثة من بعد الظهر، للنظر بجدول اعمال وزعت بنوده الاسبوع الماضي، والبند الاول فيه هو بسط سلطة الدولة سيادتها بقواها الذاتية على كافة الاراضي اللبنانية، ومتابعة قرار وقف العمليات العدائية التي نص عليها القرار 1701، وقرار وقف النار بين لبنان واسرائيل في 24 ت2 2024، وسط منطلقين مختلفين: الدولة تعمل وفق برنامجها المتفاهم عليه، فالاولوية لبت حصرية السلاح، وحزب الله الاولوية عنده الانسحاب من النقاط الخمس ووقف الاعتداءات والاغتيالات واطلاق الاسرى، والسماح باعادة الاعمار. ووسط هذا الحدث المرتقب، لم تغب طائرات الاحتلال، سواءٌ المسيَّرات عبر عمليات الاغتيال او طائرات الاستطلاع، فنعت وزارة الصحة شهيداً، الى جانب 4 جرحى في استهداف مسيَّرة، كما استهدفت مسيَّرة معادية غرفة وجرافة وآلية في محيط جبانة بلدة كفركلا فجر امس. وكان لبنان تسلم الرد على ردّه، ويتضمن رفض اعطاء ضمانات، او اعتبار الاولوية للانسحاب الاسرائيلي، من النقاط الخمس المحتلة، ووقف الاعتداءات اليومية، فضلاً عن اطلاق الاسرى المحتجزين لديه. وتهدف الاتصالات الجارية الى نزع نقاط التباين، وتوفير ظروف ملائمة للجلسة التي تعقد الثلاثاء من اجل استكمال البحث في تنفيذ البيان الوزاري للحكومة في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة على جميع اراضيها بقواها الذاتية حصراً، وبالترتيبات الخاصة بوقف الاعمال العدائية لشهر ت2 2024. وعشية الجلسة، كشف النقاب عن رسالة بعث بها حزب الله الى رئيس الجمهورية، ربط فيها بين العهد وملف السلاح. وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» ان جلسة مجلس الوزراء اليوم ما تزال قائمة بموعدها وأن حضور جميع الوزراء بما في ذلك وزراء الشيعة بإستثناء من ارتبطوا مسبقاً بموعد سفر مرتقب وتحدثت عن طرح صيغة قائمة على مواقف رئيس الجمهورية في خطابي القسم وعيد الجيش ومن شأنها ان تعيد التذكير بحصرية السلاح بيد الدولة على ان إمكانية عقد اكثر من جلسة مرتقبة الا اذا حسمت جلسة اليوم التوجه وفق صيغة مرضية للجميع. ورأت ان كل ذلك يتم بالتنسيق مع إتصالات يجربها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري مع حزب الله ويراد ان تكون جلسة منتجة اذ ان اي سيناريو يتصل بالتأجيل لا يفضله رئيس الجمهورية. وحول امكان انسحاب وزراء الثنائي الشيعي من جلسة اليوم الثلاثاء وعدم قبول وضع جدول زمني لتسليم السلاح، قال الرئيس سلام: «لا مخاوف لدي أبدا، وهذه ليست مطالب أميركية بل هي واردة في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية، واتفاق الطائف يقول ايضا ببسط سلطة الدولة اللبنانية على اراضيها بقواها الذاتية، اذا هذه مطالب لبنانية ومسائل أجمع عليها اللبنانيون، وإن شاء الله نضع ابتداء من يوم الثلاثاء آلية تنفيذية لتحقيق ذلك». وأوضح وزير العدل عادل نصار في تصريح لـ«اللواء» ان موضوع تسليم السلاح ملحّ وأن مشكلة السلاح يعرقل بناء الدولة ويجر مخاطر اضافية على