
مغادرة الأثرياء كلفة باهظة يدفعها البريطانيون
حذر محللون من أن بعض أثرياء بريطانيا ينقلون أموالهم إلى الخارج، مما يضع عبئاً مالياً أكبر على دافعي الضرائب العاديين.
ووفقاً لتقديرات شركة "هينلي أند بارتنرز" المتخصصة في استشارات الهجرة والثروة، من المتوقع أن يغادر نحو 16500 مليونير بالدولار بريطانيا هذا العام، أي أكثر من ضعف عدد المغادرين المتوقع من الصين البالغ 7800 مليونير، وإذا تحقق ذلك، فستتصدر بريطانيا للمرة الأولى منذ عقد قائمة الدول التي تشهد أكبر موجة خروج لأصحاب الثروات.
ويعد التغيير الجذري الذي أدخل في أبريل (نيسان) الماضي، على نظام "غير المقيمين" الضريبي، الذي يعود لقرون، أحد المحركات الرئيسة لهذا النزوح.
في ظل النظام السابق، كان يسمح لنحو 74 ألف أجنبي ثري مقيم في بريطانيا (لكن يعد رسمياً مقيماً في الخارج) بإخفاء أصولهم العالمية عن الضرائب البريطانية مقابل رسوم سنوية تراوح ما بين 30 و60 ألف جنيه استرليني (41.1 ألف دولار و82.3 ألف دولار)، أما الآن، فيجب على أي "غير مقيم" عاش في بريطانيا لأكثر من أربعة أعوام أن يدفع ضرائب على الدخل والأرباح الرأسمالية من جميع أصوله حول العالم.
قد تفرض ضريبة الميراث البريطانية المرتفعة (بنسبة 40 في المئة) على ثرواتهم العالمية إذا أقاموا في البلاد لـ10 أعوام متتالية قبل وفاتهم.
وقدرت الحكومة أن التعديلات على نظام "غير المقيمين" ستدر 12.7 مليار جنيه استرليني (17.4 مليار دولار) على الخزانة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، إلا أن مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال (CEBR) حذر من أنه إذا غادر 25 في المئة فقط من دافعي الضرائب من فئة "غير المقيمين"، فإن المكاسب الصافية للحكومة قد تتلاشى بالكامل.
وإذا غادر نصف هؤلاء الأثرياء بريطانيا، فإن الإيرادات الحكومية قد تنخفض بنحو 12.2 مليار جنيه استرليني (16.7 مليار دولار) بحلول عام 2030، وهو ما يعادل نحو 174 جنيهاً استرلينياً (238.7 دولار) أقل لإنفاقها على كل فرد في البلاد.
"منحنى لافر"
ويخشى الخبراء الآن من أن وزيرة الخزانة رايتشل ريفز، قد تجد نفسها مضطرة لزيادة الضرائب في موازنة الخريف المقبلة، وتجسد هذه المعضلة مبدأ "منحنى لافر"، الذي يشير إلى أن الضرائب المنخفضة جداً تؤدي إلى فقدان الإيرادات، في حين أن الضرائب المرتفعة جداً تثني الناس عن العمل أو الاستثمار، مما يؤدي في النهاية إلى تراجع الحصيلة الضريبية، وتفترض النظرية وجود "نقطة مثالية" تحقق فيها معدلات الضرائب أعلى عائد ممكن لتمويل الخدمات العامة.
وقال جيسون هولاندز من شركة "إيفلين بارتنرز" لإدارة الثروات، لصحيفة "التايمز"، "قد لا يشعر البعض بالأسف على مغادرة الأثرياء للبلاد، لكنني أخشى أن هذه الخطوة سترتد سلباً على الخزانة وسوق العمل".
وبحسب التحليل، لن تقتصر الخسائر على الإيرادات الضريبية التي ستتلاشى مع مغادرة الأثرياء لبريطانيا، بل ستتأثر أيضاً الشركات والجمعيات الخيرية التي تستفيد من إنفاقهم، فالبستانيون والطهاة وعمال النظافة والمطاعم والمسارح وصالات عرض السيارات والفنادق وسوق العقارات جميعهم سيتضررون، مما سيقوض سوق العمل".
"بطاقة بريطانيا"
ويأتي هذا التحذير في أعقاب اقتراح حزب "ريفورم يو كيه" هذا الأسبوع لخطة تعرف باسم "بطاقة بريطانيا" الخاصة بغير المقيمين دوماً.
