
السعودية تستقطب 533 مليون دولار في أول تداولات ديون خارج السوق
تم تداول ما يقرب من ملياري ريال (533 مليون دولار) خارج السوق في يونيو، وهو أول شهر كامل تتاح فيه هذه الآلية، بحسب بيانات مجموعة "تداول" السعودية، المشغل الرسمي للبورصة.
أدى نشاط التسوية خارج السوق إلى رفع إجمالي قيمة التداولات في السوق إلى 5.2 مليار ريال، مقارنة بمتوسط شهري بلغ نحو 4.3 مليار ريال خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، بحسب البيانات، وقالت "تداول" إن أكثر من 80% من التداولات خارج السوق شملت مستثمرا أجنبيا.
تطوير الأسواق المالية
أُطلقت آلية التسوية خارج السوق في منتصف مايو، ضمن جهود المملكة لتطوير أسواق مالية أكثر تقدما في إطار رؤية 2030 التي أعلن عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفي العام الماضي، كثفت المملكة جهودها لاستقطاب شركات التداول عالية التردد، وأعلنت عزمها تعزيز الترويج لعروض الاكتتابات العامة.
من جهتها، قالت هيئة السوق المالية إنها تدرس تخفيف القواعد الضريبية على السندات المحلية للشركات، وتتزامن هذه الخطوة أيضا مع تحول الحكومة السعودية إلى مقترض أكثر نشاطاً، سواء داخل المملكة أو خارجها.
خارج نطاق السندات السيادية، بدأت السندات المحلية للشركات تحظى باهتمام أكبر بعد إدراجها ضمن مؤشرات سندات الأسواق الناشئة في السنوات الأخيرة، بحسب تقرير صادر عن "إس آند بي غلوبال" يوم الإثنين.
سلطت "إس آند بي" الضوء على أن هذه الإدراجات، إضافة إلى قانون الاستثمار الجديد الذي أُقر في 2024، يشكلان عوامل إيجابية تدفع بالسوق المحلية قدما، لكنها أشارت إلى أن السيولة ومشاركة المستثمرين الأجانب ما زالت محدودة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 31 دقائق
- الرياض
آفاق جديدة لتحقيق التوازن بين العمل والأسرةتوسيع الفرص الوظيفية للنساء
في عالم يشهد تسارعًا رقميًا غير مسبوق، بات من الواضح أن ملامح سوق العمل لم تعد كما كانت، فالأدوار تغيّرت، والمفاهيم التقليدية بدأت تتلاشى، ليحلّ محلّها نمط جديد من العمل لا يتطلب الحضور الجسدي ولا الالتزام بالمكان، بل يتكئ على التقنية، ويمنح الموظف مساحة أكبر من الحرية والإنتاجية. وسط هذا التحول، برز العمل عن بُعد كأحد أبرز سمات العصر الرقمي الحديث، وفرض نفسه بقوة على الواقعين الاقتصادي والاجتماعي، حتى لم يعد بالإمكان اعتباره مجرد بديل مؤقت أو خيار هامشي. لقد كانت جائحة كوفيد - 19 بمثابة لحظة مفصلية، دفعت المؤسسات في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، إلى إعادة النظر في آليات العمل التقليدية، وتبنّي حلول مرنة تضمن استمرارية الأداء وسلامة الموظفين في آنٍ معًا. وخلال فترة وجيزة، أثبت هذا النمط فاعليته، ليتحوّل من تجربة طارئة إلى نموذج مستدام يعتمد على الانضباط الذاتي، والثقة المتبادلة، والبنية التحتية الرقمية القوية. اليوم، لم يعد السؤال يدور حول إمكانية العمل عن بُعد، بل حول كيفية تعظيم فرصه، وتجاوز تحدياته، وتكييفه مع متطلبات السوق المحلي والعالمي. لقد أفسح هذا النمط المجال أمام فئات جديدة لدخول سوق العمل، وعلى رأسهم النساء، وساهم في إعادة تعريف مفهوم التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية. كما أنه وفّر للشركات أدوات مرنة لتوسيع عملياتها دون الارتباط بقيود المكان. في هذا السياق، تأتي أهمية تسليط الضوء على هذا التحوّل الجذري، واستعراض أبعاده المختلفة من حيث المكاسب والتحديات، والتجارب المحلية والعالمية، والدور الذي تلعبه رؤية السعودية 2030 في تمكين هذا التوجّه وتوسيعه. فالعمل عن بُعد لم يعد خيارًا عابرًا، بل هو أحد ملامح المستقبل ، وقد بدأ هذا المستقبل منذ الآن. ضرورة تتماشى مع إيقاع الحياة من أبرز ما يقدّمه العمل عن بُعد هو المرونة، تلك التي لم تعد مجرد ميزة إضافية، بل ضرورة عصرية تتماشى مع إيقاع الحياة المتسارع. ففي هذا النمط الجديد، لم يعد الموظف مقيدًا بثماني ساعات جامدة خلف مكتب، بل أصبح يملك القدرة على توزيع وقته بما يتوافق مع ذروة تركيزه، واحتياجات يومه، وظروفه الشخصية. هذه المرونة لا تعني الفوضى، بل تعني مساحة أوسع للانضباط الذاتي والقدرة على إدارة الوقت بوعي وكفاءة. ومن زاوية أخرى، فإن