البلاد. ولفت الوزير نصار الى ان البيان الوزاري حظي بإجماع الوزراء فلماذا الخشية من قيام شرذمة داخل مجلس الوزراء. وكرر القول: اذا اختار حزب الله الإنتحار برفض تسليم سلاحه، فلن يسمح له بأن يجر لبنان والشعب اللبناني معه. ورأى ان غالبية الوزراء يريدون تحقيق مصلحة البلاد. ومساء امس، غادر وزير العمل محمد حيدر بيروت متوجهاً الى بغداد، على رأس وفد رسمي، تلبية لدعوة رسمية من نظيره العراقي وزير العمل والشؤون الاجتماعية احمد الأسري. كما يغيب عن الجلسة وزير المال ياسين جابر، وهو المكلف بالتفاوض مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حول المساعدات والقروض، التي مرتبطة بما تقره الحكومة من بنود تتعلق بحصرية السلاح. على وقع استذكار فاجعة انفجار مرفأ بيروت التي تركت مئات الضحايا والجرحى وتدمير احياء كثيرة من العاصمة بيروت، شهدت الساعات الماضية حبس انفاس سياسية بإنتظار نتائج المشاورات التي تسبق جلسة مجلس الوزراء اليوم في القصر الجمهوري، والتي تناقش حسب البند الاول في جدول الاعمال:«استكمال تنفيذ البيان الوزاري في شقه المتلعق ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً»، وسط تصعيد في المواقف من طرفين في الحكومة هما حزب الله والقوات اللبنانية حول موضوع جمع سلاح الحزب. وفي حين افادت مصادر حكومية لـ «اللواء» ان الرئيس نواف سلام زار امس الرئيس جوزف عون، للتداول في الصيغ المطروحة،عُلم ان البحث يتركزعلى صيغة مقبولة من جميع الاطراف بما فيها الطرف الدولي. بعدما تضاربت المعلومات حول ما يمكن ان يحصل في الجلسة، بين ما يفيد انه تم تطويق اي تصعيد داخل الجلسة سلفاً، وان كل الاطراف ستحضر الجلسة ولو غاب عنها ثلاثة وزراء بداعي السفر(ياسين جابر ومحمد حيدر وجو رجي). وبين ما يقول أن وزراء القوات اللبنانية سيكونون متشددين وقد ينسحبوا من الجلسة في حال لم تعجبهم مسارات ونتائج النقاش او لم يتم تلبية مطلبهم بوضع جدول زمني لسحب السلاح. وبحسب المعلومات فان هذه الجلسة لن تكون حاسمة في هذا المجال، بل سيتبعها العديد من الجلسات الاخرى، التي ستبحث الموضوع نفسه. والارجح ان يتأجل اتخاذ الموقف الى جلسة يوم الخميس. وأضافت المعلومات ان لا نية لأي من القوى السياسية بتفجير الحكومة وجر البلد الى مشكل سياسي او امني داخلي وهناك اتصالات سياسية ناشطة للاتفاق على صيغة حول حصر السلاح، وان حركة اتصالات واسعة وتبادل صيغ بين الحزب والرؤساء الثلاثة عبر موفدين عن كل جهة للتوصل الى صيغة ختامية بناء على اساس سيادي بمعنى التأكيد على الانسحاب الاسرائيلي قبل حصر السلاح. لكن حسب معلومات «اللواء» ان النقاش سيكون تحت سقف خطاب القسم ثم خطاب عيد الجيش لرئيس الجمهورية وسقف البيان الوازري للحكومة، ولن يدخل في تحديد مهل لتنفيذ بند سحب السلاح، التي يرفضها الحزب لأنه يعتبرها «انصياعاً للمطالب الاميركية والاسرائيلية بغياب اي ضمانات لتنفيذ الاحتلال المطلوب منه بالانسحاب ووقف الاعتداءات