ووفق المقترح، سيدفع الأجانب الأثرياء رسوماً مرة واحدة قدرها 250 ألف جنيه استرليني (343 ألف دولار) مقابل 10 أعوام من الإعفاء الضريبي على الدخل والأرباح الأجنبية داخل بريطانيا، إضافة إلى إعفاء من ضريبة الميراث.
وقال زعيم الحزب نايغل فاراج إن هذه الرسوم ستخصص لدعم شريحة العاملين بدوام كامل من ذوي الدخول الأدنى، الذين يقدر أن يحصل كل منهم على نحو 600 جنيه استرليني (823.3 دولار).
وأشار هولاندز إلى أن الخزانة باتت تعتمد بصورة متزايدة على الأثرياء في تمويلها الضريبي، ووفقاً لمعهد الدراسات المالية، دفع أعلى واحد في المئة من أصحاب الدخل عام 1978-1979 ما نسبته 11 في المئة من إجمال ضريبة الدخل، أما هذا العام، فمن المتوقع أن يدفع هذا الشريحة نحو 29 في المئة من إجمال ضريبة الدخل.
وأضاف، "مع مغادرة أصحاب الدخل المرتفع والممتلكات الضخمة، ستتأثر الإيرادات الضريبية بصورة كبيرة، وسيتعين على الحكومة مواجهة خيار صعب، إما تقشف جديد، أو وهو الأرجح زيادة الضرائب على بقية السكان".
"السبب الرئيس لرحيلي هو الضريبة"
ألكسندر أموسو الذي نشأ في منطقة كيلبورن شمال غربي لندن، غادر المملكة المتحدة العام الماضي، ويقيم رجل الأعمال، الذي حقق نحو 9 ملايين جنيه استرليني (12.3 مليون دولار) في أوائل الألفية من شركة لنغمات الهواتف المحمولة، يقيم الآن في دبي بدولة الإمارات.
يبلغ أموسو من العمر 50 سنة، ويملك ويدير شركتي "لوكس أفريك"، وهي شركة خدمات فاخرة "كونسيرج"، و"لوكس أفريك بوتيك"، وهي منصة إلكترونية لبيع وتوصيل السلع الفاخرة إلى الأسواق الأفريقية.
وقال أموسو، "أنا شخص ريادي للغاية، وعندما تكون في سوق ما، فأنت تريد أن يكون داعماً لك كرائد أعمال. الضرائب كانت العامل الرئيس."
وأضاف، "أفكر في بيع شركتي خلال الأعوام القليلة المقبلة، وكنت مدركاً تماماً لحجم الالتزامات الضريبية التي سأواجهها عند البيع. لذلك، أردت العثور على مكان يكون أكثر ملاءمة لي كرجل أعمال."
ويحصل أموسو على راتب لم يفصح عن قيمته من شركته، وكان ضمن شريحة الضريبة الإضافية في المملكة المتحدة، إذ يدفع 45 في المئة من ضريبة الدخل على أي مبلغ يتجاوز 125140 جنيهاً استرلينياً (171.72 ألف دولار) سنوياً.
أما في دبي، فهو لا يدفع أي ضرائب على الدخل، كما لا يخضع أيضاً لضريبة الشركات، نظراً إلى أن شركته دولية، فإنه لا يدفع شيئاً على الإطلاق.
ويؤكد أموسو أن الأمر لا يخصه وحده "منذ أن جئت إلى هنا، ألتقي كل أسبوع بشخص أعرفه في دبي. هناك نزوح جماعي هائل."
قال أموسو، "المملكة المتحدة تخسر المواهب. كل من أراهم يغادرون هم أشخاص مثلي، يحبون بريطانيا ويريدون البقاء فيها، لكنك تشعر أن الخيارات المتاحة لك تجعل البقاء أمراً بالغ الصعوبة. في نهاية المطاف، يبدو وكأننا لم نعد نملك خياراً حقيقياً."
لماذا يغادرون؟
ويبدو الاتجاه المتصاعد جلياً، فقد غادر بريطانيا 9500 مليونير العام الماضي، مقارنة بـ200 فقط عام 2023 و1600 عام 2022، وفقاً لبيانات شركة "هنلي أند بارتنرز".
ومع ذلك يشير منتقدون إلى أن هذا العدد لا يزال يمثل نسبة ضئيلة من إجمال المليونيرات بالدولار في بريطانيا، والبالغ عددهم نحو 3 ملايين.