هذا النموذج يقدّم توفيرًا حقيقيًا للتكاليف، سواء على الأفراد أو الشركات. إذ تتقلص الحاجة إلى مكاتب ضخمة، وفواتير كهرباء مرتفعة، ونفقات تشغيل متكررة، إضافة إلى الحد من التكاليف المرتبطة بالنقل والتنقل، سواء كانت مواصلات يومية أو تعويضات السفر. حتى الوقت الضائع في زحمة الطرقات تحوّل إلى ساعات إنتاج فعلية. أما على مستوى الأداء، فقد أثبتت التجربة أن العمل عن بُعد قادر على رفع إنتاجية فئة كبيرة من الموظفين، خاصة أولئك الذين يعملون في بيئات تتطلب تركيزًا عاليًا أو إبداعًا فكريًا. ففي بيئة العمل المرنة، تقلّ المشتتات، ويُتاح للفرد أن يصنع روتينه الخاص، ما يفتح المجال أمام جودة أفضل في الإنجاز. ولا يمكن الحديث عن فوائد العمل عن بُعد دون الإشارة إلى أثره الإيجابي على تحقيق التوازن بين الحياة العملية والحياة الشخصية. هذه المساحة التي كانت مغيبة في النمط التقليدي، باتت اليوم عنصرًا أساسيًا في رضا الموظف، وصحته النفسية، واستقراره الأسري. فالعمل من المنزل أتاح للأفراد -خاصة النساء- فرصة الوفاء بالتزاماتهم العائلية دون أن يضطروا للتضحية بطموحاتهم المهنية، إن العمل عن بُعد لم يأتِ فقط ليغيّر طريقة أداء المهام، بل أعاد صياغة العلاقة بين الفرد والعمل، لتصبح أكثر إنسانية، ومرونة، وجدوى. دفع عجلة التوطين الرقمي في المملكة، لم يعد العمل عن بُعد مجرد توجه عالمي، بل بات جزءًا أصيلاً من استراتيجية رؤية 2030، التي تسعى لتحويل سوق العمل إلى نموذج مرن وقائم على الكفاءة الرقمية، فقد حرصت الرؤية على دفع عجلة التوطين الرقمي، واعتُبر العمل عن بُعد أداة فعالة في دمج الكفاءات الوطنية في اقتصادات جديدة تتجاوز الحضور التقليدي. وعلى هذا الأساس، أطلقت وزارة الموارد البشرية منصة رسمية مخصصة لهذا الغرض. فمن خلال منصة العمل عن بُعد يمكن لأصحاب العمل والباحثين عن عمل تسجيل العقود، إنشاء الوظائف، ونشرها، حتى دون الحاجة لشهادات عليا أو مقر عمل ثابت. كما أطلق البرنامج الوطني للعمل عن بُعد كمظلة قانونية رسمية تهدف إلى تعزيز مرونة بيئة العمل، ودعم الكوادر السعودية، لا سيما النساء وسكان المناطق النائية، عبر تسهيل التوظيف الإلكتروني وضمان الحقوق. تغطي مجالات متنوعة مثل المحاسبة، البرمجة، التسويق، والدعم الإداري. بالتالي، يمكن القول إن العمل عن بُعد في السعودية يتطور اليوم من تجربة طارئة إلى خيار استراتيجي، مدعوم برؤية وطنية ومبادرات حكومية واضحة، وانفراج تدريجي في فرص التوظيف الرقمي، خصوصًا للنساء، والكفاءات في المناطق البعيدة، وأصحاب المهارات التقنية. ولم يعد هذا التحول محصورًا في أوقات الأزمات، بل أصبح جزءًا من البنية الحديثة لسوق العمل السعودي، حيث تسعى المؤسسات إلى تبنّي هذا النمط ضمن استراتيجياتها طويلة المدى. وقد ساعدت البنية التحتية الرقمية المتطورة في المملكة، والدعم المؤسسي المتنامي، على توفير بيئة آمنة ومحفزة لهذا النمط من العمل، مما فتح المجال أمام شريحة أوسع من المواطنين للانخراط في سوق العمل من مواقعهم الجغرافية المختلفة. كما ساهم في إعادة تعريف مفهوم الالتزام الوظيفي، حيث بات التركيز موجّهًا نحو الإنجاز الفعلي لا التواجد الفيزيائي. هذا التحول لم يغيّر فقط طريقة أداء الأعمال، بل أسهم أيضًا في تعزيز مفاهيم الثقة، والاستقلالية، والتوازن، وهي عناصر تشكّل حجر الأساس في بناء منظومة عمل مرنة وفعالة، تتماشى مع طموحات المملكة في التحول إلى اقتصاد معرفي رقمي، يُقدّر الإنسان ويستثمر إمكانياته حيثما كان. العمل عن بعد يلبي احتياجات المرأة أحدث العمل عن بُعد تحولًا جذريًا في حياة المرأة السعودية، ففتح لها آفاقًا جديدة لتحقيق التوازن بين العمل والأسرة بطريقة لم تكن ممكنة سابقًا. فقد وجدت المرأة القدرة على أداء مهامها المهنية من منزلها، مما قلّص من التوتر اليومي المرتبط بالتنقل وساعات العمل الطويلة، وأتاح لها فرصة التوفيق بين الإنجازات العملية والالتزامات الأسرية بروحٍ من الراحة والانضباط. كما لعب العمل عن بُعد دورًا محوريًا في توسيع الفرص الوظيفية للنساء في المناطق النائية، حيث أتاح لهن الانخراط في أعمال تقنية أو إدارية دون الحاجة للانتقال إلى المدن الكبرى، أو مواجهة التحديات الاجتماعية المرتبطة بالعمل المختلط أو طول فترات