واطلاق سراح الاسرى، ورفض نقاش اي اتفاق آخرغير اتفاق تشرين الثاني 2024 لوقف اطلاق النار»، لكن الحزب قال انه منفتح على الحوار والنقاش على صيغة لحصر السلاح بيد الدولة وفق البيان الوزاري والقرار1701 شرط إلزام الاحتلال بتنفيذ الجانب المطلوب منه. واضافت المصادر: ان المشاورات ستبقى مستمرة حتى اللحظات الاخيرة قبل موعد الجلسة الساعة الثالثة بعد الظهر للتوصل الى صيغة ترضي جميع الاطراف، بناء لما ورد في خطاب الرئيس عون بعيد الجيش من بنود الرد اللبناني على الورقة الاميركية، على ان تتم احالة الجزء التنفيذي الى المجلس الاعلى للدفاع وقيادة الجيش. بينما تم تسريب معلومات تفيد عن تشدد في الموقف الاميركي بضرورة خروج الجلسة بموقف واضح وحاسم. وفي ظل ضخ التسريبات، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، أنه «لا شيء إسمه مصادر نبيه بري» أو «مصادر بري»، علماً ان دولة رئيس مجلس النواب لم يدلِ بأي تصريح لأية وسيلة إعلامية اليوم الأحد. وكانت قناة العربية – الحدث قد نقلت امس الاول، عن ما وصفته مصادر الرئيس بري قولها:انه «يرفض تغيب الوزراء الشيعة عن جلسة الحكومة الثلاثاء المقبل..ولا مانع من مناقشة الحكومة لكافة الملفات بما فيها سلاح حزب الله». اما البند الثاني من جدول اعمال الجلسة تحت عنوان تعيينات مختلفة، فرجحت بعض المصادر ان تشمل تعيين مفتشين قضائيين، لكن حتى مساء امس لم ترد اي معطيات مؤكدة عن طبيعة التعيينات ولا اسماء المرشحين لها. موقف حزب الله ومن الرابية، اكد وفد حزب الله الذي ضم النائبين علي فياض ورائد برو ومحمد الخنسا ان «التماسك الوطني والتوصل الى حلول تحقق الاستقرار الامني والمصلحة الوطنية، ووصف الزيارة للرئيس السابق ميشال عون بأنها للتشاور حول طبيعة الموقف تجاه استمرار العدوان الاسرائيلي على لبنان.. وعليه حسب فياض لا يمكن الانتقال الى البحث بأي شيء يخص السلاح ما لم يلتزم العدو بالانسحاب وايقاف الاعمال العدائية». ودعا فياض «الحكومة اللبنانية إلى الالتزام بما ورد في البيان الوزاري، وبما ورد في خطاب القسم، والأوراق اللبنانية الأولى التي قُدمت للوسيط الأميركي، التي تؤكد أن المدخل للمعالجة هو الانسحاب «الإسرائيلي»، وإيقاف الأعمال العدائية، وإطلاق سراح جميع الأسرى، ووضع الإعمار على سكة المعالجة، مردفاً: «بعد ذلك نؤكد استعدادنا الكامل للمعالجة بكل إيجابية من قلب القواعد التي نص عليها القرار 1701، والتي نصت عليها ورقة الإجراءات التنفيذية، التي تحدثت عن وقف إطلاق النار بين لبنان والعدو الصهيوني». وقال: ان البحث بجدول زمني او القفز مباشرة الى المطالبة بتسليم السلاح، قبل ان يقوم الاسرائيلي بما يجب ان يلتزم به اساساً، يشكل نوعاً من الخلل الكبير الذي يحتاج الى معالجة. العشائر العربية تحذّر من استهداف الحكومة وفي خطوة، مثيرة للاهتمام اعلن تجمع العشائر العربية في لبنان استعداده لحماية موقع رئاسة الحكومة والدفاع عنه بكل الوسائل المشروعة.. وقال