logo
في وداع زياد...

في وداع زياد...

الجمهوريةمنذ 7 أيام
لم نكن «كلنا للوطن». زياد الرحباني صاغ من الوجع تاجاً للمهمّشين، ومن المعاناة صولجاناً للمعذبين، إختصرت حنجرته حناجرهم، فكان صرختهم، واجتمعت أناملهم في أنامله فعزف على مفاتيح «البيانو» مقطوعة الوطن المنكوب بأبنائه الذين أدركهم خدر «المعليشية» و«يصطفلو».
كان زياد «كافراً»، لكنه لم يكن كذلك لولا الجوع. وكان... كان ثائراً لا حباً بالثورة وسعياً وراءها، بل لأنّ كل شيء في لبنانه يدعو إلى الثورة. عمل في فنه على تحطيم صورة «لبنان الرحابنة» وصورة «لبنان سعيد عقل» الذي كان سنداً لمدرستهم، لا رفضاً لهذه الصورة، بل كان يرى نقيضها في يوميات اللبنانيين وسلوكياتهم. شيئيات المادة، وقشور الحداثة البعيدة من أصالة التراث دمّرت مسرح القرية، حقولها، أزقتها، وخطفت براءة الطفولة، وفورة الشباب، وعنفوان الرجال، ولم يتبق سوى الحلم. سخرية زياد من نموذج «الوطن الرحباني» لم يكن بدافع النفي والإنكار، إنما لبقائه وطناً هيولياً لا وجود له على أرض الواقع. هذا «الكافر» أعطى الكنيسة الحاناً تصل الأرض بالسماء، تمجّد عظمة الخالق بموسيقى علوية تحمل المستمع إلى دنى لا يحوطها خيال، ولا يدانيها جمال: «كيرياليسون»، «المجد لك أيها المسيح». هو مجد المسيح الذي قرأ على قسمات وجهه علامات الإنسان المستضعف، المعذب، المقهور، الذي يختلط دمه بعرقه، كما يختلط الدم والماء في تقديس القربان، خبز الحياة.
إنّ الغائص في أعماق شخصية زياد يتبين له أنّه كان وفياً لمبادئه وقناعاته ولم يبدّل تبديلاً، ولو تنوعت أساليب التعبير عنها في مسرحياته، ألحانه وأغانيه. لكنه كان كثير الوفاء لفيروز الأُم، فيروز الأُسطورة، فيروز الألم الساكت على ذكريات وجروح، المبحرة في الوجع الذي يتبركن في داخلها من دون أن تحني الرأس أو ترفع بيارق الاستسلام. «وحدن» فيروز وزياد غزلا من حرير الدمع «عباءة» الأمل المنتظر على قارعة رصيف لبنان المتعثر في زمن الانكسارات. مضى زياد بقرار منه... بملء وعيه خط السطر الأخير في كتاب الرحيل الآتي من نداءات روح تريد أن تتحرّر من كفنها الجسماني، لتنطلق بعيداً... وضع أصبعه في جروح كثيرة، تعبت هذه الإصبع ولم يتوقف النزف... برم بدنياه... ألقى عصاه وخلد إلى رقاد أراده أبدياً هذه المرّة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عن آخر جيل عاصرَ زياد
عن آخر جيل عاصرَ زياد

النهار

timeمنذ 19 ساعات

  • النهار

عن آخر جيل عاصرَ زياد

كنتُ في الخامسة من عمري، أصعد على طرف كنبةٍ في غرفة الجلوس، وأخي، الذي يصغرني بعام، يقف على الطرف المقابل، كأنهما خشبة مسرح. نفرغ وسائد الكنبة ونكدّسها في وسط الغرفة كجمهورٍ صامتٍ، ونبدأ العرض. يناديني فيروز، وأناديه كحلون. أسماءٌ أخذناها من مسرح الرحابنة. نغنّي من مسرحيّة ميس الريم، ما حفظه طفل في سنواته الأولى، لا أذكر منها شيئاً إلا خفّة اللحن وبهجة الارتجال. لا نصّ مكتوب، لا ستار يُسدل، ولا أضواء، فقط أصواتُنا الرقيقة، وغرفة جلوس باتت مسرحاً وليداً من خيال طفلين نشآ على أغاني فيروز وزياد يسمعانها عبر إذاعة صوت الشعب، في كاسيتات والدهما، أو في مظاهرة تسير من شارع الحمرا على ألحان زياد وكلماته. هذا ما بقي في الذاكرة... ويكفي أنّ طفولة غنّت زياد قبل أن تفهم الكلام. كبرت، ولم أعد فيروز التي أحببتها في لعبتنا، بل فتاة تبحث عن وطن، فوجدت زياد. كبرت وأصبح زياد رفيقي في رحلة البحث عن معنى. صباح سبت عادي، استيقظت أتصفح هاتفي، لأجد رفيقاً قد أرسل في مجموعة "اتحاد الشباب الديمقراطي" على واتساب صورةً لزياد، مرفقةً بعبارة: "وداعًا زياد". أسأله بدهشة: "مات؟" فيردّ: "راح الغالي". في هذا الصباح، توقّفت الموسيقى، خفت صوت المسرح وبقي الستار مفتوحاً أمام عيونٍ تنوحُ بصمتٍ. رحل زياد، رحل من كتب الحياة ولحّنها وغنّاها، "راح رفيقي وما قلّي شو بقدر أعمل لملايين المساكين". تركنا زياد، ترك الفقراء والمساكين يمضون وحيدين تحت رحمة تجّار المال وحرس السلطان "وبيبقوا جماعة بسطا وطيبين على نيّاتن صمدوا وغلبوا". تركنا معلّم الحبّ، وأوّل مدرّسيه، وأصدق من أحبّ حباً "بلا ولا شي". "هيك بتعمل هيك؟". مات زياد، وماتت "فيروز" الطفلة التي كانت ترتجل على الكنبة، ومات المسرح في البيت الشيوعيّ. وماتت الوسادة التي كانت تصفّق لنا صمتًا. أستيقظ اليوم على صوته يقول: "في عيون بتبكي ولا أرى أمامي سوى عيونه. عيونه "مش فجأة بينتسوا"، عيون زياد التي حُفرت تجاعيدها من قهر بلادنا، تعب الكادحين وعرقهم من أجل رغيف الخبز. عيون زياد التي لم تحتمل حرب غزّة، فقرّر للمرّة الأولى أن لا يعارك، أن لا يغنّي ولا يشتم ولا يحفر لحناً في جدران الضجيج. وكأنّه يعتذر إلينا، ويقول "أنا صار لازم ودّعكن". أسأل نفسي كيف كانت بروفته الأخيرة؟ ما كان آخر لحن دوّنه؟ هل كان يعرف أننا أحببناه إلى هذا الحدّ؟ رحل بوصلة الشيوعيّين، وصوت الشعب، ومن جعل من كل القضايا موسيقى سياسية واجتماعية، ساخرة حينًا، ودامعة كثيرًا؟ "الحالة تعبانة يا ليلى وكتير" لأن "رفيقي تركني عالأرض وراح" لأن رفيقي، الذي أعطاني معنى الأغاني، "راح"...