الغياب عن المنزل. وقد تمكّنت عدة آلاف من النساء من الاستفادة من هذا النمط، مستفيدات من بيئة عمل مرنة وتخطيط مجدٍ بأريحية من المنزل، مما أتاح لهن خوض تجارب مهنية نوعية. إلى جانب ذلك، شجّع هذا النمط من العمل العديد من النساء على دخول مجالات جديدة لم يكنّ يعتبرنها متاحة لهن، مثل ريادة الأعمال الرقمية، وخدمة العملاء، والتصميم، وتطوير المواقع، وغيرها من التخصصات التي باتت ممكنة من خلف شاشة صغيرة في ركن هادئ من المنزل. كما ساهم العمل عن بُعد في تغيير نظرة المجتمع لعمل المرأة، فلم تعد وظيفة المرأة عبئًا على الأسرة أو مصدر قلق، بل أصبحت مصدر فخر وإنتاج حقيقي. مما يؤكد أن العمل عن بُعد لم يكتفِ بتمكين المرأة السعودية من الانخراط في سوق العمل، بل أعاد تشكيل مفهوم النجاح الوظيفي الخاص بها، من مجرد امتلاك وظيفة إلى بناء حياة أكثر توازنًا واعتمادًا على الذات، في منزلها، ووفق برنامج زمني تختاره هي، بما ينسجم مع طاقتها واحتياجاتها وطموحاتها. التكنولوجيا شريك استراتيجي لولا البنية التحتية التقنية، لما استطاع العمل عن بُعد أن يتحول من فكرة مرنة إلى واقع ملموس. لقد مثّلت التكنولوجيا الأساس الصلب الذي استند إليه هذا النمط الجديد، وبدونه لظل مجرد حلم تنظيري غير قابل للتنفيذ. التقنية لم تكن مجرد أدوات مساندة، بل كانت محركًا فعليًا لهذا التحول، ابتداءً من الاتصال الآمن بالإنترنت، إلى استخدام أنظمة الحوسبة السحابية، ومرورًا بمنصات الاجتماعات الافتراضية، وبرمجيات تتبع الأداء وإدارة الفرق عن بُعد. فاليوم، يستطيع الموظف أن يُنجز تقريرًا، يُجري اجتماعًا، يُراجع ملفات، أو حتى يُوقّع عقودًا من أي مكان، بفضل سلسلة مترابطة من الحلول الرقمية التي أزالت الحواجز بين 'المكان' و'الإنتاج». وفي السعودية، جاء دعم التحوّل الرقمي ضمن أولويات رؤية 2030، إذ استثمرت الدولة في البنية التحتية الرقمية، وسعت لرفع كفاءة الإنترنت، وتعزيز التحول السحابي في القطاعات الحكومية والخاصة. ولعل إطلاق المملكة للعديد من المنصات الوطنية، مثل 'منصة العمل عن بُعد' و'منصة قوى'، وتوسيع خدمات التوقيع الإلكتروني، وحلول الأرشفة الذكية، يمثل خطوة نوعية لتأهيل السوق المحلي لهذا النوع من العمل. الجانب التقني لم يكتفِ بتمكين الموظف من أداء مهامه، بل أعاد تشكيل ثقافة العمل ذاتها. حيث وفّر بيئة قائمة على الثقة والمساءلة الذاتية، وأوجد نمطًا إداريًا يعتمد على النتائج لا على الحضور. كما عزّز قدرة المؤسسات على قياس الأداء وتحليل البيانات بشكل فوري، مما يرفع من جودة القرارات ويدعم استراتيجيات التوسع والتطوير. إن التكنولوجيا اليوم ليست مجرد وسيلة لإتمام المهام، بل أصبحت شريكًا استراتيجيًا في خلق بيئة عمل ذكية، مرنة، ومستدامة. ومع استمرار هذا التطور، يبدو أن العمل عن بُعد لن يكون مجرد حل بديل، بل أحد أوجه المستقبل الوظيفي الذي تصنعه التقنية، ويقوده الإنسان. بناء ثقافة العمل عن بعد ليس من السهل أن تنتقل المؤسسات من بيئة عمل قائمة على الحضور المادي والمراقبة المباشرة، إلى بيئة تعتمد على المرونة والثقة والنتائج. فنجاح العمل عن بُعد لا يرتبط فقط بالتقنية أو المهارات، بل يتطلب بالدرجة الأولى بناء ثقافة مؤسسية واعية وفعّالة تتواءم مع هذا النمط الجديد من العمل. هذه الثقافة لا تُبنى بين ليلة وضحاها، بل تنمو من خلال فهم عميق لطبيعة الفرق، وإعادة صياغة العلاقة بين الموظف والمؤسسة على أسس جديدة: الثقة، الشفافية، والتواصل المستمر. في بيئة العمل عن بُعد، الوضوح يصبح حجر الأساس. فلا مجال للقرارات الضبابية أو المهام غير المحددة. على المؤسسات أن تضع أهدافًا دقيقة، وتوقعات واضحة، وخططًا مرنة قابلة للقياس. ومع غياب التفاعل اليومي المباشر، التواصل المستمر يتحوّل من خيار إلى ضرورة. الاجتماعات الافتراضية الدورية، والتقارير المرحلية، وتغذية راجعة دائمة، كلها أدوات تضمن بقاء الفريق على نفس الصفحة، وتعزز الإحساس بالانتماء والالتزام، حتى في ظل البعد الجغرافي. أما دور القيادة في بيئة العمل عن بُعد، فهو يتجاوز المفهوم التقليدي للإدارة. القائد اليوم ليس من يراقب الحضور والانصراف، بل من يستطيع أن يلهم من خلف الشاشة، ويخلق روح فريق يشعر كل فرد فيه أنه مسموع، ومؤثر، وذو قيمة. القيادة