logo
مشكلة الاقتصاد الأردني إدارية لا مالية

مشكلة الاقتصاد الأردني إدارية لا مالية

السوسنةمنذ 11 ساعات
ليس خافيًا على أحد أن الاقتصاد الأردني يعيش واحدة من أعمق أزماته في تاريخه الحديث، أزمة لا تعود جذورها إلى نقص الموارد أو غياب المال، بل إلى غياب الكفاءة في إدارتهما. فالأردن، رغم محدودية موارده الطبيعية، لم يكن يومًا معدمًا؛ دخلت إليه مليارات من المساعدات العربية والدولية، وتدفقت عليه عوائد الضرائب والفوسفات والبوتاس، ومع ذلك، لم تنعكس هذه الأموال على حياة المواطن ولا على بنية الاقتصاد الوطني. فالمشكلة لم تكن في المال، بل في من يدير المال، وفي الطريقة التي يُدار بها.تُدار الموارد في الأردن بعقلية عاجزة عن مواكبة مرونةالعصر، وبتخطيط يفتقر للرؤية بعيدة المدى، وتنفيذ يُسخّر غالبًا لخدمة الأجندات الشخصية لا الصالح العام. غابت الإدارة الرشيدة، وحلّ مكانها أسلوب الارتجال، وغياب المساءلة، وإعادة تدوير الوجوه ذاتها التي أثبتت فشلها لعقود، في مشهد لا يُعبر عن نقص الكفاءات، بل عن سطوة الشللية والمحسوبية. فحين يُقصى الكفء لصالح القريب أو التابع، فلا عجب أن تُهدر الأموال وتفشل المشاريع، ويتحول الاقتصاد إلى عبء ثقيل على المواطن.وإذا كانت الإدارة السيئة قد أصابت الاقتصاد بالشلل، فإن الفساد كان كالسرطان الذي نخر عظام الدولة. الفساد في الأردن ليس استثناءً، بل قاعدة تغلغلت في المؤسسات، وأصبحت جزءًا من بنية اتخاذ القرار. عقود من المحاباة والفساد المنظم للمال العام، وعشرات المشاريع الفاشلة التي صُممت لتُنهب لا لتُنتج، خلّفت اقتصادًا هشًا، ومجتمعًا منهكًا. يتكرر المشهد ذاته كل مرة: تُمنح العقود لمستفيدين بعينهم، تُمرر الصفقات عبر نوافذ ضيقة، وتُهدر الأموال التي لو أُحسن استغلالها، لتحولت إلى تنمية حقيقية.ووسط هذا كله، يستمر الدين العام في التصاعد حتى تجاوز حاجز الـ60 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 115% من الناتج المحلي. والمأساة لا تكمن في الرقم وحده، بل في أن هذه القروض لم تُستثمر في بنية إنتاجية، بل وُجهت لتغطية رواتب ومصاريف تشغيلية وفوائد ديون سابقة، مما وضع الدولة في دائرة مغلقة من الاقتراض لتسديد فوائد الاقتراض. ولمواجهة هذا العجز المزمن، لم تجد الدولة وسيلة إلا تحميل المواطن مزيدًا من الضرائب والرسوم، في وقت لم يعد فيه المواطن قادرًا على تأمين أبسط ضروريات الحياة. المواطن بات يُعامل كمصدر دخل لخزينة عاجزة، لا كإنسان يستحق حياة كريمة.وما إن يُصبح المواطن هو الحلقة الأضعف في معادلة الاقتصاد، حتى تبدأ الارتدادات الاجتماعية بالظهور. بطالة مرتفعة، خاصة بين الشباب، وشهادات جامعية تذروها الرياح، وهجرة متزايدة للعقول والأيدي العاملة بحثًا عن وطن بديل يوفر ما عجز وطنهم عن تأمينه. والبطالة لم تعد مشكلة رقمية فقط، بل تحولت إلى حالة نفسية جماعية من الإحباط، والشعور باللاجدوى، واليأس من الإصلاح. الشاب الأردني اليوم، لا يبحث عن الرفاه، بل عن فرصة للبقاء بكرامة.