logo
هل من منقذ لمدينة بني ملال من التردي الحاصل على كل المستويات؟

هل من منقذ لمدينة بني ملال من التردي الحاصل على كل المستويات؟

هبة بريس١١-٠٦-٢٠٢٥

هبة بريس- عبد اللطيف الباز
في قلب جبال الأطلس، وتحت سماء تشتهر بعذوبة مناخها وثراء تربتها، تستقر بني ملال كأنها وعد مؤجل، أرض وهبها الله كل المقومات، لكنها لا تزال تنتظر أن تثمر سياسات تُنصفها. من يزور الإقليم لأول مرة ينبهر بتنوعه الطبيعي، بتلك الحقول الممتدة على مرمى البصر، بالمياه التي تجري في العروق الجوفية، وبالجبال التي تحرسه من الجهات الأربع. لكنه، ما إن يخوض أكثر في التفاصيل، حتى يكتشف أن خلف هذا الجمال، تختبئ حكاية طويلة من الإقصاء التنموي، والتسيير المرتبك، والتبعية التي كسرت العمود الفقري لاقتصاده المحلي.
بني ملال، المدينة التي يعيش كثير من سكانها على إيقاع التحويلات المالية القادمة من الخارج، لا لأنهم لا يملكون البدائل، بل لأن البدائل سُرقت منهم تحت مسمى المشاريع المؤجلة، والمخططات التي وُضعت لتُنسى. كل شهر، تنتظر آلاف الأسر 'مسج الوسترن' كمن ينتظر الحياة من جديد، لتحصيل قوت يومهم، أو لتغطية فواتير كهرباء أصبحت أغلى من قدرتهم على الاحتمال، ومياه سقي يتقاسمونها مع مصانع تستنزف الفرشة المائية دون محاسبة. من المفارقة أن تتحول الهبة الإلهية إلى عبء، والماء الذي كان يُفترض أن يكون شريانًا للتنمية، إلى ورقة ضغط تعرّي الفشل.
أما الصحة، فهي جرح مفتوح لا يندمل. مستشفى الجهوي، ذاك الذي يُفترض أن يكون ملجأ البسطاء، تحول إلى نقطة عبور نحو المجهول. طوابير من المرضى ينتظرون دورهم في ضل قلة الموارد البشرية، إلى جانب قلة المعدات والأجهزة التي قد تطالها الأعطاب من حين إلى أخر ، أو وأطباء ملتزمين بلوائح المواعيد المتعددة. التي يتوافد عليها المرضى من مختلف الأقاليم الجهة بل لأن الناس فقدوا ثقتهم في المرفق العمومي.
لكن القصة لا تنتهي عند الصحة، بل تمتد إلى عمق السياسة. ففي هذا الإقليم، يتكرر الفساد كأنه لازمة يومية. يكاد لا يمر عام دون أن تنفجر فضيحة، ودون أن يُعتقل منتخب، أو يُدان مسؤول. اعتقال رئيس المجلس البلدي السابق لم يكن مفاجأة، بل محطة عابرة في مسلسل طويل من سوء التسيير. ومع ذلك، يعود نفس الوجوه للواجهة مع كل موسم انتخابي، مدججين بنفس الأساليب القديمة: القفف، الشاحنات، ووعود تعبيد الطرق التي لا تصمد سوى أسابيع بعد نهاية الانتخابات. المواطن يجد نفسه أمام معادلة مستحيلة: إما أن يُعيد انتخاب من خذلوه، أو يُغامر بوجوه جديدة لا يثق بها. وهكذا، يُختزل الحلم الديمقراطي في لحظة استسلام.
وفي خضم كل هذا، يبقى الأمل معلقًا على قلة تؤمن بأن التغيير لا يأتي من السماء، بل من تضافر الإرادة الشعبية، من عودة المواطن إلى موقع الفاعل، لا المفعول به. بني ملال لا تحتاج إلى صدقات سياسية، بل إلى عدالة تنموية تبدأ من التعليم، وتمر عبر الصحة، ولا تنتهي إلا في كرامة الإنسان. إنها مدينة تستحق أن تكون في طليعة النمو، لا في ذيل الخريطة، فقط لو وجدت من يُنصت لنبضها بصدق.