عن بُعد تتطلب حسًا إنسانيًا عاليًا، ومرونة فكرية، وقدرة على التعامل مع التحديات النفسية والاجتماعية التي قد يمر بها الفريق. فبعض الموظفين قد يشعرون بالعزلة، أو يفقدون الحافز، وهنا يبرز دور القائد كداعم وموجّه، لا كمجرد مدير للمهام، بناء ثقافة عمل ناجحة عن بُعد هو استثمار طويل المدى، لكنه استثمار يثمر بيئة أكثر نضجًا، وفِرقًا أكثر إنتاجية، وأفرادًا أكثر توازنًا وولاءً. إنها ثقافة تنمو بالاحترام المتبادل، وتُروى بالشفافية، وتُزهر حين تكون القيادة واعية بتفاصيل الإنسان قبل العمل. مستقبل العمل عن بعد حين بدأ العمل عن بُعد بالانتشار الواسع، وُصف في البداية بأنه 'حل مؤقت' فرضته الظروف، لا سيما مع تفشي جائحة كوفيد - 19. لكن مع مرور الوقت، ونتائج التجربة التي فاقت توقعات الكثير من المؤسسات والأفراد، بدأت الملامح تتغير ، وما يبدو واضحًا اليوم، أن هذا النمط لم يكن مجرد بديل اضطراري، بل مقدّمة لتحوّل أعمق نحو أنماط جديدة أكثر مرونة وكفاءة، تتلاءم مع متطلبات العصر. ورغم أن بعض القطاعات لا تزال تحتفظ بأولوية التواجد الميداني، إلا أن الاتجاه العالمي يميل نحو العمل الهجين، وهو مزيج يجمع بين مزايا الحضور الشخصي وفوائد العمل عن بُعد. هذا النموذج يتيح للموظف مرونة في اختيار المكان والوقت، ويمنح المؤسسة القدرة على بناء بيئة عمل أكثر توازنًا، تحفظ التفاعل البشري وتحفّز الإبداع، دون التخلّي عن التقنية وكفاءة الإنجاز. وكثير من الشركات الكبرى اعتمدت هذا النموذج رسميًا ضمن سياساتها المستقبلية، مما يعكس تغيرًا استراتيجيًا لا رجعة فيه. ومع تحوّل العمل عن بُعد إلى خيار دائم أو شبه دائم، تظهر الحاجة إلى مهارات جديدة تواكب هذا التطور. لم تعد الشهادات وحدها كافية، بل باتت القدرة على إدارة الوقت، والانضباط الذاتي، ومهارات الاتصال الرقمي، والتكيّف مع بيئات غير تقليدية من أبرز أدوات النجاح المهني. كما أن الإلمام بالتقنيات السحابية، والتعامل مع أدوات التعاون الافتراضي، والوعي بالأمن السيبراني، أصبحت مهارات أساسية لا يمكن تجاهلها في مستقبل الوظائف الرقمية. مستقبل العمل عن بُعد ليس فقط مسألة موقع، بل تحوّل في طريقة التفكير، والإدارة، والإنتاج. إنه يعيد صياغة علاقة الإنسان بعمله، ويمنحه فرصة ليكون أكثر تحكمًا في يومه، ومسؤولًا عن مساره المهني، وشريكًا في رسم ملامح مستقبل الوظيفة الحديثة. مسار مهني مختلف من أبرز التحديات التي يفرضها العمل عن بُعد هو الفصل بين الحياة الشخصية والمهنية، خاصة عندما تتقاطع المساحتان في المكان ذاته: المنزل، ففي غياب الحدود الواضحة بين 'وقت العمل' و'وقت الراحة'، قد يجد الموظف نفسه محاصرًا بتراكم المهام، أو مثقلاً بالشعور المستمر بالذنب إذا ابتعد للحظات عن الشاشة. وهنا تتجلّى أهمية الوعي الذاتي، وتنظيم الوقت، ووضع قواعد واضحة تحمي كِلا الجانبين من التداخل والإنهاك. الفصل هنا ليس انفصالًا قاسيًا، بل تناغم مدروس، يجعل من البيت مكانًا للعمل دون أن يتحوّل إلى مكتب دائم، ويحافظ على طقوس الحياة اليومية دون أن تعيق الإنتاجية. وفي بيئة مثل العمل عن بُعد، يصبح هذا التوازن مسؤولية مشتركة بين الموظف والمؤسسة، من خلال سياسات مرنة، وثقافة صحية، وقيادة تدرك أن الأداء لا يقاس بعدد الساعات، بل بجودة الإنجاز. في خضم هذا التحول الكبير الذي يشهده سوق العمل، يبرز العمل عن بُعد كنموذج لا يغيّر فقط المكان الذي نعمل منه، بل يعيد تعريف كيف نعمل، ولماذا نعمل، ومع من نعمل. لقد أثبتت التجربة أن هذا النمط قادر على فتح أبواب جديدة أمام التوظيف، وتحقيق التوازن، وتمكين شرائح مجتمعية كانت مهمّشة أو بعيدة عن الحضور المادي. وفي السياق السعودي، لم يكن العمل عن بُعد مجرد استجابة مؤقتة، بل خيارًا استراتيجيًا تبنّته الدولة بدعم من رؤية 2030، فوفّرت له بنية تحتية قوية، وإطارًا تشريعيًا مرنًا، ومبادرات ممكنة على مستوى الوطن. يبقى أن نُدرك أن النجاح في هذا المسار لا يتوقف عند توفر الأدوات، بل يبدأ من بناء ثقافة عمل جديدة، وإعادة صياغة العلاقة بين الفرد والمؤسسة، والقدرة على التكيّف الذكي بين متطلبات العصر واحتياجات الإنسان، فالعمل عن بُعد ليس نهاية الطريق، بل هو بداية لمسار مهني مختلف، أكثر حرية، وأكثر مسؤولية، وأكثر إنسانية.