وفي هذا المناخ القاتم، يُمعن الخطاب الرسمي في الغياب عن الواقع. يُطلّ المسؤول بتصريح مفصول عن حياة الناس، ليحدثهم عن نمو اقتصادي، وعن خطط مستقبلية واعدة، وكأن الأردنيين لا يعيشون في الوطن ما يعيشونه من غلاء وحرمان. هذه الفجوة بين الدولة ومواطنيها لم تعد تُقاس بالكلام، بل بالشعور العميق بأن الدولة تخلّت عن دورها، أو في أحسن الأحوال، لم تعد قادرة على أدائه. الصدق غائب، والمكاشفة ممنوعة، والشفافية في أدنى مستوياتها، في وقت أصبح فيه الناس بحاجة إلى الحقيقة أكثر من أي وقت مضى.ولأن الكارثة لا تأتي فرادى، فإن تآكل العدالة الاجتماعية بات ملموسًا، حيث تُحتكر الفرص من قبل طبقة صغيرة تستأثر بكل شيء، بينما يُترك الباقون في العراء. اختفت الطبقة الوسطى تقريبًا، واتسعت الهوة بين من يملكون ومن لا يملكون، لا نتيجة لتفاوت طبيعي في الجهد، بل بسبب نظام اداري يُكافئ الولاء لا الإنجاز. هذه الفجوة الطبقية، حين تتعمق، لا تُهدد الاقتصاد فقط، بل الاستقرار السياسي والاجتماعي برمّته.أما البنية التحتية، التي كان يفترض أن تكون المظهر الملموس لأي تنمية، فقد أصبحت شاهدة على غياب الرؤية. شوارع متهالكة، مدارس مكتظة، مستشفيات تعاني نقص الكوادر والمعدات، كلها تُبنى بتمويل خارجي، وكأن الدولة غير قادرة حتى على بناء مدرسة أو إصلاح طريق. الإدارة المحلية فاشلة، إما لأنها مسيّسة أو لأنها فاسدة، والمواطن في الأطراف يشعر أنه مواطن مهمش في وطنه.وإذا كان هذا هو الحال اقتصاديًا واجتماعيًا، فإن الارتدادات السياسية لا بد أن تطرق الأبواب. تآكل الثقة بالمؤسسات، غياب المشاركة السياسية الفاعلة، توسع الفجوة بين الشعب والمسؤل، كلها مقدمات لمشهد لا يتمنى أحد أن يراه. المواطن الذي يفقد ثقته بالدولة، ويشعر بأن حقوقه مسلوبة، لن يبقى ساكنًا إلى الأبد. فكل صمت طويل يُولد انفجارًا.من هنا، فإن إنقاذ الاقتصاد الأردني لا يكون بتغيير وزير أو تعيين باشا أو إطلاق شعار، بل بإصلاح جذري وشامل يبدأ من الإدارة. يجب أن تعود الكفاءة إلى موقعها، ويُفصل القرار الاقتصادي عن الحسابات السياسية الضيقة، وتُحاسب شبكات الفساد بجدية لا بمجاملة. كما يجب وقف الاعتماد على الجباية والاقتراض، وتوجيه المال نحو الاستثمار الحقيقي الذي يُنتج ويُشغل، لا نحو الإنفاق الاستهلاكي الذي يُبدد. المطلوب اليوم إصلاح يُعيد الثقة، ويُعيد للناس إحساسهم بالعدالة، ويُشعرهم أن الوطن لهم لا عليهم.الأردن لا تنقصه العقول ولا الموارد ولا الإرادة الملكية في التوجيه نحو الإصلاح، لكن ما ينقصه فعلًا هو إدارة جديدة، مختلفة، تؤمن بالوطن والمواطن، وتضعهما في مقدمة أولوياتها. فليس المطلوب اقتصادًا ينمو على الورق، بل اقتصادًا يُشبع الناس خبزًا وكرامة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كازاخستان تحتل المرتبة الأولى في قائمة مستوردي الشوكولاتة الروسية
كازاخستان تحتل المرتبة الأولى في قائمة مستوردي الشوكولاتة الروسية