وقال من شركة إدارة الثروات "أوتموست ويلث سليوشينز"، مارك آتشيسون، "للأسف، هذه الأرقام ليست مفاجئة. فمنذ الموازنة الأخيرة وإلغاء الحماية من ضريبة الميراث (IHT) على الأصول الأجنبية، شهدنا هرباً كبيراً للثروات، ولا نزال نلاحظ أن عدداً متزايداً من الأثرياء يدرسون الخيارات الدولية بصورة متكررة."
وخلال فترة تجميد حدود شرائح ضريبة الدخل، من المتوقع أن ينتقل نحو مليوني شخص إلى شريحة ضريبة الدخل البالغة 45 في المئة، التي تطبق على الدخل الذي يتجاوز 125141 جنيهاً استرلينياً (171.72 ألف دولار)، وذلك وفقاً لتقديرات دائرة الضرائب البريطانية (HMRC) التي حصلت عليها شركة إدارة الثروات "كويلتر". في الوقت ذاته، أصبحت الإعفاءات الممنوحة لضريبة الأرباح الرأسمالية (CGT) وضريبة الأرباح الموزعة أقل سخاء بصورة ملحوظة، إذ انخفض الإعفاء السنوي لضريبة الأرباح الرأسمالية من 12300 جنيه استرليني (16.8 ألف دولار) إلى 6 آلاف جنيه استرلينية (8.2 آلاف دولار) عام 2023 ثم إلى 3 آلاف جنيه استرليني (4.1 آلاف دولار) فقط العام الماضي، بينما تراجعت الإعفاءات على الأرباح الموزعة من 5 آلاف جنيه استرليني (6.8 ألف دولار) عام 2017 إلى 500 جنيه استرليني (686.1 دولار) فقط اليوم.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإثر فرض ضريبة القيمة المضافة على رسوم المدارس الخاصة للمرة الأولى هذا العام في جاذبية بريطانيا بالنسبة إلى الأسر الثرية، وفي هذا السياق، وصف الرئيس التنفيذي لشركة "هنلي أند بارتنرز"، يورغ ستيفن، بريطانيا بأنها "قصة تحذيرية في عصر الهجرة العالمية للثروات"، مشيراً إلى أن نزوح الثروات من البلاد كان قيد التشكل منذ أعوام، لكنه تسارع بفعل تغييرات سياسية محورية، مضيفاً أن بريطانيا كانت قبل عام 2016، تجتذب مليونيرات أكثر مما تخسره بسبب الهجرة.
ويقال إن حجم المغادرة دفع وزيرة الخزانة رايتشل ريفز، إلى دراسة عكس سياستها التي أقرت في أبريل (نيسان) الماضي، والتي تخضع غير المقيمين لضريبة الميراث.
ويقصد بمصطلح "non-doms" في بريطانيا بـ"غير المقيمين ضريبياً" أو "غير المقيدين الضريبيين"، وتعني الأشخاص الذين يعيشون في بريطانيا ولكنهم يعدون رسمياً مقيدين ضريبياً في بلد آخر (أي ليسوا مقيمين دائماً في بريطانيا لأغراض الضرائب).
ومن التغييرات الضريبية الأخرى التي أثرت في الأثرياء، تجميد حدود شرائح ضريبة الدخل الذي بدأ عام 2022 وسيستمر حتى عام 2028 في الأقل، مما يعني أن أصحاب الدخول يدفعون ضرائب أعلى كلما زادت رواتبهم، بسبب دخولهم في شرائح ضريبية أعلى.
وتتمتع هذه البلدان بأنظمة ضريبية ملائمة وجودة حياة عالية، كما أن بعضاً منها يقدم برامج "الهجرة الاستثمارية" التي تمنح الجنسية مقابل مساهمات مالية.
أين توجد أدنى الضرائب؟
أما بالنسبة إلى أقل الدول ضرائب، فهناك دول عديدة لا تفرض ضرائب على الدخل الشخصي أو ضريبة الأرباح الرأسمالية أو ضريبة الميراث، وغالباً ما تكون هذه الدول صغيرة أو دول ذات اقتصادات قوية تعتمد على السياحة أو المالية أو الموارد الطبيعية، فعلى سبيل المثال، لا تفرض موناكو والإمارات ضرائب على الدخل أو الأرباح الرأسمالية، ولا تفرض موناكو ضريبة على الممتلكات.