الرياض
منذ 31 دقائق
- الرياض
المقالالقطاع غير الربحي.. نحو تنمية شاملة
تسعى رؤية المملكة العربية السعودية 2030 إلى إحداث تحوّل وطني شامل يرتكز على تنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية المستدامة في شتى القطاعات. ومن بين الأهداف الطموحة التي تبنتها الرؤية، هدف (زيادة مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي من أقل من 1 % إلى 5 %). ويشمل هذا القطاع مؤسسات متنوعة مثل الجمعيات الأهلية، والمراكز الثقافية، والجامعات والمستشفيات غير الربحية، والتي تلعب أدوارًا حيوية في تقديم الخدمات وتعزيز التكافل المجتمعي. ويُعَدّ هذا الهدف خطوة استراتيجية تسهم في تقوية البنية الاجتماعية والاقتصادية للمملكة، إذ يوفّر القطاع غير الربحي فرصًا للابتكار المجتمعي ويشجع على المشاركة المدنية. كما يخفف الضغط عن القطاعين الحكومي والخاص من خلال إسهامه في تلبية الاحتياجات المجتمعية بكفاءة عالية. برأيي، هذا الهدف يحمل دلالة عميقة على نضج التوجه الوطني نحو الشراكة المجتمعية، فتحويل القطاع غير الربحي من كيان محدود التأثير إلى عنصر أساسي في النمو الاقتصادي يعكس فهمًا متقدمًا لدوره في التنمية، وهذا التحول لا يمكن أن يتحقق دون تمكين حقيقي للجمعيات والمؤسسات، سواء عبر التمويل أو التأهيل أو الأنظمة الحاكمة. ومن الملاحظ أن المملكة بدأت بالفعل بتفعيل العديد من المبادرات لتمكين هذا القطاع، مثل تأسيس المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، وتعديل الأنظمة التشريعية لزيادة مرونة عمل الجمعيات. من الجوانب الإيجابية أيضًا أن هناك جهودًا واضحة لتعزيز الحوكمة والشفافية، ما يُعزّز ثقة المجتمع في هذه المؤسسات ويدفع الأفراد ورجال الأعمال للمساهمة فيها. أؤمن أن القطاع غير الربحي قادر على سد فجوات كبيرة في مجالات الرعاية الاجتماعية، والتعليم، والصحة، إذا ما تم دعمه واستثماره بشكل منهجي. وأرى أن تحفيز ثقافة العمل التطوعي وتوجيه جزء من برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات نحو هذا القطاع سيكون له أثر كبير في تسريع تحقيق الهدف المنشود. ولتحقيق هذا الهدف، قامت العديد من الوزارات بدور فعّال في تهيئة البيئة الممكنة. فوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، على سبيل المثال، وضعت استراتيجيات واضحة لتوسيع قاعدة المتطوعين وزيادة عدد الجمعيات، وتيسير إجراءات الترخيص، وتوفير الدعم اللوجستي والتقني. كما بادرت وزارة التعليم بفتح مجالات التعاون مع المؤسسات غير الربحية في البرامج التعليمية والتدريبية. أما وزارة الصحة، فقد بدأت بتوسيع نطاق الشراكة مع المستشفيات غير الربحية، وتطوير نموذج الرعاية القائم على الشراكة مع القطاع الثالث. وقد أحرزت المملكة تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، إذ ارتفعت أعداد الجمعيات والمؤسسات غير الربحية، وزاد عدد العاملين فيها، وتم تسجيل نتائج أولية واعدة في تقارير الأداء الحكومية، تشير إلى أن مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي بدأت في النمو التدريجي. ومع استمرار المتابعة والتقييم ورفع الوعي المجتمعي، يمكن لهذا القطاع أن يصبح ركيزة أساسية في تنمية مستدامة ومجتمع حيوي. وفي الختام، فإن تعزيز مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي يعكس توجهًا وطنيًا ناضجًا نحو تنمية شاملة ومستدامة، ترتكز على تكامل الأدوار بين الحكومة والمجتمع. وما تحقق حتى الآن من خطوات تنظيمية وتشريعية ومؤسسية يبشر بإمكانية الوصول إلى الهدف المنشود بحلول عام 2030. ومع استمرار الدعم والتطوير، سيبقى هذا القطاع محركًا أساسيًا للنمو الاجتماعي والاقتصادي، يعزز من جودة الحياة ويجسد القيم الإنسانية والتكافلية في مجتمعنا السعودي.


الرياض
منذ 31 دقائق
- الرياض
العمل عن بُعد معادلة الحياة والمهنةنسـاء خلـف الشـاشـات
شهدت البيئة المهنية تحولاً كبيراً، حيث أصبح العمل عن بُعد أحد الاتجاهات البارزة التي أثرت بشكل خاص على النساء في مختلف أنحاء العالم، هذا التحول لم يكن مجرد انعكاس للتقدم التكنولوجي فحسب، بل هو استجابة لحاجة ملحة في المجتمعات التي تزداد فيها الضغوط الاجتماعية على النساء، مثل التوفيق بين العمل ومتطلبات الحياة الأسرية، ورغم أن العمل عن بُعد كان في البداية يقتصر على بعض القطاعات والوظائف التكنولوجية، إلا أن الوضع تغير بشكل ملحوظ بعد جائحة كوفيد - 19 التي فرضت على الشركات والعمال تبني هذا النظام بشكل أسرع وأوسع، لقد أتاح العمل عن بُعد فرصاً غير مسبوقة للنساء للاندماج في أسواق العمل العالمية، بحيث لم يعد المكان الجغرافي عائقاً أمامهن، فمن خلال الإنترنت والتقنيات الحديثة، أصبحت المرأة قادرة على الوصول إلى وظائف ومهن تتناسب مع مهاراتها وطموحاتها دون الحاجة إلى التنقل أو مواجهة التحديات التقليدية في بيئات العمل التقليدية مثل التمييز أو قلة الفرص، كما أن العمل عن بُعد قد منح النساء القدرة على تحقيق توازن أفضل بين الحياة المهنية والشخصية، خاصة لأولئك اللاتي يتولين المسؤوليات الأسرية، فهنّ لا يقتصرن على العمل من منازلهن فقط، بل يُمكنهن المشاركة في وظائف متنوعة تمتد عبر مناطق