logo
د. عدلي قندح : صوت التمرد التجاري أصبح أكثر وضوحًا

د. عدلي قندح : صوت التمرد التجاري أصبح أكثر وضوحًا

أخبارنامنذ يوم واحد
أخبارنا :
بينما كانت العولمة تمضي بهدوء نسبي في ظل نظام اقتصادي متمركز حول الدولار والقيادة الأميركية، فجّرت إدارة ترامب الثانية، في منتصف عام 2025، موجة من القرارات الجمركية الصادمة، أُرسلت، قبل أيام، كرسائل رسمية إلى 22 دولة وتكتل اقتصادي. هذه الرسائل لم تكن مجرد إخطارات اقتصادية، بل حملت في طيّاتها إشارة واضحة: أميركا لم تعد تقبل بقواعد اللعبة القديمة، وتريد إعادة صياغة النظام التجاري العالمي بما يخدم مصالحها فقط.
لكن الردود لم تأتِ هذه المرة كما كانت في الماضي هادئة أو مترددة أو دبلوماسية بل جاءت على هيئة تمرد اقتصادي منظم، امتد من ساو باولو إلى القاهرة، وعبّر عن روح عالم جديد يتشكل، بعيدًا عن الهيمنة الأحادية.
جاءت رسائل ترامب بصيغة إنذار واضح :»الولايات المتحدة لن تقبل بالعجز التجاري، ومن يقيّد بضاعتنا، سنقيّده بأقسى منها.» وقد شملت الرسوم التهديدية ما يلي: أولا، 50 ٪ على صادرات البرازيل بحجج سياسية وتجارية؛ وثانيا، 30 ٪ على الاتحاد الأوروبي والمكسيك تبدأ في 1 أغسطس 2025؛ وثالثا، تهديدات بفرض تعريفات على الصناعات التكنولوجية الحيوية في الصين والهند؛ ورابعا، حديث عن مراجعة «اتفاقيات التجارة الحرّة القديمة» التي «استُغلت» من الدول الأخرى بحسب وصفه.
الرسائل لم تترك مجالًا للالتباس: ترامب يستخدم التعرفة الجمركية كسلاح جيوسياسي، لا كأداة مالية فحسب.
وفي مشهد بدا أشبه بالإعلان عن مرحلة ما بعد الأحادية، كانت البرازيل أول دولة تعلن التمرّد الرسمي: رفضت ما وصفته بـ»الابتزاز الجمركي»، وقررت تفعيل قانون المعاملة الاقتصادية بالمثل، فأوقفت بعض أشكال التجارة الثنائية مع الولايات المتحدة، وبدأت بالتعاون مع الصين وروسيا في تنفيذ خطة التخلّي التدريجي عن الدولار في التسويات التجارية. وترافق ذلك مع تذبذب في سعر الريال البرازيلي، لكنه ما لبث أن استعاد توازنه بدعم من البنك المركزي واستبدال بعض الاحتياطات بالدفع باليوان ضمن اتفاقات BRICS Pay.
الاتحاد الأوروبي تلقّى صفعة تعريفة بنسبة 30 ٪، الأمر الذي هدد صادرات تفوق 100 مليار دولار إلى أميركا. جاء رد الفعل الأوروبي على مراحل: بدايةً بتجميد الرد الفوري وانتظار نتائج المفاوضات، ثم إعداد حزمة ردود بقيمة 72 مليار يورو في حال لم يتم التراجع عن القرار، وكانت فرنسا في طليعة الداعين للمواجهة، بينما سعت ألمانيا لتفادي حرب تجارية شاملة. وفي خلفية المشهد، هناك إدراك أوروبي متزايد بأن النظام العالمي لم يعد مرهونًا فقط بالجلوس إلى الطاولة الأميركية.
الصين والهند، عوضًا عن الرد العلني المباشر، شرعتا في تنفيذ تحوّل استراتيجي صامت، وذلك من خلال تفعيل نظام BRICS Pay كنظام بديل لـSWIFT، وتسوية العقود التجارية الكبرى بالعملات المحلية (اليوان والروبية)، وتقليص الاعتماد على السندات الدولارية والبدء بتجارب رقمية في التمويل الثنائي.
الهند، التي لطالما اتبعت سياسة وسطية، وجدت نفسها تنجذب نحو التكتل الآسيوي الجديد، حيث الاستقلال المالي والسياسي عن الغرب.
ومثلت اتفاقيات مصر والصين الأخيرة أول اختراق فعلي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا للنظام المالي الدولي الأحادي، حيث تم توقيع مذكرات تفاهم لبدء التجارة باليوان، وإصدار سندات Panda Bonds بالعملة الصينية، ودعم نظام المدفوعات الرقمية عبر البنوك المركزية. وقد تضاعفت التجارة الثنائية بنسبة 19.5 ٪ خلال 2024–2025، وأعلنت مصر نيتها الانضمام الكامل إلى شبكة BRICS Pay بحلول نهاية 2025.
رغم صعود الدولار لحظيًا بعد إعلان الرسوم كملاذ آمن، إلا أن إشارات التآكل ظهرت بوضوح. فمن ناحية، هبطت نسبة الدولار في الاحتياطات العالمية من 71 ٪ (1999) إلى 59 ٪ (2021)، وقد تنخفض لأقل من 55 ٪ بنهاية 2025، ووقعت أكثر من 40 دولة حول العالم اتفاقيات ثنائية لتسوية التجارة بعملات غير الدولار منذ 2022، وبدأت نظم بديلة للدفع مثل BRICS Pay وCIPS الصينية تتوسع.
بذلك، فإن قوة الدولار لم تعد مطلقة، بل بدأت تدخل مرحلة التحول من مركز الهيمنة إلى أحد الأعمدة ضمن نظام متعدد العملات. كل المؤشرات تشير إلى أننا دخلنا مرحلة تفكك الهيمنة الأميركية الأحادية، وتشكّل نظام جديد تحكمه تكتلات إقليمية ناشئة (BRICS، الاتحاد الأوراسي، منظمة شنغهاي)، وعملات وطنية وقومية تُستخدم في التسوية، وتحالفات جنوب–جنوب تعيد توزيع القوة والنفوذ.
من ساو باولو إلى القاهرة، ومن نيودلهي إلى موسكو، صوت «التمرد التجاري» أصبح أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. ولم تكن الرسوم الجمركية التي أطلقها ترامب مجرد أدوات تفاوض، بل كانت بمثابة صافرة البدء لنهاية حقبة وبداية أخرى. العالم لم يعد يقبل بأن يُدار بعملة واحدة، أو بمنصة واحدة، أو بقواعد تكتبها قوة واحدة. إنه عصر التعددية الجيو-اقتصادية، حيث كل دولة تسعى لحجز مقعدها وفق شروطها، لا شروط واشنطن. ــ الدستور
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب: سأصدر قرارًا رئاسياً بتغيير مسمى كرة القدم في أميركا
ترامب: سأصدر قرارًا رئاسياً بتغيير مسمى كرة القدم في أميركا