على هامش المعاناة العامة التي تعيشها بني ملال، تقف كرة القدم كمرآة إضافية تعكس العطب. فريق رجاء بني ملال، الذي لطالما دوّى اسمه في مدرجات الكرة الوطنية، يعيش أسوأ أيامه. لم تعد الهزائم مجرد نتائج رياضية، بل مؤشرات على تآكل مشروع بأكمله. الفريق الذي كان ذات زمن حلمًا جماعيًا لساكنة المدينة، بات اليوم عبئًا ثقيلًا على جماهيره، التي لا تزال تحج إلى الملعب، لا حبًا في المتعة، بل وفاءً لذاكرة.
منظر الجماهير الغاضبة وهي تقف أمام مقر الولاية، ترتدي الأسود كرمز للحداد، يلخص المأساة. لم يأتوا من أجل مباراة، بل من أجل كرامة مهدورة، لفريقهم الذي ضاع بين أيادي مسيرين لا يملكون لا الرؤية ولا الإحساس بالمسؤولية. يتحدثون عن 'الوصاية'، عن العبث، عن بيع الأحلام بأبخس الأثمان، وهم يعلمون أن الرجاء لم يكن يومًا مجرد نادٍ رياضي، بل كان مؤسسة اجتماعية، عنوانًا للهُوية والانتماء.
الصدمة الحقيقية ليست في النتائج، بل في غياب المشروع. لا تكوين، لا بنية احترافية، لا استثمار في الفئات الصغرى. الفريق يعيش على الفتات، بينما تُصرف الملايين في جداول لا يعلم أحد مآلاتها. أكثر من ذلك، تحوّل الفريق إلى ساحة حرب انتخابية، حيث تُستخدم نتائجه كورقة ضغط، ويتم التلاعب بمصيره باسم 'الدعم المشروط'، في غياب أية رقابة حقيقية.
الجمهور، وهو الطرف الأذكى في المعادلة، لم يعد يثق. لكنه أيضًا لم يستسلم. الوقفة الأخيرة كانت أكثر من رسالة غضب، كانت إعلان ولادة جديدة لحراك رياضي-مدني يرفض أن يُختزل النادي في فئة من المنتفعين. لقد أدرك المشجعون أن الرجاء لن يُنقذ من داخل الملعب فقط، بل من الشارع، من الضغط، من كشف المستور، من رفض التواطؤ مع الصمت.
وإذا كان من دروس يمكن استخلاصها من هذه الأزمة، فهي أن الرياضة ليست ترفًا في المدن المهمشة. إنها أداة للتماسك الاجتماعي، لصناعة الأمل، لبناء جيل يعرف معنى التضحية والانتماء. ولذلك، فإن إنقاذ رجاء بني ملال، هو في جوهره إنقاذ لروح المدينة.
المطلوب اليوم ليس مجرد تغيير أسماء على الورق، بل ثورة حقيقية في العقليات. رؤية واضحة، شفافية مالية، حكامة تُلزم الجميع بالمساءلة، وقبل كل شيء، انخراط حقيقي للساكنة في حماية هذا الإرث الرمزي. الكرة في ملعب الجميع، لكن الحكم هذه المرة هو التاريخ، الذي لا يرحم من خذلوا أحلام مدينتهم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الجمعية المغربية للعلوم الطبية تواصل تكريس ثقافة الاعتراف بتكريم الراحل المرحوم ذ علي الماعوني
الجمعية المغربية للعلوم الطبية تواصل تكريس ثقافة الاعتراف بتكريم الراحل المرحوم ذ علي الماعوني