جغرافية واسعة، مما يسهم في تعزيز قدراتهن الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هذا النمو في فرص العمل عن بُعد للنساء لا يخلو من التحديات، فقد تواجه المرأة العديد من الصعوبات، مثل التوازن بين العمل والمنزل، أو التعامل مع الانعزال الاجتماعي أو حتى صعوبة الوصول إلى بعض الفرص التي قد تظل مقتصرة على فئات معينة ومع ذلك، يبقى العمل عن بُعد واحداً من أكثر الأدوات فعالية في تمكين النساء من تحقيق استقلالهن المهني والاقتصادي، ويسهم في توفير بيئة عمل أكثر شمولية. تطور العمل عن بُعد مع تقدم التكنولوجيا وانتشار الإنترنت في العقدين الأخيرين، بدأ مفهوم العمل عن بُعد يتبلور تدريجيًا ليصبح جزءًا أساسيًا من الحياة المهنية اليومية، قبل ظهور الإنترنت والاتصالات الرقمية، كان العمل عن بُعد محصورًا في بعض المهن الحرة أو الأعمال التي تتطلب مهارات متخصصة مثل الكتابة والترجمة. أما اليوم، فإن العمل عن بُعد يشمل العديد من الصناعات والمجالات التي تعتمد على التكنولوجيا مثل البرمجة، التسويق الرقمي، إدارة المشاريع، والدعم الفني في البداية، كان العمل عن بُعد يُعتبر مجرد خيار ثانوي أو حالة استثنائية، لكنه مع مرور الوقت أصبح بديلاً حقيقيًا للنمط التقليدي للعمل في المكاتب. مع التحولات التكنولوجية الكبيرة، أصبح العمل عن بُعد يشمل أكثر من مجرد إرسال رسائل بريد إلكتروني أو إجراء مكالمات فيديو. اليوم، تستخدم الشركات الكبرى برامج متقدمة مثل أدوات التعاون عبر الإنترنت، والتخزين السحابي، وأدوات إدارة الفرق عن بُعد، لتسهيل التواصل وتنظيم العمل بين الموظفين المنتشرين حول العالم،لكن التطور الأبرز في هذا المجال كان بعد جائحة كوفيد - 19، التي أجبرت الشركات على التحول بشكل مفاجئ إلى أنظمة العمل عن بُعد، هذا التحول السريع أظهر للعالم أن العمل عن بُعد يمكن أن يكون ليس فقط خيارًا ممكنًا، بل أيضًا خيارًا فعالًا يعزز الإنتاجية، ويقلل التكاليف، ويوفر مرونة أكبر للعاملين و الآن، يشهد العمل عن بُعد مرحلة جديدة من النمو، حيث تتزايد فرص العمل عبر الإنترنت بشكل ملحوظ، مما يتيح للنساء، على وجه الخصوص، الانخراط في سوق العمل العالمي بسهولة أكبر، دون الحاجة للالتزام بالقيود التقليدية المتعلقة بالموقع أو الوقت. العمل عن بُعد للنساء لقد أثبت العمل عن بُعد أنه خيار مثالي للعديد من النساء حول العالم، حيث يوفر مجموعة من الفوائد التي تعزز من استقلاليتهن المهنية والاجتماعية. في مجتمعات متعددة، لطالما كانت النساء يواجهن تحديات كبيرة لتحقيق توازن بين حياتهن المهنية ومتطلبات الأسرة، وقد جاء العمل عن بُعد ليقدم حلًا مرنًا يمكنهن من التوفيق بين الجانبين ويتيح العمل عن بُعد بعض الفوائد الرئيسة التي يتيحها العمل عن بُعد للنساء منها مرونة الوقت والمكان ويعتبر أحد أبرز الفوائد التي يقدمها العمل عن بُعد هو مرونة الوقت والمكان، حيث أنه لم يعد من الضروري للمرأة أن تلتزم بساعات العمل التقليدية أو التنقل إلى مكاتب الشركات يوميًا. بدلاً من ذلك، يمكنها تنظيم وقتها بشكل يتناسب مع احتياجاتها الشخصية والأسرية. على سبيل المثال، يمكن للمرأة العاملة عن بُعد أن تبدأ يومها في الوقت الذي يناسبها، وتخصص وقتًا كافيًا للعناية بأسرتها أو لممارسة هواياتها. هذه المرونة تتيح لها أن تكون أكثر إنتاجية وأن تشعر بالتحكم في حياتها المهنية، بالإضافة إلى توفير التكاليف، حيث يعد العمل عن بُعد يساعد النساء في تقليل العديد من التكاليف التي قد تكون عبئًا كبيرًا عند العمل في المكاتب التقليدية، ومن أبرز هذه التكاليف هي مصاريف التنقل مثل الوقود أو وسائل النقل العامة، بالإضافة إلى تكاليف الملابس الرسمية التي قد تتطلبها بيئة العمل التقليدية، كما أن النساء اللواتي يعملن من المنزل قد يكتسبن وقتًا إضافيًا يعينهن على إدارة شؤون المنزل، مما يعزز من كفاءتهن الشخصية ويقلل من الضغوط اليومية ويعد التوازن بين الحياة المهنية والشخصية هي واحدة من أهم الفوائد التي يقدمها العمل عن بُعد، المرأة التي تعمل من المنزل يمكنها أن تكون أكثر حضورًا في حياة أطفالها أو أفراد أسرتها، مما يسهم في تحسين نوعية حياتهم الاجتماعية والعاطفية، يمكنها أيضًا التعامل مع المهام المنزلية اليومية مثل تحضير الطعام أو إدارة شؤون الأسرة بشكل أكثر فعالية، دون الشعور بالتضحية بمسيرتها المهنية كما أن العمل عن بُعد يكسر الحدود الجغرافية ويمنح النساء فرصة الالتحاق بوظائف لا تقتصر على بيئات محلية أو محدودة. أصبح من الممكن للنساء العمل مع شركات أو عملاء من مختلف أنحاء العالم دون الحاجة إلى الانتقال أو تغيير مكان إقامتهن، هذه الفرصة تتيح لهن اكتساب مهارات جديدة، وتوسيع شبكات علاقاتهن المهنية، وتعزيز فرصهن في مجالات متنوعة مثل البرمجة، التسويق الرقمي، الاستشارات، والتعليم والكثير من النساء يجدن أن العمل عن بُعد يحسن من إنتاجيتهن مقارنة بالعمل في المكاتب التقليدية. عدم وجود الضغوط الاجتماعية المعتادة في بيئة المكتب، مثل الاجتماعات غير المثمرة أو التشتت الناتج عن زملاء العمل، يتيح للمرأة أن تركز بشكل أكبر على مهامها، كما أن القدرة على تصميم بيئة عمل مريحة وجذابة في المنزل تساعد على تعزيز