في بيان له من يشعل نار الفوضى، فلن يكون بمنأى من حريقها. وجاء موقف العشائر، بعد معلومات عن بيانات تدعو الى تحركات مشبوهة في الشارع، وتستهدف بوضوح مؤسسات الدولة، وفي مقدّمها رئاسة مجلس الوزراء. ذكرى المرفأ وتحولت الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، الى ذكرى أليمة وسط تأكيد المسؤولين وفي مقدمهم الرئيسان عون وسلام على احلال العدالة وكشف الحقيقة. وكان سلام رعى اطلاق اسم «شارع ضحايا 4 آب» على الطريق الممتدة من تمثال المغترب إلى تقاطع جورج حداد في العاصمة بيروت، خلال حفل أقيم بدعوة من أهالي ضحايا، شهداء، جرحى ومتضرري تفجير مرفأ بيروت، وجال والحضور على حديقة ضحايا انفجار المرفأ التي اقامتها وزارة الزراعة ومحافظة مدينة بيروت والبلدية لتخليد ذكرى الضحايا والشهداء. وتحدث الرئيس سلام مع الاهالي الذين طالبوه «بإحقاق حقهم وحق كل الأبرياء».فرد الرئيس سلام بأنه «لن يقف احد بعد الآن في وجه العدالة، وان شاء الله لا تتأخر الحقيقة لأنها الطريق الى العدالة». ولم يتمالك رئيس الحكومة دموعه تأثراً، خلال الجلسة عندما وقفت والدة شاب قضى في 4 أب لتقول بصوت مختنق: «منذ وفاة ابني، ونحن في الشوارع نطالب بالحقيقة والعدالة لضحايانا. الوقوف في الطريق صعب، لا سيّما حين تنكسر صورة ابني على صدري وأنا أطالب بحقه، وتعرّضت للضرب من أجله… ابني الذي لم يكن لي سواه. لقد ذقنا طعم الظلم، لكنني ما زلت أعلّق أملي بكم للوصول إلى العدالة». اعتبر رئيس الحكومة نواف سلام ان «لا أحد فوق المحاسبة».قال «ارفعوا ايديكم عن القضاء ونحن لن نساوم على العدالة والحقيقة ام العدالة»، مؤكدا ان « لاعودة عن قرار حصر السلاح بيد الدولة». وخلال مشاركته في الجلسة الحوارية المشتركة، بين وزير الثقافة غسان سلامة ووزيرة الشؤون الإجتماعية حنين السيد في المكتبة الوطنية الصنائع، لمناقشة تداعيات انفجار الرابع من آب أن معرفة حقيقة انفجار مرفأ بيروت ومحاسبة المتورطين قضية وطنية جامعة، لفت الى « أنّ بيروت عاصمة ثكلى على أبنائها لكن الخامس من آب يمثل اندفاع الشباب من كل المناطق لمداواة الجراح وهو جيل يريد قيام الدولة. الجنوب: شهيد و4 جرحى في وضع الجنوب امس، إستهدفت غارة اسرائيلية من مسيّرة، حي المسلخ القديم في أطراف الخيام الشرقية، أدّت الى ارتقاء شهيد متأثرا بإصاباته البليغة، فيما ارتفع عدد الجرحى إلى أربعة.حسبما أعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة، في بيان.ويدعى الشهيد علي سليمان من مدينة الخيام. كما قصفت مدفعية الاحتلال الاسرائيلية بعدد من القذائف المنطقة الواقعة بين بلدتي مارون الراس ويارون في قضاء بنت حبيل. كما أطلق الجيش الاسرائيلي قذائف مدفعية وصوتية باتجاه بلدتي راميا وعيتا الشعب. الى ذلك، عُثر على كاميرا تجسس «إسرائيلية» في بلدة عيترون. وسجل عصراً تحليق مسيّرة معادية فوق مدينة بعلبك.


المردة
منذ 3 ساعات
- المردة
حبس أنفاس إنتظاراً للون الدخان!