وتقدم بعض الدول الأخرى أنظمة ضريبية قياسية لكنها تتضمن حوافز مغرية للأثرياء، مثل فرض ضرائب ثابتة على الدخل الأجنبي أو إعفاءات محددة، فعلى سبيل المثال، تقدم سويسرا نظام "الضريبة الشاملة" إذ يدفع المقيمون الأجانب المؤهلون، الذين لا يعملون في البلاد، ضريبة تعتمد على نفقات المعيشة بدلاً من الدخل الفعلي والثروة.
وتسمح إيطاليا بنظام "الضريبة الثابتة" الذي يفرض دفعة سنوية محددة (حالياً 20 ألف يورو أي نحو 234.4 دولار) على جميع الدخل الأجنبي لمدة تصل إلى 15 عاماً، بينما تفرض إيرلندا ضرائب على الدخل الأجنبي لغير المقيمين فقط إذا جرى تحويله إلى داخل البلاد.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


حضرموت نت
منذ 39 دقائق
- حضرموت نت
اليمن يشارك في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في إشبيلية
اشبيلية – سبأنت شاركت الجمهورية اليمنية، اليوم، في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، المنعقد في مدينة إشبيلية الإسبانية، بوفد يترأسه سفير اليمن لدى اسبانيا أوس العود. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن المؤتمر يمثل فرصة تاريخية لإصلاح نظام مالي دولي أصبح غير فعال وغير عادل..مشددًا على دوره في تسريع تنفيذ أجندة 2030 للتنمية المستدامة. وفي هذا السياق، تبرز مشاركة اليمن كدليل على التزامها بالانخراط في الجهود الدولية لمواجهة التحديات العالمية، مع التركيز على تلبية احتياجاتها الملحة في مجالات إعادة الإعمار، تعزيز البنية التحتية، وتحقيق التنمية الشاملة. ويجمع المؤتمر، المنظم تحت مظلة الأمم المتحدة، أكثر من 70 من قادة الدول والحكومات، إلى جانب حوالي 4000 ممثل من منظمات المجتمع المدني، المؤسسات المالية الدولية، والقطاع الخاص. ويأتي انعقاد المؤتمر، في وقت يواجه فيه العالم فجوة تمويلية سنوية تُقدر بـ4 تريليونات دولار، بزيادة 1.5 تريليون دولار مقارنة بالتقديرات قبل عقد من الزمن، مما يعرقل تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030. وتعكس مشاركة اليمن حرصها على لعب دور فاعل في صياغة حلول تمويلية مبتكرة، تدعم طموحاتها التنموية وتعزز مكانتها في المحافل الدولية.


حضرموت نت
منذ ساعة واحدة
- حضرموت نت
إعلان جديد للبنك المركزي بعدن
أعلن البنك المركزي اليمني المركز الرئيسي عدن عن إطلاق مزاد رقم (15-2025) لبيع مبلغ 30 مليون دولار أمريكي، وذلك يوم الثلاثاء 8 يوليو 2025. وأوضح البنك أن العطاءات تُقدم عبر منصة Refinitiv الإلكترونية، فيما سيُتيح تقديم العطاءات نيابة عن البنوك غير المتصلة بالمنصة بناءً على طلب رسمي عبر البريد الإلكتروني المخصص. المزاد يبدأ من الساعة 12:00 ظهرًا ويغلق الساعة 2:00 عصرًا في نفس اليوم. واشترط البنك أن تكون العطاءات بمضاعفات الألف دولار، وألا يتجاوز إجمالي عطاءات كل مشارك 30% من قيمة المزاد، مع عدم إمكانية إلغاء أو تعديل العطاءات بعد تقديمها. وسيغطي البنك حسابات البنوك لدى مراسليها الخارجيين خلال يومي عمل من تاريخ المزاد. ووفق بيان البنك، ستُنشر نتائج المزاد في نفس اليوم عبر الموقع الإلكتروني للبنك المركزي اليمني.


المناطق السعودية
منذ ساعة واحدة
- المناطق السعودية
ارتفاع العجز التجاري في تركيا
ارتفع عجز التجارة الخارجية لتركيا بنسبة (2.7%) على أساس سنوي في مايو مسجلًا (6.65) مليارات دولار أمريكي. وأفادت البيانات الصادرة عن معهد الإحصاء التركي، أن الصادرات ارتفعت بنسبة (2.6%) على أساس سنوي إلى (24.82) مليار دولار، وارتفعت الواردات بنسبة (2.7%) إلى (31.46) مليار دولار في مايو.