
تفجير المزة... الغموض يزيد من تعقيدات المشهد السوري
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
تعيش البلاد منذ مطلع العام الجاري، وعلى امتداد جغرافيتها حالا من الإنفلات الأمني، الذي يرخي بظلاله الثقيلة على تركيبة اجتماعية باتت هي الأخرى مثقلة بالكثير. وصفحات السوريين لا تكاد تخلو يوميا، من أخبار القتل والتفجير والخطف، الذي أكد تقرير لوكالة «رويترز» نشرته مؤخرا، بأنه «طائفي وممنهج»، وفي العموم ترسم تلك المعطيات لوحة شديدة السواد لواقع لم يعد يصح توصيفه بالمأزوم فحسب، والشاهد هو أن تقرير «معهد الإقتصاد والسلام IEP»، المعني بتصنيف الدول تبعا لمستوى السلام والإستقرار فيها ومقره اوستراليا، كان قد صنف سوريا من بين أكثر الدول «غير السلمية» على مستوى العالم، وهي احتلت المرتبة 157 من أصل 163.
والجدير ذكره في هذا السياق أن التقرير كان قد اعتبر إن «الإنتقال السياسي في سوريا قد فشل في إنهاء الفوضى الأمنية وسط تحديات هائلة»، وإن البلاد تعاني من «اشتباكات على الحدود، وأزمات إنسانية خانقة، وتدهور الثقة بالمؤسسات».
عصر يوم الثلاثاء 24 حزيران الجاري، كانت شوارع دمشق تشهد تشييعا لشهداء التفجير الإرهابي، الذي طال كنيسة مار الياس في منطقة الدويلعة، الذي تضاربت المعلومات حوله، ولم يحسم الجدل الدائر حول هوية منفذيه ودوافعهم بعد. وفي الساعة 5.17 من ذلك العصر، سمع الدمشقيون دوي انفجار كان مركزه، وفقا للمقاطع المصورة، في الجبل المطل على أوتستراد المزة، وهو على الأغلب من ناحية الطريق المؤدي إلى قصر الشعب. والمقاطع إياها تظهر أن التفجير حدث على ثلاث مراحل متصلة، دونما انقطاع. وقد ذكر مراسل «فرانس برس» أنه «سمع صوت انفجار بينما كان يقود سيارته في ساحة الأمويين وسط دمشق، أي على بُعد لا يقل عن 3 كيلومترات عن مركز الإنفجار. في حين ذكر شهود عيان «سماع دوي انفجارات، وإطلاق نار مجهولة على طريق القصر - مزة فيلات غربية بالقرب من دوار السرايا بحي المزة».
يذكر أن المنطقة كانت على الدوام «منطقة أمنية» بالغة الحساسية، وهي تضم منذ عهد النظام السابق، العديد من المنشآت العسكرية والأمنية، كما كان يقيم فيها قياديون من حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية، وقادة ميدانيون من حزب الله، وإذا كان هؤلاء قد غادروها بالتأكيد بعد 8 كانون أول الماضي، فإن العديد من قادة الحركة ظل مقيما فيها، الأمر الذي يثبته تكرار الإستهداف
لها.
وفي 20 كانون ثاني المنصرم، شن الطيران
غارة «استهدفت أكرم العجوري»، القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي
الدائرة العسكرية» بالحركة، بعد أن كان الأخير نجا من محاولة اغتيال في المنطقة نفسها في شهر تشرين ثاني من العام 2019 وأدت إلى اغتيال ابنه. لكن التوتر الذي شهدته المنطقة، لم تكن مفاعيله ناتجة عن الإستهداف
المتكرر لها فحسب، فبعيد وصول السلطة الراهنة إلى الحكم في دمشق، جرى إبلاغ العديد من الفصائل الفلسطينية بـ«وجوب تسليم سلاحها»، في إطار محاولة ضبط الأمن، وكذلك تماشيا مع نهج «التهدئة مع الجوار»، الذي أعلنت عن أنه يمثل الخيار الأهم لها في سياق تأمين استقرار داخلي، لبلد عانى من حرب مدمرة استمرت لنحو عقد ونصف.