إضاءة شموع تكريماً لزياد الرحباني عند تقاطع بشارة الخوري (صور)
إضاءة شموع تكريماً لزياد الرحباني عند تقاطع بشارة الخوري (صور)

النهار

timeمنذ يوم واحد

  • النهار

إضاءة شموع تكريماً لزياد الرحباني عند تقاطع بشارة الخوري (صور)

تكريما للفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني، تم اضاءة شموع في شارع بشارة الخوري في بيروت. اضاءة شموع عن روح الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني في شارع بشارة الخوري في بيروت — Annahar النهار (@Annahar) August 3, 2025 وتوفّي زياد الرحباني في 26 يوليو/تموز 2025، عن عمر يناهز 69 عاماً، بعد مسيرة فنية، ترك خلالها بصمته العميقة في الموسيقى والمسرح. وُلد زياد عاصي الرحباني في بيروت، في الأول من كانون الثاني/يناير عام 1956. هو الابن البكر للسيدة فيروز والمؤلف الموسيقي والمسرحي والشاعر عاصي الرحباني، ونشأ في بيتٍ موسيقيّ بامتياز، حيث كانت الألحان والنصوص والمسرحيات جزءاً من الحياة اليومية. منذ طفولته، أظهر زياد ميلاً واضحاً إلى الموسيقى. بدأ يعزف على البيانو في عمر مبكر، وراح يتابع ما يدور حوله من عمل فنيّ بصمت ودقّة. وفي سن المراهقة، بدأت تظهر ملامح موهبته بشكل لافت، وخصوصًا حين اضطرّ إلى تأليف لحن أغنية "سألوني الناس" عام 1973 بسبب مرض والده. كانت تلك أول مرّة يوقّع فيها عملاً غنائياً بصوته الخاص، من دون أن يُعلن اسمه علناً.

تقلا شمعون لـ"النهار" من BIAF: شخصية مختلفة كلياً في "سلمى" (فيديو)
تقلا شمعون لـ"النهار" من BIAF: شخصية مختلفة كلياً في "سلمى" (فيديو)

النهار

timeمنذ يوم واحد

  • النهار

تقلا شمعون لـ"النهار" من BIAF: شخصية مختلفة كلياً في "سلمى" (فيديو)

أبدت الممثلة اللبنانية تقلا شمعون سعادتها بتكريمها الأخير في مهرجان المونودراما في الأردن، والذي أهدته إلى الراحل زياد الرحباني؛ وذلك خلال لقائها على السجادة الحمراء في اليوم الثاني من مهرجان بيروت الدولي للتكريم (BIAF). وفي حديث خاص إلى "النهار"، قالت شمعون: "عندما يصبح الفنان ذا شهرة عربية، يكون له أصدقاء ومحبّون أينما ذهب، وهذا أمر أقدّره كثيراً وأشعر به. لكن بالتأكيد، عندما أرى بلدي يحرص على تنظيم مهرجانات بهذا الجمال، شكلاً ومضموناً، يكبر قلبي وأفتخر لكوني لبنانية". وفي سياق إحياء ذكرى انفجار 4 آب، شددت شمعون على ضرورة كشف الحقيقة، قائلة: "نريد الحقيقة". أما عن جديدها الدرامي، فقالت عن مسلسل "سلمى"، إن "شخصية "هويدة"، التي تؤديها فيه، تختلف كلياً عن شخصية "ليلى ضاهر" التي أحبّها الجمهور سابقاً"، مضيفة: "آمل أن يحبّني الناس كما أحبّوني في تلك الشخصية".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store