جو 24

timeمنذ ساعة واحدة

  • جو 24

ترامب: سأصدر قرارًا رئاسياً بتغيير مسمى كرة القدم في أميركا

جو 24 : كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب مازحاً أنه قد يصدر أمرًا رئاسياً يُلزم الأميركيين باستخدام مصطلح "فوتبول" بدلًا من "سوكر"، كما هو الحال في معظم دول العالم. وخطف ترامب الأنظار بعد حضوره نهائي كأس العالم للأندية بملعب ميت لايف في نيوجيرسي بأميركا، إذ توج تشيلسي الإنجليزي بعد فوزه 3-0 على باريس سان جيرمان الفرنسي. وجاء تصريح ترامب خلال مقابلة مع شبكة "دازون"، إذ وصف النتيجة بأنها كانت "مفاجأة إلى حد ما". وردًا على سؤال حول إمكانية إصدار أمر رئاسي لتغيير تسمية اللعبة في البلاد، أجاب ترامب ضاحكًا: أعتقد أننا قد نفعل ذلك. وأشار ترامب إلى أن حضوره للنهائي جاء بدعوة من رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جياني إنفانتينو، الذي وصفه بأنه "صديق قديم"، معربًا عن سعادته بنمو كرة القدم في أميركا. وأضاف الرئيس الأميركي السابق أن الرياضة تملك قدرة استثنائية على توحيد الشعوب، مشيرًا إلى أن كرة القدم تحديدًا، باعتبارها الرياضة الأكثر شعبية على مستوى العالم، "تستطيع جمع الدول المتخاصمة على طاولة واحدة". تابعو الأردن 24 على

ترامب: على أوكرانيا عدم استهداف موسكو
ترامب: على أوكرانيا عدم استهداف موسكو

جفرا نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • جفرا نيوز

ترامب: على أوكرانيا عدم استهداف موسكو

جفرا نيوز - أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء، أن على أوكرانيا عدم استهداف موسكو، بعدما أفاد تقرير إعلامي بأنه حضّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على ضرب العاصمة الروسية. وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن ترامب طرح مع زيلينسكي إمكان شن هجوم مضاد محتمل، وسأل نظيره الأوكراني إن كانت بلاده قادرة على استهداف موسكو إذا زودتها واشنطن بأسلحة بعيدة المدى. ولكن ردا على سؤال لصحفيين في البيت الأبيض عمّا إذا كان على زيلينسكي استهداف موسكو، أجاب ترامب "عليه عدم القيام بذلك".