وفي هذا السياق ذكرت مصادر أمنية سورية في 20 نيسان الماضي، أن «السلطات قامت باستدعاء كل من خالد الخالد وأبو علي ياسر ( وكلاهما قيادي بالجهاد الإسلامي)، بغرض التحقيق معهما بشبهة التواصل مع جهات خارجية». في حين ذكر بيان للحركة أن الأمر «كان أقرب للإعتقال منه للإستدعاء»، وقد أشار البيان إلى أن>التوقيت كان بالتزامن مع الزيارة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى دمشق ولقائه بنظيره السوري أحمد الشرع».
كعادتها، تركت السلطة «حبل» الحدث «على غاربه>. وبرغم مرور خمسة أيام عليه، لم تصدر الأخيرة بيانا رسميا يمكن له أن يساعد في تهدئة الشارع، الذي وجد نفسه رهين مناخ يعمل الكثيرون على الإستثمار فيه، بل إن المنابر القريبة من السلطات راحت تبث تقارير متضاربة حول ما جرى. فقد ذكرت وكالة «سانا» في بيان أن الفعل ناتج عن «تفجير مخلفات حرب»، بينما ذكر «تلفزيون سوريا» في تقرير له بأن الإنفجار «ناتج عن تدريبات عسكرية في محيط حي المزة»، والروايتان كانتا إشكاليتان من حيث أن أي من الفعلين كان يتطلب حتما إعلانا مسبقا عن قيام السلطات بأي منهما.
أما الرواية التي يمكن لها أن تكون أكثر واقعية فقد جاءت من «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي رجح في تقرير له بأن يكون ما جرى «محاولة اغتيال لإحدى الشخصيات بالقرب من فيلا رفعت الأسد، التي يسكن بالقرب منها شخصيات أمنية رفيعة»، كما ذكرت قناة الميادين في تقرير لها استنادا إلى مصادر محلية «أن الإنفجار ناتج عن «هجوم اسرائيلي على مواقع في دمشق».
واللافت هنا أن منصة «تأكد»، وهي منصة مستقلة تاسست العام 2016 لـ«مواجهة انتشار المعلومات المضللة» كما تقول، وقد أظهرت على مدى سنواتها التسع قدرا لا بأس به من المهنية والموثوقية، كانت قد صنفت خبر «الميادين» آنف الذكر تحت بند «الأخبار المضللة»، مبررة ذلك بالقول أنها «تواصلت مع المكتب الإعلامي في وزارة الداخلية السورية»، وأن الأخير «نفى حدوث أي غارات اسرائيلية». وهذا بالتأكيد يتنافى مع «المهنية» التي اتسم بها عمل «المنصة»، قياسا لإستناده إلى مصدر وحيد لا يستطيع الخروج عن مرجعياته، التي قالت ما عندها ولم تبد ميلا لأي إضافات عليها .في الوقت الذي أفاد فيه شهود عيان من قدسيا غرب دمشق، في اتصال مع « الديار»، بسماع «أصوات طيران حربي في سماء المنطقة قبل وقت الإنفجار».