بيروت نيوز

timeمنذ 8 دقائق

  • بيروت نيوز

كازاخستان تحتل المرتبة الأولى في قائمة مستوردي الشوكولاتة الروسية

تبين بعد دراسة للإحصائيات التجارية من مختلف البلدان وبيانات منصة الأمم المتحدة 'كومتريد'، أن روسيا باعت معظم الشوكولاتة في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام إلى أقرب جيرانها. ووفقا للدراسة التي قامت بها وكالة نوفوستي، كانت كازاخستان أكبر مستورد للشوكولاتة من روسيا، حيث بلغت قيمة استيرادها من هذه المادة من روسيا 78.3 مليون دولار خلال الفترة من كانون الثاني إلى نيسان 2025. وتلتها أذربيجان (23.4 مليون دولار)، وأوزبكستان (21.4 مليون دولار)، وقرغيزستان (14.7 مليون دولار)، وجورجيا (8 ملايين دولار). ووفقا لبيانات السنوات السابقة، كان من الممكن أن تكون بيلاروس من بين الدول الرائدة في هذا المجال، إلا أنها لم تكشف عن تفاصيل إحصاءاتها التجارية منذ عام 2022. وشغلت الصين المرتبة السادسة في قائمة أكبر المستوردين للشوكولاتة الروسية، بواردات بلغت قيمتها 7.4 مليون دولار. تلتها أرمينيا بواردات بلغت 5.7 مليون دولار، ثم صربيا بواردات بلغت 3 ملايين دولار، ثم مولدوفا بواردات بلغت 2.4 مليون دولار. وأكملت ألمانيا قائمة الدول العشر الأولى بواردات بلغت 2.1 مليون دولار. وتليها في المراكز الخمسة عشر الأولى الولايات المتحدة (970 ألف دولار)، وإسرائيل (790 ألف دولار)، والمملكة العربية السعودية (426 ألف دولار)، ولاتفيا (418 ألف دولار)، وبلغاريا (355 ألف دولار). ومن بين هذه البلدان، سجل الاهتمام بالشوكولاتة الروسية أكبر نمو في بلغاريا على مدار العام – 4.1 مرة، والسعودية – 1.8 مرة، وكذلك كازاخستان وصربيا وأذربيجان – 1.3 مرة. في المجمل، صدّرت روسيا ما لا يقل عن 170.7 مليون دولار من الشوكولاتة خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، وفقا للبيانات المتاحة. وبحسب معلومات مركز التصدير الزراعي 'أغرو إكسبورت'، التابع لوزارة الزراعة الروسية، بلغت قيمة الصادرات خلال العام الماضي من هذه المادة 850 مليون دولار، بزيادة قدرها 8%. (روسيا اليوم)

أرباح مالية ضخمة تنتظر باريس سان جيرمان وتشيلسي في كأس العالم للأندية
أرباح مالية ضخمة تنتظر باريس سان جيرمان وتشيلسي في كأس العالم للأندية