كتب جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة في 'الجمهورية' إسرائيل لا تعترف بالقانون الدولي إلّا في حال تحقيقه أغراضها وأهدافها في أي نقطة من العالم. ويقول وزير ماليّتها سموتريتش: «إنّ القانون الدولي لا ينطبق على اليهود، وهذا هو الفارق بين شعب الله المختار والآخرين». وفي ظنّ «حزب الله» وتحليله، أنّه في المهداف العبري، سواء سلّم سلاحه أو لم يُسلّمه أو سُحِبَ منه، وأنّه غداة تسليمه السلاح أو سحبه منه، إن حصل، سيكون عرضةً لعمليات قتل تطاول أفراده، وبيئته وجمهوره، ولتدمير ممنهج لمدنه وبلداته وقراه. ويُشكِّك الحزب في أنّ تسليمه السلاح سيفتح الباب أمام الإعمار، لأنّ الأولوية لدى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، هي لإعمار سوريا لأنّها بيئة استثمارية جاذبة لكِبَر مساحتها وثرواتها المتنوّعة، وأكثر مردوداً من لبنان ذي الإمكانات المحدودة. وإنّ واشنطن وتل أبيب ترفضان رفضاً قاطعاً أن تتولّى إيران جزءاً من ملف الإعمار، حتى المبادرات الفردية لمستثمرين ومغتربين شيعة ستكون غير متاحة. ويعتقد الحزب أنّ هناك قراراً واضحاً بمحاصرة الطائفة الشيعية وتهميش دورها في المعادلة الجديدة التي ستنشأ. ومن هنا، فإنّه يشكّك في أن يؤدّي تسليم سلاحه أو سحبه منه إلى رفع الضغط عن لبنان بكل وجوهه. وفي مقابل ذلك، يقول قطب سياسي ربطته سابقاً علاقات جيدة مع المقاومة، وهو لا يزال على تواصل مع قيادة «حزب الله»، إنّ على الأخير أن يقرأ المشهد جيداً، وأن يقر أنّ «محوَر الممانعة» تلقّى ضربات موجعة بدءاً من غزة وصولاً إلى إيران مروراً بلبنان، وسوريا والعراق واليمن. والواضح أنّ إغتيال الشهيد حسن نصرالله، ركيزة المحوَر ودماغه المفكّر ومحرّكه، والتطوّرات السورية التي أسقطت نظام بشار الأسد وحملته على اللجوء إلى روسيا، كانا من أكثر التداعيات إيلاماً على المستويَين التكتيكي والإستراتيجي. وإنّ واجب المصارحة يقتضي أن يلتفت الحزب إلى حقائق مُرّة أفرزتها نتائج «حرب الإسناد»، وأدّت خواتيمها إلى اتفاق أممي في 27 تشرين الثاني 2024 لم تحترمه إسرائيل وأدمنت على خرقه متسبِّبةً بسقوط 450 شهيداً منذ سريانه، من دون أن تتمكن الأمم المتحدة من إلزامها بتنفيذ القرار 1701، ولا حتى الدول الخمس الأعضاء التي عُهِدَ إليها مواكبته والسهر على تطبيقه. من هنا الإشكالية التي تواجه مجلس الوزراء اليوم، بدءاً بطريقة استخدام العبارات. فثمة مَن يدعو إلى «تسليم السلاح»، وثمة مَن يحضّ الحكومة والجيش على «نزع السلاح». والفارق بين العبارتَين ليس تفصيلاً، لأنّه يُعبِّر عن منطقَين وخلفيّتَين متباينتَين تماماً، ما يزيد من التشنّجات بدل أن يُقلّصها، وصولاً إلى الضمانات المطلوبة، لئلّا يكون تسليم السلاح مدرجة لإسرائيل لتستأنف إعتداءاتها على لبنان واستئصال «حزب الله» وبيئته معاً. مع الإشارة إلى أنّ رئيس الجمهورية لم يستخدم مرّة واحدة عبارة «نزع السلاح»، بل كان يُركِّز على عبارتَي «تسليم السلاح وسحبه». وذلك تحت العنوان العريض الوارد في خطاب القَسَم، والبيان الوزاري «حصرية السلاح بيَد الدولة». وهذا الهاجس يقضّ مضجع القيادات الشيعية في لبنان من رئيس المجلس النيابي نبيه