التركيز والإبداع، مما يؤدي إلى تحسين الأداء العام، ويعتبر العمل عن بُعد يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الأسر والمجتمعات بشكل عام. عندما تتاح للنساء الفرصة للعمل من المنزل، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تقليل الضغط الاجتماعي عليهن، حيث يُمكنهن التفاعل مع أفراد أسرهن بشكل أكبر. كما أن هذا يساهم في تعزيز القيم العائلية والاجتماعية، ويتيح للمرأة المشاركة بشكل أكثر فاعلية في الأنشطة المجتمعية والتطوعية ومن ضمن الفوائد أيضا هو تمكين المرأة اقتصاديًا، من خلال العمل عن بُعد، تصبح المرأة أكثر قدرة على تحقيق الاستقلال المالي، حيث يمكنها كسب دخل إضافي أو حتى تحويل العمل عن بُعد إلى مهنة رئيسية تتيح لها تحسين وضعها المالي دون الحاجة للالتزام بالأدوار التقليدية أو الصارمة في بيئات العمل التقليدية. هذا يمكن أن يكون له تأثير كبير على تمكين المرأة اقتصاديًا وزيادة مشاركتها في النشاطات الاقتصادية بالإضافة إلى تجاوز التمييز الوظيفي حيث أنه في بعض الصناعات، قد تواجه النساء تحديات تتعلق بالتمييز على أساس الجنس أو المساواة في الأجر والترقية، العمل عن بُعد يمكن أن يساهم في تقليص هذه الفجوات، حيث يُركز الأداء والإنتاجية بدلاً من المظهر أو الحضور البدني في المكتب. يمكن للمرأة أن تُظهر مهاراتها وكفاءتها دون الخوف من التمييز أو المعايير الاجتماعية التي قد تفرضها بيئات العمل التقليدية، يوفر العمل عن بُعد للنساء العديد من الفرص التي تساهم في تعزيز رفاهيتهن المهنية والشخصية. ورغم التحديات التي قد يواجهنها، فإن الفوائد التي يتيحها العمل عن بُعد تعتبر عاملاً مهماً في تمكين النساء وتوسيع آفاقهن في عالم العمل الحديث. رغم الفوائد العديدة التي يقدمها العمل عن بُعد للنساء، إلا أن هناك تحديات لا يمكن تجاهلها تؤثر على تجربة العمل وتحد من فعاليته في بعض الأحيان. أحد أبرز التحديات التي تواجه النساء العاملات عن بُعد هو التوازن بين العمل والحياة الأسرية، في كثير من الأحيان، تجد النساء أنفسهن بين مطرقة العمل وسندان المسؤوليات المنزلية. فعلى الرغم من مرونة العمل عن بُعد، قد يُتوقع منهن أن يقمن بأدوار مزدوجة في المنزل والعمل، ما يؤدي إلى ضغوط نفسية وجسدية كبيرة، وجود أطفال في المنزل قد يزيد من صعوبة التفرغ الكامل للعمل، حيث قد يتطلب الأمر منهن التعامل مع مهام متعددة في نفس الوقت، مثل الإشراف على الأطفال أو القيام بالأعمال المنزلية، مما يقلل من قدرتهن على التركيز على العمل، بالإضافة إلى التحدي الآخر الذي يواجه النساء في العمل عن بُعد هو الانعزال الاجتماعي، العمل عن بُعد قد يؤدي إلى شعور بالوحدة والعزلة بسبب غياب التفاعل اليومي مع زملاء العمل، هذه العزلة يمكن أن تؤثر على الصحة النفسية للنساء، حيث يفتقرن إلى الفرص التي توفرها بيئات العمل التقليدية للتواصل الاجتماعي، وتبادل الأفكار، وبناء العلاقات المهنية والشخصية، كما أن النساء قد يشعرن بالعزلة بسبب التحديات التي يواجهنها في مهنهن، خاصة في الصناعات التي يغلب عليها الذكور، مثل مجالات التكنولوجيا والهندسة، أيضا من ضمن التحديات الأخرى التي قد تواجه النساء عند العمل عن بُعد هي التقنيات والأدوات التي لا تكون دائمًا في متناول الجميع، على الرغم من أن العمل عن بُعد يعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا، إلا أن بعض النساء قد يواجهن صعوبة في التكيف مع أدوات العمل الرقمية، مثل برامج التواصل أو إدارة المهام، قد يعاني البعض منهن من نقص في المعرفة التقنية أو عدم توافر الأجهزة الحديثة أو الإنترنت السريع، وهو ما قد يحد من قدرتهن على أداء العمل بكفاءة، إضافة إلى ذلك، قد تكون بعض الأماكن التي تعمل منها النساء غير مجهزة بشكل مناسب، ما يجعل العمل عن بُعد صعبًا وغير مريح، تواجه النساء العاملات عن بُعد أيضًا التمييز الوظيفي، الذي قد يكون أكثر وضوحًا في هذا النوع من العمل. ففي بعض الأحيان، قد يُنظر إلى النساء العاملات عن بُعد على أنهن أقل جدية أو أقل التزامًا مقارنة بالزملاء الذين يعملون في المكاتب التقليدية، هذا التحيز يمكن أن يؤثر على فرصهن في الترقية أو الحصول على زيادات في الأجور أو حتى المشاركة في المشاريع المهمة. رغم أن العمل عن بُعد قد يقلل من بعض مظاهر التمييز، إلا أن النساء قد يعانين من تحديات تتعلق بالفرص الوظيفية على مستوى الشركات، بالإضافة إلى ذلك، يظل المجتمع المحيط أحد العوامل المؤثرة في تجربة العمل عن بُعد للنساء، في بعض الثقافات أو المجتمعات، لا يزال يُنظر إلى المرأة على أنها يجب أن تكون مسؤولة بالدرجة الأولى عن شؤون الأسرة، وهو ما قد يخلق ضغوطًا اجتماعية إضافية على النساء اللواتي يزاولن أعمالهن عن بُعد. قد تواجه بعض النساء أيضًا مواقف اجتماعية تضعف من قدرتهن على الاحتفاظ بوظائفهن عن بُعد بسبب النظرة التقليدية إلى دور المرأة في المجتمع، هذا الضغط الاجتماعي قد يجعل بعض النساء يشعرن بالذنب أو التوتر نتيجة للتوقعات التي يتم فرضها عليهن، بالرغم من هذه التحديات، يبقى العمل عن بُعد خيارًا مميزًا للعديد من النساء، وقد أظهرن قدرة كبيرة على التكيف مع هذه الظروف وتجاوزها. ومع ذلك، فإن