كازاوي

timeمنذ يوم واحد

  • كازاوي

الجمعية المغربية للعلوم الطبية تواصل تكريس ثقافة الاعتراف بتكريم الراحل المرحوم ذ علي الماعوني

تحت رعاية وزيري الصحة والحماية الاجتماعية والتعليم العالي، تنظم الجمعية المغربية للعلوم الطبية بتعاون مع كلية الطب والصيدلة بالرباط، والمستشفى الجامعي ابن سينا، والجمعية المغربية للروبوتيك في الصحة، يوم السبت 28يونيو 2025 بالرباط فعاليات اليوم العلمي الربيعي الأول دورة المرحوم البروفيسور علي الماعوني، الأستاذ والجراح وأيقونة القطاع الصحي الذي قدّم الشيء الكثير خلال مسيرة حياته من أجل الطب الحديث في بلادنا، الذي ترك بصمته الواضحة والراسخة في قلوب طلبته وزملائه ومرضاه، والذي استفادت من خبرته أجيال متعددة من الأطباء. هذه الدورة التي اختير لها شعار 'الابتكار في خدمة الصحة'، والتي سيتم خلالها تكريم روح الراحل علي الماعوني، تنسجم والتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده الداعية من جهة إلى الاهتمام بمهنيي القطاع الصحي الذين يحفهم جلالته بعنايته الخالصة، ومن جهة ثانية بصحة المغاربة قاطبة، كما أنها تعكس التزاما قويا من الجمعية المغربية للعلوم الطبية وشركائها بالاستمرار في تكريم نساء ورجال الصحة، تأكيدا على أن ثقافة الاعتراف تعتبر قيمة إنسانية وخصلة نبيلة تجد جذورها في هويتنا المغربية الأصيلة. ولأن امتدادات الراحل البروفيسور علي الماعوني هي كبيرة وقوية، فإن هذا التكريم واللقاء الذي يُنظّم بالمناسبة ستحتضنه كلية الطب والصيدلة بالرباط التي كان أستاذا بها، وسيرأس هذه الدورة الأولى شرفيا عميد كلية الطب والصيدلة والوزير السابق الأستاذ نجيب الزروالي، الذي له مسار مهني ودبلوامسي حافل وجد مشرّف، بينما أنيطت مهمة رئاسة فعاليات هذا اليوم لكل من الأستاذين بلكحل ورؤوف وهما وجهان مشرقان تعتز المنظومة الصحية الوطنية بانتمائهما إليها. وسيعرف برنامج هذا اليوم الذي ستنطلق أشغاله في الثالثة عصرا بكلية الطب والصيدلة بالرباط تقديم عروض جد مهمة تناقش مواضيع آنية لها راهنيتها من أجل تطوير القطاع الصحي وتعزيز الصحة العامة وتجويد العلاجات، ومن بينها ما يتعلق الجراحات التي تهم الكبد، وزراعة الأعضاء، والمستجدات العلمية المرتبطة بهذا المجال، إضافة إلى الآفاق المستقبلية في الجراحة باعتماد الروبوتات واستخدام الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تسليط الضوء على أهمية التلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية وكل ما يتعلق بسرطان عنق الرحم، وغيرها من المحاور الأخرى. وسيعرف هذا اللقاء تكريم الراحل المرحوم ذ علي الماعوني بحضور ابنته الدكتورة سليمة الماعوني وابن أخيه الدكتور الحسين الماعوني رئيس الجمعية الملكية المغربية لأمراض النساء والتوليد، وعدد مهم من أقارب وأصدقاء الراحل، جدّد الله عليه رحماته الواسعة وجعله هو كل من فقدهم الجسم الصحي، خاصة خلال الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 وهم يخدمون وطنهم في جنة الخلد.