بري والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وسواهما، لأنّ النسيج الوطني والداخلي سيكون عرضةً للإهتزاز عندما تكون طائفة بعينها مستهدفة. والواضح الذي لا يحتمل أي لبس، أنّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يتصدّى لهذا الموضوع، وإنّ كلامه لمناسبة العيد الـ80 للجيش اللبناني، وبعيداً من التفسيرات التي أُعطِيَت له، كان مدروساً وعلى مقدار من التوازن في مسألة حصرية السلاح، وينطلق من المعطيات السياسية والميدانية على الأرض، وهو يجتهد من خلال الإتصالات الخارجية والداخلية التي يقوم بها، لإيجاد صيغة توفّق بين المطالب الدولية والإقليمية الضاغطة بشدة، وبين الهواجس التي تتملّك «الثنائي الشيعي». ولذلك، فهو يتحرّك بعناية وحذر، مكثفاً اتصالاته للخروج بمعادلة تضع موضوع حصرية السلاح على السكة وتقديم الضمانات التي تُبدّد المخاوف التي يرى أصحابها أنّها مشروعة. وحتى ساعة متقدّمة من ليل أمس، كانت الاتصالات ناشطة بين بعبدا وعين التينة عبر القنوات المولجة بالتواصل بين رئيسَي الجمهورية والمجلس النيابي، وهناك اتصالات غير معلنة مع مسؤولين رفيعي المستوى في «حزب الله». ويجري العمل على أن تُعقَد جلسة مجلس الوزراء اليوم في حضور وزراء «الثنائي الشيعي» أو بعضهم، كون اثنَين منهم يغيبان بداعي السفر، وأن تتمّ المناقشات في هدوء، فلا تؤدّي التباينات وتبادل الإتهامات بين الكتل الممثلة في الحكومة إلى مشكلة تزيد الوضع استعصاء. على أنّ القصة هي قصة ثقة يجب أن تعزّز التضامن الحكومي لا إلى اهتزازه أو نسفه، وتطويق أي محاولة لضرب الإستقرار وتعريض السلم الأهلي للخطر. إنّ الأمور ليست بالبساطة التي يظنّها البعض. وإنّ أي خطأ في قراءة الواقع والوقائع قد يفضي إلى ما لا تُحمد عقباه. وخصوصاً أنّ وجهة الأحداث ستتحدّد في ضوء جواب الحزب، وما يمكن أن يعلنه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم. ومرّةً أخرى، يبدو الرهان على قدرة الرئيس عون في فكفكة العقدة وحمل الأفرقاء على الدخول في حوار هادئ ومسؤول، لأنّ مستقبل لبنان يتوقف على نتائج مجلس الوزراء اليوم. وهناك عدد من الصِيَغ والمقترحات. لكنّ السؤال المطروح: ماذا ستكون عليه ردّة الفعل الأميركية والإسرائيلية، وإلى أي مدى قد تصل؟ هل لإعطاء فرصة للبنان لتجاوز القطوع والتوصّل إلى حلّ يُشكّل قاعدة لتفاهم واسع يعزّز طرح الدولة وبسط سيادتها ويطمئن إليه «حزب الله»، خصوصا أنّ رئيس الجمهورية أكّد الحرص على انسحاب إسرائيل من المواقع التي احتلّتها غداة إعلان وقف الإعمال العدائية، والإعتداءات والغارات والخروقات وقتل المواطنين وإطلاق الأسرى؟ أو أنّ تل أبيب ستكون مُصرّة على الاحتفاظ باليَد الطولى والعليا في لبنان، تفعل ما تشاء من دون وازع أو رادع، وهي التي اعتادت ضرب القرارات الأممية عرض الحائط، سواء في غزة ولبنان وسوريا، ولم تتورّع عن مهاجمة إيران واليمن وأي مكان إذا كانت مصلحتها تقتضي ذلك؟ إنّ جلسة مجلس الوزراء اليوم ستكون على درجة عالية من الأهمية، وسيتوقف على نتائجها كثير من الأمور. وسيحبس اللبنانيّون أنفاسهم انتظاراً للون الدخان الذي سيتصاعد من بعبدا، وهو ما سيضع حداً للتكهّنات.