المحكمة العليا الأميركية تسمح لترامب بالمضي في تفكيك وزارة التعليم وسط جدل واسع
المحكمة العليا الأميركية تسمح لترامب بالمضي في تفكيك وزارة التعليم وسط جدل واسع

العرب اليوم

timeمنذ ساعة واحدة

  • العرب اليوم

المحكمة العليا الأميركية تسمح لترامب بالمضي في تفكيك وزارة التعليم وسط جدل واسع

سمحت المحكمة العليا الأمريكية للرئيس دونالد ترامب باستئناف إجراءات تفكيك وزارة التعليم، في خطوة أثارت معارضة القاضيات الليبراليات ودفعت ولايات ونقابات معلمين للطعن فيها قضائيا، وسط تحذيرات من تأثير القرار على مبدأ فصل السلطات ودور الحكومة في تمويل التعليم وبرامج حماية حقوق الطلاب. أتاحت المحكمة العليا الأمريكية الإثنين للرئيس دونالد ترامب المضي قدما في خطته لتفكيك وزارة التعليم، بعد أن أصدرت قرارا ينهي تعليق عمليات التسريح الجماعي للموظفين الذي فرضه قاض فدرالي سابقا. أتى هذا القرار من المحكمة ذات الأغلبية المحافظة، بينما أعربت القاضيات الليبراليات الثلاث عن رفضهن، معتبرات أن الأمر يمس بمبدأ فصل السلطات. وكان ترامب قد أعلن خلال حملته الانتخابية عزمه على إلغاء وزارة التعليم التي أنشئت وفق قانون أقره الكونغرس عام 1979، وبدأ في آذار/مارس بتحركات تهدف إلى تقليص عدد العاملين في الوزارة إلى النصف. وجه الرئيس ترامب وزيرة التعليم ليندا ماكماهون ببدء تنفيذ خطة إلغاء الوزارة بشكل كامل، وهو إجراء لطالما طالب به التيار اليميني في الولايات المتحدة، لكنه يحتاج إلى موافقة الكونغرس لإتمامه. تقدمت نحو 20 ولاية ونقابات المعلمين بدعاوى قضائية ضد هذا التوجه، معتبرين أن الرئيس تجاوز صلاحياته وتعدى على اختصاصات الكونغرس. وفي أيار/مايو، أصدر القاضي الفدرالي ميونغ جون قرارا بإعادة مئات الموظفين إلى وظائفهم في وزارة التعليم، قبل أن تلغي المحكمة العليا هذا الحكم أخيرا دون تقديم تفسير، وذلك بعد أيام من حكم آخر سهل إجراءات فصل الموظفين في هيئات فدرالية أخرى. القاضية الليبرالية سونيا سوتومايور، مدعومة بزميلتيها إيلينا كاغان وكيتانجي براون جاكسون، أكدت في رأي مخالف أن سلطة إلغاء وزارة التعليم تعود حصرا للكونغرس، محذرة من تداعيات القرار على مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور الأمريكي. يذكر أن الدور التقليدي للحكومة الفدرالية في التعليم كان محدودا، إذ تمثل مساهمتها نحو 13% من تمويل المدارس الابتدائية والثانوية، بينما تعتمد النسبة الباقية على ميزانيات الولايات وسلطات محلية أخرى. ومع ذلك، يعتبر التمويل الفدرالي جوهريا للمدارس منخفضة الدخل والطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب دوره البارز في حماية الحقوق المدنية للطلاب. منذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير، وجه ترامب الوكالات الفدرالية لوضع خطط لتقليص القوى العاملة في إطار جهود "إدارة كفاءة الحكومة" لتخفيف حجم الإدارات الحكومية. وباشر ترامب بالفعل في إجراءات تهدف إلى طرد عشرات الآلاف من الموظفين وتقليص العديد من البرامج، مركزا على مبادرات التنوع، وإلغاء وزارة التعليم، ووكالة المساعدات الإنسانية الأمريكية (USAID).

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store