تجاوز هذه التحديات يتطلب دعماً أكبر من الشركات والمجتمع، بالإضافة إلى توفير بيئات عمل مرنة تدعم المرأة وتمنحها الفرصة لتطوير مهاراتها وتحقيق النجاح في حياتها المهنية والشخصية على حد سواء. يشهد العمل عن بُعد تطورًا مستمرًا مع تقدم التكنولوجيا وتغيرات سوق العمل، ومن المتوقع أن يزداد تأثير هذا التحول على النساء في المستقبل، ومع انتشار الأدوات الرقمية وتقنيات الاتصال المتقدمة، أصبحت الفرص التي يقدمها العمل عن بُعد أكثر تنوعًا وشمولًا، ما يعزز من قدرة النساء على الانخراط في قطاعات كانت سابقًا مقصورة على المكاتب التقليدية في المستقبل القريب، من المرجح أن يصبح العمل عن بُعد جزءًا أساسيًا من هيكل العمل في معظم الشركات، مع تحول نحو نماذج عمل هجينة تسمح بالمرونة في المكان والزمان، ومن المتوقع أن تشهد السنوات القادمة توسعًا أكبر في الفرص العالمية المتاحة للنساء العاملات عن بُعد، في عالم مترابط تزداد فيه الاعتمادية على الإنترنت، سيكون بإمكان النساء في المناطق النائية أو التي تواجه تحديات اقتصادية الانخراط في أسواق عمل عالمية بسهولة أكبر. هذا التطور سيتيح لهن الوصول إلى وظائف خارج حدود بلدانهن، ما يمنحهن الفرصة لتحسين وضعهن الاقتصادي والمشاركة في قطاعات اقتصادية جديدة، مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وتحليل البيانات، وهي مجالات تحتاج إلى مهارات متخصصة كذلك، مع تزايد الاهتمام بالمرونة في العمل، ستتغير هيكلية الوظائف التقليدية بشكل يعزز التوازن بين الحياة المهنية والشخصية. من المتوقع أن تستمر الشركات في تبني سياسات مرنة، حيث يمكن للموظفين تحديد ساعات عملهم بما يتناسب مع التزاماتهم الشخصية والعائلية. هذا الاتجاه سيُعد بمثابة تعزيز لدور المرأة في سوق العمل، حيث سيمكنها من الحفاظ على حياتها الأسرية، وفي نفس الوقت ستتمكن من تطوير مهاراتها والارتقاء في مسيرتها المهنية، بالإضافة إلى الابتكار التكنولوجي سيكون من العوامل الرئيسية التي ستساهم في تغيير ملامح العمل عن بُعد في المستقبل. تكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزز قد تتيح للنساء تجربة بيئات عمل افتراضية أكثر تفاعلية، ما يسهم في تقليل الشعور بالعزلة وزيادة التفاعل الاجتماعي مع الزملاء والعملاء. هذه التقنيات قد تمنح النساء الفرصة للمشاركة في اجتماعات وورش عمل بشكل أكثر انغماسًا، مما يساعد في تعزيز شعورهن بالانتماء إلى فريق عمل واحد على الرغم من المسافات البعيدة، من جهة أخرى، هناك توقعات بأن المجتمعات والشركات ستصبح أكثر اهتمامًا بالاستثمار في بيئات عمل شاملة وداعمة للنساء. ستُسهم المبادرات الحكومية والتشريعات الجديدة في تسهيل العمل عن بُعد، خاصة في مجالات مثل رعاية الأطفال والتسهيلات الأسرية التي تعزز من قدرة المرأة على المشاركة في العمل دون التأثير على حياتها الشخصية. هذا النوع من الدعم قد يشجع العديد من النساء على دخول سوق العمل، أو العودة إليه بعد فترات انقطاع، كما أن التوازن بين الجنسين في مجال العمل عن بُعد قد يشهد تحسنًا في المستقبل، حيث يُتوقع أن تزداد الفرص المتاحة للنساء في قطاعات كانت تهيمن عليها الرجال سابقًا. تقدم العديد من المنظمات اليوم برامج تدريبية ودعماً متخصصاً للنساء في المجالات التقنية والعلمية، ما قد يزيد من فرصهن للمنافسة والابتكار في هذه المجالات،. بالمجمل، يشير المستقبل إلى أن العمل عن بُعد سيستمر في النمو، وسيكون له تأثير كبير في تحسين مشاركة المرأة في الاقتصاد العالمي. كما سيساهم في خلق بيئة عمل أكثر مرونة وداعمة للنساء، حيث يمكنهن بناء مسارات مهنية ناجحة بينما يحققن التوازن بين حياتهن المهنية والشخصية. يظهر العمل عن بُعد كأداة قوية تسهم في تمكين النساء وتوفير فرص جديدة لهن في عالم العمل الحديث، بفضل التقدم التكنولوجي وتزايد الاعتماد على أدوات الاتصال الرقمية، أصبح بإمكان النساء الاندماج في أسواق العمل العالمية دون الحاجة إلى التنقل أو الالتزام بساعات عمل ثابتة هذه المرونة ليست فقط في التوقيت والمكان، بل أيضًا في النوعية، حيث أتاح العمل عن بُعد للنساء تحقيق توازن أفضل بين حياتهن المهنية والأسرية، مما يساعدهن في مواجهة التحديات التقليدية التي قد تعيق تقدّمهن في بيئات العمل التقليدية، ومع كل هذه الفوائد، تظل هناك تحديات عديدة لا يمكن التغاضي عنها، مثل التكيف مع التقنيات الحديثة، العزلة الاجتماعية، وضغوط التوازن بين العمل والأسرة. لكن مع زيادة الوعي حول أهمية تقديم الدعم المناسب للنساء العاملات عن بُعد، سواء من خلال تطوير بيئات عمل أكثر شمولية أو توفير برامج تدريبية ومساعدات تقنية، يمكننا التطلع إلى مستقبل يكون فيه العمل عن بُعد خيارًا جذابًا ومستدامًا للنساء، المستقبل يبدو واعدًا، حيث ستستمر الشركات في تعزيز سياسات العمل عن بُعد التي تتسم بالمرونة، وستواصل المجتمعات العمل على توفير بيئات داعمة تسهم في زيادة مشاركة النساء في مختلف المجالات الاقتصادية في النهاية، يظل العمل عن بُعد أداة هامة في تمكين النساء، وتحقيق التوازن في حياتهن، ومساعدتهن على التفاعل مع عالم العمل المتغير والمتسارع، ما يمكّنهن من التفوق والنجاح في مسيرتهن المهنية.