بنهاشم: "حالتي مستقرة وأشعر بأنني محاط بالدعم والمحبة"
بنهاشم: "حالتي مستقرة وأشعر بأنني محاط بالدعم والمحبة"

هبة بريس

timeمنذ 3 أيام

  • هبة بريس

بنهاشم: "حالتي مستقرة وأشعر بأنني محاط بالدعم والمحبة"

هبة بريس – رياضة طمأن أمين بنهاشم، مدرب نادي الوداد الرياضي، جماهير الفريق وكل المتابعين على حالته الصحية، بعد تعرضه لحادثة سير في الولايات المتحدة الأمريكية، مؤكداً أنه في حالة مستقرة ويتلقى الدعم من محبيه. رسالة مؤثرة من بنهاشم عبر 'فيسبوك' في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي على 'فيسبوك'، عبّر بنهاشم عن امتنانه العميق لكل من تواصل معه للاطمئنان على صحته، قائلاً: 'أود أن أتقدم بجزيل الشكر من أعماق قلبي لكل من سأل عني واطمأن على حالتي بعد حادث السير الذي تعرضت له هنا في الولايات المتحدة. لقد أثرت فيّ رسائلكم ومكالماتكم كثيرًا'. حالة مستقرة ومشاعر دعم مؤثرة وأضاف مدرب الوداد: 'بفضل الله، أنا الآن في حالة أفضل، وحالتي مستقرة وثابتة. أشعر أنني محاط بالدعم والمحبّة، ومرفوع بكل هذه المشاعر الطيبة'. العائلة ليست شعارًا فقط وختم تدوينته برسالة وجدانية قال فيها: 'شكرًا جزيلًا للجمهور ولكل من كان بجانبي هنا، ومن قدّم لي الدعم والاهتمام بهذه الروح الراقية. لقد جعلتني هذه التجربة أُدرك أن العائلة ليست مجرد شعار، بل هي رابط حقيقي، وحالة ذهنية، ودعم صادق'. تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X مقالات ذات صلة

بنهاشم: 'حالتي مستقرة وأشعر بأنني محاط بالدعم والمحبة'
بنهاشم: 'حالتي مستقرة وأشعر بأنني محاط بالدعم والمحبة'

هبة بريس

timeمنذ 3 أيام

  • هبة بريس

بنهاشم: 'حالتي مستقرة وأشعر بأنني محاط بالدعم والمحبة'

هبة بريس – رياضة طمأن أمين بنهاشم، مدرب نادي الوداد الرياضي، جماهير الفريق وكل المتابعين على حالته الصحية، بعد تعرضه لحادثة سير في الولايات المتحدة الأمريكية، مؤكداً أنه في حالة مستقرة ويتلقى الدعم من محبيه. رسالة مؤثرة من بنهاشم عبر 'فيسبوك' في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي على 'فيسبوك'، عبّر بنهاشم عن امتنانه العميق لكل من تواصل معه للاطمئنان على صحته، قائلاً: 'أود أن أتقدم بجزيل الشكر من أعماق قلبي لكل من سأل عني واطمأن على حالتي بعد حادث السير الذي تعرضت له هنا في الولايات المتحدة. لقد أثرت فيّ رسائلكم ومكالماتكم كثيرًا'. حالة مستقرة ومشاعر دعم مؤثرة وأضاف مدرب الوداد: 'بفضل الله، أنا الآن في حالة أفضل، وحالتي مستقرة وثابتة. أشعر أنني محاط بالدعم والمحبّة، ومرفوع بكل هذه المشاعر الطيبة'. العائلة ليست شعارًا فقط وختم تدوينته برسالة وجدانية قال فيها: 'شكرًا جزيلًا للجمهور ولكل من كان بجانبي هنا، ومن قدّم لي الدعم والاهتمام بهذه الروح الراقية. لقد جعلتني هذه التجربة أُدرك أن العائلة ليست مجرد شعار، بل هي رابط حقيقي، وحالة ذهنية، ودعم صادق'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store