من الواضح أن السلطة في دمشق تبدو غير مدركة للمخاطر التي يمكن أن تتولد جراء سياسات التعاطي مع الأحداث، خصوصا تلك التي لها علاقة بالأمن والإستقرار. فالصمت أو المواربة، عدا عن كونهما يفسحان المجال أمام سيل التأويلات والتحليلات، فإنهما في مقلب آخر، يجعلان السلطة بعيدة عن التأثير في تشكيل «رأي عام» داعم لها، الأمر الذي لا تقل أهميته عن أهمية «الأجهزة الأمنية». هذا إن لم يفق تأثير الأول تأثير هذه الأخيرة في مجتمع يبدو أنه دخل منذ وقت، مرحلة «التحطيم الذري» لهيولى خلاياه، تلك المسؤولة عن نهوضه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المدن
منذ 38 دقائق
- المدن
قطر: التعنت الإسرائيلي يعطل المساعدات والنوايا الأميركية إيجابية
أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، أن التعنت الإسرائيلي هو السبب الرئيس في منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مشدداً على أن بلاده لا يمكن أن تقبل باستمرار الربط بين الجانبين الإنساني والعسكري في القطاع، في ظل استمرار الخسائر البشرية التي قال إنها "أصبح من الصعب تقبلها". وأضاف الأنصاري، خلال مؤتمر صحافي، "لا توجد حالياً محادثات بشأن غزة"، لكنه أوضح أن الاتصالات مستمرة للوصول إلى صيغة تتيح العودة إلى المفاوضات، وكشف عن وجود نوايا أميركية جدية للدفع باتجاه استئناف المفاوضات حول غزة، لكنه أشار إلى أن تعقيدات لم يسمّها ما زالت تعيق التقدم. وشدد على أن قطر مستمرة في الضغط من خلال شركائها للفصل بين المفاوضات ودخول المساعدات، مشيراً إلى أن بلاده ترصد لغة إيجابية من واشنطن بشأن الوصول إلى اتفاق. تحركات دبلوماسية إقليمية مكثفة وفيما يخص الملف الإيراني، قال الأنصاري إن هناك انخراطاً قطرياً في جهود التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، مؤكداً أن الجهود مستمرة من أجل التوصل إلى اتفاق أوسع بشأن هذا الملف. ومن المقرر أن يصل اليوم وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية رون ديرمر، إلى البيت الأبيض لإجراء محادثات حول وقف إطلاق النار في غزة، إضافة إلى بحث ملفات إقليمية أخرى، بينها الملف النووي الإيراني وصفقات دبلوماسية محتملة أوسع نطاقاً، في ظل دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إنهاء حرب غزة. ويعقد مجلس الوزراء الأمني المصغر في إسرائيل، اجتماعاً هذه الليلة لمناقشة الخطوات التالية في غزة، بعد اجتماع مماثل جرى أمس الأحد دون التوصل إلى تفاهمات أو قرارات بشأن الحرب، كما نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر فلسطينية ومصرية مطلعة، أن قطر ومصر كثفتا اتصالاتهما مع طرفي الحرب، لكن لم يُحدد موعد بعد لجولة جديدة من المحادثات.


الديار
منذ ساعة واحدة
- الديار
باسيل: الذين يطرحون الغاء الـ6 مقاعد هم الذين يسلبون حقوق الاغتراب
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب اعتبر رئيس 'التيار الوطني الحر' جبران باسيل، أن هناك عملية كذب على المنتشرين وتضليل للرأي العام والناخب يعطي صوتا واحدا اما لنائب بالانتشار او لنائب في الداخل، مضيفاً: نحن نؤمن حقين بموضوع الـ 6 نواب. وقال النائب باسيل من مجلس النواب: طرح الموضوع بـ'معجّل مكرر' وتغييب اقتراحنا هو اجحاف بمناقشة اقتراحنا، لأن هذا القانون فيه خطف أو سلب للست مقاعد.


الديار
منذ ساعة واحدة
- الديار
"إرنا": أكثر من 900 قتيل في إيران خلال الحرب مع إسرائيل
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب قتل 935 شخصا على الأقل في إيران أثناء حربها مع "إسرائيل" التي استمرت 12 يوما، بحسب ما أفاد الإعلام الرسمي الإيراني اليوم، بعد نحو أسبوع على دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ. ونقلت وكالة "إرنا" الرسمية عن الناطق باسم السلطة القضائية أصغر جهانغير قوله "خلال الحرب التي استمرت 12 يوما وشنّها الكيان الصهيوني على بلدنا، تم تحديد هويات 935 شهيدا حتى اللحظة". وتشمل الحصيلة 132 امرأة و38 طفلا.