الوطن

timeمنذ 9 دقائق

  • الوطن

أرباح مالية ضخمة تنتظر باريس سان جيرمان وتشيلسي في كأس العالم للأندية

في ليلة كروية من العيار الثقيل، لا يقتصر التنافس بين باريس سان جيرمان الفرنسي وتشيلسي الإنجليزي على التتويج بلقب كأس العالم للأندية فقط، بل يمتد ليشمل أرباحًا مالية هائلة تضع اللاعبين والإدارات أمام مكافآت تاريخية، إذ يرصد الاتحاد الدولي لكرة القدم جوائز غير مسبوقة، حيث يحصل البطل على 40 مليون دولار، فيما ينال الوصيف 30 مليون دولار. بحسب نظام الجوائز الجديد الذي أقره الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، فإنّ الفريق الفائز بلقب البطولة سيحصل على جائزة مالية ضخمة قدرها 125 مليون دولار، تشمل مكافآت المشاركة والانتصارات في مختلف مراحل البطولة، منها 40 مليون دولار مخصصة للفوز بالنهائي. أما الفريق الوصيف، فسيحصل على 30 مليون دولار كمكافأة نهائية، إلى جانب أرباح أخرى تراكمت خلال مشواره في البطولة، لتصل إجمالي أرباحه إلى أكثر من 100 مليون دولار. تفاصيل مكافآت كأس العالم للأندية على حسب الأداء: - الفوز في كل مباراة بدور المجموعات: 2 مليون دولار - التأهل لدور الـ16: 7.5 مليون دولار - ربع النهائي: 13.12 مليون دولار - نصف النهائي: 21 مليون دولار - النهائي: 30 مليون دولار للوصيف - 40 مليون دولار للبطل.

"عدسة تحت الماء وشنطة مليانة حشيش".. مصور شرم الشيخ يتاجر بالمخدرات
"عدسة تحت الماء وشنطة مليانة حشيش".. مصور شرم الشيخ يتاجر بالمخدرات

مصراوي

timeمنذ 18 دقائق

  • مصراوي

"عدسة تحت الماء وشنطة مليانة حشيش".. مصور شرم الشيخ يتاجر بالمخدرات

جنوب سيناء – رضا السيد: قضت محكمة جنايات جنوب سيناء، اليوم الأحد، في جلستها التي عقدت بمدينة الطور بالسجن المشدد 3 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه، لمصور يتاجر في المواد المخدرة بمدينة شرم الشيخ. وتعود أحداث الواقعة إلى مارس الماضي، بورود معلومات لرجال الأمن بمدينة شرم الشيخ، أن "س. م. ع" 41 عامًا ويعمل مصور تحت الماء، يقوم بالإتجار في المواد المخدرة بالشوارع العامة على نطاق واسع. وأكدت التحريات احتفاظ المتهم بكمية من المواد المخدرة داخل مسكنه، وفي سيارته، وأنه على موعد لتسليم كمية من المواد المخدرة بالقرب من سكنه بإحدى الفيلات بأرض المزاد بمنطقة الهضبة. جرى اتخاذ كافة الإجراءات تم ضبط المتهم، وقامت قوات الأمن بإلقاء القبض عليه خلال من مسكنه، وبتفتيشه وجد بحوزته 13 قطعة كبيرة الحجم لمخدر الحشيش داخل حقيبته، 1000 جنيه، و500 روبل روسي، و755 يورو، و3445 دولار، وبتفتيش السيارة عثر بداخلها على 4 قطع كبيرة الحجم من مخدر الحشيش، وسلاح أبيض "كتر". وبمواجهته اعترف بحيازته للمواد المخدرة بقصد الإتجار، والمبالغ المضبوطة من حصيلة البيع. جرى تحرير محضر بالواقعة برقم 3113 جنح أول شرم الشيخ لسنة 2025، وإخطار جهات التحقيق بالواقعة. وقرر وكيل النائب العام لنيابات أول شرم الشيخ، حبس المتهم 4 أيام على ذمة التحقيق، والتحفظ على السيارة بجراح القسم وإيداع المبالغ المضبوطة خزينة المحكمة. كما جرى إحالة القضية إلى محكمة الجنايات وقيدت برقم 504 جنايات كلى جنوب سيناء لسنة 2025، وبجلسة اليوم قضت محكمة جنايات جنوب سيناء بحكمها المتقدم. وصدر الحكم برئاسة المستشار حسني جمال عليان، وعضوية المستشارين مجدي نبيل شفيق، ومحمد محمود بديوي، وعمر عاصم عجيلة، وبحضور إبراهيم عدلي، وكيل النيابة، ومحمد عبد الستار، سكرتير التحقيق.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store